جامعة الأقصر تنظم قافلة طبية ضمن مبادرة حياة كريمة    هل يستطيع أبو تريكة العودة لمصر بعد قرار النقض؟ عدلي حسين يجيب    نقابه الصحفيين تقر قواعد جديدة للمنتسبين من الخارج وأساتذة الصحافة والإعلام    البنك المركزي يقترض 55 مليار جنيه عبر أذون الخزانة    البرنامج الوطني لإدارة المخلفات: 11.5 مليون جنيه لدعم عمال النظافة    تحرك برلماني جديد بشأن قانون الإيجار القديم    الحكومة تحتضن رجال الصناعة    سبب فشل فرق الإنقاذ في العثور على طائرة الرئيس الإيراني (فيديو)    ليفاندوفسكى يقود هجوم برشلونة أمام رايو فاليكانو فى الدوري الإسباني    بايدن: دعيت إلى وقف فوري لإطلاق النار في غزة    الزمالك هيكسب، رسائل من الجمهور ل هنادي مهنا أثناء تواجدها باستاد القاهرة    أشرف صبحي يكرم شابا بعد فوزه بالمركز الثاني على العالم في الطاقة المتجددة    مدير بطولة أفريقيا للساق الواحدة: مصر تقدم بطولة قوية ونستهدف تنظيم كأس العالم    العثور على جثة فتاة في ظروف غامضة بالمنيا    السائق أوقع بهما.. حبس خادمتين بتهمة سرقة ذهب غادة عبد الرازق    قصة حب عمرها 30 سنة.. حكاية زواج صابرين من عامر الصباح (فيديو)    محمد إمام يكشف عن البوسترات الرسمية لفيلم اللعب مع العيال (صور)    ختام ملتقى الأقصر الدولي في دورته السابعة بمشاركة 20 فنانًا    إرنا: خامنئي يطمئن الإيرانيين بعدم تأثر إدارة الدولة بحادث مروحية الرئيس    بمناسبة مباراة الزمالك ونهضة البركان.. 3 أبراج «متعصبة» كرويًا (تعرف عليهم)    الرعاية الصحية: 5 ملايين مستفيد من التأمين الصحي الشامل بمحافظات المرحلة الأولى    جامعة حلوان تنظم قوافل طبية توعوية بمناطق الإسكان الاجتماعي بمدينة 15 مايو    في اليوم العالمي للمتاحف.. المتحف المصري بالتحرير يستقبل 15 ألف زائر    رسائل المسرح للجمهور في عرض "حواديتنا" لفرقة قصر ثقافة العريش    حزب الريادة: مصر كان لها اليد العليا فى دعم أهالي غزة وإدخال المساعدات لهم    «نيويورك تايمز»: هجوم روسيا في منطقة خاركوف وضع أوكرانيا في موقف صعب    أبرزهم «اللبن الرائب».. 4 مشروبات لتبريد الجسم في ظل ارتفاع درجات الحرارة    بنك مصر يطرح ودائع جديدة بسعر فائدة يصل إلى 22% | تفاصيل    نهائي الكونفدرالية.. توافد جماهيري على استاد القاهرة لمساندة الزمالك    دار الإفتاء توضح ما يقال من الذكر والدعاء في الحرّ الشديد.. تعرف عليه    هل يجوز الحج أو العمرة بالأمول المودعة بالبنوك؟.. أمينة الفتوى تُجيب    بايرن ميونيخ يعلن رحيل الثنائي الإفريقي    افتتاح أولى دورات الحاسب الآلي للأطفال بمكتبة مصر العامة بدمنهور.. صور    نائب رئيس جامعة الأزهر يتفقد امتحانات الدراسات العليا بقطاع كليات الطب    رجل يعيش تحت الماء 93 يوما ويخرج أصغر سنا، ما القصة؟    "أهلًا بالعيد".. موعد عيد الأضحى المبارك 2024 فلكيًا في مصر وموعد وقفة عرفات    مصرع شخص غرقًا في ترعة بالأقصر    رئيس «قضايا الدولة» ومحافظ الإسماعيلية يضعان حجر الأساس لمقر الهيئة الجديد بالمحافظة    منها مزاملة صلاح.. 3 وجهات محتملة ل عمر مرموش بعد الرحيل عن فرانكفورت    «الجوازات» تقدم تسهيلات وخدمات مميزة لكبار السن وذوي الاحتياجات    «الإفتاء» توضح حكم حج وعمرة من يساعد غيره في أداء المناسك بالكرسي المتحرك    «المريض هيشحت السرير».. نائب ينتقد «مشاركة القطاع الخاص في إدارة المستشفيات»    10 نصائح للطلاب تساعدهم على تحصيل العلم واستثمار الوقت    وزير العمل: لم يتم إدراج مصر على "القائمة السوداء" لعام 2024    إصابة 4 أشخاص في مشاجرة بين عائلتين بالفيوم    أول صور التقطها القمر الصناعي المصري للعاصمة الإدارية وقناة السويس والأهرامات    نائب رئيس "هيئة المجتمعات العمرانية" في زيارة إلى مدينة العلمين الجديدة    «الرعاية الصحية»: طفرة غير مسبوقة في منظومة التأمين الطبي الشامل    ياسر إبراهيم: جاهز للمباريات وأتمنى المشاركة أمام الترجي في مباراة الحسم    ياسين مرياح: خبرة الترجى تمنحه فرصة خطف لقب أبطال أفريقيا أمام الأهلى    حجازي يشارك في فعاليات المُنتدى العالمي للتعليم 2024 بلندن    مدينة مصر توقع عقد رعاية أبطال فريق الماسترز لكرة اليد    ضبط 100 مخالفة متنوعة خلال حملات رقابية على المخابز والأسواق فى المنيا    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأحد 19-5-2024    سعر السكر اليوم.. الكيلو ب12.60 جنيه في «التموين»    ولي العهد السعودي يبحث مع مستشار الأمن القومي الأمريكي الأوضاع في غزة    أحمد أيوب: مصر تلعب دورا إنسانيًا ودبلوماسيًا لوقف إطلاق النار فى قطاع غزة    ضبط 34 قضية فى حملة أمنية تستهدف حائزي المخدرات بالقناطر الخيرية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأوراق السياسية لراقصة مصر الأولي
نشر في الموجز يوم 03 - 03 - 2013

كنت صغيرة .. حصلت علي الشهادة الإعدادية.. وشطح بي الخيال.. وتمنيت لو أصبحت طبيبة أطفال مشهورة.. لم أكن أعلم وقتها أن بدلة الرقص العارية تصل بصاحبتها إلي قمة الشهرة بسرعة الصاروخ.. بل هي أسرع من كل درجات الدكتوراه في كل العلوم الصعبة!
كان مطلوبا مني أن أخرج كل يوم للبحث عن عمل أساعد من دخله أمي وأسرتي.. لكني كنت أعود دائما خالية الوفاض.. لا يعزيني في همي سوي فتحي ابن بائع الجرائد في الحي الذي أسكنه.. كنت أحب أن أسمع منه عباراته التي يستقبلني بها كلما وجدني مهمومة وحزينة: ".. يا بت إنتي حلوة وزي القمر.. صعبان علي أشوفك مكسورة كده!".. كنت أحبه وأحلم بالزواج منه.. وكان يحبني بجنون ويحميني من مطاردات وغزل شباب الحي الأغنياء.. وكثيرا ما كان يتشاجر مع والده بائع الجرائد العجوز كلما يكتشف الأب أن معظم الجرائد والمجلات والكتب قد سربها ابنه لي لكي أقرأها وأعيدها مرة اخري.. كنت شغوفة بالقراءة في كل المجالات وأنا في هذه السن المبكرة.. تستوقفني صور الفنانات علي أغلفة المجلات.. ولكني أتابع أيضا كل أخبار المجتمع.. الخبر الذي لا أفهمه أسأل عنه فتحي.. كان فتحي مولعا بالقراءة والثقافة هو الآخر.. لم تكن لقاءات الحب بيننا تشهد غير الحوارات والنقاش الذي لا ينتهي.. لم يحاول أن تلمس يداه جسدي مرة واحدة.. رغم أنني لم أكن مستعدة للمعارضة أو المقاومة.. فأنا في حالة حب!.. لكن متعة الحوار كانت لا تفوقها أي متعة أخري!
كان فتحي حاصلا علي دبلوم تجارة.. ويعمل موظفا في مصلحة البريد.. مرتبه ضئيل.. ووالده علي قد حاله.. رغم ذلك أصر فتحي علي طلب يدي.. ومنعني من مواصلة رحلة البحث عن عمل.. لم أكن أملك من الدنيا غير خاتم من الذهب ثمنه ثلاثون جنيها.. أهدته لي أمي عندما نجحت في الإعدادية.. اشترته لي من "الجمعية" التي قبضتها وكانت تنوي أن تدخر مبلغا لشراء كفن لها يسترها في آخر يوم لها فوق الأرض!.. وكان فتحي لا يملك من الدنيا غير حب أبيه.. فهو الابن الوحيد المدلل.. لا يرد له طلبا ولا يعصي له أمرا.. حتي عندما أصر فتحي علي أن يتزوجني ونعيش معا في بيت والده.. اضطر الأب إلي أن يرضخ في النهاية!
تم الزواج في حفل بسيط للغاية ووجدت نفسي لأول مرة في حياتي أمام أول رجل صار من حقه أن أنام إلي جواره في حجرة واحدة .. ورغم أنني كنت أرتعد خوفا من فرط ما سمعته من حكايات عن هذه الليلة كانت أول وأعظم ليلة دخلة في حياتي!
أغلق فتحي باب الحجرة التي لم تكن تحتوي إلا علي دولاب صغير.. وسرير قديم.. ومرآة دائرية فوق الحائط تنقل في "بانوراما" غريبة كل أحداث الحجرة التي تغطي أرضيتها سجادة ممزقة موصولة بالرقع الملونة!
السعادة قد تعيش في مكان مثل هذه الحجرة.. لا تشترط القصور والخدم والفيزا كارد!.. ليلتها دار حوار سريع وهامس بيني وبين فتحي لا أنساه ما حييت!
الليلة بس.. هاقولك علي أكبر سر!
انت مخبي عني حاجة ولا إيه.. يا فتحي!
كنت خايف عليك من الغرور يا حبيبتي..
سر إيه بقي!
أنت أجمل ست في الدنيا.. لا أنا ولا أعظم مني مليون مرة يستاهلك.. عارفة لو بإيدي كان يبقي مهرك مال الدنيا كله.. مش فستان بخمسين جنيه زي اللي جبتهولك ده!
أخذته بين ذراعي لأول مرة.. أحسست بجسده يرتجف.. همست له أنه في نظري أعظم ملك فوق الأرض.. وأن قلبه هو كنوز الدنيا.. وأنني أحسد نفسي علي زواجي منه.. وتشجع فتحي.. اعتصرني بين أحضانه.. أيقظ أنوثتي.. خلع ملابسي عني فشعرت برهبة قاتلة لا تحسها غير امرأة علي أبواب مدينتها الرجل الذي تحبه!.. مهما طرق الأبواب فرسان من بعده فلن يجدوا في المدينة مثلما وجد الفارس الأول!!..
ظلت حلاوة الليلة الأولي تعميني عن الواقع الأليم!
أمي مريضة لا تجد ثمن الدواء.. أشقائي لا يجدون مصروفات المدرسة الابتدائية.. زوجي يحاول قدر جهده أن يوفر لي حياة كريمة.. لكن التحديات والأزمات كانت تقصم ظهره يوما بعد يوم.. خاصة بعد أن مات أبوه بعد عام واحد من زواجنا.. ولم يجد محل الجرائد الصغير من يرعاه غيري.. لكن دخله هو الآخر لم يعد يغطي نفقاتنا بعد أن افتتح أحد شباب الحي كشكا كبيرا سحب البساط من تحت أقدامنا!..
الفقر لا يقتل الحب.. لكن يصيبه بالكساح!.. هكذا فرضت علينا الحياة قانونا جديدا..
لم أعد أغيب عن الوعي مع قبلات فتحي أو أحضانه فوق فراش الزوجية.. عقلي كان متيقظا يفكر في مرض أمي وأخوتي الصغار وبيتي الذي لا يحتوي علي عشرة جنيهات مدخرة لمواجهة أي أزمة طارئة.. والنتيجة الطبيعية أنه لا طعم للحب كلما تيقظ العقل!
ذات يوم قدم لي أحد الزبائن نفسه بعد أن اشتري بعض الصحف.. كان منتجا سينمائيا.. عرض علي أن ألتحق للعمل سكرتيرة بمكتبه.. أخبرني أنه سيمنحني مرتبا قدره مائتي جنيه في الشهر.. طار عقلي مع المبلغ الذي سمعته.. لمعت عيناي.. خاصة حينما أخبرني هذا الشخص أن وجهي "فوتوجونيك" وقد يصلح لإسناد بعض الأدوار السينمائية لي!.. ويبدو أن الرجل أحس بارتباكي فوعدني بالحضور مرة أخري.
ظللت أقنع فتحي عندما عاد من عمله حتي وافق علي مقابلة هذا الرجل.. كنت أحلم بالمرتب وفرصة الظهور في السينما ولو كومبارس!.. لم أنم ثلاث ليال كاملة حتي حان موعد اللقاء.. كان الرجل لطيفا للغاية مع فتحي.. بل طلب من فتحي أن يخرج من عمله عصرا ثم يأتي للشركة للعمل فترة مسائية بمكتب الإنتاج حتي ننصرف معا أنا وهو!.. وافق زوجي.. وليته ما وافق!
أيام قليلة.. وبدأت رحلة التمرد علي زوجي!
تمردت علي الحجرة الصغيرة.. وموقد الكيروسين.. واللحم المستورد الذي نشتريه كل أسبوع من الجمعية.. حاول فتحي أن يذكرني بحياتنا القديمة قبل الالتحاق بهذه الوظيفة.. لكن ما كان يبنيه فتحي في الفترة المسائية.. كان يهدمه المنتج وأصدقاؤه المشاهير في الفترة الصباحية، حتي كان الصدام!.. طلب المنتج أن يختبرني في الرقص لأنه يفكر في إسناد دور لي في فيلم سينمائي ينتجه.. عارض فتحي بشراسة.. لكني كذبت عليه لأول مرة.. وقمت بتنفيذ الاختبار في الفترة الصباحية وكان أصعب مما تخيلت!.. ثم كان عزائي الوحيد أنني فعلا وقفت أمام الكاميرات.. وسجلت أول دور سينمائي لي!
علم فتحي بما حدث.. امتدت يده تضربني لأول مرة.. أخرجني من المكتب.. ملأته الشكوك.. ولعبت به الظنون.. ترك عمله الحكومي بعد أن فصلته مصلحة البريد لغيابه المستمر دون إذن!.. طلبت الطلاق بعد المكالمة التليفونية الوحيدة التي استطعت الرد عليها وفتحي نائم.. اتصل بي المنتج الكبير في محل الخردوات المجاور لمنزلي.. أسرعت من شقة البدروم كالريح إلي سماعة التليفون.. قال لي المنتج إن الحل الوحيد هو الطلاق!
رفض فتحي الطلاق.. هدده البلطجية الذين يقومون بحراسة المنتج!.. رفض فتحي التهديد.. إلا أنهم نفذوا وعيدهم.. اصطادوه من أحد الشوارع المظلمة.. كمموا فمه.. خطفوه في سيارة جيب.. خدروه حتي وصلوا به إلي مكان مهجور.. كسروا عظامه.. أسالوا دماءه.. شطروا وجهه بالمطواة.. وشقوا بطنه بالسنج.. تركوه بين الحياة والموت!.. أنقذه الأطباء بمعجزة.. لكن أصابه الشلل.. لم يكن فتحي يعرف البلطجية.. كان لا يعرف غير المنتج.. اتهمه في محضر الشرطة.. لكنه عجز عن الإثبات أو تقديم أي دليل.. وتم حفظ المحضر!.. جن جنوني.. هرولت إلي المنتج أصرخ في وجهه بأنه لن يراني بعد اليوم.. أسرعت إلي المستشفي.. لكن فتحي استقبلني بأربع كلمات متتالية. خرجت من فمه كطلقات مدفع رشاش:
أنت طالق.. طالق.. طالق!
لم يتراجع فتحي.. ولم يرحم أحزاني.. أو يقدر ندمي.. طلقني طلاقا بائنا ثم طردني من بيته وهو ينظر إلي ساقيه المشلولتين.. ويبكي!
خرجت من بيتي منهارة!
لم أجد أمامي غير المنتج السينمائي.. تلقفني.. لم يشمت لما أصابني.. بل الغريب أنه أحسن استقبالي.. ومنحني كل سلطات إدارة مكتبه.. وأغدق بهداياه الثمينة.. اشتري لي أغلي الفساتين.. وأرق المجوهرات.. وأغلي العطور.. وأتي لي بالمدرسين ليعلموني البروتوكول واللغتين العربية والإنجليزية.. أحاطني برعاية أدهشتني حتي انتهت فترة العدة وتزوجني عرفيا!..
لم يمض عام حتي ظهرت في ثلاثة أفلام.. أدوار متوسطة.. لكن بارزة.. إلا أنني نجحت أكثر في الرقص الشرقي.. قدمني بنفسه إلي واحد من أكبر الملاهي الليلية.. لمعت بسرعة.. وتضاعف أجري.. وبدأت أقتحم الدائرة الجهنمية لليالي القاهرة التي يفتتحها الأثرياء بعد أن ينام الفقراء!
ذات ليلة تعرفت علي شلة مليونيرات.. وجهوا لي دعوة لإحياء حفل عيد ميلاد لاجئ عربي في القاهرة !!.. كان عجوزا.. وكان ثراؤه فاحشا!.. أحييت الليلة دون أن يخطر ببالي لحظة أن هذا الكهل سيطلبني للزواج!.. كنت في قمة سعادتي لأنني من داخلي كنت أريد رد الصفعة للمنتج الكبير.. لا أعرف من أين امتلأ قلبي بهذا الانتقام رغم النعيم الذي أغرقني فيه هذا المنتج.. ربما كانت أعماقي تريد الثأر لفتحي حتي يشرب زوجي من نفس الكأس!
نجحت في فرض إرادتي.. وانتزاع الطلاق!
تزوجت اللاجئ العربي الذي مات بعد ستة أشهر فقط من زواجنا فورثت خمسة ملايين جنيه.
كان أول شيء فعلته هو الاتصال بفتحي.. لم أنس رقم تليفونه عند الخردواتي أبدا!.. كان مهذبا.. طلب بكل أدب ألا أعاود الاتصال به!.. عرضت عليه أن يزورني فرفض.. ذهبت أنا إليه.. كانت فكرة عودتي إليه تؤرقني كل ليلة.. لقد أصبحت مليونيرة.. وبمقدوري أن أعيش مع فتحي حياة المليونيرات ونعوض ما فاتنا.. كانت فكرة الاعتزال - أيضا - تراودني لتكون مهرا أدفعه لفتحي هذه المرة!
حسم فتحي النقاش بيننا مؤكدا أن ملايين الدنيا لن تعيد إليه ساقيه المشلولتين.. ولا وجهه المشوه بعشرات الغرز الطبية ولا ثقته في زوجته التي كان شاهدا مع الزمن علي ماضيها !
قررت الانصراف حينما أهانني.. أو هكذا تخيلت.. لقد قال لي في كلمات صريحة ومباشرة أنه كان مستعدا أن يدفع الثمن كاملا ويصيب الشلل كل جسده.. بشرط ألا أبيع انا جسدي للرجال!
لم أفكر في فتحي بعد هذه الليلة إلا في المناسبات!
استغرقتني الحياة الفنية.. قفزت شهرتي إلي القمة.. أصبحت الراقصة الأولي بلا منازع.. عرفت مجتمعات الكبار.. وتجولت في عواصم أوروبا وأرقي محلاتها ودور أزيائها العالمية.. كتبت عني الصحف العربية.. وأجرت معي الريبورتاجات المثيرة.. وقال عني أحد رؤساء تحرير الصحف الكبري في مصر إنني أعظم راقصة شرقية في تاريخ مصر!
سنوات وسنوات لم أتزحزح فيها عن القمة!
أخيرا.. تذكرت فتحي.. تلصصت علي أخباره.. علمت أنه يبيع الزبادي في المحل الصغير الذي كنت أبيع فيه الجرائد!.. عشر سنوات كاملة عشتها فوق القمة مع كبار نجوم المجتمع.. وعاشها فتحي يبيع الزبادي في إحدي الحواري القديمة.. الشيء الوحيد الذي يربطني به الآن دون أن يعلم.. هو تلك السيارة التي تذهب له كل ليلة وتشتري كل إنتاجه من الزبادي!.. فتحي يعتقد أن سائق السيارة يبيع الكمية كلها لأحد المستشفيات.. دون أن يخطر ببال فتحي لحظة واحدة أن هذا السائق هو سائقي الخاص.. ومندوبي إلي موطن الذكريات.. وسفيري الذي لا يعلم سر أو طبيعة المهمة التي أكلفه بها بين حين وآخر..! ولم اكن أتناول من كل الكمية غير زبدية واحدة، أري فوق قشطتها ذكريات أحلي ليلة في عمري كله.. أول ليلة دخلة!
نجمة السينما.. وبواب عمارتها!
ظل بواب العمارة الشهيرة يشكو قسم شرطة قصر النيل لطوب الأرض!.. لكن كل الشكاوي التي ارسلها للنيابة أو وزارة الداخلية تم حفظها..!
كل يوم يستدعونه.. ويسألونه عن خاتم النجمة الكبيرة فيقسم أن لا علاقة له بهذا الخاتم من قريب أو بعيد.. يقضي ساعة أو ساعتين.. ثلاث ساعات.. يخرج بعدها البواب وهو يبكي.. لا يعرف أي مكان في جسده بالضبط هو الذي يتوجع فقد ضربوه في كل مكان!
أخيرا.. اقترحت النجمة السينمائية التي تفوق جمالها علي كل نجمات الصف الأول أن يترك البواب العمارة ويرحل كحل للأزمة يرحم البواب من العذاب الذي يلاقيه في قسم قصر النيل!.. اجتمع مجلس إدارة العمارة لبحث الأمر.. لكن النجمة الكبيرة رفضت بإصرار كل محاولات الإبقاء علي البواب.. حتي لو أعاد خاتم الماس!
كانت النجمة الكبيرة واثقة من أن الخاتم مع البواب.. وكان حسنين البواب واثقا أن التهمة ملفقة.. أما رئيس مباحث القسم فكان واثقا هو الآخر أن هناك سراً لا تعلمه سوي نجمة السينما.. وبواب العمارة.. استدعي رئيس المباحث حسنين.. منحه الثقة والأمان.. أقسم له الضابط أن يساعده لو صارحه بالسر.. وأخيرا جلس البواب القرفصاء وراح يهمس للضابط بأصل الحكاية!
كانت النجمة الشهيرة تعاني أزمة عاطفية حادة!
انتهت قصة غرامها مع عبدالحليم حافظ بالفشل.. عرف الأصدقاء وأهل الوسط أن عبدالحليم هو الذي انسحب ورفض الزواج من فتاة أحلامه لأنهارفضت اعتزال الفن والاكتفاء بحياتها كزوجة للعندليب!
وكانت النجمة الكبيرة تسهر كل ليلة أمام البارات مع كئوس الخمر.. وتصرخ فيمن حولها أنها هي التي تركت عبدالحليم حافظ!.. ثم تعود إلي بيتها مخمورة!
عادت في إحدي الليالي شبه غائبة عن الوعي!
من هنا بدأت حكاية حسنين البواب.. اعترف أنها تركت سيارتها مفتوحة ونزلت وقدماها تتخبط.. أسرع حسنين يغلق أبواب السيارة.. ثم أسرع يلحق بالنجمة الكبيرة قبل أن تسقط علي الأرض أمام المصعد.. لف ذراعه حول وسطها.. ولفت ذراعها حول رقبته.. كانت رائحة الخمر تفوح من فمها بشدة لكن رائحة عطرها كانت أكثر نفاذا وقوة!
داخل المصعد كان حسنين في موقف لا يحسد عليه.. كل سحرة وعفاريت العالم سكنت جسده.. لم يصدق نفسه عندما هبط وجه الفنانة فوق وجهه.. واقتربت الشفاه.. وتلاصق الجسدان.. وتداخل فستان النجمة الحسناء بجلباب حسنين الذي كاد قماشه أن يتمزق!
أمام باب الشقة.. قالت له: "افتح الباب".. عثر علي المفتاح بصعوبة.. استعاذ من الشيطان بعد أن خارت قواه.. فتح الباب.. كانت الساعة تقترب من الرابعة فجراً وبرد الشتاء ينخر في عظام الناس، إلا جسد حسنين الذي تدفقت الدماء في كل عروقه وشرايينه!
قال لها البواب: "أدخلي يا هانم".. وردت عليه بنبرات ممطوطة: "دخلني انت لغاية السرير".. قالتها وكادت أن تقع.. حملها حسنين فوق صدره وأغلق باب الشقة بقدميه ثم تقدم بها نحو السرير.. الدنيا تدور برأس البواب الذي غاب هو الآخر عن الوعي دون أن يشرب كأسا واحدا.. مدت النجمة ذراعيها علي الفراش وانقلبت فوق وجهها.. بينما انقلبت الدنيا فوق رأس حسنين.. قفز إلي جوارها.. همس لنفسه: "يعني هيعملوا معايا إيه.. هيعدموني.. طظ!"..
بعد ساعة ونصف الساعة تنبه حسنين:
كانت النجمة الكبيرة كالمنومة مغناطيسيا.. سارع البواب يرتدي ملابسه وهو مرتبك.. لكنه سعيد.. حاول أن يفرد ملاءة السرير فوق جسد النجمة.. لكنه وجدها مفتوحة العينين.. تريد الكلام فلا تقوي!
في اليوم التالي لم تظهر النجمة الكبيرة إلا مع غروب الشمس.. فوجئ بها حسنين تخرج من المصعد ثم تبصق علي وجهه وقد تحول وجهها إلي شعلة غضب!.. بعدها بدأت تحرر له المحاضر في الشرطة.. وتلفق له تهمة سرقة خاتم ألماس.. ثم تطلب طرده من العمل بالعمارة!.
قرر رئيس المباحث أن يستخدم حيلة سبق نجاحها مع نجمة أخري!.. اتصل بالنجمة تليفونيا.. أبلغها أن تطورات قد حدثت.. البواب حضر وقرر أن الفنانة تحاول إخفاء سر حدث ذات ليلة باردة.. وقال الضابط إن البواب يرغي بحكاية غريبة وحساسة جداً ويطلب إثباتها في محضر اتهامه بالسرقة!
إنفعلت النجمة الكبيرة.. هاجت وماجت.. صرخت في الضابط تعلن أنها ستحضر بنفسها للتنازل عن المحضر.. طالما أن الأمور وصلت إلي هذا الحد من السفالة!..
الغريب أن البواب ظل في العمارة.. ولم تعد النجمة تفاتح أحدا في سرقته لخاتمها الماس.. ولا تطلب طرده من العمارة!.. كانت - فقط - تتحاشي النظر إلي وجهه.. فهو من أهل السفح.. وكان حسنين يخاف النظر في عينيها.. فهي من أهل القمة!
حجرة نوم.. المطربة!
النجمة الأخري.. مطربة مشهورة من دولة شقيقة بالشمال الأفريقي.. دارت حولها شائعات عديدة عن غرامها مع صاحب نفوذ خارق في عهد عبدالناصر.. ثم مع ملحن كبير في عهد السادات.. لكنها حسمت كل هذه الأقاويل بزواجها من ناقد فني شهير بجريدة يومية كبري.. كان زواجا عرفيا لا يعرف سره غير شغالة المطربة الكبري.. ومرت شهور حتي أوشك العام الأول علي الزواج أن يكتمل.. فجأة.. تكتشف المطربة الكبيرة أن علبة مجوهراتها الثمينة قد اختفت من دولاب حجرة نومها!
حررت المطربة محضرا بقسم شرطة العجوزة.. اتهمت شغالتها.. كانت واثقة من أنها التي استولت علي مجوهراتها.. ثمن المجوهرات كان يتجاوز نصف المليون جنيه.. لكن الشغالة نفت بشدة الاتهام.. جربت معها أساليب كثيرة لتعترف.. إلا أن الشغالة "جيهان" فجرت المفاجأة حينما قالت لضابط المباحث:
اسألوا الصحفي.. لا أحد يدخل حجرة نوم ستي سوي الصحفي وأنا.. لماذا تدور الاتهامات حولي وحدي .. اسألوه هو الآخر!
شعر الضابط أن الشغالة كانت غاية في الذكاء.. وأمام إصرارها علي تحرير محضر بأقوالها.. اتصل تليفونيا بالمطربة الكبيرة يبلغها بكلام الشغالة الخطير!.. هنا - فقط - قررت المطربة التنازل خوفا علي سمعة الناقد الصحفي الذي كان فوق مستوي الشبهات.. ولم يدخل حجرة النوم مرة واحدة إلا وبرفقته المطربة الكبيرة.. أما الشغالة فكانت تقوم بتنظيفها كل صباح بعد أن تغادرها المطربة والصحفي!
وتصادف أن نفس الضابط الذي عايش هذه الواقعة في قسم العجوزة هو نفسه الذي عايش واقعة نجمة السينما والبواب بعد أن تم نقله إلي قسم قصر النيل!
الخطايا
كانت من نجمات الصف الأول في السينما المصرية.. لا تعرف الشقاوة أو العبث أو "الخطايا".. متزوجة من صاحب مركز رفيع في مؤسسة مهمة.. أوقعها حظها العاثر في ضابط بجهاز أمني كبير.. طلب منها أن تعاونه في الحفاظ علي الأمن القومي!!.. ظل يطاردها ويتظاهر أنه وقع أسير غرامها.. أسرعت النجمة الشقراء إلي زوجها.. صارحته بقصة الضابط الكبير معها.. هرول الزوج إلي رئيس الجهاز الأمني الذي يعمل به الضابط.. أشهر الزوج مسدسه وهو يعلن أنه سيقتل الضابط الذي يغازل زوجته ويريد تجنيدها لحسابه!.. اعتذر رئيس الجهاز الأمني عن وقاحة الضابط.. ووعد بتوقيع أقصي العقاب عليه!
ومرت الأيام.. والضابط في موقعه يفكر بعمق مع رئيس الجهاز في سيناريو الانتقام من الممثلة الشقراء.. أخيرا.. اهتدوا إلي حل كلفوا به ضابطا شابا تظن للوهلة الأولي أنه من "خواجات" أوروبا.. قوام رشيق.. شعر بلون الذهب.. وعيون بزرقة البحر.. وبشرة بلون اللبن الحليب!.. ينطق العربية بصعوبة ويتكلم بالإنجليزية والفرنسية والطليانية بطلاقة!
ذهب إليها الضابط الشاب.. قدم نفسه للنجمة السينمائية علي أنه منتج إيطالي يشارك في ملكية كبري شركات الإنتاج السينمائي في إيطاليا.. المثير أن النجمة السينمائية قرأت خبرا في الصحف عن وصول هذا الخبير العالمي في الإنتاج السينمائي.. ومع الخبر صورة الشاب بوجهه الأوروبي المميز.. وقالت الصحف إن الخبير سوف يختار ممثلة مصرية كبيرة لم يفصح عن اسمها لتلعب أحد أدوار البطولة في الفيلم الذي تنتجه الشركة العالمية!
لم تصدق النجمة نفسها وهي تسمع من المترجم الذي أحضره الأوتيل أن الضيف الكبير قد وقع اختياره عليها من قبل حضوره.. وأنه لن يفصح عن اسمها إلا بعد التعاقد معها.. والتقاط بعض الصور التي ستنشرها صحف أوروبا للنجمة المصرية!
تهلل وجه الممثلة الكبيرة.. قالت إنها لا تريد أجراً.. بل تشكر هذه الفرصة النادرة التي ستقفز بها إلي العالمية مثل عمر الشريف!.. قاطعها الخبير العالمي بكلمات عربية ينطقها بصعوبة.. أخبرها أن الحقيبة التي معه تحتوي علي العربون الذي سلمته له الشركة في إيطاليا.. ربع مليون دولار عدا ونقدا!.. وتم الاتفاق علي توقيع العقد في جناح الخبير العالمي في الفندق المعروف!
حضرت الممثلة الكبيرة في السابعة مساء.. لم تتأخر دقيقة واحدة عن موعدها.. جلست وعيناها علي الحقيبة!.. قدم لها الخبير الشاب كأسا.. وتبعه بآخر.. وتوالت الكئوس.. فتح الحقيبة الممتلئة بالدولارات والعقود.. تنبهت النجمة الكبيرة.. لكن الخبير الشاب لم يوقع علي العقد وحده.. بل طبع بصماته في كل الأماكن التي طالتها يداه في جسد النجمة الكبيرة..
لم تشعر النجمة الشقراء بنفسها إلا في الصباح!
استيقظت فلم تجد الخبير.. ولا الحقيبة.. انشقت الأرض وابتلعته.. حتي إدارة الفندق لا تعلم شيئا عنه!
مساء اليوم التالي استدعي رئيس الجهاز الأمني رفيع المستوي النجمة الحسناء تليفونيا.. همس لها أن لديه أخبارا عن المنتج النصاب.. ولا داعي لإبلاغ زوجها هذه المرة حتي لا يسيء فهم ما حدث!!!
سارعت النجمة إلي مكتب رئيس الجهاز الأمني.. دعاها للجلوس والانتظار لحظات.. شاهدت النجمة أشخاصا يقومون بأعمال تشبه التجهيزات السينمائية.. خاصة هذه الشاشة المعلقة فوق حائط المكتب!
فجأة.. انكشف المستور.. شاهدت النجمة الكبيرة نفسها وهي تتقلب بين أحضان الخبير الشاب.. قدمت الشاشة وصفا تفصيليا لمشاهد الليلة الماضية التي رفع فيها الخبير الشاب رايته فوق عاصمة النجمة الكبيرة!
و.. انهمرت في البكاء !
استسلمت لكل ما طلبوه منها.. طلبت الطلاق من زوجها وأصرت علي الحصول عليه.. ثم هربت في أول فرصة سنحت لها إلي خارج مصر.. ولم تعد إلا في عهد الرئيس السادات.. تنزل في كل فنادق مصر.. إلا فندقاً واحداً لا تطيق حتي سماع اسمه.. لقد صوروها فيه من قبل في مشاهد أقرب إلي أفلام «البورنو».. رغم أنها كانت أبعد نجمات السينما عن الخطايا!!
السنباطي.. وموسي!
ليست القمة وحلا.. كلها!
هناك مكان يتسع للشرفاء والعظماء.. الذين وصلوا القمة وهم فقراء.. لم يكن معهم من ثروات الدنيا سوي موهبتهم وشرفهم!
هل تعلموا أن رياض السنباطي الملحن المعجزة كان لا يملك إيجار بيته!.. وحينما منحه الرئيس عبدالناصر جائزة الدولة لم يحضر السنباطي الحفل.. نادوا علي اسمه في حضور الزعيم عبدالناصر.. لكن أحدا لم يرد.. ويأمر عبدالناصر بالتحقيق في عدم حضور السنباطي وعدم اعتذاره عن عدم الحضور في حفل علي رأسه رئيس الدولة.. قال السنباطي لمن حققوا معه:
"..لقد حضرت لي مصلحة الضرائب صباح اليوم وحجزت علي بيتي.. فكيف تحجز الدولة علي بيتي نهارا وتكرمني ليلا"!..
قصة أخري عايشتها بنفسي وكان بطلها موسي صبري حينما كان موسي صبري رئيسا لمجلس إدارة أخبار اليوم فلم يكن يملك جهاز فيديو!.. كنت موجودة في مكتبه عندما طلب من صحفية بباب "أخبار الناس" إعارته جهاز الفيديو الخاص بها ليشاهد فيلما أثار ضجة.. وكان هذا الفيلم هو خمسة باب.. ويريد الكتابة عنه!
قد يكون هناك من يتهمون موسي صبري بعدم نظافة القصد السياسي.. لكني أتحدي أن يخرج مصري واحد يشكك في نظافة يد موسي صبري.. كان فوق قمة الصحافة.. لكنه لا يملك غير راتبه!
أمثال السنباطي وموسي صبري كثيرون فوق القمة.. لكنهم لا يتاجرون بأنفسهم مثلما يفعل أهل القمة الزائفة.. وعلي فكرة أريد العودة للحديث عن نفسي بمناسبة القمة الزائفة!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.