وقال أحد الأشقاء المصريين أن الكتاب الوحيد الذي ندم علي قراءته أشد الندم هو »كتابه» علي زوجته بحضور المأذون. قال أديب العباقرة عباس محمود العقاد »ليس هناك كتاب أقرأه ولا أستفيد منه شيئاً جديداً. فحتي الكتاب التافه أستفيد من قراءته لأني تعلمت شيئاً جديداً هو: ما هي التفاهة»؟ وقديماً قال شاعرنا الأكبر أبو الطيب المتنبي: »خير جليس في الزمان كتاب». ومثله قال الجاحظ: »الكتاب هو الجليس الذي لا يُطْرِيكَ، والصديق الذي لا يَقلبك، والرفيقُ الذي لا يُملّك، والمستميح الذي لا يؤذيك، والجار الذي لا يستبطئك، والصاحب الذي لا يستخرج ما عندك بالملَقِ ولا يعاملك بمكر ولا يخدعك بالنفاق». وللجاحظ أيضاً: »الكتاب هو الذي إن نظرت فيه أطال إمتاعك، وشحذ طباعك، وبسط لسانك، وجَوّد بيانك، وفَخّم ألفاظك، وعَمّر صدرك، وحباك تعظيم الأقوام، ومنحك صداقة الملوك، يطيعك في الليل طاعته في النهار، وإن هبّت عليك ريح لم ينقلب عليك». وعلّق صديق علي هذه الجملة الأخيرة فقال: »إنها تنطبق أيضاً علي الدولار»! وأنا أقول له ما قالته الشغالة للبيه البواب: »يخيبك»! أحدثه عن خير جليس وصداقة الملوك وعباس العقاد فيقول »إمبارح بالليل.. في ساعة الفسق اللي لما تبقي الشمس فيه وره الأوتوبيس علي طول»! دعنا من عادل إمام له طول العمر، وأحمد زكي رحمه الله. كتاب إعجازي لا يُضاهي حين دخلتُ الزنزانة الانفرادية في معتقل حاكمية تحقيق المخابرات العراقية في عام 1998 بأمر من الرئيس الراحل صدام حسين بسبب أحد مقالاتي النقدية، زارني بعد أسبوع من »استضافتي» مدير السجن وسألني عما إذا كنت أحتاج شيئاً. فقلت له: نعم. أريد نسخة من القرآن الكريم. ووصلني كتاب الله في اليوم نفسه. وختمتُ قراءته عشر مرات في ثلاثة أشهر. قد لا يصدق البعض حين أحكي له ما منحه لي هذا الكتاب العظيم من صبر وأمل ويقين. ولكن هذا هو الحال. لذلك أقول إن كتاب الله كتاب إعجازي لا يضاهي. ولا تستطيع أن تضعه في قائمة أفضل الكتب في العالم لأنه فوق أي مقارنة أو منافسة أو مضاهاة. زرنيخ علي أوراق كتاب اليوم خميس »وهلا بالخميس» وليس جمعة مباركة. ولذلك أبدأ بالإشارة إلي أخطر الكتب التي تصل في ضررها إلي درجة الموت أو الكوابيس أو القلق الدائم أو الخوف من كل شيء. أول هذه الكتب عنوانه »الموت الرحيم» المحظور توزيعه وبيعه في كل الدول تقريباً بسبب تناوله موضوعاً حساساً وهو الانتحار. ويشرح الكتاب 90 طريقة للانتحار، بعضها يغريك فعلاً بذلك! وثاني هذه الكتب المرعبة عنوانه »الظلال من جدران الموتي»، وتوجد منه نسختان فقط في أحد المتاحف الأمريكية تحت حراسة مشددة لأن مؤلفه وضع مادة الزرنيخ علي أوراقه مما يؤدي إلي موت كل من يلمس الكتاب أو يشمه! وثالث الكتب القاتلة عنوانه »شمس المعارف» وهو من 600 صفحة ويتضمن أسماء ملوك الجن وطرق استحضارهم لخطف روحك وأنت تستمتع بأغنية »هذه ليلتي» لأم كلثوم! والكتاب البشع الرابع عنوانه »كتاب الموتي» يتحدث عن الموت والأموات والقبور وطرق التواصل مع المرحومين. ويُشاع أن من يمتلك هذا الكتاب ناقصاً صفحة أو أكثر يموت فوراً بطريقة مرعبة! أما الكتاب الخامس فهو »بروتوكولات حكماء صهيون» الذي يشرح بتفصيل مُمِلّ خطط السيطرة علي العالم من خلال الحروب وتدمير الدول والشعوب، وهو الكتاب الوحيد في هذه القائمة الذي قرأته منذ أكثر من نصف قرن حين أصدرته إحدي دور النشر المصرية وسمحت بتوزيعه الرقابة في العراق. والسؤال: هل كل هذا الدمار في العراق وسوريا واليمن وليبيا وقبل ذلك في فلسطين بفعل هذا الكتاب الذي تبذل »إسرائيل» جهوداً لا تتوقف لمصادرة وإحراق طبعاته بكل اللغات؟ الراوي الذي رأي في اللغة العربية، كما في اللغات الأخري، قد لا تستطيع أن تقول هذه الرواية هي الأجمل أو الأفضل أو الأشمل في العالم. لكل رواية مناخها ورائحتها وظروفها وزمانها ومكانها. العرب يعتبرون نجيب محفوظ هو الراوي الذي يري ما أمامه بعد أن رأي ما وراءه. الشرقيون من كل الأقوام يردّون علي سؤال: ما هي أجمل رواية؟ إنها »ألف ليلة وليلة». الرواية التي لا تموت ولا تصفَر أوراقها ولا تُنسي ذكرياتها. الغربيون من كل الأقوام ينقسمون بين تولستوي وتشيخوف الروسيين وشكسبير الإنجليزي وهمنجواي الأمريكي وشارلوت برونتي الإنجليزية وآخرين. لكنهم يتوحدون أمام روايات ومسرحيات »دون كيشوت» لسرفانتس الإسباني و»هاملت» لشكسبير و»مريض الوهم» لموليير الفرنسي و»الجريمة والعقاب» لدوستوفسكي الروسي و»البؤساء» لفيكتور هيجو الفرنسي و»قصة مدينتين» لديكنز البريطاني و»فاوست» لجوته الألماني و»الكونت دي مونت كريستو» لدوماس الفرنسي و»100 عام من العزلة» لماركيز الكولومبي. دخلك يا سايق المطر طبعاً الكتب ليست كلها روايات وقصصاً ومسرحيات وكيف تنتحر ودليل الطبخ والتغذية وقاموس أوكسفورد والبيان والتبيين والأغاني لأبي فرج الأصفهاني ومذكرات هتلر. فقد جاء يوم قرأنا فيه: » كلمات المجموعة الكاملة لأغاني محمد الكحلاوي» ولم نندم. وقال أحد الأشقاء المصريين أن الكتاب الوحيد الذي ندم علي قراءته أشد الندم هو »كتابه» علي زوجته بحضور المأذون. ومنذ نصف قرن أَعجبت حكاية تأليف الكتب أحد زملائي في وزارة الإعلام العراقية بعد أن لاحظ »دسامة» المكافآت، فقدم اقتراحاً لدائرة النشر لتأليف كتاب عن »سوسولوجية الثورة» واستلم جزءاً من المكافأة لظروفه المادية الصعبة. وبعد ثلاثة أشهر سألته عمّا أنجزه من الكتاب فقال إنه كتب حتي الآن كلمتين مهمتين هما: عزيزي القارئ! وبعد مرور عشرين عاماً سألته عن الكتاب فقال أنه أضاف إليه: أُهدي الكتاب إلي أمي! كُتب مُمِلّة وأُخري منيرة ومثلما هو الحال في الصحف أو المجلات أو الأفلام، بعضها كئيب أو مُمِلّ أو ثقيل الدم أو لا يُقدم ولا يؤخر، الكتب كذلك. وهناك صحف ومجلات وكتب تقرأها فتنير فكرك وتدخلك في عوالم لا تحلم بها. دعني أقدم لك مثالين قبل أن تفكر في تأليف كتاب. الكتاب الأول هو دليل الجيب السنوي الذي تصدرته مجلة »الإيكونومست» البريطانية منذ عام 1991. تشمل المواضيع خدمات البنوك ومؤشر السلام العالمي والمتاحف والمعارض الفنية والاقتصاد والكائنات المهددة بالانقراض. وهو يقدم تصنيفاً لأكثر من 200 موضوع ويغطي أكثر من 190 دولة، كما يتضمن إحصائيات مفصلة عن أكثر من 65 دولة ومنطقة اليورو. تستطيع أن تعرف الاقتصاديات الأسرع نمواً في العالم، وأفضل المدن التي توفر وسائل العيش المريح، وأين يرتفع التضخم وأين ينخفض، وأنشط دولة في التجارة العالمية، والدول التي تضم أكبر عدد من اللاجئين، وأكثر الدول إبداعاً، والدول التي تطول فيها أعمار الناس أو تقصر، والدول الأفضل إنفاقاً علي التعليم، والدول الغارقة في الديون، وأكثر الدول استهلاكاً للطاقة، وأغلي أسعار تأجير المكاتب، وأعلي معدلات الطلاق، وأكثر الدول استخداماً للانترنت وإمتلاكاً لاجهزة الموبايل والكومبيوتر، وأعلي نسبة وفيات بسبب الإيدز، والدول التي تتمتع بالديمقراطية وحرية الصحافة، والدول الأكثر إعتقالاً للناس، وأفضل الدول التي تتخذ إجراءات لحماية البيئة، وأين تنتشر السمنة. وأكثر الدول إنفاقاً علي التسليح.. وأفتح قوساً هنا لأشير إلي أن الولاياتالمتحدة تتصدر صناعة الأسلحة والهند تتصدر الدول المستوردة. وفي مجال الحياة العامة نقرأ عن أحجام السكان ونموهم والحمل والجنس، والأعمار والكثافة السكانية، واللاجئين وطالبي اللجوء، واقتصاد العالم، ومستويات المعيشة، وجودة الحياة، والنمو الاقتصادي والتجارة، وميزان المدفوعات والحساب الجاري وسعر الصرف، والتمويل الحكومي، والتضخم، والديمقراطية، والدين، والمساعدات الانسانية، والصناعة والخدمات، والزراعة، والطاقة، والعمال، وعالم الأعمال التجارية، والإبداع، وتكاليف البحوث، والروتين والفساد والقرصنة، والبنوك والبورصة. ثم هناك معلومات مفصلة عن النقل: الطرق والسيارات والطائرات والقطارات والسفن. ومعلومات عن السياحة، والتعليم، ومتوسط الأعمار، ونسبة الوفيات، والموت والأمراض، والصحة، والزواج والطلاق، والمنازل، والهواتف والكومبيوتر والإنترنت، والموسيقي والسينما والمتاحف، وحرية الصحافة وتوزيع الصحف اليومية. فإذا لم تكتف بذلك، هناك معلومات عن الألعاب الأوليمبية الصيفية والشتوية، والمشروبات الكحولية والتدخين، والجريمة والعقاب، والحرب والسلام، والبيئة. ولا ينسي هذا الدليل الشافي والوافي إحصائيات عن الدول التي حصل مواطنوها علي جوائز نوبل في مجالات السلام والأدب والطب والفيزياء والكيمياء والاقتصاد. ثم أرقام تفصيلية عن سكان كل دولة واقتصادها وتعليمها وصحتها والحياة العامة. إذا شعرت بشيء من الملل، فأمامك ملاحظة طريفة في آخر سطر من الكتاب: سكان إستونيا، وهي جمهورية تقع في منطقة بحر البلطيق بشمال أوروبا، ونفوسها مليون و300 ألف نسمة، هم الأكثر استهلاكاً للمشروبات الكحولية من أي شعب آخر، وشعارهم: هل رأي الحب سُكاري مثلنا؟! الخطوط الأمامية للتاريخ كما قلنا مجلة »الأيكونومست» اقتصادية وكل تلك العناوين ضمن إختصاصها. إلا أن مجلة »تايم» الأمريكية الإخبارية أصدرت كتاباً جميلاً عنوانه »أماكن عظيمة في التاريخ» يهدف إلي توجيه القراء إلي الخطوط الأمامية للتاريخ والأماكن التي جرت فيها الثورات والاكتشافات، واصطدمت فيها الحضارات، وجرت فيها المعارك الحاسمة، وطرحت فيها أفكار راديكالية، ومارس فيها فنانون عظام سحرهم. وتقول مقدمة الكتاب إنه »يستعرض التاريخ من منظور مختلف» فبدلاً من التركيز علي شخص واحد أثّر في الأحداث أرسلت المجلة محرريها للبحث عن أماكن صنعت الأخبار. والنتيجة هي قائمة »المائة» لأفضل الأماكن وأكثرها تأثيراً في مجري التاريخ. إنها سفرة سياحية وثقافية علي الورق أرجو أن تكون سعيدة.. وأعتذر عن الاختصار والإطالة معاً. • كاتب عراقي مقيم بالقاهرة