إلى أين تتجه الولايات المتحدةالأمريكية فى ظل قيادة ضعيفة، كل ما تسعى إليه هو بدء حرب باردة جديدة ضد الصين، حتى لو كان الثمن هو سقوط الهيمنة الأمريكية ؟ هذا هو السؤال الأكبر الذى تداولته الصحف الأمريكية مع إعلان الكونجرس الأمريكى قبل أيام مناقشة توسيع تحالف «العيون الخمس» الاستخباراتى ليشمل ألمانيا واليابان وكوريا والهند. بينما أجاب صحفيون ومحللون أن قدرة الإدارة الأمريكية أصبحت لا ترتقى إلى مستوى طموحاتها، وهو ما سيثير شكوك حلفاء أمريكا حول قدرتها المستقبلية للتعامل مع خصومها. وبدأ مجلس الشيوخ الأمريكى مناقشة مشروع قانون تفويض الدفاع الوطنى للسنة المالية المقبلة قبل تمريره، لكن المشروع الذى يستهدف تمويل الأنشطة العسكرية الأمريكية العام المقبل، والذى أثار الجدل بتضمنه بنداً اقترحه النائب الجمهورى آدم سميث والديمقراطى مايك روجرز، ودعمته اللجنة الفرعية للقوات المسلحة فى مجلس النواب التى يرأسها الديمقراطى روبين جاليجو. ويدعو البند إلى توسيع دول العيون الخمسة التى تتعاون استخباراتياً لتشمل أربع دول أخرى هى ألمانيا واليابان وكوريا الجنوبية والهند كما لو أنه أشعل النار فى الأوساط الأمريكية بين ساسة ومحللين استراتيجيين. هجوم الصحافة هاجمت صحيفة «جلوبال تايمز» عضو الكونجرس الديموقراطى روبين جاليجو، الذى دعا إلى توسيع تحالف العيون الخمس ليضم «الولايات المتحدةالأمريكيةوبريطانياوكندا وأستراليا ونيوزيلندا» دعما لزيادة قدراته على مراقبة الصين كما قال جاليجو، فى حين قالت الصحيفة إن فكرته أظهرت فقط جهل وحماقة أمثاله، الذين يتلاعبون بالاستراتيجيات الدولية دون قدرة على الفهم أو التنبؤ. وأضافت الصحيفة أن «النخبة الأمريكية المسيطرة على دوائر القرار بواشنطن، جاهلون بالسياسات الدولية ويصدرون قرارات عشوائية دون إدراك لحجم العواقب الوخيمة التى ستلحق بمستقبل أمريكا إذا تم انضمام ألمانيا واليابان وكوريا الجنوبية والهند للعيون الخمس». من جانبه أوضح جاليجو فى منتدى «نيكستجوف» للأمن القومى، أن الولايات المتحدة تحتاج إلى توسيع نطاق الاتفاقية الاستخباراتية بحيث لا تقتصر على الدول الناطقة بالإنجليزية، مؤكداً ضرورة تجنب العوامل الثقافية التى ترفض مشاركة المعلومات مع دول آسيوية. ويأتى اقتراح توسيع تحالف «العيون الخمس» فى الوقت الذى تتطلع فيه بكين إلى تايوان وتتجه نحو روسيا فى حين يرى الداعمون لتوسيع البرنامج الأمريكى أن تحالفهم أصبح فى بحاجة إلى مساعدة اليابان، التى ستكون العين السادسة، رغم تجنبها على مدى عقود المواقف العسكرية، ولكن لديها الآن سبب للخوف من تهديدات الصين لتايوان. فى بكين عبرت الصين عن استيائها من أنباء اتساع تحالف العيون الخمس، فأصدرت بكين تحذيراً شديد اللهجة، قالت فيه: «بغض النظر عما إذا كانت لديهم خمس عيون أو عشر عيون، إذا تجرأوا على المس بسيادة الصين وأمنها ومصالحها التنموية، فليحذروا العمى». ووفقًا ل«واشنطن بوست» الأمريكية، أدخلت شركة جاليجو تعديلاً فى قانون تفويض الدفاع الوطنى لعام 2022 لتحديد الفوائد والمخاطر لإضافة اليابان وكوريا الجنوبية والهند وألمانيا إلى شبكة العيون الخمس الاستخباراتية، وتحويلها إلى «العيون التسع». الصيد الثمين فى الوقت الذى تسعى فيه ألمانيا للانضمام إلى برنامج العيون الخمس الأمريكى، تعود بالذاكرة المرة الأولى التى ذُكِر فيها هذا التحالف على الساحة العالمية، قبل سنوات حينما انتشرت أنباء تفيد بأن وكالة الأمن القومى الأمريكية قامت بالتنصت على هاتف المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل لأكثر من 10 سنوات، وهو ما تسبب فى صدمة هائلة فى المجتمع الألمانى. وتتساءل الصحف الأمريكية ساخرة الفترات الماضية «ما الذى يمكن أن تفكر فيه برلين عندما تضيفها واشنطن رسميًا إلى شبكة تجسس عالمية؟ قد يبدو الأمر وكأنه دعوة إلى مجتمع الاستخبارات الألمانى: انضم إلينا ودعنا نتجسس معًا على قائدك الأعلى!». وأشارت الصحافة الأمريكية إلى أن ألمانيا تحاول تحقيق التوازن بين الصين واليابان مع الحفاظ على علاقاتها بالصين بما يخدم مصالحها، لكنها لن تساعد واشنطن فى حربها مع بكين وتعرض نفسها للمخاطر. وفيما يخص انضمام كوريا الجنوبية إلى تحالف الجاسوسية العالمى، فإن الولايات المتحدةالأمريكية تسعى للحصول على معلومات استخباراتية من كوريا الجنوبية، ولكن المؤيدين للمشروع الأمريكى يرون أن الولايات المتحدة قادرة فى الوقت نفسه على عدم السماح لكوريا بالحصول على معلومات سرية منها وهو الأمر الذى وصفته الصحافة الأمريكية مؤخرا باللطيف. نفس الشيء مع اليابان، فإذا تم انضمام اليابان إلى العيون الخمس، ستسعى طوكيو للتفاوض مع واشنطن لتخفيف سيطرتها على دستور اليابان، فستظل اليابان تلعب دور الابن المطيع، حتى تهدأ الضغوط الأمريكية عليها، ويزول خطر التوغل الصينى فى تايوان، ومن ثم تُعيد اليابان تمركزها وتتخلص من الهيمنة الأمريكية. غضب فى آسيا وعن مخاطر انضمام الهند ل«العيون الخمس»، قالت ذا تايمز الأمريكية إن مشاركة نيودلهى بالتحالف العالمى سيضر بالضرورة بالعلاقات الأمريكية الباكستانية حيث تحاول إسلام أباد تنسيق رد إقليمى على التهديد الإرهابى الأفغانى المتزايد. وإذا انضمت الهند إلى «العيون الخمس»، فهذا سيؤثر بدوره على موقف باكستان من طالبان، ومن الممكن أن ترد إسلام أباد بإضفاء الشرعية على الحكومة الجديدة فى كابول وإدخال طاجيكستان وتركمانستان وأوزبكستان والصينوروسيا وإيران وربما دول أخرى لدعم موقفها. و«العيون الخمس» هى شبكة غير رسمية تربط المنظمات الاستخباراتية حول العالم فى إطار تحالف يتكون من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأستراليا وكندا ونيوزيلندا. بدأ عمل هذا التحالف خلال الحرب العالمية الثانية، حيث كانت أوروبا مهددة من جيش ستالين الروسى الأحمر، لذا تعاونت بريطانياوأمريكا فى اتفاقية استخباراتية عام 1946 قبل أن تنضم لهما كندا عام 1948، وأستراليا ونيوزيلندا عام 1956، وظلت تلك الاتفاقيات سرية حتى 2010. وطوال فترة الحرب الباردة بين الولايات المتحدةوروسيا قبل انهيار الاتحاد السوفيتى كانت العمليات الاستخباراتية السرية شائعة. ما جعل تحالف العيون الخمس بحاجة إلى تبادل المعلومات الحساسة المتعلقة بالخصوم على جميع الجبهات الممكنة. وعمل التحالف على مراقبة المحيطات وجمع المعلومات، واستخدموا برنامج «إيكيلون»، السرى يجمع ويحلل المعلومات الاستخباراتية منذ الستينيات، ومراقبة الاتصالات العسكرية والدبلوماسية. وشاركت طوكيو فى تبادل معلومات عسكرية سرية مع واشنطن، خلال الصراع الصينى- السوفياتى عام 1969 وخلال الغزو السوفياتى لأفغانستان عام 1979. ولكن مع اندلاع الحرب التجارية بين الصينوأمريكا فى عهد الرئيس السابق دونالد ترامب عام 2019، قال إن تصاعدات تهديدات الصين لدول العيون الخمس هو ما أدى إلى دعوات لتوسيع العيون الخمس تعاونها غير الرسمى مع دول مثل ألمانيا واليابان، ما يعنى أن غالبية المعلومات الاستخباراتية التى يتم جمعها حول العالم ستتركز على الصين. وسبق وكشفت تسريبات عام 2013 وأحدثت جدلا دوليا عن اتساع نشاط «العيون الخمس» ليشمل العيون التسع وال14 التى تضم ألمانيا وفرنسا وبلجيكا وإيطاليا والسويد وإسبانيا والدنمارك وهولندا والنرويج، مع مشاركة غير رسمية لإسرائيل وسنغافورة واليابان وكوريا الجنوبية. والعيون الخمس ليست مجرد اتفاقية لتبادل المعلومات الاستخبارية إنما هى تتضمن أيضا اتفاقيات أخرى تقضى بعدم تجسس الدول الأعضاء على بعضهم، ولكن هناك معارضين للتحالف يرون أن توسيع العيون الخمس يعنى فرصاً أكبر لخصوم الولايات المتحدة لمعرفة أسرارها، وسبق أن اخترقت المانياالشرقية خلال الحرب الباردة، أجهزة الاستخبارات الألمانية الغربية، وجندت نحو 6000 عنصر قبل انهيار جدار برلين.