"عيد الأم"، احتفالية أو مناسبة أو حسبما نطلق عليه في يوم الحادى والعشرون من مارس كل عام، سواء أتفقنا أو اختلفنا حول المرجعية الدينية لذلك اليوم، إلا أنه يحتفل فيه البعض بالأم كل على طريقته، ولكن الاحتفالات والهدايا لم تشفع لأمهات وقعن في براثن الظروف، اختلفن في الأفعال ولكن أتفقن في شيئ واحد وهو غياب من يعولهن ..."ولاد البلد" التقت نماذج لأمهات خارج الحسبان في أسيوط. مصاريف علاج في وقت الظهيرة وتحت أشعة الشمس وحرارة الجو كانت تجلس مرتدية جلبابًا أسود - زى كبار السن- تخبئ عيناها بشال صوف خشية رؤية معالمها بوضوح وتجلس على كرتونة ورقية وأمامها حذاء بالي وإلى جوارها حفيدتها تحمل عدد من علب المناديل، رسمية أحمد على، 65 عامًا، مُسنة من مركز أبنوب. حينما رأتنا بادرت بإبتسامة غير مفهمومة "عاوزين مناديل؟"، فجلسنا لجوارها وأخذنا في الحديث معها حول معيشتها وقالت:" أنا ست كبيرة جوزى مريض وأنا بجري عليه عشان أوفر له مصاريف العلاج ومعايا 6 عيال متجوزين و4 أحفاد بس كل واحد منهم على باب الله هم هيأكلونى ولا يأكلوا عيالهم؟، غصب عنى بلجأ لسؤال الناس وبقى لى على الحال ده سنتين". "أنا مش بشوف بناتى ولا هم بييجوا غير في المناسبات"، توضح رسمية أنها لا تعرف شيئ عن عيد الأم إلا حينما قامت ابنتها بشراء جلباب جديد لها برغم من عيشتهما المحدودة وسكن ابنتيها بالقاهرة والإسكندرية. على باب الله ومن رسمية إلى عطيات لم يختلف الأمر كثيرًا بل افترشت صاحبة ال 52 عامًا الطريق لسؤال "اللى رايح واللى جاى" لجنى بضع جنيهات حصيلة جلوس 10 ساعات بجوارها حفيدتيها اللتين لا يعبأن بشيئ سواء مشاكسة المارة بملامحهما البائسة وملابسهما البالية دون ملل. عطيات محمد مصطفى، 64 عامًا، من مركز طما التابع لمحافظة سوهاج تأتى كل يوم مستقلة القطار من محافظتها لتوفير مصاريف علاجها وأسرتها حيث أنها أرملة منذ عدة أعوام ولديها ابنه أرملة أيضًا وولد متزوج ومعه طفليه ويعمل "على باب الله"- حسبما ذكرت -، وتضيف عطيات "أنا مش لاقيه أكل عشان أعرف إنه فيه عيد للأم ولا ولادى لاقيين مصاريفهم عشان يفتكروا أمهم بهدية". شكرًا أمي "أنا مش بإيدى أشحت ولا عاجبنى الذل والبهدلة اللى أنا فيها"، بهذه الكلمات تحدثت ليلى أحمد، 27 عامًا، ولديها ملك 3 أعوام، وأصالة عامين، وجنا 7 شهور، عن رفضها مد يدها لطلب المساعدة من الناس، ولكنها لا تجد من يعولها حيث أن زوجها محبوس في محافظة أسوان منذ فترة طويلة ولم تجد عملا يأويها ويعول بناتها سوى تلك الطريقة. تقول ليلى "أنا من قرية الزرابي بمركز أبوتيج ومتزوجة في مركز طما، وأهلى رفضوا يدخلونى البيت لما عرفوا إنى بمد إيدى، وطرقت كل الأبواب دون جدوى أضررت للسؤال، وللأسف في عيد الأم مش هقدر أجيب هدية لأمي بس هقولها كل سنة وإنت طيبة هي برضو ربتني وكبرتني وشكرًا يا أمي". بائعة الخضار كانت ملامحها عابسة جدًا وهزل جسدها يعكس قسوة الحياة التي تعيشها، تتوسط مجموعة من الأجولة المليئة بالخضار من شبت وبقدونس وبصل وكرنب وغيرها لتعرض سلعتها على المارة لعلهم يجبرون بخاطرها ويشترون منها بعض الحزم التي تعكف على ربطها منذ السابعة صباحا. بدرية عمر أحمد تبلغ من العمر 67 عامًا، أرملة ولديها 5 أولاد وبنتان تركوها إلى بيوت أزواجهن وزوجاتهم وبقيت هي بمفردها تصارع من أجل دفع إيجار الغرفة التي تقطن بها منذ 33 عامًا وتسدد شهريًا مبلغ 15 جنيه نظير مكوثها بالغرفة. "أنا معرفش إيه عيد الأم وما سمعت عنه إلا منكم"، تقولها بدرية في نبرة خافته للغاية وتشير إلى أن أولادها تركوها دون سؤال "حتى رغيف العيش ابنى مش عاوزنى أكله عشان يوفر لبيته"، فقررت النزول للشارع وبيع بعض السلع التي يحضرها لها أهل الخير فهي لا تذهب للشراء من السوق لكبر سنها، ولكنها تجهز الأحزمة صباح كل يوم، و"تلملم فرشتها في الرابعة عصرًا، لتشترى مستلزمات بيتها منذ أربعة أعوام على نفس المنوال".