الإنشاد الديني فن طربي يتناول موضوعات لها بعد ديني مثل العشق الإلهي، أو مدح الرسول، أو الوحدانية، وهو فن له تاريخ طويل في مصر وله أعلامه الذين طافوا العالم مرددين المديح في حب الرسول والعشق الإلهي. - ويعتمد هذا الفن علي القدرات الصوتية والأذن الموسيقية للمداح أو المنشد مع تدخل محدود للآلات الموسيقية التي استعاض عنها المنشدون بجمال أصواتهم وقصائدهم. وتشير كتب التراث الإسلامي إلي أن بداية الإنشاد الديني كانت علي ايدي مجموعة من الصحابة رضي الله عنهم في عهد الرسول صلي الله عليه وسلم ، ثم مجموعة من التابعين. " إلهي إن يكن ذنبي عظيما، فعفوك يا إله الكون أعظم، فممن أرتجي مولاي عطفا، وفضلك واسع للكل مغنم". كان أشهر من قدم قراءة لسورة الكهف، الشيخ طه الفشني أحد أعلام قراء القرآن والمنشدين المصريين ورائد فن الإنشاد في عصره - ولد سنة 1900 بمركز الفشن بمحافظة بني سويف، حفظ القرآن ثم تعلم القراءات، وتدرج الشيخ طه في دراسته الدينية والعامة وحصل علي كفاءة المعلمين من مدرسة المعلمين سنة 1919م حضر الشيخ طه إلي القاهرة، والتحق ببطانة الشيخ علي محمود، ثم ذاع صيته بأنه قارئ ومنشد حسن الصوت. التحق بالإذاعة المصرية سنة 1937م، وعين قارئا لجامع السيدة سكينة سنة 1940 وحتي وفاته، اختير رئيسا لرابطة القراء خلفا للشيخ عبدالفتاح الشعشاعي سنة 1962م، ورحل في 10 ديسمبر 1971. - كان الشيخ طه صاحب مدرسة متفردة في التلاوة والإنشاد، وكان علي علم كبير بالمقامات والأنغام، وهو أشهر أعلام هذا الفن بعد الشيخ علي محمود، من أشهر التواشيح كانت "ميلاد طه يا أيها المختار". وكان صاحب مدرسة في تجويد القرآن فكان أول من أدخل النغم علي التجويد مع المحافظة علي الأحكام وقد اشتهر الشيخ طه الفنشني بقراءته لسورة الكهف، وكان المؤذن الأول للمسجد الحسيني، ولا تزال تسجيلاته شاهدة علي نبوغه وعلمه بأصول التلاوة، ولسكنه في حي الحسين أثر كبير في تردده علي حلقات الإنشاد الديني، إلي أن نبغ وأصبح المؤذن الأول لمسجد الإمام الحسين كما كان يرتل القرآن الكريم في مسجد السيدة سكينة، واشتهر بقراءته لسورة الكهف يوم الجمعة وكذا إجادته تلاوة وتجويد قصار السور. وفي عام 1937م كان الشيخ طه الفشني يحيي إحدي الليالي الرمضانية بالإمام الحسين، واستمع إليه بالصدفة سعيد لطفي مدير الإذاعة المصرية في ذلك الوقت، فعرض عليه أن يلتحق بالعمل في الإذاعة، واجتاز كل الاختبارات بنجاح، وأصبح مقرئا للإذاعة ومنشدا للتواشيح الدينية علي مدي ثلث قرن. - وكان عشاق الشيخ الفشني يسهرون حتى الفجر ليستمعوا اليه وهو يؤدي الابتهالات والأذان في المسجد الحسيني، وكانوا يحرصون أيضا علي سماعه وهو ينشد التواشيح في الليلة اليتيمة بمولد السيدة زينب خلفا للشيخ علي محمود، واستطاع الشيخ طه الفشني أن يحفر اسمه بين اعلام فن التواشيح، الذي ضم الكثيرين، ويحسب للشيخ الفشني جهوده الرائدة للحفاظ علي فن التواشيح، وسائر فنون الإنشاد الديني من خلال تدريب المواهب الصاعدة من بطانة المنشدين. وكان الشيخ الفشني يرتل القرآن الكريم بقصري عابدين ورأس التين بصحبة الصوت المعجزة الشيخ مصطفي إسماعيل لمدة تسع سنوات كاملة وعندما بدأ التليفزيون إرساله في مصر كان الفشني من أوائل قراء القرآن الكريم الذين افتتحوا إرساله وعملوا به. ولا ينسي الذين عاصروه قصة انحباس صوته التي شغلت محبيه عدة أسابيع ولم يفلح الأطباء في علاجه، وفي يوم عرفة وأثناء صلاة العصر وفجأة شق الفضاء صوت جميل يؤذن لصلاة صوت ليس غريبا وكان هذا الصوت هو صوت الشيخ الفشني وقد استرد صوته بفضل الله واعتبرها الكثيرون أنها كرامة للشيخ. وعلي مدي عمره الذي جاوز السبعين بعام واحد، كان الشيخ الفشني خير سفير لمصر في البلدان الإسلامية التي زارها لإحياء الليالي بها، ومنحه رؤساء هذه الدول أوسمة وشهادات تقدير كثيرة، وقد كرمته الدولة بعد رحيله عام 1981م فمنحت اسمة وسام الجمهورية في مجال تكريم حملة القرآن الكريم.