اتخذ مجلس جامعة الدول العربية، الذى انعقد أمس الأول على مستوى وزراء الخارجية العرب، قرارا للتعامل مع الأزمة السورية يقضى بوقف العنف ودخول النظام فى مفاوضات مع المعارضة بكل أطيافها تحت إشراف ورعاية الجامعة. ويمكن لهذا القرار أن يشكل بداية قابلة للبناء عليها من أجل التوصل إلى تسوية فعالة للأزمة، شريطة أن يدرك النظام السورى حقيقة الأخطار المتفاعلة من حوله، خاصة على الصعيدين الدولى والإقليمى، والتى سيدفع الجميع ثمنها حتما. فالقتل المنهجى المنظم للمتظاهرين لن يحل المشكلة، واعتماد النظام على روسيا والصين لحمايته من التدخل الغربى لن ينجح، خصوصا على الأمدين المتوسط والطويل. ولأن دروس التاريخ تؤكد أنه لا توجد قوة على وجه الأرض قادرة على منع شعب يصر على حريته من تحقيقها، فالأرجح أن يصمد الشعب السورى فى المحنة التى يواجهها وأن يواصل تصميمه على إحداث التغيير الذى ينشده، لذا من مصلحة الدكتور بشار الأسد قبول قرار الجامعة والتعاطى بإيجابية مع فكرة الدخول فى مفاوضات مع جميع أطياف المعارضة السورية فى الداخل والخارج تحت إشرافها. أدرك أن النظام السورى لن يسقط بسهولة وأن بإمكانه الصمود لشهور طويلة، لكنى على يقين فى الوقت نفسه من أن الشعب السورى سيواصل مسيرته نحو الحرية مهما كلفته الثورة من تضحيات، كما أدرك أنه من الصعب على أى قوة أو تحالف دولى أن يتدخل لإسقاط النظام السورى بالقوة المسلحة نظرا لتشابك وتعقد ارتباطاته وتحالفاته الإقليمية، خاصة مع إيران ولبنان وفلسطين. غير أن ذلك لا يعنى أن المجتمع الدولى بات عاجزا تماما عن التدخل وإلحاق الأذى ليس فقط بالنظام وإنما أيضا بالدولة وبالمجتمع فى سوريا، لذا فأخشى ما أخشاه، خصوصا فى حال ما إذا ركب النظام رأسه وواصل قمعه لشعبه بهذه الوحشية، أن يصحو يوما ما وقد وجد نفسه يقف على رأس كومة من خراب، وعليه أن يدرك أن الحرب لن تحل أى مشكلة، وأن مواصلة العناد لن تؤدى إلا إلى سقوط المزيد من الضحايا إلى أن يسقط هو نفسه فى النهاية، ولكن بعد خراب سوريا وتشريد شعبها. قبول النظام السورى قرار الجامعة العربية يمكن أن يحقق له مزايا عديدة، منها: 1- منحه فرصة جديدة للبقاء فى السلطة حتى نهاية عام 2014 على الأقل، وليس للاستمرار فى الحكم إلى الأبد، كما كان يظن أو يعتقد من قبل، شريطة أن يكون مستعدا ومهيأ نفسيا للرحيل. 2- الإسهام، ولو بشكل محدود، فى صياغة النظام الذى سيحل محله، وبما قد يحول دون سقوط الدولة وانهيار المجتمع من بعده. 3- المحافظة من بعده على مستوى ما من التوازنات الاستراتيجية التى قد تحفظ لحلفائه بعضا من مصالحهم المهددة على الصعيدين العالمى والإقليمى. يخطئ النظام الحاكم فى سوريا إن تصور أن بإمكانه التظاهر بقبول القرار، ربما بعد فترة من التمنع والرفض، على أمل كسب الوقت وللتخفيف من حدة الضغوط الإقليمية والدولية. وتخطئ قوى المعارضة السورية فى الداخل والخارج إن هى اشترطت رحيل بشار الأسد قبل القبول بالتفاوض على الإجراءات الخاصة بترتيبات المرحلة الانتقالية، فالعناد من جانب طرف سيدفع الطرف الآخر حتما إلى مزيد من العناد وبالتالى سيضع حدا لأى أمل فى احتمال التوصل إلى تسوية. المشكلة فى الأزمة السورية أن سقوط النظام قد يؤدى إلى كارثة إقليمية، نظرا لما قد يترتب عليه من خلل هائل فى التوازنات الاستراتيجية بسبب الانعكاسات المحتملة لهذا السقوط على الأوضاع فى إيران ولبنان وفلسطين وربما فى العراق والأردن أيضا، كما أن استمرار الأزمة فى سوريا يشكل كارثة بكل المقاييس أيضا بالنظر إلى حجم العنف المستخدم وعدد الضحايا الذين يسقطون كل يوم والمحتمل تزايدهم كل يوم. فى داخل سوريا وفى خارجها أيضا، خاصة على الصعيد الإقليمى، قوى عديدة تنتظر بفارغ الصبر رفض سوريا القرار العربى كى تدفع فى اتجاه تدويل الأزمة، لذا تحتاج التسوية فى سوريا إلى رجل رشيد ليس فى صفوف النظام السورى وحده ولكن فى صفوف المعارضة وفى جامعة الدول العربية أيضا. نقلا عن المصرى اليوم