شروخ تخترق جدران المنازل بكل قسوة وعنف، أخشاب تتكدس على أسطح المنازل لحماية السكان من أمطار الشتاء، إنها عزبة "سيدي فرج" إحدى المناطق العشوائية في قلب العاصمة بإحدى الأماكن الاستراتيجية حيث شريط السكك الحديد بالقرب من رمسيس بحي روض الفرج وتبتعد بأمتار عن كورنيش النيل وأبراجه الشاهقة. يعيش في العزبة أكثر من أربعة آلاف أسرة، يقطنون في مساكن آيلة للسقوط، ترتعش بمجرد مرور قطار الصعيد المنطلق من محطة رمسيس بجوارها، الأهالي لا سبيل لهم سواء نوعين من الانتظار إما الموات أسفل البيوت أو أن تنقذهم الدولة وتقوم بتوفير مساكن آدمية لهم. تجولت "البديل" لتستمع لآهات وآلام المواطنين، طالما الدولة أغلقت آذانها عن القيام بأولى مسئوليتها في توفير سكن ملائم للمواطن المصري. يجلس رجل سبعيني العمر على باب منزله بجلبابه القاتم يبيع قطعا من الحلوى للأطفال صرخ قائلا "بتصوروا إيه، مفيش فايدة، الحكومة مش هتفوق إلا لما تطلعنا من تحت الأنقاض"، إنه عم زكي فهيم –عامل على المعاش – قال إنه جاء إلى هذه المنطقة منذ الستينات عندما كان يعمل في هيئة السكة الحديد، وكانت المعيشة في كبائن صغيرة ليكون العمال بالقرب من ورشة الصيانة. أضاف أنه مع مرور السنين، كانت وعود الدولة بنقل الأهالي تتزايد، ولكن دون تنفيذ، مشيرا إلى أنه حاول البحث عن مسكن جديد بعد خروجه على المعاش ولكن مكافأة نهاية الخدمة 40 ألف جنيه تم صرفها على علاجه وعلاج زوجته، أما الإيجار الجديد يتجاوز 500 جنيها شهريا وهو ما لا يتناسب مع معاشه الذي لا يزيد عن 350 جنيها. وعلى بعد خطوات نادت – أم سيد – من بلكونتها "يا بنتي الحكومة مش هتستريح إلا لما تجي تطلعنا من تحت البيوت"، سقط أحد المنازل منذ شهرين وخلف آثار مدمرة سواء من قتل أحد السكان، وتدمير بقالة "عم مرزوق"، بينما تشردت ثلاث أسر تبحث عن مأوى حتى الآن، بعد أن فشلوا في الحصول على شقق من المحافظة. اضافت أم سيد أنها تعيش في شقة مشتركة مع عائلتين آخرتين، وتطالب الدولة بتوفير مسكن بديل مثلما تعاملت مع أهالي منطقة زينهم، ولكن يجب أن توفر لكل عائلة موجودة في المسكن شقة منفصلة. بينما رفضت سكينة علي – ربة منزل – النقل إلى المناطق البعيدة كالعاشر من رمضان ومايو، قائلة "نحن نعيش في منطقة سيدي فرج منذ 40 عاما، ومدارس أولادنا وعمل أزواجنا هنا، فلا يمكن أن نذهب إلى هذه المناطق البعيدة، فالدولة يجب أن تقوم بالنقل المؤقت للسكان لحين بناء بلوكات جديدة بالمنطقة، نعود إليها من جديد بعد فترة، مثلما تعاملت الدولة مع سكان "العجوزة القديمة". وفي غضب شديد قال مسعد علي – موظف – نحن لن نقبل التهجير من سيدي فرج، حتى ينتفع رجال الأعمال والمستثمرين بهذه الأرض الشاسعة لبناء الأبراج والمولات علي الكورنيش بملايين الدولارات، مشيرا إلى أنه كموظف يرضي بشقة 70 م ولكن تكون آمنة، لا يخشى أن تسقط في أي وقت، لا تنقطع فيها المياه، بفواتير كهرباء معقولة وليست خرافية، حيث تتجاوز شهريا المائة والخمسون جنيها، بالرغم أن حالة المنازل لا تحتمل استهلاك تكيفات أو سخانات كهربائية. وقاطعته صباح الجابري – أرملة – جئت من الصعيد منذ أكثر من 30 عاما مع زوجي للعمل في سوق الخضار والفاكهة قبل أن يتم نقله للعبور، واحتملت المعيشة في عشة صغيرة، وذهبنا مئات المرات للمحافظة ورئاسة حي روض الفرج، الذين جاءوا اكثر من مرة لحصر عدد الأسر، ولكن تظل هذه الإجراءات بدون تنفيذ حتي الآن. اشارت أن لديها ابنيها تزوجا معها في الشقة، حيث اضطروا للسكن معها نظرا لارتفاع الإيجارات، خاصة أنهما يعملان "باليومية" حداد وسباك، ولا يمتلكان دخلا ثابتا لتكلفة الإيجار الجديد، ومن ثم تخشى علي حياة أولادها عند نقلهم لمساكن جديدة، وأن يؤول مصيرهم للشارع مع زوجاتهم وأطفالهم. وبوضوح قال عبد الوهاب سليمان – مدرس- المجتمع ينظر للعشوائيات على أنها مأوي للبلطجية ومدمني المخدرات، وبنفس الاسلوب تتعامل الدولة مع منطقتنا، فهي ترى أننا لا نستحق العيش في مكان افضل، فهي ترفض مد يدها بالإصلاح للبلطجية، مشيرا إلى أن الظروف المعيشية القاسية سواء مسكن غير آدمي وحمام يشترك فيه أكثر من 15 فردا، وغرفة واحدة يعيش فيها الزوج والزوجة والأطفال، ودخل محدود وغير مستمر بل متقطع، لأن اغلب سكان المنطقة "صانعية". وقال إن كل هذه الظروف بكل تأكيد تخلق مجتمعا مشوها من الضغوط الاجتماعية والاقتصادية، لذا فالدولة هي المستفيد الوحيد من نقل هؤلاء السكان وتوفير الحد الأدنى من المعيشة اللائقة، حتى تتفادي كل الأمراض الخاصة بالعنف والإدمان وأطفال الشوارع. بينما عبرت هدي رجب – ربة منزل – عن استيائها من التخطيط الفاشل للدولة، الذي اهتم بإهدار مساحة شاسعة من أرض سوق الخضار بعد نقله وتحويلها إلى حديقة وملاهي، بدلا من الاستفادة بها في بناء عقارات سكانية لأهالي العزبة، مشيرة إلى أن الدولة تهتم بالمظهر والتجميل دون الحرص على جوهر المشكلات، فكان يجب عليها تطوير المنطقة بالكامل والاهتمام بالأحياء المطحونين في الفقر والجهل والمرض قبل أن تركز على زراعة الأراضي حدائق. أضافت أنها تخشي قدوم الشتاء بأمطاره الغزيرة، حيث تخترق المياه الأسطح الخشبية، وتقوم بتدمير الأثاث وتتسبب في إحداث ماس كهربائي، بل وحرقت الشقة من قبل.