المتابع لما يحدث من مواجهة بين الحكومة والجهات الأخرى المختلفة، يجد محاولة لعرقلة كل ما تخطط له الحكومة، بصورة توحي بأن هدف العرقلة، لا يتوقف فقط على التصورات التي تحتاج لتعديل، بل يمتد أيضا لعرقلة كل شيء تقريبا. فكل مقترح يخرج من الحكومة، وبعض تلك المقترحات منطقية، يثير موجة من الاعتراض، تبدأ من اللحظة الأولى. وتلك الاعتراضات لا تقدم بديلا ناجعا، بقدر ما تعد حملة اعتراض، تهدف إلى العرقلة. وبعض تلك الاعتراضات يهدف إلى حماية مصالح شبكات النظام السابق، خاصة الدفاع المستمر عن الأوضاع الراهنة للدعم، والتي تتيح نهب جزء كبير منه، وبعض تلك الاعتراضات يهدف إلى إفشال الحكومة، لإفشال قوى التيار الإسلامي، ولكن بعض تلك الاعتراضات لا يبدو له أي هدف محدد، وكأنه مجرد اعتراض للاعتراض، وهو يدخل ضمن عملية إثارة الفوضى، كوسيلة لعرقلة أي تغيير، واحباط الثورة. لا يعني هذا أن أداء الحكومة جيد غالبا، ولكن تطوير أداء الحكومة يحتاج إلى مشاركة إيجابية تهدف إلى تطوير أداء الحكومة، وتطوير مقترحات أفضل من تلك التي تقدمها الحكومة، وأيضا تشكيل رأي عام له موقف إيجابي، ويدرك المشكلات الحالية، ويساعد على حلها. ولكن ما تقوم به وسائل إعلام، يمثل في الحقيقة محاولة لإرباك الرأي العام، حتى يكون موقفه سلبيا، فيعرقل أي حل، ويعترض على أي تصور، مما ينتج عنه شلل للحكومة، وكل مؤسسات الدولة. فوسائل الإعلام التي طالبت بضم الصناديق الخاصة للموازنة العامة، ومنع الفساد المستشري فيها، هي نفسها وسائل الإعلام التي تعارض كل خطوة لوزير المالية لتحقيق مطلب ضم الصناديق الخاصة لخزينة الدولة. والأمثلة على المواقف المتعارضة لوسائل إعلام كثيرة للغاية، مما يؤكد أن موقف تلك الوسائل الإعلامية، يهدف أساسا لعرقلة التحول الديمقراطي، وعرقلة مسار الثورة، لضرب الحركات الإسلامية. لكن ما يحدث ويمثل عرقلة مخططة، يتواكب أيضا مع نوع من العرقلة العشوائية، حيث أن كل توجه يعارضه البعض ويؤيده البعض، لأن رؤية المصلحة العامة لم تتشكل بعد، ولأن بعض وسائل الإعلام تعمل ليل نهار، على منع تشكل رؤية للمصلحة العامة. ورغم هذا، فإن على الحكومة تفعيل تلك الحالة بشكل إيجابي، وتحويلها إلى حالة حوار ومشاركة فعلية بين مختلف مؤسسات المجتمع والحكومة وأجهزة الدولة. فحالة الرفض المستمرة لكل شيء، تمثل فرصة لدفع كل الأطراف لتحمل مسئوليتهم، والمشاركة في القرار، والمشاركة في الاختيار. فعلى الحكومة أن تدرك أن القرار الناجح الآن، هو القرار الذي يعرض على عامة الناس، ويدخل في معركة العرقلة المخططة، حتى تبدأ بعض المؤسسات في تحمل مسئوليتها، والمشاركة في القرار، وإقناع الرأي العام به، أو إقناع المعنيين بالأمر، بما يساعد على الوصول إلى القرارات الفاعلة، والتي تجد مساندة جماهيرية. وبهذا يتم توظيف مناخ العرقلة المخططة، لتفعيل نمط جديد من القرارات الحكومية، يقوم على مشاركة المؤسسات المعنية، بما يجعلها تشارك في مسئولية تنفيذ القرار أيضا.