الشعور بالفشل والإحباط.. شعور إنسانى طبيعى يواجه كل البشر، وقليلون هم من يحاربون هذا الشعور، ويقفون للبدء من جديد، خاصة إذا كان بجانبهم من يدعمهم ويؤمن بقدراتهم، وهذا الرجل أصيب بالإحباط والشعور بالفشل عشرات المرات فى طفولته عندما تخلى عنه والده وزعم انه سيخرج لشراء السجائر ولم يعد أبداً ليعانى مع والدته وإخوته طفولة قاسية، بجانب 30 مره فشل، عندما كتب روايته الأولى وعرضها على دور النشر وتم رفضها 30 مرة، فألقاها بكل حزن فى سلة القمامة، الا أن زوجته التى كانت تؤمن بموهبته الأدبية، التقطت الرواية من القمامة، وأقنعته بالتوجه إلى دور نشر أخرى، وفعل، وكانت المفاجأة قبول الرواية وتحمل اسم «كارى» لتكون طريقه إلى عالم الشهرة والثراء، فقد بيع منها حتى الآن ملايين النسخ، ومن روايته المنتشلة من القمامة إلى أشهر الروايات العالمية المرعبة، والتى تحولت اثنتا عشر رواية منها إلى أفلام سينمائية، أحدثها فيلم «المعهد» والذى يحكى عن احتجاز أطفال لهم قدرات خاصة فوق الطبيعة، ويتم استخدام هذه القدرات وتطويعها فى أغراض لصالح هذه المنظمة، إنه الكاتب الأمريكى ستيفن كينج الحائز على ميدالية مؤسسة الكتاب القومية لإسهاماته البارزة فى الأدب الأمريكى، والذى بيعت له 350 مليون نسخة من كتبه. ولد ستيفن فى 21 سبتمبر 1947، عاش طفولته بدون أب عندما هرب ابوه ليترك الأم تتولى وحدها تربيته وأخاه الأكبر فى التبنى، ولتبدأ رحلة انتقاله مع والدته عبر الولاياتالمتحدة، حتى انتهى به الأمر فى مدينة (مين) حيث عملت أمه كطاهية فى مؤسسة لذوى الاحتياجات الخاصة، فعاش حياة بسيطة قاسية، رغم ذلك وزع وقته بين الدراسة وبين هوايته المفضلة القراءة، وكان طالبا نشيطا، اذا انضم لاتحاد الطلاب، وشارك فى إعداد مجلة بالمدرسة، وهاجم من خلال مقالاته حرب فيتنام، رافضا تدخل أمريكا فى هذه الحرب، وفى الجامعة واصل نشاط الكتابة، حتى تخرج فى الجامعة عام 1970، ليتحول من طالب إلى مدرس فى الجامعة نفسها، وأصيب فى هذه الفترة بعدة أمراض فجائية، منها ارتفاع ضغط الدم وضعف البصر وثقب فى طبلتى الأذن !! لكن كل هذا لم يمنعه من مزاولة حياته وهوايته بصورة نشطة، وتعرف فى الجامعة على زوجته «تابثا»، والتى أخذ يعمل من أجلها طوال فترة دراسته فى محل للملابس، حتى تمكن من الزواج منها فى 1971، ثم كتب أول رواية طويلة له تحمل اسم «كارى» وتدور حول فتاة غريبة الأطوار تعتريها متغيرات تجعلها ذات قدرات غير عادية، وحمل روايته إلى اكثر من دار للنشر، وتم رفضها 30 مرة، فأصيب بالإحباط، وألقى أوراق الرواية فى سلة القمامة، إلا أن زوجته التى أرادت أن ترد له وقوفه بجانبها وتدلل على حبها وإيمانها بموهبته، التقطت أوراق الرواية من القمامة، وأقنعته بإضافة بعض التعديلات وإعادة عرضها على دور النشر، وكانت المفاجأة، تم قبولها وطباعتها، وكانت مفتاحه للحياة الأدبية والشهرة، خاصة فى مجال أدب الرعب. وأمام آراء النقاد المنبهرة بهذه الرواية، عرض عليه مدير تحرير دار النشر ترك مهنته فى الجامعة كمدرس، وأن يتفرغ للكتابة تمامًا، لكن الصعوبات بدأت مجددا فى مطاردته، إذ اضطر للانتقال بأسرته إلى جنوب مدينة (مين) ليكون بجانب والدته بعد أن أصيبت بالسرطان، وكان يرعاها طيلة النهار، بينما كان يقضى الليل فى غرفة صغيرة فى جراج المنزل، يكتب فى روايته الثانية التى أسماها (العودة الثانية)، وفيها يحكى عن قرية من مصاصى الدماء يقوم بزيارتها رجل وطفله الوحيد، وحين انتهت الرواية، توفيت والدته عن عمر يناهز التاسعة والخمسين، فانتقل بأسرته مجدداً لمنزل آخر، وتفرغ للكتابة. وأخذت رواياته تتلاحق بغزارة غير مسبوقة، ومع نجاحه المتواصل فى روايات الرعب، قرر المخرج الشهير (برايان دى بالما) تحويل رواية (كارى) إلى فيلم سينمائى،، فحظى الفيلم بنجاح مذهل، وهكذا دخل (ستيفن كينج) عالم السينما من أوسع أبوابه، ومع توالى رواياته، توالت أفلامه، وأصبح علامة مميزة للرعب سواء على مستوى الروايات أو الأفلام، حتى إن النقاد أخذوا يلقبونه (ملك الرعب) وبدأت الملايين تنهال عليه، فبنى قصره الخاص فى مدينته الأثيرة (مين)، ثم قرر استغلال وقته، فتعلم الإخراج، ليقوم هو أيضًا بتحويل قصصه إلى أفلام، لكنها لم تكن بجودة كتابته، فتفرغ لإخراج الحلقات التلفزيونية، ومع النجاح تتوالى الملايين، ويقول ستيفن نفسه إن رصيده يزداد بمقدار عشرة ملايين دولار أسبوعيًا، من أرباح إعادة طبع رواياته، وتترجم رواياته بأكثر من خمس وثلاثين لغة، أى أنه لم يتحول إلى كاتب، بل إلى ظاهرة تستحق الدراسة، فقد نال عشرات الجوائز حتى الآن من الجمعيات النقدية على مستوى العالم، لكن أهم جائزة كانت ميدالية الاستحقاق التى قدمتها له جمعية الكتاب الوطنية، لإسهامه الذى لن ينسى للأدب، وكان ذلك عام 2003م، وبهذه الجائزة توّج (ستيفن كينج) كواحد من أهم وأشهر كتاب القرن العشرين على الإطلاق، ووصل عدد رواياته وقصصه القصيرة وكتابة حلقات المسلسلات إلى 108 أعمال.