ما المانع أن نختلف ما دمنا نلتزم بأدب الخلاف وشروطه وأهمها ألا ينتقل الخلاف إلى القلوب ولا إلى منابر الدعوة ولا إلى منابر الإعلام. الآمة الآن في حالة قلق مصر الآن في حالة قلق ينتظر الناس كل ليلة الفضائيات بما تبثه علينا من خلافات طاحنة وتشابكات وتصادُعات مؤلمة, هذا يطعن في هذا والآخر يُشكك في هذا وإن شئت فقل الشعب يريد إسقاط الشعب والكل يريد إسقاط الكل. يبقى من؟ أنا لا أدري. يبقى من لنأخذ منه؟ لا أعلم. يبقى من نثق فيه؟ لا أعلم. يبقى من نصدقه؟ لا أدري حالة من القلق غريبة. لا يجوز أن نُظهر الخلاف على منابر الدعوة، على منابر المساجد وليبقى الخلاف محصوراً ومقبولاً ما دام الخلاف بعيدا عن أصول وأركان الدين, لا حرج أن تختلف معي ولا حرج أن أختلف معك. لو شاء ربنا جل جلاله أن يخلق الخلق جميعاً نسخة كربونية واحدة ألم تقرأ معي قول ربي: " وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ". ألم تقرأ معي قول ربي جل جلاله " وَمِنْ آيَاتِهِ خَلقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلسِنَتِكُمْ وَأَلوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلكَ لآيَات للعَالمِينَ" الروم. اختلافي معك في اللسان واللون والشكل وطريقة التفكير وكيفية ومنهجية الاستدلال.. اختلافي معك في بصمة اليد وفي بصمة القدم بل حتى في بصمة الصوت اختلافي معك واختلافك معي واختلاف أهل الأرض جميعاً آية من آيات الله التي تدل على تمام قدرته وعظيم عظمته سبحانه وتعالى . ينبغي ألا نجعلها معول هدم لا يجوز أن نجعلها سبب فرقة وتشرذم وتهارج وخلاف وتنازع, هذا الخلاف خلاف قدري احفظوها مني يا شباب الصحوة . هذا الخلاف بين الخلق خلاف قدري قدره الرب العلي ولن يزول أبداً إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. إذا كان ذلك كذلك أليس من الدين والعقل والمنطق أن نتعامل مع هذا الخلاف كحقيقة واقعة لن تزول أبداً إلى قيام الساعة ولنتعامل معها بالضوابط الفقهية والشرعية لنُثريّ بهذا الخلاف عملها في جانب الدعوة وفي جانب البناء بناء الإعلامي والبناء الاقتصادي والبناء السياسي والبناء الاجتماعي والبناء الأخلاقى إلى غير ذلك لو وظفنا هذا الاختلاف التوظيف الشرعي الصحيح لكان هذا الخلاف سببا من أسباب إثراء العمل في جانبه الدعوي وجانبه الدنيوي لأنني لا أفصل الدين عن الدنيا ولا أفصل الدين عن الدولة ولا أفصل الدنيا عن الآخرة علمني ذلك نبيي صلى الله عليه وسلم بدعائه الجامع المانع (اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي وأصلح لي آخرتي التي إليها معادي واجعل الحياة زيادة لي في كل خير واجعل الموت راحة لي من كل شر). الخلاف واقع, بل أنا أؤكد لشباب الصحوة, فكلهم يعلم أن الخلاف وقع في مسائل الفروع والأحكام هذا هو الخلاف السائغ والمعتبر, بل أنا أزيد وأقول لقد وقع خلاف حتى في بعض مسائل العقيدة بين أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم, خذوها مني وتدبروها وأنا أعلم بأنها جديدة عليكم. لم يقتصر الخلاف على مسائل الفروع ولا على مسائل الأحكام فقط بل وقع خلاف في بعض مسائل العقيدة, صحيح ليست من أمهات مسائل العقيدة ليست من كليات أصول الاعتقاد لكنها خلافات في بعض مسائل العقيدة. اذكر لكم أمثلة: لقد اختلف الصحابة في قضية من قضايا العقيدة تتعلق برؤية النبي صلى الله عليه ربه ليلة الإسراء والمعراج فكانت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها تقول: "من زعم أن محمد صلى الله عليه وسلم رأى ربه ليلة الإسراء والمعراج فقد أعظم على الله الفرية" هذا قول عائشة رضي الله عنها, كان ابن عباس وجمهور الصحابة يرون أن النبي صلى الله عليه وسلم قد رأى ربه ليلة الإسراء والمعراج. وهناك قول ثالث يقول أصحابه "رأى النبي ليلة الإسراء ربه نور ولما سُئل كما في صحيح مسلم ..هل رأيت ربك يا رسول الله؟ قال رأيت نوراً". هذا خلاف. هل أفسد الود بينهم؟ هذا هو الذي يُعنيني الآن. هل أفسد الحب بينهم؟ هل مزق صفهم؟ هل شتت شملهم؟ هل فرقهم أحزابًا وشيعًا وجماعات متفرقة متناحرة؟. هل تريدون مثالا آخر على اختلافهم في بعض مسائل العقيدة؟. خذوا مثالا ثانياً وثالثاً ورابعاً وخامساً لو شئتم اختلفوا في عذاب القبر ونعيمه هل يقع النعيم والعذاب على البدن أم على الروح أم على البدن والروح؟. وقال كل فريق كلامه بأدلة معتبرة قال شيخ الإسلام ابن القيم (لقد خلق الله الدور ثلاث دار الدنيا ودار البرزخ ودار القرار وجعل الأحكام في دار الدنيا تسري على الأبدان والأرواح تبعاً لها وجعل الأحكام في دار البرزخ تسري على الأرواح والأبدان تبعا لها وجعل الأحكام في دار القرار في الجنة والنار تسري على الأبدان والأرواح معاً) خلاف موجود وهكذا أيها الأفاضل اختلفوا أيضاً في قضية ما يوزن في الميزان يوم القيامة قال فريق يوزن العمل نفسه. وقال فريق آخر لا بل توزن الصحف, وقال فريق ثالث لا بل توزن الأعمال ذاتها, وقال فريق رابع بل يوزن العامل بصحفه بأعماله, أقوال في مسائل الاعتقاد لا حرج أن نختلف وتعجبني عبارة أبي حامد الغزالي حين قال: لو سكت من لا يعلم لسقط الخلاف. المشكلة أن الذي يمخض الخلاف في المساجد وعبر وسائل الإعلام والفضائيات هم الذي لا يدرون فقه ولا أدب الخلاف. قال شيخ الإسلام ابن تيمية : "الاختلاف في مسائل الأحكام أكثر من أن ينضبط ولو كان كلما اختلف مسلمان في شيء من مسائل الأحكام تهاجرا لم يبق بين المسلمين عصمة ولا إخوة"، فلأحفظه لك بأخوتك ولتحفظه لي بأخوتي لك وليبقى الخلاف بيننا في مسائل الفروع أو في مسائل الأحكام أو حتى في فهمنا لبعض مسائل الاعتقاد لكن فليبقى الحب بيننا فليبقى الود بيننا ينبغي ألا ينتقل الخلاف إلى القلوب المصابة بالتنافر. و ينبغي ألا ينتقل الخلاف إلى منابر الدعوة لتصيب الأمة بالخلل و ينبغي ألا ننقل الخلاف إلى وسائل الإعلام عبر الفضائيات لنُصيب الأمة بالشك في كل شيء. تسمع درسا بيقول لك أنا بقيت في حيرة أنا مش عارف اسمع مين ولا عارف اصدق مين ولا عارف أخذ من مين قال دا بيشتم في دا ودا بيطعن في دا ودا بيتهم دا امال نروح فين؟نسيب البلد ونطلع. حالة من القلق والسبب غياب قضية فقه الخلاف وأدب الخلاف. طبعاً الحديث عن أدب الخلاف هذا موضوع تاني موضوع طويل أن نبرز أدب الخلاف وأن يكون بيننا احترام وأدب. احترام رأي المخالف وإحسان الظن بالمخالف وعدم اتهام النيات رأيي خطأ أو صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري كذلك صواب يحتمل الخطأ. إذ قال الشافعي الإمام رأيي صواب يحتمل الخطأ فمن أنا إلى جوار الشافعي لأقول قولة الشافعي رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب لما لا أقول رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري صواب يحتمل الخطأ, هذا من باب الأدب والتواضع. ليس رأيي صواب لا يحتمل الخطأ. لا يا سيدي أنت لا تتكلم بالقرآن الذي لا يحتمل الخطأ هو قول ربنا فقط وقول نبينا صلى الله عليه وسلم المنزل عليه من السماء (وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى4) النجم إنما قولي يحتمل الخطأ والصواب اجتهادي يحتمل الخطأ والصواب فأدب الخلاف موضوع كبير.