بعنوان "القوي السياسية والأحزاب.. إلي أين تتجه؟" عقدت ندوة ضمن فعاليات مؤتمر "مصر تتغير"، الذي تنظمه مكتبة الإسكندرية، شارك بها نخبة من المثقفين والباحثين والسياسيين، ومجموعة من الشباب. قال الشاعر عبد الرحمن يوسف عضو الجمعية الوطنية للتغيير، في الجلسة التي أدارها الدكتور سامح فوزي، نائب مدير منتدي الحوار بمكتبة الإسكندرية: كان للأحزاب دور كبير في ثورة 25 يناير، ولكنه كان دورا سلبيا ممالئا للسلطة، كما أن دور منظمات المجتمع المدني خلال الفترة الماضية كان غامضا، إن لم يكن خادما للسياسات التي كانت سائدة سابقا. وتوقع يوسف أن تتغير الخريطة السياسية تغييرا جذريا خلال الفترة القادمة، كما توقع عدم انضمام عدد كبير من الشباب الذي شارك في الثورة للأحزاب، التي وصفها بأنها كانت جزءا من المسرحية السياسية، حتي وإن أعادت صياغة نفسها، واستثني منها الأحزاب التي كانت تحت التأسيس. وأكد يوسف أنه متفائل بنجاح الثورة في الحفاظ علي مكتسباتها، نظرا لما لمسه من حسن نوايا المجلس الأعلي للقوات المسلحة، الذي وقف بحزم ضد "مجانين الغرف المغلقة"، الذين أرادوا قمع المتظاهرين بجميع السبل الممكنة. ورغم تأكيده أنه لا يؤمن بالثورة المضادة، حذر من وجود شبكة مصالح متشابكة ومجموعة من المنتفعين مع النظام السابق، سيدافعون عن مصالحهم بكل قوة، كما حذر من الانقسامات الداخلية في قلب الثورة نفسها. من جانبها، قالت الدكتورة أماني قنديل الباحثة في مجال العلوم السياسية والمتخصصة في شئون الأحزاب: هناك الكثير من المراجعات التي تتم علي صعيد منظمات المجتمع المدني والأحزاب، التي كان الرهان منصباً عليها للدفع باتجاه التغيير، إلا أن الكتابات حاليا تشير إلي سقوط هذا الرهان، إذ إن الفاعلين الرئيسيين في الثورة كانوا خارج جميع الأطر التنظيمية. ونددت في ردها علي مداخلات الحضور بمن يتحدثون بكثرة عن التضحيات الكبيرة التي قدموها من أجل الثورة، مشددة علي أن القضية الرئيسية حاليا هي السعي لإيجاد توافق علي أهداف ورؤي مستقبلية، إضافة إلي التركيز علي الثقافة المصرية التي تأثرت علي مدار أعوام كثيرة بممارسات سلبية انتقلت إلي الحياة السياسية والاجتماعية. ومن جانبه تحدث الدكتور ناجح إبراهيم عضو مجلس شوري الجماعة الإسلامية أن النظام السابق كان يتعمد تشويه صورة الإسلاميين، وإحداث فتنة بين أبناء الوطن، وهو ما فضحته أحداث 25 فبراير حيث كان المسلمون يحمون في ذروة الانفلات الأمني الكنائس. وأشار إلي أن الجماعة الإسلامية كانت قد تخلت عن العنف منذ عام 1997 نتيجة للمراجعات التي قامت بها، مؤكدا أنهم لا يسعون للوصول إلي الحكم، وإنما يبتغون الدعوة إلي الله. وألمح في هذا الإطار إلي أن الجماعة الإسلامية تنادي بالدولة المدنية، دولة المؤسسات التي تعطي الحقوق في إطار من العدالة، والتي يختار فيها الناس الحاكم الذي يمثلهم، والتي تكون فيها الأمة هي مصدر السلطات، مضيفا أن هذا لا يمنع أن يكون لها خلفية وهي في حالة مصر الحضارة الإسلامية، واستنكر دعوات بعض المشاركين في المؤتمر الجماعة الإسلامية بإعلان موقفها الصريح من ترشح الأقباط للرئاسة، قائلا إن الدستور يسمح لأي مصري بالترشح للمنصب. من جانبه، استنكر عصام شيحة عضو الهيئة العليا بحزب "الوفد" الهجوم الشديد الذي تتعرض له الأحزاب التي كانت قائمة في عهد النظام السابق، قائلا إنها تتعرض لظلم شديد، ولكنه أقر أيضا بضعف تلك الأحزاب، مرجعا ذلك إلي المناخ العام الذي تواجدت به وقانون الطوارئ وحالة الحصار التي كانت تواجه بها من قبل النظام السابق، أو بسبب ظروف نشأتها ذاتها، واستدرك بأن حميع تلك المعوقات لا تعفي الأحزاب من استكانتها لها وعدم مواجهتها بقوة. ونبّه شيحة إلي أنه لو تم إجراء الانتخابات البرلمانية قبل الرئاسية فإن الحزب الوطني سيحصل علي عدد كبير من المقاعد، محيلا ذلك إلي وجود 52 ألفا و600 عضو تابع للحزب الوطني في المجالس المحلية، إضافة إلي رجال الأعمال المؤيدين للحزب، وأوضح أن الآمال معقودة علي استمرارية الثورة إلي حين تشكيل مجلس تأسيسي لوضع دستور جديد للبلاد، وتغيير قانون الانتخابات، منوّها إلي أنه إذا لم تعد الأحزاب القائمة صياغة نفسها وتعمل علي تجديد نفسها، ووضع رؤي وعمل مصالحة مع وطنية مع الشعب، فلن يتقبلهم أحد. وأشار شيحة إلي أهمية أن يسجل الناخبون أنفسهم في الجداول الانتخابية قبل يوم 9 مارس، منبها إلي أن التصويت بالرقم القومي لا يعني أن الكشوف الانتخابية قائمة علي بيانات الرقم القومي، وشدد في هذا السياق علي ضرورة تحديث الجداول الانتخابية، وأن تكون وفقا لبيانات الرقم القومي، كما دعا للإشراف القضائي الكامل علي الانتخابات، وطالب بعقد الانتخابات من خلال القائمة النسبية وبانتخاب المحافظين وحل المجالس المحلية وتطبيق اللامركزية. وفي جلسة مسائية عقدت في اليوم نفسه، أكد اللواء سيف سامح سيف اليزل الخبير الاستراتيجي ورئيس مركز الأبحاث الأمنية، أن الجيش المصري لن يبقي أكثر من شهرين في توليه تيسير الأمور، وسوف يعود لمكانه، مؤكدا حدوث تغيرات جذرية في جهاز مباحث أمن الدولة، لأنه ليس من المعقول أن يقوم الجهاز بالحصول علي المعلومة والقبض علي المتهمين في نفس الوقت، ويجب أن تنحصر مهامه في المعلومة، ويترك المهام الأخري لجهاز آخر. وشدد علي ضرورة تغيير جذري في أسلوب جهاز الشرطة، وشكله، وأعداد أفراد الأمن المركزي، الذي يصل عدده أكثر من مليون فرد، حتي يتمكن من العودة للقيام بمهامه. وقال الصحفي أحمد الجمال إن ثورة 25 يناير ليست لقيطة، ومصر ليست عقيمة ولكن لها تاريخاً طويلاً من الديمقراطية، وحذر من أن عملية الاختراق الإسرائيلي أكدها امتناع كل من مبارك وعمر سليمان علي تصريح رئيس الوزراء الصهيوني أن "مبارك كنز استراتيجي لإسرائيل". وأضاف الدكتور حسن أبو طالب الباحث بمركز الدراسات الاستراتيجية بالأهرام أن هناك تخوفات من قيام دولة دينية غير مدنية، مؤكدا أن الشعب يريد دولة مدنية بمؤسسات متوازنة تراعي العدالة الاجتماعية، وتؤمن بالحرية، والكرامة لكل مواطن. وخلال فعاليات اليوم الثاني عقدت المكتبة ندوة بعنوان "الوطن العربي يتغير"، بالتعاون مع هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"، أكدت فيه فادية القاسمي المديرة التنفيذية لبرنامج نادي اليونسكو، والناشطة في مجال حقوق الإنسان بتونس، أن الثورة التونسية اندلعت نتيجة تراكمات كثيرة عاني خلالها الشعب التونسي مرارة القمع والاستبداد من قبل الحزب الواحد، وافتقد أسس العدالة الاجتماعية رغم ارتفاع مستوي التعليم وبلوغ نسبة التشغيل 44.9%، مشيرة إلي أن الشعوب العربية لا تبحث فقط عن إصلاحات دستورية أو انتخابية، إنما تضطلع لتغييرات شاملة، وأول هذه التغييرات تجاوز أزمة الثقة بين الحكومات والشعب، وكذلك بين الأحزاب المعارضة التي كثيرا ما تظهر بمعزل عن الطموحات الشعبية، ولفتت إلي ضرورة تغيير شامل لمختلف القيادات خاصة، وأن غالبيتهم تتجاوز أعمارهم ال60 عاما. نريد برنامجاً عربياً فعالاً تجتمع شعوب المنطقة العربية تحت مظلته كما نجحت اوروبا في لم شمل بلدانها من خلال الاتحاد الأوروبي الذي عمل علي تفعيل برامج ثقافية وزيارات متبادلة استهدفت طبقة الشباب. ووصف الدكتور خالد عزب مدير وحدة الإعلام بمكتبة الإسكندرية والمشرف علي مشروع "ذاكرة مصر المعاصرة" امتداد فترة حكم الرئيس مبارك 30 عاما بالأمر المستفز للشعب المصري، خاصة أن الرئيس السابق كان يدير شئون البلاد بضبابية شديدة، وأكد أن وعود الرئيس مبارك بإجراء إصلاحات جاءت بعد فوات الأوان، حيث كان الرئيس قد فقد شرعيته خاصة بعد تزوير الانتخابات، مما كان يلزم معه إسقاط النظام. ولفت عزب إلي أن الثورات العربية ليست ترجمة لاصطلاحات الفوضي الخلاقة والشرق الاوسط الجديد التي روجت لها وزير الخارجية الأمريكية السابقة كونداليزا رايس وإنما هي نتاج لانتشار الوعي الثقافي في مصر وارتفاع مستوي التعليم بين أبناء الطبقة المتوسطة خاصة أن غالبية شباب الثورة كانوا يمثلون طلاب الجامعة الأمريكية فضلا عن الخلفية التوعوية التي تبثها القنوات الفضائية عبر برامجها. ونفي بشدة أن تكون قوي خارجية ضالعة وراء هذه الثورات، لافتا إلي أن هذه القوي لديها مصالح مشتركة مع المنطقة العربية، باتت مهددة بالانهيار، وأكد عزب علي ضرورة وجود منظومة عمل عربية مشتركة من خلال إعادة هيكلة جامعة الدول العربية. وتحدث عن عملية التصويت في الجامعة العربية مؤكدا ضرورة أخذ أصوات الأغلبية من الدول ذات الكثافة السكانية العالية مثل: مصر والجزائر وسوريا، رافضا أن تتم المقارنة في هذا الإطار بين دولة مثل مصر ذات المساحة والكثافة العالية، ودولة صغيرة مثل قطر. وأوضحت صفاء الطيب، ناشطة اجتماعية ومنسقة نادي الجنوب للتنمية المستدامة بالسودان، خصوصية السودان بعد عملية الاستفتاء التي حولت البلاد لدولتين مشيرة إلي تأخر التغيير إلا أن بوادره بدأت تظهر يوم 30 يناير مع خروج مظاهرات لم تمثل تيارا سياسيا بعينه، وأكدت الطيب أن الدول العربية كافة تعاني أوجه فساد علي كافة المستويات لافتة إلي أن السودان لديها قيادات شبابية متميزة، لكنها بحاجة لفرصة، لذا لابد من تراجع الحكومات عن العمل وفق نهج إقصاء وإبعاد الأصوات المعارضة.