إلاعلان عن شراء رائد الفضاء علبة مياه غازية أو كوب نسكافيه من كشك فضائي يجذب المشاهدين أضعاف ما يجذبه إعلان نانسي عجرم وهي تشرب »ماء الطرشي». تُناجي فيروز حبيبها: »شايف البحر شو كبير.. كبر البحر بحبك. شايف السما شو بعيدة.. بعد السما بحبك». وأعلنت فيروز في بيان عاجل إنها »والقمر جيران». وعلي الرغم من أن المسافة بين الأرض والقمر تبلغ نحو 385 ألف كم، فإن المرحومة فائزة أحمد كانت تزعم أن »القمر عالباب يامّه»! ولم يكتف ملحم بركات بالقمر الوحيد فكشف أنه »علي بابي واقف قمرين»! المسافة بين الشمس والأرض 149 مليونا و600 ألف كم. والمسافة بين الأرض والمريخ نحو 100 مليون كم. والمسافة بين طوكيو في أقصي شرق آسيا ولندن في أقصي غرب أوربا 11201 كم. والمسافة بين الدار البيضاء علي المحيط الأطلسي ودبي علي الخليج العربي 6142 كم. والمسافة بين القاهرة حيث أقيم إلي أن يقضي الله أمراً كان مفعولا ولوس أنجلوس حيث يقيم أحد أصدقائي 14082 كم، وهو يُصرّ علي دعوتي لقضاء يومي السبت والأحد في ضيافته. أين أنت يا حجي حاتم الطائي؟ أما المسافة بين بائع السمك المشوي في بغداد وبائع الكنتاكي في واشنطن فتبلغ 14006 كم، ومع ذلك جاء المحتلون الأمريكيون من آخر الأرض في العالم الجديد إلي أول الأرض في العالم القديم فدمروا وقتلوا واعتقلوا وعذبوا وهَجّروا ملايين العراقيين. حدث لا تراهُ إلا مرة واحدة أتيح للبشر أن يروا في عام 1986 مذنب هالي خلال مروره في مدار الأرض، وهي ظاهرة تتكرر كل 76 سنة تقريباً. وشاهدنا فعلاً في أحد المراصد العلمية في بغداد ذلك الحدث العلمي التاريخي الذي قد لا يراه المرء إلا مرة واحدة في عمره. لقد تجاوزت مراكز الفضاء العالمية الرحلات إلي القمر وبدأ السباق إلي المذنبات والمريخ، بينما نحن مشغولون بتنظيم »داعش» الإرهابي. وظل العرب يفخرون بأول محاولة طيران عربية قام بها عباس بن فرناس، ويتغنون مع فريد الأطرش ببساط الريح.. »جميل ومريح وكله أمان»! وبعيداً عن داعش وماعش والعراق واليمن وليبيا وسوريا والميليشيات والطوائف والمعتقلات والاغتيالات والإعدامات والعالم السفلي، فإن العالم العِلوي بخير. وصلت الهند من أول محاولة إلي المريخ، وهو الأمر الذي لم تحققه الولاياتالمتحدة ولا روسيا ولا الاتحاد الأوربي. صحيح إن أميتاب باتشان لم يكن علي متن الصاروخ الذي حمل علم الهند إلي المريخ، ولكن »بوليوود» لن تنتظر كثيراً حتي تُنتج وتُصور وتُخرج أول فيلم فضائي غنائي هندي يتمايل فيه باتشان السبعيني مع أجمل راقصات بلد العجائب علي أطراف إحدي فجوات المريخ. وأعربت مجلة »تايم» الأمريكية عن دهشتها لأن تكاليف الرحلة الهندية إلي المريخ بلغت 74 مليون دولار فقط، وهي كلفة تقل عن تكاليف إنتاج فيلم »غرافيتي» أو »الجاذبية» الفضائي الذي أنتجته هوليوود وكلفها مائة مليون دولار ونال عدة جوائز عالمية. البرياني الهندي يصل إلي المريخ وبوصول مركبة الفضاء »مانغاليان» وهو ما يعني بالهندي »مركبة المريخ» تكون الهند حجزت المقعد رقم 18 في سلسلة الرحلات العالمية إلي المريخ منذ عام 1960. لكنها الوحيدة التي نجحت من المحاولة الأولي بعكس عدة محاولات غربية وشرقية فاشلة. كانت الهند أطلقت أول قمر اصطناعي في عام 1975، ومنذ ذلك التاريخ أطلقت عشرات الأقمار للاتصالات والمعلومات والمراقبة والإعلام. من حق رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي أن يفخر بإنجاز بلاده المذهل واصفاً إياه بأنه »شبه مستحيل»، بينما مازلنا نختلف علي رؤية هلال شهر رمضان! العنبة الهندية (وهي مخلل المانجو) والسامبوسك والبرياني وخبز النان والكاري فعلوا فعلتهم، فهذه دولة خارقة للمعتاد. وعلي الرغم من الفقر المدقع في مدن العشوائيات، والثراء الفاحش في قصور المهراجات، والقطارات المكتظة، وعربات الريكشا، فإن نيودلهي تجد في نفس الوقت مساحة رحبة لارتياد الفضاء وإنتاج أصغر سيارة في العالم. لم يعد الهندي هو ذلك الفقير الجالس القرفصاء علي البساط أمام السلة التي يكمن فيها ثعبان الكوبرا. فبساط الفقر أوصل الهند إلي المريخ، وبحيرات النفط أوصلت العراق إلي الهاوية! علماء فضاء يتعلمون من أفلام الكارتون في جولة علي الأقدام في مدينة باسادينا بولاية كاليفورنيا قبل أربعين عاماً تسمرتُ فجأة وأنا أقرأ لافتة علي عمارة عادية تشير إلي أنها أحد مقرات وكالة »ناسا» الفضائية، فهنا يُكتب تاريخ جديد للفضاء الخارجي. وأوضح مرافقي أن هذا المقر متخصص في مختبرات الدفع النفاث وتصميم المركبات الفضائية. يروي عالم باكستاني إنه في أول زيارة له إلي منظمة »ناسا» الفضائية الأمريكية اكتشف أن علماء الفضاء الأمريكيين يشاهدون في أوقات الفراغ أفلام كارتون! وحين لاحظوا دهشته وابتسامته قالوا له: إن طريق الفضاء بدأ بخيال أفلام الكارتون ثم بأفلام الخيال العلمي. ويخطط العلماء بدأب منذ سنوات لإقامة أول مستعمرة، أو مستوطنة، بشرية علي سطح أي كوكب يتوافر فيه الأوكسجين والماء والضوء بما يسمح بنشوء أول حضارة إنسانية خارج كوكب الأرض. هذا الحلم الكبير سيتحقق في يوم ما، فقد كان نزول الإنسان علي سطح القمر كفراً وليس حلماً، لكنه صار اليوم عملاً روتينياً نقرأه في الصحف مع أخبار الإرهاب وأسعار الدولار وحالة الطقس وأين تسهر هذا المساء. معجزة خروج الكتكوت من البيضة منذ سنوات توقف زائرون لمعرض التكنولوجيا المتطورة في متحف العلوم في مدينة بوسطنالأمريكية أمام نماذج من الليزر والصواريخ والكبسولات الفضائية. إلا أنهم سرعان ما تركوا الاختراعات الفذة وتحلقوا حول حاضنة تفقيس بيض حديثة. فصاح أحدهم: إنظروا هذه البيضة تتحرك! وترنحت البيضة وظهر خدش في قشرتها وبدأ كتكوت يشق طريقه إلي الحياة بمنقاره وجناحيه. ونظر إلي الناس وهو يرتعد خوفاً وبرداً، ثم أغمض عينيه وعاد إلي داخل البيضة! فحثه أحد الزوار علي الخروج: »هيا! تستطيع أن تخرج». فسمع الكتكوت النصيحة واستأنف شق جدار البيضة ثم ارتمي علي أرض الحاضنة مُجهداً بينما الزوار يصفقون له ناسين معرض الليزر والصواريخ ومركبات الفضاء! والحكمة من هذه الطرفة إن التكنولوجيا المذهلة لها أهميتها في حاضرنا ومستقبل الأجيال اللاحقة، لكن الحياة أهم منها كثيراً. فالتكنولوجيا من صنع البشر، أما الحياة فمن إبداع الخالق سبحانه وتعالي. أسواق طائرة لخدمة رواد الفضاء طبعاً يدهشنا كثيراً وصول مركبات الفضاء المأهولة وغير المأهولة إلي القمر والمريخ والمذنبات، لكن يدهشنا أكثر حين نكتشف أن العلماء يخططون لإقامة أول »سوبر ماركت» أو »مول» فضائي! فقد وجدوا أن نفقات إرسال قطع غيار للأقمار الاصطناعية والمركبات الفضائية وبعض لوازم رواد الفضاء أكثر كلفة مما لو تم إطلاق »ماركت» فضائي يقدم بضائع فضائية للزبائن! حينها سيجد رواد الفضاء لبناً طازجاً وربما بيتزا أو كشري أو بطيخاً أو بلحاً في أي وقت. ورائد الفضاء الذي يدور حول الأرض سيعرف بالضبط متي سيصل إلي أقرب »سوبر ماركت» فضائي ليشتري منه ب »السبيس كارت»، علي غرار »الفيزا كارت»، بطارية جديدة بدلاً عن بطارية المركبة العاطلة أو خوذة جديدة له أو شجرة عيد الكريسماس أوعلبة فاصوليا طازجة أو آخر عدد من مجلة »تايم»! ومن المؤكد أن شركات عالمية كبري ستتسابق لتحمُّل نفقات هذا »الماركت» الفضائي، فإلاعلان عن شراء رائد الفضاء علبة مياه غازية أو كوب نسكافيه من كشك فضائي يجذب المشاهدين أضعاف ما يجذبه إعلان نانسي عجرم وهي تشرب »ماء الطرشي». ومن يدري لعل العلماء سيتوصلون إلي طريقة مناسبة علي غرار »توصيل الطلبات إلي المنازل» لتوصيل الطلبات إلي المركبات الفضائية. وسيحتاج »السوبر ماركت» هذا إلي مركبات تجهيز أغذية ولوازم وقطع غيار. حتي الآن فإن روسيا هي رائدة سياحة الفضاء، لكن هناك حجوزات علي رحلات أمريكية وأوربية مفترضة، وتخيلوا ما سيحدث بعد عشرة أو عشرين عاماً مقبلة حين ستحزم الأسرة العربية المتمكنة أمتعتها وتركب أول »أوتوبيس» فضائي في إجازة الصيف لمشاهدة بيتها علي الأرض كما يبدو من الفضاء. وتختتم الأسرة رحلتها بالتسوق من »سوبر ماركت» القمر أو المريخ أو مذنب هالي أو كورنيش عطارد، ففيه صخور طازجة! لا حدود للخيال البشري حتي وإن بدا للبعض الآن إنه مجرد »هلوسة». كل الإختراعات والإبتكارات والإكتشافات بدأت بأحلام وهلوسات ثم تخطيطات واحتمالات وتجارب ومختبرات، لكن خروج الكتكوت من البيضة حياً يرزق لا يزال يذهلنا.. ويذهل رواد الفضاء أيضاً.