«عاد الشاب الطائش للاتصال بي.. هددني بأنه سيشيع أنني زوجته بعقد عرفي وأنه يحتفظ بالعقد في مكان أمين.. هددني ببعض الصور التي التقطها لي في إحدي الرحلات التي أقامها النادي.. بدأت أشعر بالخوف.. أنا خائفة فعلا.. لماذا لايكون قد صورني حينما جاء لزيارتي تلك المرة الوحيدة.. كان الموبايل لا يغادر يده وكنت أتحرك في الشقة بقميص نومي» كانت امرأة فائقة الجمال! مبهرة الأناقة، ثراؤها واضح من بريق الألماظ الذي تتحلي به، وسيارتها الفارهة التي تغيرها كل عام.. وعطور باريس التي تفوح حيثما وجدت.. وملابسها التي تحير موديلاتها النساء وتخطف أبصارهن! ظهرت فجأة في حي مدينة نصر، اشترت شقة في واحدة من أجمل العمارات،عاشت فيها بمفردها، لكنها لفتت الأنظار بشدة بكبريائها الواضح، وعدم اختلاطها، وقلة كلامها، وثرثرة أنوثتها الزاعقة التي تحرك الصخر!.. الجيران وبواب العمارة وسكان الشارع في الحي الهادئ أطلقوا عليها المرأة الغامضة فلا أحد يعرف ان كانت زوجة أو مطلقة أو ارملة؟! لا أحد يعلم اين تذهب كل ليلة حينما تركب سيارتها في الحادية عشرة مساء وتعود مع نسمات الفجر؟!لا أحد يعلم شيئا عن حاضرها أو ماضيها أو سر ثرائها.. لكن الواضح انها تعيش مثل الكائنات الليلية، أما النهار فهو مساحة زمنية للنوم فقط! .. ورغم انها عاشت كما تريد إلا ان حياتها انتهت كما لا تريد!.. فقد عثروا عليها مقتولة داخل شقتها!.. الحادث أصاب رجال المباحث بالارتباك والحيرة، فلم يكن هناك ثمة خيط واحد يفتح الطريق لكشف لغز الجريمة، خاصة ان المعاينة انبثقت عن ان الحادث لم يقع بدافع السرقة.. الشقة مرتبة ولا آثار لبعثرة.. المجوهرات كما هي.. الخزانة لم تفتح.. واموال سائلة في اماكن متفرقة بالشقة.. كان واضحا ان الجاني نفذ جريمته فور عودة «فاتن» من الخارج في الرابعة صباحا كما حدد بواب العمارة الذي فتح لها الباب كما اعتاد كل ليلة.. لكن البواب اكد ان العمارة لم يدخلها شخص غريب قبل أو بعد حضور المدام!.. معاينة الجثة ومسرح الجريمة يشيران الي ان القتيلة كانت بملابس الخروج وأن الجاني حاول ان يهتك عرضها فقاومته حتي تمزق النصف الاعلي من ملابسها! دارت الشبهات حول البواب وبعض شباب العمارة.. لكن تفتيش محتويات الشقة بدقة أهدي ضابط المباحث «أجندة» صغيرة تحمل صفحاتها سطورا مكتوبة بخط يد القتيلة.. انتحي جانبا يقرأ ويخطط تحت بعض السطور، بينما تولي ضابط آخر فحص الموبايل بعناية شديدة.. واستمر باقي فريق البحث في مناقشة المشتبه فيهم! صفحات الاجندة بدأت تنطق ببعض الأسرار التي ساهمت بشكل كبير في رسم ملامح جديدة للقتيلة والجاني في وقت واحد..احدي الصفحات في مقدمة الاجندة قالت فيها فاتن: اليوم يكتمل العام الاربعون من عمري.. أعترف انني لست سعيدة.. يبدو ان في حياتي أخطاء كثيرة لم انتبه لها.. لاأعرف الي متي سأظل أعيش حياتي بشكل تلقائي، بلا تأمل أو تفكيرأو مراجعة للماضي والحاضر.. عموما مازال في العمر بقية وهذه المحاولة للكتابة سوف تجعلني حينما أراجعها ذات يوم أكتشف أخطائي وأحاول إصلاح ما أفسدته بيدي.. انني أشعر الآن بإرتياح شديد منذ ان امسكت القلم.. الكتابة كانت هوايتي لكني لم أكتب سطرا واحدا منذ ان تخرجت في الجامعة.. ربما كان الثراء الذي عشت فيه مع زوجي كان سببا في التغير الذي أصابني.. كان زوجي رغم حبي الشديد له يدللني أكثر مما يجب.. نقل معظم ثروته الي ملكيتي.. شخصيته الضعيفة دفعتني الي التمرد علي كل القيود.. وعجز حسام عن كبح جماحي وأفلت الزمام من يده، فتمردت علي قيود الزواج والغيرة المجنونة التي أصابته.. طلبت الطلاق بإلحاح وإصرار حتي حصلت عليه، أصبحت حرة بين عشية وضحاها.. تخلصت من كل آثار الماضي انتقلت من حي العجوزة الي شقتي الجديدة في مدينة نصر.. لا شيء ينقصني..لكني اشعر احيانا بالندم وتطاردني عقدة الذنب لإحساسي بأني ظلمت طليقي.. ليتني أعود إليه.. مللت السهر مع الشلة حتي الفجر.. لكن كيف أسترد طليقي وقد تزوج وأنجب وعوضه الله عن كل المال الذي حصلت عليه منه.. خلاص.. لم تعد لي معه رجعة.. ويجب ان تستمر حياتي وأبدأ من اليوم تسجيل كل ما يحدث فيها، لعل وعسي أجد مخرجا الي حياة افضل! .. وفي صفحة أخري تقول فاتن: أعتقد ان تصرفاتي مع هذا الشاب الطائش هي التي شجعته علي ان يتوهم انني أحبه.. لم يفهم انني كنت أعامله كأمه، فهو ابن صديقتي الوحيدة التي خرجت بها من الدنيا.. حاولت انقاذه من الفشل الذريع بعد أن رسب في البكالوريوس عدة سنوات.. ضحكت من كل قلبي عندما عرض ان يتزوجني لكنه كان ضحكا كأنه البكاء.. لا أعرف كيف يفكر هذا الشاب.. وحينما زارني ذات يوم في شقتي طلبت منه ألا يكرر هذه الزيارة فإذا به يتجرأ ويحاول ان يجذبني الي عناقه.. صفعته وبصقت فوق وجهه وطردته شر طردة بعد ان حذرته من إبلاغ أمه!..هذه الواقعة مازالت تؤرقني وتثير في نفسي الحيرة، ما الذي جعل هذا الشاب يتخيل انني يمكن ان اكون عشيقته.. مجنون.. عموما لقد ألقيت به منذ هذا اليوم في صندوق قمامة حياتي الذي يكاد يمتلئ بهذا النوع الرديء من البشر الذين أصادفهم في هذا الزمن الغريب..! لماذا يسيء الناس فهم سلوكي وتصرفاتي؟! هل ملابسي المتحررة وسجائري المشتعلة وترددي علي دور السينما والمسارح والحفلات دون ان اكون بصحبة رجل، كلها كانت أسباباً جعلت الناس يظنون بي الظنون؟! لماذا ينسي هؤلاء أن أفكاري محتشمة وجسدي طاهر؟!.. ربما المطلوب مني حشمة الجوهر والمظهر معا.. ربما يكون معهم الحق!.. لقد ركب معي في المصعد ذات يوم استاذ في جامعة الأزهر،وما أن راني حتي استعاذ بالله من الشيطان!.. فكرت ان أجعله عبرة لمن يعتبر، لكن لساني كأنه شل في هذه اللحظة.. ربما كان الحق هو الذي جعل الرجل ينطق.. وجعلني أصمت! وفي صفحة أخري: عاد الشاب الطائش للاتصال بي.. هددني بأنه سيشيع أنني زوجته بعقد عرفي وانه يحتفظ بالعقد في مكان أمين.. هددني ببعض الصور التي التقطها لي في احدي الرحلات التي أقامها النادي.. بدأت أشعر بالخوف.. أنا خائفة فعلا.. لماذا لايكون قد صورني حينما جاء لزيارتي تلك المرة الوحيدة.. كان الموبايل لا يغادر يده وكنت أتحرك في الشقة بقميص نومي فأنا أكره القيود طوال عمري.. وإلا فما أتي بلهجة التهديد الحادة.. لو كرر تهديده سأبلغ صباح لتربي ابنها وتبعده عن طريقي! وفي صفحة أخري.. تقول فاتن: الولد بدأ يظهر في اماكن أتردد عليها.. أراه عن بعد ثم يختفي.. عموما سوف أفكر جديا في الاتصال بحسام.. جاء وقت التنازلات.. حسام يحبني بجنون ولن تسد زوجته الجديدة الفراغ الذي تركته في حياته.. لن أطلب منه ان يطلقها.. يرضيني ان أعيش مع نصف رجل وأترك لزوجته النصف الآخر.. يكفيني ان أتخلص من عقدة الذنب وان يكون في حياتي رجل يحميني من نفسي!! صفحات الاجندة والموبايل ساعدا علي الوصول الي الشاب في اليوم الثاني للحادث.. اعترف الطالب الفاشل أنه كان تحت تأثير المخدرات حينما اختبأ داخل العمارة بعد غروب الشمس وحتي عادت فاتن من الخارج فجرا.. انتظرها في الظلام وقرر ان فاتن حاولت ان تطرده بينما حاول هو اغتصابها حتي تصبح خاتما في يده بعد ذلك وتوافق علي الزواج العرفي منه، لكنها صرخت وقاومته بشدة فاضطر الي ان يخنقها خوفا من الفضيحة واكتشاف أمره! أحيل المتهم الي النيابة التي أمرت بحبسه وصرحت بدفن الجثة.. وخرجت الجنازة في الحي الهادئ دون ان يخرج معها الجيران وسكان الشارع.. حمل البوابون الجثمان وانضم عدد من المارة الي الجنازة دون ان يعرفوا ان كان المتوفي رجلا أو امرأة! هوانم الحي اكتفين بالفرجة، وسؤال واحد فوق شفتي كل منهن: (ومين بقي هيورثها)؟