هذه الحقيقة يجب أن نواجهها وأن نحاول أن تكون حركة الشرق الأوسط في الاتجاه الصحيح لحل مشاكل مزمنة. والآن.. متي بدأ التحرك؟ إنه وقع بعد مجيء الرئيس الأمريكي باراك أوباما إلي البيت الأبيض مباشرة. أعلن ضرورة قيام دولتين في فلسطين إحداهما عربية والأخري يهودية. وقال بضرورة وقف إقامة المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية. ولم يقل ذلك همساً أو بعبارات ملتوية. بل واجه بها رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو وقال: لا حل إلا بإقامة دولتين. واضطر نتنياهو إلي أن يوافق ولكنه أصر علي جعل الدولة الفلسطينية بلا جيش وسماؤها مفتوحة لإسرائيل. وهي دولة منزوعة السلاح. باختصار أنها دولة بلا أسنان. ورحب أوباما بموافقة نتنياهو علي إقامة الدولة الفلسطينية واعتبرها الاتحاد الأوروبي خطوة خطيرة جداً إلي الأمام وإن كانت خطوة علي أي حال. ونتنياهو يري اتباع الأسلوب الإسرائيلي القديم في التسويف والتأجيل وأصر علي استئناف إقامة المستوطنات في الضفة الغربية. وإذا أصر أوباما علي موقفه فإن نتنياهو سيعلن موافقته علي عدم إقامة المستوطنات كما وعد رؤساء وزارات إسرائيل من قبل ولكنه سيبنيها ويبنيها. فالطريقة الإسرائيلية واحدة وهي تعتمد علي تغير الظروف وانتهاز الفرص المناسبة. وأوباما يعرف ذلك ومن هنا كان خطابه في جامعة القاهرة تعبيراً عن رغبته في بدء علاقة جديدة بين أمريكا والعالم الإسلامي. وهذه الخطبة تمثل بداية أمريكية جديدة في السياسة الخارجية يجب أن نرحب بها وأن نبني عليها. * * * المهم بعد خطاب أوباما. معقول يكون للخطاب علاقة بما جري في لبنان. ولكن ما حدث في بيروت من هزيمة حزب الله في الانتخابات اللبنانية وأن سوريا تقبلت هزيمة أنصارها في لبنان وأخذت تقيم علاقة جديدة مع لبنان علي أساس انفصال سوريا عن لبنان وزوال التحكم السوري في أمور لبنان. * * * الفلسطينيون بدأوا يدركون أن عليهم التفاهم مع أجنحتهم المتصارعة. ومهما زايد كل طرف في مطالبه فالاتفاق الفلسطيني قادم. خاصة وأن ظروف إيران بعد الانتخابات الرئاسية الأخيرة ستجعل طهران تنشغل بأمورها الداخلية عن الاهتمام بحماس أو حزب الله. وإذا انقطع دور إيران في فلسطين ولبنان فإن تفاهم الفلسطينيين والإسرائيليين سيتحقق إلي حد ما ولكن ذلك لا يعني أن السلام سيقوم بينهما بسهولة إلا إذا عقد أوباما العزم علي إقامة الدولتين في فلسطين وضغط علي إسرائيل.. إن استطاع. * * * ونحن الآن إلي إيران.. انتخابات الرئاسة الإيرانية تمت يوم 12 يونيه. وأعلن حسين موسوي أقوي خصوم رئيس الجمهورية أحمدي نجاد.. حسين موسوي أعلن أنه فاز بالرئاسة بينما أعلنت وزارة الداخلية الإيرانية فوز أحمدي نجاد. وقامت المظاهرات المؤيدة لموسوي منذ الانتخابات ولم تنقطع أبداً. وأخذ المتظاهرون يقفون فوق أسطح المنازل يهتفون "الله أكبر" تماماً كما حدث عام 1979 عندما قامت الثورة الإسلامية الخمينية ضد شاه إيران.وطعن المتظاهرون في نتيجة الانتخابات وأعلنوا أنها زورت لصالح أحمدي نجاد وطلبوا إجراء انتخابات جديدة لرئاسة إيران. اضطر المرشد الأعلي للثورة الإيرانية خامنئي إلي أن يعلن كل 15 دقيقة في التليفزيون الإيراني أنه مستعد لإعادة فحص أوراق التصويت في بعض الدوائر. ولكن أنصار موسوي لم يقتنعوا بذلك واستمرت مظاهراتهم.بدأ رجال الأمن يقبضون علي المتظاهرين ويضربونهم ويهاجمونهم. وقبض علي ابنة رافسنجاني المؤيد لموسوي الذي كان رئيساً للجمهورية ثماني سنوات وبعض أفراد أسرته.ودعا المرشد الأعلي للثورة الإسلامية لسماعه وهو يخطب الجمعة فامتنعوا عن الحضور لأول مرة. * * * في خطبة الجمعة دافع خامنئي عن أحمدي نجاد وأعلن أنه الفائز فعلاً. وقال إن إقبال الملايين علي التصويت دليل علي ثقة الشعب الإيراني بالثورة الإسلامية.وقال: يمكن تزوير أصوات مائة ألف أو مائتي ألف ولكن من المستحيل تزوير 11 مليون صوت هم الفارق بين أصوات نجاد وموسوي. وأنذر المتظاهرين وهددهم بالاعتقال والسجن.وأوحي في خطابه بأنه سيستعمل الدبابات ضد المتظاهرين. وكان الخطاب عنيفاً لا تبدو فيه لهجة تصالحية مع خصوم نجاد. واتهم خامنئي كلاً من بريطانيا وفرنسا وألمانيا بتأييد المظاهرات والتحريض عليها وإلهاب شعور الإيرانيين ضد الثورة الإسلامية. * * * بدا واضحاً أن التاريخ يعيد نفسه.. وأن ثورة الخميني ضد الشاه عام 1979 تتكرر بعد 30 عاماً مع فارق واحد وهو أن ثورة مؤيدي موسوي هي نفس الثورة. ولكن ضد خامنئي هذه المرة وأنها قد تطيح بالثورة الإسلامية كلها. وقال رجال خامنئي: عام 1979 كان كل الثوار ضد شاه إيران وأقنعته أمريكا بالهروب إلي مصر. ولذلك انتصرت الثورة: الآن كل المرشحين من رجال الثورة الإسلامية فهم ليسوا خوارج عليها. ومن هنا قال خامنئي إنه لن يتنازل أمام الثوار والمتآمرين. وطرد نجاد مراسل ال"بي.بي.سي". ومنع المراسلين الأجانب من تغطية أحداث المظاهرات. واقتنع المرشد الأعلي بأنه لو تنازل أمام المتظاهرين فإن ذلك سيكون نهاية الثورة الإسلامية الإيرانية. وبدأ العالم كله يتكلم عن أن الثورة الإسلامية في إيران في طريق النهاية. فالمتظاهرون يريدون حكماً مفتوحاً علي العالم ومعقولاً وفيه قدر كبير من الحرية ولا اعتقالات كما يفعل نجاد. وأيضاً لا قنابل نووية. بل حياة أكثر رخاء للشعب. والواضح الآن أن المرشد الأعلي الذي تولي السلطة قبل عشرين عاماً بعد رحيل الخميني لن يغير أسلوب الحكم أو سياسته الخارجية. وطلب المرشد الأعلي وقف كل المظاهرات. * * * الغرب يري أن دور إيران سينكمش في الشرق الأوسط وبالذات في لبنان وفلسطين وسوريا. وأوباما هو أقل الزعماء العالميين هجوماً علي إيران. فهو يري أن التغيير يجب أن يجيء من داخل إيران نفسها. والعالم كله يعتقد أن إيران لن تعود إيران الثورية التي تريد فرض نفوذها في المنطقة. وأن الانقسام الذي وقع داخل أجنحة الثورة الإسلامية سيترك آثاره وستكون له توابعه بعيدة المدي. ويبقي السؤال: هل سيتراجع موسوي أم سيجد أن الثورة الإسلامية تصدعت أكثر. ويجب عليه أن يترفق بها للإبقاء عليها. أم سيري أن هذه الثورة لابد أن تنتهي؟.هذا هو السؤال..الذي ستجيب عليه الأيام القادمة. وبقي أن نعرف أن موسوي لا يريد تغيير نظام الحكم في إيران. بل يسعي إلي إصلاح هذا النظام وأن يسمح لرياح الحرية أن تهب عليه بدلاً من القهر.. والقهر. * الجمهورية