تمتع الشيخ طه الفشني بمساحة صوتية تصل في مداها إلي أعلي الدرجات يؤديها في خفة وسهولة واقتدار دون أن يستخدم الصوت المستعار، كذلك قدرته علي التحويل والانتقال السريع من مقام إلي مقام في نفس المقامات الصوتية العالية، مما يدل علي مدي فهمه واستيعابه للعلوم والموسيقي خاصة في علم المقامات والأنغام، وإذا كان معظم كبار المشايخ برعوا في أداء الابتهالات الدينية أكثر من التواشيح فإن الشيخ طه الفشني برع في أداء كل من التواشيح والابتهالات الدينية فقد لقب بملك التواشيح الدينية أيضاً لتميز أدائه في كل منهما ساعده في ذلك حسن تلاوته وتجويده لمحكم الآيات القرآنية، فقد كان من أوائل القراء في مصر والعالم الإسلامي. نشأته ودراسته ولد الشيخ طه مرسي الفشني عام «1900م» بمركز الفشن «محافظة المنيا»، والتي تتبع الآن «محافظة بني سويف»، تربي في أسرة متدينة ميسورة الحال، وكان والده يعمل تاجراً للأقمشة. حرص والده علي إلحاقه بإحدي المدارس الابتدائية ليتلقي تعليمه، كما حرص أيضاً علي إلحاقه بالكتاب لحفظ وتلاوة القرآن الكريم، فكان يذهب إلي المدرسة صباحاً والكتاب مساءً. أتم حفظ القرآن الكريم وهو في سن العاشرة، ثم انتقل إلي محافظة المنيا والتحق بمدرسة المعلمين، وذات يوم وهو يتلو بعض الآيات القرآنية سمعه ناظر المدرسة الأستاذ «أحمد مكي»، وأعجب بحلاوة صوته ودقة أدائه في الحفظ والتلاوة، فأسند إليه تلاوة بعض الآيات القرآنية عند افتتاح طابور الصباح. حصل علي شهادة الكفاءة عام «1919م»، وحرصاً منه علي استكمال تعليمه سافر إلي القاهرة ليلتحق بمدرسة دار العلوم العليا، إلا أن قيام ثورة «1919م» حالت دون ذلك، فعاد إلي مدينة الفشن مرة ثانية، وبدأ يشق طريقه نحو احتراف القراءة والإنشاد في الحفلات والأفراح والموالد وحلقات الذكر.موهبته الفنية وتطورها سافر الشيخ طه الفشني في عام «1923م» إلي مدينة القاهرة للمرة الثانية والتحق بمعهد القراءات بالأزهر الشريف، فتلقي تعليمه لعلوم القرآن الكريم وأحكامه وعلوم القراءات. وكان الشيخ الفشني من أشد المعجبين بالشيخ علي محمود المتربع علي عرش القراءة والإنشاد في تلك الفترة، فاتصل به ذات يوم وأسمعه صوته فأعجب بأدائه، وانبهر بقوة صوته، فتبناه كموهبة جديدة وضمه إلي بطانته والتي كانت تضم الشيخ زكريا أحمد أيضاً. وتعلم من الشيخ علي محمود، الصياغة اللحنية، وحفظ عنه كثيراً من التواشيح الدينية، ، وعاش معه رحلة حياته الفنية، مما زاد صوته حلاوة وأصبح أداؤه أكثر تمكناً وتميزاً، ولأنه كان أول القادرين علي استيعاب طريقة أستاذه ومعلمه، فلقد سار علي دربه أو نهج مدرسته. وفي إحدي الليالي قام الشيخ علي محمود بتقديم الشيخ طه للجمهور لأول مرة ليحل محله بإحدي الحفلات الدينية بحي الحسين، فاستقبله الجمهور استقبالاً حافلاً بالتقدير والاحترام، وكان من ضمن الحاضرين بالحفل مدير الإذاعة المصرية في تلك الفترة وهو «محمد سعيد لطفي باشا»، الذي أعجب بأدائه أيضاً فألحقه علي الفور بالإذاعة المصرية عام 1937م، فأصبح مقرئاً ومنشداً بها علي مدي ثلث قرن. واستقر الشيخ طه الفشني في حي الحسين وعين من قبل وزارة الأوقاف المؤذن الأول للمسجد الحسيني، مما أدي إلي ازدياد عدد جمهوره وعشاقه الذين كانوا يسهرون طوال الليل ليستمعوا إلي ابتهالاته التي يؤديها قبل رفع أذان الفجر، كما عين قارئاً للسورة بمسجد السيدة سكينة، واشتهر بتلاوته سورة الكهف في يوم الجمعة وتلاوته قصار السور. وتعلم أيضاً علي يد الشيخ درويش الحريري الكثير من العلوم الموسيقية مثل: «المقامات - والأنغام - والعزف علي آلة العود»، كما كان كثير التردد علي حلقات الطرب والإنشاد الديني التي تقام في الموالد، كالليلة اليتيمة بمولد السيدة زينب، وليلة المولد النبوي الشريف، وكان من أشد المعجبين بالاستماع إلي: «أم كلثوم- محمد عبدالوهاب - الشيخ زكريا أحمد.. وغيرهم» من المطربين والمطربات، وأطلقت عليه السيدة أم كلثوم ملك التواشيح الدينية بمصر والعالم العربي والإسلامي. وفي عام 1942م كون الشيخ طه فرقة خاصة به، حيث قامت بمصاحبته في أداء مختلف ألوان الإنشاد الديني في مختلف المناسبات الدينية «بطانته الذهبية»، وسجل الكثير من الأعمال الإنشادية بالإذاعة المصرية. مواقف فى حياته ويقول نجله زين طه الفشني: من المواقف التي لا تنسي في حياة الشيخ طه أنه في أثناء جلوسه مع الشيخ علي محمود بمنزله يستمعان لبعض التسجيلات التي كانت تبثها الإذاعة للشيخ طه الفشني، فوجئ بدموع الشيخ علي محمود متأثراً بأدائه قائلاً له: «تأكدت الآن بأنك خليفتي يا طه».وأصبح أجره بعد وفاة الشيخ علي محمود مائة جنيه في الليلة الواحدة، بعد أن كان يتقاضي عشرة جنيهات أجراً من الإذاعة، ومبلغ ثلاثين جنيهاً عن الليلة الواحدة قبل ذلك. واختارته الإذاعة المصرية في عام 1943م لإحياء ليالي شهر رمضان المبارك بتلاوته آيات القرآن الكريم وأداء مختلف ألوان فن الإنشاد الديني بقصري «رأس التين وعابدين» بصحبة الشيخ مصطفي إسماعيل وهو من كبار تلاوة القرآن الكريم، حيث استمرا سوياً في القصر الملكي حتي عام 1952م «موقع صوت القرآن الحكيم. وقد تعامل الشيخ طه الفشني مع كبار الملحنين، حيث لحنوا له العديد من التواشيح الدينية مثل: الشيخ زكريا أحمد والشيخ إسماعيل سكر ومحمد إسماعيل ومحمد هاشم وسيد شطا ودرويش الحريري وسيد موسي.. وغيرهم، مع مراعاتهم ترك مساحة داخل التواشيح لأماكن ارتجاليات الشيخ ليستطيع إظهار قدراته الفنية وبراعته في الأداء. وبافتتاح التلفزيون في عام 1963 كان الشيخ طه من بين أوائل القراء الذين افتتحوا إرساله بتلاوة بعض الآيات، ولقد تقلد الشيخ طه عقب وفاة الشيخ عبدالفتاع الشعشاعي منصب رئيس رابطة القراء العامة بمصر، كما أصبح مبعوثاً عن الحكومة المصرية والأزهر الشريف إلي مختلف دول العالم الإسلامي، زامله في هذه الرحلات صديقه الحميم الشيخ مصطفي إسماعيل. كرمه العديد من رؤساء وملوك دول العالم الإسلامي منهم: الزعيم جمال عبدالناصر، فقد كان قارئه المفضل وأهداه طبقاً فضياً ممهوراً بتوقيعه، والرئيس محمد أنور السادات، حيث كرمه بإرساله إلي تركيا لإحياء ليالي شهر رمضان، وفي أثناء هذه الزيارة فوجئ بوجود حشد كبير من الجمهور والعلماء والقراء والمنشدين ممن يعجبون بتلاوته وإنشاده، وزعماء باكستان وماليزيا وتركيا والمغرب والسعودية، والرئيس محمد حسني مبارك، حيث منحه نوط الامتياز في العلوم والفنون من الطبقة الأولي عام 1990م بعد رحيله وقد تسلم الجائزة نيابة عنه نجله زين طه الفشني.