رغم الارتياح الذى ساد فى الأوساط السياسية الإسرائيلية عشية لقاء رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو والرئيس الأمريكى باراك أوباما، حينما فُسرت الرسائل الصادرة أخيرًا عن موظفين فى البيت الأبيض بأنها «مطمئنة» فى اتجاه عدم توقع لقاء خلافى بين الزعيمين، غير أن التباعد فى المواقف بدا واضحًا بين أمريكا وإسرائيل بعد المحادثات التى أجراها أوباما ونتنياهو لثلاث جولات متتالية فى البيت الأبيض، فقد أصر أوباما على التزام بلاده بحل الدولتين، وطالب إسرائيل بالالتزام بوقف بناء المستوطنات فى إطار «خريطة الطريق»، لكن نتنياهو طالب الفلسطينيين بالاعتراف بيهودية إسرائيل، وهو ما يعنى رفض حق عودة اللاجئين، الأمر الذى يرفضه الفلسطينيون، كما لم يذكر نتنياهو أى شىء عن حق الدولة الفلسطينية وقال بعد المحادثات إن على الفلسطينيين أن يحكموا أنفسهم بأنفسهم، لكنه لم يقل فى إطار الدولتين. ويبدو واضحًا من هذه التصريحات أن نتنياهو قاوم ضغوطًا من واشنطن للقبول بحل الدولتين. لقد كان التضارب فى الخطاب الأمريكى - الإسرائيلى النتيجة الأوضح للقاء الأولى بين أوباما ونتنياهو منذ أن توليا منصبيهما، فى ضوء تشديد الرئيس الأمريكى على «حل الدولتين» وضرورة وقف الاستيطان، والتزام إسرائيل «بالاتفاقات السابقة» ومن بينها خريطة الطريق ونتائج مؤتمر أنابوليس، وتشديده على الانخراط الدبلوماسى الجدى مع إيران، دون وضع جدول زمنى وإن كان قد حدد نهاية العام مهلة لجس مدى التقدم فى المفاوضات مع إيران، الأمر الذى لم يعجب نتنياهو بالطبع، فقد كان عاقدًا العزم قبل انطلاق المحادثات مع أوباما على أنه لن يقبل بحل الدولتين ولن يخضع لضغوط أوباما لقبول حل الدولتين، كما وضع فى حسبانه إمكانية توجيه ضربة عسكرية ضد إيران، فهناك حالة استعجال فى إسرائيل تجاه التهديدات النووية الإيرانية وهذا يتطلب موقفًا وقرارًا حاسمًا وسريعًا، الأمر الذى لم تحققه تصريحات أوباما وجاء مخيبًا للآمال بالنسبة لنتنياهو، فقد فضلت إدارة أوباما دعوة إسرائيل إلى ضبط النفس وعدم القيام بأى مبادرة من شأنها القيام بعمل عسكرى أو ضربة جوية ضد إيران تفسد المساعى الأمريكية بتطبيع العلاقات بين واشنطن وطهران، كما ترى الإدارة الأمريكية أن حل النزاع الفلسطينى الإسرائيلى سيؤدى إلى تحسن العلاقات مع إيران. ورغم أن هذه الزيارة تهدف إلى عرض مواقف أولية فقط على الأقل من جانب إسرائيل - لتكون المرحلة التالية لعقد اجتماعات على مستوى طواقم عمل ومحاولة جسر الفجوات بين الجانبين وبحث سبل التقدم فى العملية السياسية والقضايا الاستراتيجية، فإن مسؤولاً فى وزارة الخارجية الأمريكية أكد أن واشنطن ستقوم بدور فاعل على مستوى السلام الشامل فى المنطقة فى الأشهر القليلة المقبلة، وفيما يبدو أنه نقلة نوعية فى الاستراتيجية الأمريكية من مرحلة الإصغاء إلى مرحلة التنفيذ والمباشرة بخطوات عملية لتحريك المسار الفلسطينى - الإسرائيلى، إذ تؤكد إدارة أوباما أن واشنطن تدرس كيفية البناء على أفكار مطروحة فى المبادرة العربية للسلام، وأن زيارة نتنياهو ومن ثم زيارتى الرئيسين المصرى حسنى مبارك، والفلسطينى محمود عباس، المحتملتين لواشنطن ستكون لمتابعة المشاورات حول الخطط المستقبلية للسلام فى المنطقة. الارتياح الإسرائيلى من عدم توقع لقاء خلافى بين نتنياهو وأوباما سرعان ما خاب الأمل فيه، خصوصاً بعدما ظهر أن الموقف الذى يتبناه أوباما يتناقض بصورة كبيرة مع الصورة السطحية عن النزاع الفلسطينى - الإسرائيلى التى كانت لدى الرؤساء الأمريكيين السابقين، حيث جلبوا معهم إلى البيت الأبيض سجلاً خاوياً شكله عقب ذلك التحالف القوى مع إسرائيل. ويسود اعتقاد فى الأوساط الإعلامية الأمريكية والإسرائيلية بأن أوباما يدرك معاناة الفلسطينيين، فالرئيسان السابقان لأوباما بيل كلينتون وجورج بوش تواجدا فى عصر كانت فيه وجهة النظر الأمريكية - الإسرائيلية عن النزاع فى الشرق الأوسط هى المعلم الأساسى، وعلى الرغم من إبداء كل منهما تعاطفه مع الفلسطينيين، خاصة كلينتون الذى دفع بقوة باتجاه السلام خلال الأشهر الأخيرة من رئاسته، فإن رؤاهم تشكلت من خلال الإسرائيليين واليهود الأمريكيين أكثر من المسلمين، بعكس ما يحدث فى عهد أوباما الذى لن يكون عهداً سهلاً بالنسبة للذاكرة الإسرائيلية كما يبدو حتى الآن!!