ضياء رشوان: الرئيس السيسي يضع عينيه على المستقبل    نشرة «المصري اليوم» الصباحية.. مفاجأة في نص أقوال الفنانة هلا السعيد بواقعة «سائق أوبر».. وأسعار الذهب الإثنين 10 يونيو 2024    تراجع أسعار النفط لثاني جلسة على التوالي في تعاملات اليوم    واشنطن تدعو مجلس الأمن إلى التصويت على مشروع قرار يدعم مقترح الهدنة في غزة    اليمين المتطرف يحقق مكاسب في الانتخابات الأوروبية، وفون دير لاين قد تحظى بولاية ثانية    نائب في الدوما الروسية: إمدادات الأسلحة الغربية لأوكرانيا تدفع العالم إلى أحضان الجنون النووي    ترامب يطالب بايدن بالخضوع لاختبارات القدرات العقلية والكشف عن المخدرات    الفلسطيني أمير العملة يتوج بذهبية بطولة العالم بلعبة "المواي تاي"    31 لجنة تستقبل 9700 طالب وطالبة بامتحانات الثانوية العامة بالإسماعيلية    نشرة ال«توك شو» من «المصري اليوم»: رئيس «اتصالات النواب» يزف بشرى سارة عن مكالمات التسويق العقاري.. وعمرو أديب عن مدرس الجيولوجيا: «حصل على مليون و200 ألف في ليلة المراجعة»    "سياحة الشيوخ" توصي بضرورة تفعيل المنتج السياحي "العمرة بلس"    تصفيات مؤهلة لكأس العالم.. جدول مواعيد مباريات اليوم والقنوات الناقلة    يحيى الفخرانى يطالب بقانون لضبط استخدام الذكاء الاصطناعى فى عمل الفنانين    حزمة إجراءات.. التعليم تكشف الاستعدادات لتأمين امتحانات الثانوية العامة    واشنطن تدعو مجلس الأمن للتصويت على مشروع قرار يدعم مقترح الهدنة فى غزة    تركي آل الشيخ يعلن مفاجأة عن فيلم ولاد رزق ويوجه رسالة لعمرو أديب    الزمالك: شيكابالا أسطورة لنا وهو الأكثر تحقيقًا للبطولات    الكشف على 1346 مواطنا خلال قافلة طبية مجانية بقرية قراقص بالبحيرة    "ده ولا شيكابالا".. عمرو أديب يعلق على فيديو مراجعة الجيولوجيا: "فين وزارة التعليم"    دعوة للإفراج عن الصحفيين ومشاركي مظاهرات تأييد فلسطين قبل عيد الأضحى    ميدو: مباراة بوركينا فاسو نقطة تحول في مسيرة حسام حسن مع المنتخب    المنوفية في 10 سنوات.. 30 مليار جنيه استثمارات خلال 2014/2023    خالد البلشي: تحسين الوضع المهني للصحفيين ضرورة.. ونحتاج تدخل الدولة لزيادة الأجور    الحكم على طعون شيري هانم وابنتها على حبسهما 5 سنوات.. اليوم    «لا تنخدعوا».. الأرصاد تحذر من حالة الطقس اليوم في مصر (موجة حارة شديدة قادمة)    «كنت مرعوبة».. الفنانة هلا السعيد عن واقعة «سائق أوبر»: «خوفت يتعدي عليا» (خاص)    أمر ملكى سعودي باستضافة 1000 حاج من ذوى شهداء ومصابى غزة    يمينية خالصة.. قراءة في استقالة "جانتس" من حكومة الحرب الإسرائيلية    لميس الحديدي: عمرو أديب كان بيطفش العرسان مني وبيقنعني أرفضهم قبل زواجنا    ضمن فعاليات "سيني جونة في O West".. محمد حفظي يتحدث عن الإنتاج السينمائي المشترك    ضياء رشوان ل قصواء الخلالي: لولا دور الإعلام في تغطية القضية الفلسطينية لسُحقنا    هؤلاء غير مستحب لهم صوم يوم عرفة.. الإفتاء توضح    عند الإحرام والطواف والسعي.. 8 سنن في الحج يوضحها علي جمعة    أدعية مأثورة لحجاج بيت الله من السفر إلى الوقوف بعرفة    دعاء رابع ليالي العشر من ذي الحجة.. «اللهم اهدني فيمن هديت»    البابا تواضروس يصلي عشية عيد القديس الأنبا أبرآم بديره بالفيوم    وصفة سحرية للتخلص من الدهون المتراكمة بفروة الرأس    عددهم 10 ملايين، تركيا تفرض حجرًا صحيًا على مناطق بالجنوب بسبب الكلاب    النسبة التقديرية للإقبال في انتخابات الاتحاد الأوروبي تقترب من 51%    برقم الجلوس.. نتيجة الدبلومات الفنية 2024 في القاهرة والمحافظات (رابط متاح للاستعلام)    تحرير 36 محضرا وضبط 272.5 كيلو أغذية منتهية الصلاحية بمدينة دهب    عمر جابر يكشف كواليس حديثه مع لاعبي الزمالك قبل نهائي الكونفدرالية    بمساحة 3908 فدان.. محافظ جنوب سيناء يعتمد المخطط التفصيلي للمنطقة الصناعية بأبو زنيمة    المستشار محمود فوزي: أداء القاهرة الإخبارية مهني والصوت المصري حاضر دائما    حلو الكلام.. إنَّني أرقص دائمًا    مقتل مزارع على يد ابن عمه بالفيوم بسبب الخلاف على بناء سور    رئيس منظمة مكافحة المنشطات: رمضان صبحى ما زال يخضع للتحقيق حتى الآن    عمر جابر: سنفعل كل ما بوسعنا للتتويج بالدوري    اتحاد الكرة يكشف تطورات أزمة مستحقات فيتوريا    تعرف على فضل مكة المكرمة وسبب تسميتها ب«أم القرى»    "صحة الشيوخ" توصي بوضع ضوابط وظيفية محددة لخريجي كليات العلوم الصحية    نقيب الصحفيين: نحتاج زيادة البدل من 20 إلى 25% والقيمة ليست كبيرة    القطاع الديني بالشركة المتحدة يوضح المميزات الجديدة لتطبيق "مصر قرآن كريم"    عوض تاج الدين: الجينوم المصرى مشروع عملاق يدعمه الرئيس السيسى بشكل كبير    مصر في 24 ساعة| لميس الحديدي: أصيبت بالسرطان منذ 10 سنوات.. وأحمد موسى يكشف ملامح الحكومة الجديدة    لميس الحديدي تكشف تفاصيل تهديدها بالقتل في عهد الإخوان    شعبة الدواجن: حرارة الجو السبب في ارتفاع أسعارها الأيام الماضية    محافظ المنوفية يفتتح أعمال تطوير النصب التذكاري بالباحور    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. رفيق حبيب يكتب: الإصلاح السياسي بين الإسلامي والعلماني
نشر في الدستور الأصلي يوم 05 - 06 - 2010

ربما يريد البعض تجاوز الثنائية السياسية بين التيار الإسلامي والتيار العلماني، ولكن التجاوز لن يتم بالتمني، بل بالتعامل الواقعي. ففي البلاد العربية والإسلامية تتعدد التيارات السياسية والاجتماعية والثقافية، ولكن الفجوة الأكبر تتحقق بين التيار الإسلامي والتيار العلماني. فبين التيارات الإسلامية من المشتركات في الثوابت والقيم العليا، ما يجعلها أقرب لبعضها البعض، وبين التيارات العلمانية من المشتركات في الثوابت والقيم، ما يجعلها أقرب لبعضها البعض ولكن ما بين التيار العلماني والتيار الإسلامي اختلاف حول الثوابت، أن النقل حول بعض الثوابت، والاختلاف في الثوابت، أي في القيم والمبادئ العليا، يعمق المسافة الفاصلة بين التيارات، أكثر بكثير من الاختلاف حول الفروع.
والحاصل أن بين التيار العلماني والتيار الإسلامي خلافًا في القيم السياسية العليا الحاكمة للنظام السياسي الرشيد، مما يجعل تصور كل منهما النظام السياسي الرشيد أو الصالح مختلفا. والتعدد في حد ذاته يعبر عن طبيعة الأشياء وطبيعة البشر والمجتمعات، ففي كل المجتمعات هناك تعدد سياسي، ولكن التعدد الحادث في البلاد العربية والإسلامية بين التيار العلماني والتيار الإسلامي، مثل حالة خاصة، لأن كلا منهما استمد مرجعيته من إطار مختلف. والاختلاف في المرجعية التي تستمد منها الأفكار، يوسع الاختلاف، وربما يحوله إلي خلاف. فالتيار العلماني يري أن المرجعية تستمد من العصر، ومن القوة المتقدمة في العصر الحالي، ومادام الغرب يمثل الحضارة المتقدمة، لذا تصبح الحضارة الغربية هي المرجعية التي يمكن أن تحقق التقدم والنهوض. ولكن التيار الإسلامي يري علي العكس من ذلك، أن المرجعية تستمد من التاريخ الحضاري لكل أمة أو شعب، وأن تلك المرجعية تمثل الخصوصية الحضارية الخاصة بكل أمة أو شعب، وأن الحضارة المتقدمة لا تمثل النموذج الأفضل لكل شعوب الأرض، حتي وإن كانت تمثل الأفضل للشعب الذي ينتمي لها، وتقدم من خلالها.
لذا نجد اختلافًا بين التيار العلماني والتيار الإسلامي في تعريف المشكلة التي تمر بها الأمة الإسلامية، ومصدر هذه المشكلة. فالتيار العلماني يري أن المشكلة تنبع من عدم قدرة الشعوب العربية والإسلامية علي تبني الحضارة المتقدمة وإعادة إنتاجها، كما يري التيار العلماني أن الموروث التاريخي للشعوب العربية والإسلامية، حيث إنه لا يراها أمة واحدة، يمثل عقبة في طريق التقدم، لذا يلزم التخلي عن الموروث الحضاري للشعوب العربية والإسلامية، مع احتفاظها بقدر من الخصوصية الثقافية داخل إطار الحداثة الغربية. وإذا استطاعت الشعوب العربية والإسلامية - حسب رؤية التيار العلماني- توظيف الموروث الحضاري والديني لإعادة إنتاج الحداثة الغربية بصورة لها تميزها الثقافي، رغم التزامها بقواعد وقيم الحداثة الغربية، عندئذ سوف تحقق تلك الشعوب التقدم والرقي.
ولكن التيار الإسلامي له رؤية مختلفة، فهو يري أن التقدم لا يتحقق بتقليد الآخر المتقدم، وأن الحضارات لها تميزها عن بعضها البعض، وأن لكل أمة حضارتها المختلفة، وعليه فإن الشعوب العربية والإسلامية تمثل أمة واحدة، ولها حضارة واحدة، هي الحضارة الإسلامية، وعلي هذه الشعوب التمسك بحضارتها وتميزها الحضاري، ولها - بل عليها- التعلم من الآخرين، واقتباس الطرق والأساليب والعلوم والمعارف، دون اقتباس القيم. وبهذا تستطيع الأمة الإسلامية تحقيق التقدم والرقي والنهوض، من خلال قيمها الحضارية الخاصة، وبالتعلم من الآخرين، دون تبعية لهم، ودون نقل لقيم الآخر. ففي التصور الخاص بالتيار الإسلامي، تنتج القيم من المرجعية الحضارية والدينية للأمة الإسلامية، حيث تستمد منها القيم والمبادئ والأحكام والقواعد الرئيسة.
وبهذا يصبح الالتزام بالمرجعية الغربية بالنسبة للتيار الإسلامي هو مصدر التأخر والتدهور والسقوط في التبعية، والالتحاق بالغرب، وهو أيضا مصدر عدم قدرة الأمة علي مواجهة الاستعمار الخارجي. أما بالنسبة للتيار العلماني، فيصبح التمسك بالمرجعية الحضارية للأمة الإسلامية هو مصدر تخلفها وتراجعها، وهو سبب تأخرها، وهو الذي يمنعها من اللحاق بالغرب المتقدم، وعليه يصبح السبيل للتقدم والنهوض، مختلفًا عليه بين التيار العلماني والتيار الإسلامي، مما يجعل لكل منهما طريقا محددا يتعارض مع الآخر. وفي الواقع، سنجد أن طريق النهوض من خلال الالتحاق بالحداثة الغربية يمثل طريقا متعارضا في مساره مع طريق النهوض من خلال إحياء الحضارة الإسلامية. فكل من التيارين يسير عكس الآخر، وأحدهما بالطبع يسير عكس حركة التاريخ وقوانينه، وهو التيار الذي سوف يتراجع وربما يختفي في النهاية، والآخر يسير مع مسار حركة التاريخ، وتبعا لقوانين التاريخ، وهو الذي سوف يبقي في النهاية. وكل تيار بالطبع، يري أنه يمثل حركة التاريخ، وأنه يسير طبقا للقوانين الموضوعة لحركة التاريخ البشري.
ولكن هذا الاختلاف العلماني الإسلامي، والذي تحول إلي خلاف مزمن، أصبح من ضمن أهم العوامل المعرقلة لمسيرة الإصلاح السياسي في مصر، كما في غيرها من البلاد العربية والإسلامية. فكل مشاهد الحراك السياسي في مصر تشير إلي بروز الخلاف العلماني الإسلامي في كل مرحلة من المراحل، وهو ما يتكرر في العديد من الدول العربية والإسلامية. ثم يضاف لهذا الخلاف المزمن، موقف النخب السياسية الحاكمة، وموقف الدول الغربية، والتي تدخل طرفا بين التيارات السياسية العلمانية والإسلامية. ومن المعروف أن النخب السياسية الحاكمة تواجه التيار الإسلامي أكثر من مواجهتها التيارات الأخري، خاصة العلماني، لما له من شعبية. والدول الغربية تساند التيار العلماني، لأنه يتبني مشروع الحداثة الغربي. لذا تدخل كل الأطراف المحلية والإقليمية والدولية علي ساحة المعركة بين التيار العلماني والتيار الإسلامي، بصورة تأزم العلاقة بينهما، وتعرقل كل سبل التفاعل الحر بين التيارات السياسية.
ثم نصل في النهاية إلي المعادلة الصفرية، فالمواجهة بين التيار العلماني والتيار الإسلامي مستمرة، واستبداد الأنظمة الحاكمة مستمر، وهيمنة الدول الغربية مستمرة. وبهذا تصبح المنافسة بين التيار العلماني والتيار الإسلامي بلا جدوي حقيقية، في ظل غياب الحرية السياسية، وغياب التداول السلمي للسلطة. وتستفيد النخب الحاكمة من ذلك الخلاف، فهي تستفيد من الهجوم المستمر من التيار العلماني علي التيار الإسلامي، بوصفه القوة الشعبية الأولي التي تقف أمام النخب الحاكمة. وتستفيد الدول الغربية المتدخلة في شئون المنطقة من هيمنة التيار العلماني علي وسائل الإعلام وعلي الساحة السياسية، رغم ضعف شعبيته. ولكن كل الأطراف الأخري تخسر، لأنها تستنزف في معركة بلا طائل. والمشكلة الحقيقية هي في غياب المجتمع عن معادلة السياسة. فمن ير طريقًا ما للنهوض والتقدم، عليه أن يكسب تأييد المجتمع، لأنه لن يقيم مشروعه إذا رفضه المجتمع، لذا فالحكم الأخير علي تلك المشاريع، ليس الدليل العقلي أو السياسي، وليست الحوارات والتحالفات، بل المجتمع نفسه، الذي سوف يختار في النهاية الطريق الذي يسلكه ويحقق له النهوض والتقدم الذي يتمناه. ولولا فقدان المجتمع حرية الحركة، ما استمرت تلك المعركة بين التيار العلماني والتيار الإسلامي تدور في دائرة مفرغة، فالمجتمع هو القادر علي فرض تأثيره في كل التيارات، وبالتالي هو القادر علي التقريب بينها أو الفصل بينها، وهو القادر علي تحديد الطريق الأنجع، لأنه سيختار النجاح الذي يريده، والنهوض الذي يحلم به، والتقدم الذي يناسبه.
ولأن المجتمع تم تغييبه، وحصار قواه الفاعلة، ومحاصرة مؤسساته النشطة، لذا استمرت تلك الحوارات النخبوية بين التيارات السياسية، واستمرت عملية عرقلة الإصلاح السياسي، لأن المجتمع لم يستطع فرض جدول أعماله علي كل التيارات، وفرض المرجعية التي يختارها طريقا للنهوض.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.