لإنتاج الخبز.. التموين: توفير الدقيق المدعم ل30 ألف مخبز يوميًا    الجيش الإسرائيلي يقوم بعملية اقتحام واسعة للمنطقة الشرقية في مدينة نابلس    بينهم 3 أطفال.. استشهاد 8 فلسطينيين في قصف إسرائيلي بخان يونس    متى تفتح العمرة بعد الحج ومدة صلاحية التأشيرة؟.. تفاصيل وخطوات التقديم    بدون إصابات.. حريق في الطابق الخامس بمستشفى مدينة نصر    طقس اليوم.. شديد الحرارة نهارا معتدل ليلا على أغلب الأنحاء    استشهاد 8 بينهم 3 أطفال فى قصف إسرائيلى على منزلين بخان يونس    أمين سر خطة النواب: أرقام الموازنة العامة أظهرت عدم التزام واحد بمبدأ الشفافية    التعليم: مصروفات المدارس الخاصة بأنواعها يتم متابعتها بآلية دقيقة    عماد الدين أديب: نتنياهو الأحمق حول إسرائيل من ضحية إلى مذنب    انعقاد اجتماع وزراء خارجية كوريا الجنوبية والدول الأفريقية في سول    أفشة: هدف القاضية ظلمني.. وأمتلك الكثير من البطولات    ارتبط اسمه ب الأهلي.. من هو محمد كوناتيه؟    أفشة يكشف عن الهدف الذي غير حياته    "لقاءات أوروبية ومنافسة عربية".. جدول مباريات اليوم والقنوات الناقلة    الغموض يسيطر على مستقبل ثنائي الأهلي (تفاصيل)    حماية المستهلك: ممارسات بعض التجار سبب ارتفاع الأسعار ونعمل على مواجهتهم    اليوم.. البنك المركزي يطرح أذون خزانة بقيمة 500 مليون دولار    موعد ورابط نتيجة الشهادة الإعدادية 2024 محافظة جنوب سيناء    السكك الحديد: تشغل عدد من القطارات الإضافية بالعيد وهذه مواعيدها    متحدث الوزراء: الاستعانة ب 50 ألف معلم سنويا لسد العجز    أحداث شهدها الوسط الفني خلال ال24 ساعة الماضية.. شائعة مرض وحريق وحادث    سماع دوي انفجارات عنيفة في أوكرانيا    ارتفاع عدد ضحايا القصف الإسرائيلي على منزلين شرق خان يونس إلى 10 شهداء    زلزال بقوة 5.9 درجات يضرب "إيشيكاوا" اليابانية    «مبيدافعش بنص جنيه».. تعليق صادم من خالد الغندور بشأن مستوى زيزو    خوسيلو: لا أعرف أين سألعب.. وبعض اللاعبين لم يحتفلوا ب أبطال أوروبا    أفشة ابن الناس الطيبين، 7 تصريحات لا تفوتك لنجم الأهلي (فيديو)    تعرف على آخر تحديث لأسعار الذهب.. «شوف عيار 21 بكام»    محافظ بورسعيد يودع حجاج الجمعيات الأهلية.. ويوجه مشرفي الحج بتوفير سبل الراحة    محمد الباز ل«بين السطور»: «المتحدة» لديها مهمة في عمق الأمن القومي المصري    «زي النهارده».. وفاة النجم العالمي أنتوني كوين 3 يونيو 2001    أسامة القوصي ل«الشاهد»: الإخوان فشلوا وصدروا لنا مشروعا إسلاميا غير واقعي    فضل صيام العشر الأوائل من ذي الحجة وفقا لما جاء في الكتاب والسنة النبوية    «رئاسة الحرمين» توضح أهم الأعمال المستحبة للحجاج عند دخول المسجد الحرام    وزير الصحة: تكليف مباشر من الرئيس السيسي لعلاج الأشقاء الفلسطينيين    تكات المحشي لطعم وريحة تجيب آخر الشارع.. مقدار الشوربة والأرز لكل كيلو    إنفوجراف.. مشاركة وزير العمل في اجتماعِ المجموعةِ العربية لمؤتمر جنيف    «أهل مصر» ينشر أسماء المتوفين في حادث تصادم سيارتين بقنا    جهات التحقيق تستعلم عن الحالة الصحية لشخص أشعل النيران في جسده بكرداسة    منتدى الأعمال المصري المجري للاتصالات يستعرض فرص الشراكات بين البلدين    العثور على جثة طالبة بالمرحلة الإعدادية في المنيا    دعاء في جوف الليل: اللهم افتح علينا من خزائن فضلك ورحمتك ما تثبت به الإيمان في قلوبنا    إصابة 5 أشخاص في حادث تصادم دراجتين ناريتين بالوادي الجديد    تنخفض لأقل سعر.. أسعار الذهب والسبائك بالمصنعية اليوم الإثنين 3 يونيو بالصاغة    الإفتاء تكشف عن تحذير النبي من استباحة أعراض الناس: من أشنع الذنوب إثمًا    دراسة صادمة: الاضطرابات العقلية قد تنتقل بالعدوى بين المراهقين    سعر المانجو والبطيخ والفاكهة في الأسواق اليوم الإثنين 3 يونيو 2024    محمد أحمد ماهر: لن أقبل بصفع والدى فى أى مشهد تمثيلى    إصابة أمير المصري أثناء تصوير فيلم «Giant» العالمي (تفاصيل)    الفنان أحمد ماهر ينهار من البكاء بسبب نجله محمد (فيديو)    استقرار سعر طن حديد عز والاستثمارى والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم الإثنين 3 يونيو 2024    رئيس الأمانة الفنية للحوار الوطني يعلق على تطوير «الثانوية العامة»    حالة عصبية نادرة.. سيدة تتذكر تفاصيل حياتها حتى وهي جنين في بطن أمها    وزير العمل يشارك في اجتماع المجموعة العربية استعدادا لمؤتمر العمل الدولي بجنيف    التنظيم والإدارة: إتاحة الاستعلام عن نتيجة التظلم للمتقدمين لمسابقة معلم مساعد    اللجنة العامة ل«النواب» توافق على موزانة المجلس للسنة المالية 2024 /2025    مفتي الجمهورية: يجوز للمقيمين في الخارج ذبح الأضحية داخل مصر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ثورة الشعب والإصرار الحديدي
نشر في القاهرة يوم 19 - 07 - 2011

مصير النظام السوري والرئيس بشار الأسد يثير احتمالات انتقال الثورة إلي إيران ومنطقة الخليج أطياف المعارضة السورية تُجمع علي إنهاء الاستبداد في سوريا وبناء دولة ديمقراطية مؤسسة علي عقد اجتماعي جديد مؤتمر الحوار الوطني بين السلطة والمعارضة السورية ينتهي بتوصيات (فضفاضة) لم تؤثر علي مجريات الثورة والغضب الشعبي شواهد داخلية تؤكد تآكل سلطة النظام السوري والمعارضة في الخارج تزمع تشكيل (حكومة ظل) استعدادا لمرحلة ما بعد سقوط الأسد بعد مهاجمة متظاهرين للسفارة الأمريكية أوباما يقرر (الأسد فقد شرعيته) وكلينتون تقول (يمكن الآن الاستغناء عن الأسد) أوصي المؤتمر التشاوري الذي عقد بين ممثلي النظام في سوريا وعناصر محدودة من المعارضة في 10 11 يوليو الجاري بإقرار مبادئ التسامح ورفض الاعتداء علي الآخر داخل المجتمع السوري والمناداة بالإفراج عن المعتقلين في الأحداث الأخيرة . جاء ذلك، بينما استمرت الاحتجاجات الشعبية ،حتي وصلت بؤر الاحتجاجات التي يقوم بها الشعب السوري ضد نظام بشار الأسد إلي 256 نقطة حتي الآن، ووصف ناشطون سوريون ثورتهم ضد النظام بأنها " الثورة العربية الأكبر من حيث الاتساع الجغرافي في طول البلاد وعرضها " والتي تطالب برحيل الأسد ونظامه الدموي الفاسد، بعد أن تمادي في استخدام الآلة الأمنية لقمع الثورة العصية علي التوقف والمستمرة منذ منتصف مارس الماضي . ففي مدينة حماة (210 كلم شمال دمشق) تحدي سكانها الحصار العسكري علي مدينتهم، وخرجوا في جمعة 8 يوليو والتي أطلقوا عليها اسم "جمعة لا للحوار" رافضين دعوة نظام الأسد للحوار مع المعارضة والذي يتناقض مع استمرار النزيف الدموي في شوارع سوريا علي أيدي "شبيحة النظام"، ولفت الانتباه قيام السفيرين الأمريكي روبرت فورد والفرنسي اريك شوفالييه بزيارة لمدينةحماة والالتحام بالتظاهرات الشعبية، الأمر الذي أغضب السلطات السورية واحتجت عليه مدعية عدم علم السلطات بهذه الزيارة، علما بأن السفيرين مرا علي عدة نقاط سورية للتفتيش قبل الوصول إلي حماة، وأكدت السلطات الأمريكية أنها أبلغت دمشق بهذه الزيارة، وأن احتجاج دمشق بهذا الصدد لا معني له . بينما قالت دوائر سورية إن المتظاهرين احتموا بوجود السفيرين الغربيين، وعلق دبلوماسي غربي أن وجود السفير الأمريكي في حماة قصد به الحصول علي شهادة عيانية، للتقدم بها إلي المحكمة الجنائية الدولية حول ما يرتكبه النظام السوري من ممارسات تعسفية وأمنية قاسية ضد الشعب الذي يطالب بالحرية والديمقراطية والإصلاح . بينما سارعت دمشق باتهام الولايات المتحدة بالتورط في إثارة الحركة الاحتجاجية ضد النظام السوري، والتحريض علي تصعيدها، فقد اتخذت الولايات المتحدة موقفا احترازيا تجاه الأحداث السورية، حيث حثت السلطات الأمريكية المصارف الخاضعة لأحكامها لإبداء المزيد من الحذر حيال حركة الأموال المحولة من سوريا وبصورة عامة من الخارج، كما جمدت واشنطن منذ مايو الماضي الأرصدة المحتمل وجودها في المصارف الأمريكية لعدد من المسئولين والهيئات السياسية والعسكرية للنظام السوري وفي مقدمتهم الرئيس بشار الأسد. وفي خضم تصميم النظام السوري علي إعمال الآلة الأمنية وأساليب القمع والغباء السياسي، فقد تعرض مثقفون وفنانون سوريون للضرب أثناء قيامهم بمسيرة سلمية لدعم مطالب المتظاهرين في الحرية والديمقراطية . حوار اللحظة الأخيرة في سياق حالة ثورية منقطعة النظير تشهدها مدن ومحافظات سوريا، دعا الرئيس السوري بشار الأسد إلي الحوار بين السلطة والمعارضة، في محاولة للتوصل إلي حلول وسط بين الجانبين لتهدئة غضب الشارع السوري، وهو الحوار الذي عقد في 10 11 يوليو الجاري، بجدول أعمال يشمل : بحث دور الحوار الوطني في المعالجة السياسية والاقتصادية والاجتماعية للأزمة الراهنة والآفاق المستقبلية، وتعديل بعض مواد الدستور بما في ذلك المادة الثامنة منه لعرضها علي أول جلسة لمجلس الشعب، وعدم استبعاد وضع دستور جديد للبلاد، إضافة إلي مناقشة مشاريع قوانين الأحزاب والانتخابات الإعلام . وبينما أعلنت الأطياف الرئيسية للمعارضة والشارع السوري رفضها لإجراء الحوار مع سلطة تستخدم العنف والقوة ضد التظاهرات الشعبية بصورة بشعة، فقد شاركت في الحوار شخصيات وطنية بارزة، وأحزاب الجبهة (تحالف الأحزاب المنضوية تحت الحزب الحاكم) ونواب مجلس الشعب وعدد من الاقتصاديين ورجال الأعمال بصفتهم مستقلين ومعارضة. وقد جاءت توصيات مؤتمر الحوار الوطني فضفاضة وجزئية وغير مؤثرة علي مجريات الأحداث، حيث أوصي المؤتمر باحترام حرية الرأي والتأكيد علي شرعية المعارضة، وضرورة احترام هيبة الدولة، وأن سوريا وطنا للجميع، وتشكيل لجنة لبحث التعديلات الدستورية . كان يمكن أن يكون الحوار بين الفرقاء السوريين في هذه المرحلة الفاصلة " نقلة" في المشروع الإصلاحي الذي يلمح إليه النظام السوري، وتتوخاه قوي المعارضة والثوار ، لولا أن المناخ الذي عقد الحوار في ظله هو أسوأ مناخ يمكن أن تجري فيه عملية من هذا النوع. ذلك أن السلطات السورية لم تبد أي إشارة علي تحولها من النهج الأمني البوليسي في التعاطي مع تظاهرات واحتجاجات الشعب السوري إلي نهج تفاوضي سياسي لبحث مطالب الشعب والإصلاحات التي يطمح إليها للعيش في بلد ديمقراطي يوفر الحريات ويصون حقوق مواطنيه. كذلك لم تحاول السلطات طمأنة القوي السياسية بتوفير ظروف تجعل من الحوار خطوة للأمام، حتي أن حالة الطوارئ التي يقول النظام إنه رفعها، لم تواكبها أي تغييرات حقيقية علي أرض الواقع، حيث استمر استهداف المواطنين وإطلاق النار واقتحام المدن والقري وتوسيع عمليات الحصار علي أوسع نطاق . وكانت المعارضة السورية قد طالبت قبل إجراء الحوار بانسحاب القوات السورية من المدن والإفراج عن المعتقلين، ومنح الحق في التظاهر السلمي وإجراء تحقيقات حول الجرائم التي ارتكبت ضد المتظاهرين، غير أن النظام لم يبد حتي الآن أي بادرة للتجاوب مع مطالب المعارضة . كانت جلسة الحوار الوطني الأولي بين السلطة والمعارضة قد شهدت عرضا قويا لمطالب الإصلاح، حيث أكد المفكر السوري البارز الطيب تيزيني أن تأسيس مجتمع سياسي يتطلب مباشرة عملية تفكيك للدولة المهيمنة في سوريا، وهذا شرط لا بديل عنه بالإضافة إلي البدء في إخراج السجناء الذين بقوا لسنوات مديدة في السجون وهم بالآلاف، وقال الدكتور تيزيني إن هذا يمكن أن يكون هدية مناسبة لهذا المؤتمر وللشعب السوري . ودعا المفكر السوري إلي "دولة القانون"، وفتح الملفات حول الانتهاكات التي ارتكبت، وأن يجري الحوار الديمقراطي في سوريا وفقا للجنة تأسيسية للحوار الوطني وإعداد برنامج العمل الضروري في هذا الصدد . من المهم الإشارة هنا إلي أن مناقشات الحوار عرضت علي التليفزيون السوري مباشرة، ورددت أصوات عديدة مفاهيم ومصطلحات ما كان يمكن أن تتردد هكذا علنا من قبل ومنها : حتمية التغيير، ووضع حد للقمع الأمني، وإنهاء هيمنة حزب البعث علي الحياة السياسية والاجتماعية، وإنهاء الدولة الأمنية، والعمل علي تأسيس دولة مدنية ديمقراطية تسمح بالتعددية الحزبية وحرية الإعلام، غير أن جميع مطالب التغيير والإصلاح السياسي التي نادي بها المشاركون في الحوار الوطني جاءت في إطار (استمرار قيادة الرئيس السوري بشار الأسد ) والتي تسميها وسائل الإعلام " تحت سقف الوطن". كما جاءت جولة الحوار، وفقا لما أعلنه النظام، تمهيدا لمؤتمر وطني شامل يهدف إلي وضع الأسس من أجل الانتقال إلي نظام ديمقراطي تعددي، يتم عقده في وقت لاحق كما أكد فاروق الشرع نائب الرئيس السوري . وهنا لابد من التأكيد علي أن جلسات الحوار الوطني قاطعتها أطراف المعارضة الرئيسية في سوريا، ورفضها الشارع السوري رفضا قاطعا، وخرج بالآلاف تعبيرا عن هذا الرفض، لأن جلسات الحوار كانت متزامنة، حسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، مع قيام الجيش مصحوبا بالدبابات بمداهمة قريتي معلا وشنان في منطقة جبل الزاوية ونفذت عمليات دهم للمنازل الخاصة بعدد من النشطاء السوريين . في الوقت نفسه، جاءت دعوة السلطة للحوار مع المعارضة في ظل لحظة "فقدان للثقة" كاملة بين الجانبين، لدرجة أن كثيرا من أطراف المعارضة تصورت أن الدعوة للحوار ما هي إلا " فخ " تنصبه السلطة الاستبدادية للمعارضين السياسيين، وأنه حتي في أحسن الأحوال فإن الدعوة للحوار ماهي إلي "شو إعلامي" يقصد به النظام مخاطبة العالم الخارجي وتقليل الضغوط التي يتعرض لها. ويعتقد المفكر والاقتصادي السوري عارف دليلة أن الأحداث الراهنة في سوريا تعبر عن مأزق يزداد عمقا ولا يوجد أمل في انفراجة قريبة لأن الوضع السياسي يفتقد للإجراءات الملموسة علي الأرض، وتزداد يوما بعد يوم الفجوة بين مطالب المحتجين ورد فعل النظام . أطياف المعارضة وقد وافقت معظم عناصر المعارضة السورية علي تأييد عقد مؤتمر الإنقاذ الوطني في 16 يوليو بقيادة المحامي هيثم المالح ولجنة التحضير لهذا المؤتمر . و بنظرة عامة يتبين أن أطياف المعارضة في سوريا تتعدد وتتنوع، وتختلف في تكويناتها، بحيث يراها البعض غير متجانسة، بسبب اختلاف مرجعياتها وتنظيماتها . وتشمل المعارضة السورية ائتلاف إعلان دمشق للتغير الوطني الديمقراطي الذي يضم تنوعا من القوي السياسية والكردية إلي جانب رموز من المثقفين والنشطاء السياسيين المستقلين، وهناك أيضا التجمع الوطني الديمقراطي الذي يضم مجموعة من الأحزاب القومية واليسارية وبعضها ضمن إعلان دمشق، كحزب الشعب وحزب العمال الثوري وحركة الاشتراكيين العرب. وهناك بالطبع أحزاب كردية لم تنضم إلي التحالفات التي تشكل المعارضة الرئيسية، وأحزاب يسارية وليبرالية صغيرة، والعناصر المحسوبة علي الإخوان المسلمين، علما بأنه وفقا للقانون السوري، فإن من يثبت انضمامه لجماعة الإخوان المسلمين فإنه يواجه عقوبة الإعدام . وبعد اندلاع الثورة السورية، فإن شباب الثورة الذين يمثلون " المكون الرئيسي " للقوي الثورية سعوا لتشكيل تنظيمات وهياكل تؤطر تحركاتهم وهو ما يمثل في " تحالف التنسيقات" لقيادة العمل السياسي والميداني، ويعتبرون في مقدمة القوي المعارضة . وإذا كانت القوي الحزبية التي تمرست علي العمل السياسي هي القوي الديناميكية المنوط بها " تحريك وقيادة " عناصر المعارضة الأخري، فإنها، وعلي غرار معظم الأحزاب السياسية في الدول العربية، تعاني ضعفا هيكليا ونقصا في قواعدها الشعبية من جراء تاريخ طويل من النضال ضد القيود السلطوية التي مارسها النظام ضدها . ومع تعدد أطياف المعارضة، تتنوع طروحاتها حول سبل مواجهة الموقف الراهن في سوريا، بدءا من رؤية شباب الثورة، ومبادرات الأحزاب، والقوي السياسية التقليدية، وهو ما يجسد حالة حراك سياسي إيجابية وفاعلة في الساحة السياسية، وتتفق هذه الطروحات بالرغم من تنوعها علي ضرورة إنهاء جذور الدولة الاستبدادية في سوريا، وبناء علاقات جديدة بين المجتمع والدولة تقوم علي دستور جديد، وعقد اجتماعي جديد، وسيادة القانون واستقلالية القضاء واحترام حقوق الإنسان والمواطنة ونظام برلماني يترجم فعاليات حياة ديمقراطية سليمة . من ناحية أخري، يطرح المفكر برهان غليون، وهو في طليعة فريق مهم من المعارضة السورية ما أطلق عليه "خريطة طريق" للمرحلة الراهنة تتضمن إلغاء المادة 8 من الدستور والتي تجعل من حزب البعث الحزب القائد والوحيد في الدولة، ووقف العمليات العسكرية بكل أشكالها، وضبط أجهزة الأمن ووضعها تحت إشراف وزارة الداخلية والقضاء، وحل الميليشيات التي تستخدم في قمع المتظاهرين، والإطلاق الفوري للحريات النقابية والإعلامية والسياسية، وتشكيل حكومة إنقاذ وطني، وعقد مؤتمر للإنصاف والعدالة لمعالجة آثار الصراعات الدامية ورد المظالم، وتعزيز اللحمة الوطنية وترسيخ الإيمان بمستقبل جديد لسوريا يقوم علي الحرية والعدالة والمساواة . أما "ملتقي الشباب السوري الأول" المعبر عن تيار الشباب فقد وضع رؤية سياسية شبابية تتعلق بمستقبل أفضل لجميع السوريين في ظل دولة مدنية ديمقراطية تضمن المواطنة والحريات العامة بما يحقق سيادة القانون، وفصل السلطات والعدالة الاجتماعية . ويضم الملتقي 90 شابا من معارضي الداخل والخارج . ويرفض ملتقي الشباب أي وصاية داخلية أو خارجية علي الحركة الثورية في سوريا، مع القبول بدعم الرأي العام
العالمي، ومنظمات حقوق الإنسان، بما في ذلك الجهد الرامي إلي توصيل قضية سوريا إلي محكمة الجنايات الدولية. أما المعارضة السورية في الخارج (كجماعة الإخوان المسلمين، وعبد الحليم خدام، ومنظمات حقوق الإنسان (عمار القربي) وقوي المعارضة الأخري) فقد شاركت في مؤتمرات أنطاليا في تركيا، وبروكسل، وباريس، وتتفق في كثير من نداءاتها مع معارضة الداخل، ولكن يعوز الجانبين عموما درجة أعلي من التوافق والتنسيق ، حيث تشوب علاقاتهما اتهامات متبادلة، فالمعارضة الداخلية في سوريا تتهم بعض عناصر المعارضة الخارجية بالخضوع لأجندات أمريكية وإسرائيلية. أما المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين في سوريا رياض شقفة والمقيم في أوروبا فقد نفي عن جماعته اختطاف الثورة، وتوقع سقوط الأسد في انقلاب عسكري، مؤكدا أن جماعته ليست من طلاب السلطة، ولكنه سيشارك فيها في حالة سقوط الأسد. ويؤكد فصيل من المعارضة السورية في الخارج إمكانية تشكيل حكومة ظل من خبراء غير سياسيين مستقلين استعدادا لمرحلة ما بعد سقوط الرئيس بشار الأسد. هذا فضلا عن تطور آخر يتعلق بالخارج، حيث تحدثت عناصر سورية كردية عن مؤتمر كردي في العاصمة البلجيكية بروكسل بمشاركة 11 حزبا كرديا من كبار الرموز الكردية السياسية والأكاديمية المقيمة في أوروبا لتوحيد كلمتها بالنسبة للأحداث السورية . تآكل سلطة الدولة تؤكد عدة شواهد حالة التشتت داخل الحكومة السورية التي تكافح من أجل احتواء المظاهرات في ظل نقص دعم الحلفاء ونقص الموارد والسيولة النقدية، في وقت تشتد فيه الجرأة الثورية ويتسع مجال الاحتجاجات ضد بشار الأسد . وقد نظر الكثيرون إلي احتجاجات مدينة حماة علي أنها مثلت نقطة تحول في مسار الثورة، وهي المدينة التي يسكنها 700 ألف نسمة، وشهدت أضخم التظاهرات، والمهرجانات الشعبية التي ماثلت مشهد ميدان التحرير المصري . تشير عدة مصادر إلي فقدان الحكومة السورية لأبرز أنصارها من رجال الدين والتجار وشيوخ القبائل الذين غضبوا من وحشية النظام في مواجهة التظاهرات، وأن كثيرا من السكان ممن كان يطلق عليهم الأغلبية الصامتة ومن رجال الأعمال السنة والمواطنين العاديين قد أصبحوا من معارضي الأسد، وعلي استعداد لدعم بديل له لإعادة الاستقرار إلي سوريا . ومع تشديد العقوبات الغربية علي سوريا و اختفاء دولارات السياحة وضعف الاقتصاد وتأثر التجارة مع دول الجوار وعدم الاستقرار فإن رفاق النظام من نخبة رجال الأعمال شرعوا بالفعل في البحث عن بديل لبشار الأسد، ولكن الرئيس السوري يستمر في التشبث بالسلطة متذرعا بدعم حلفائه من الأقلية العلوية التي تسيطر علي المؤسسات السياسية والعسكرية . يقول بيتر هارلينج وروبرت مالي في الواشنطن بوست: إن النظام السوري يتصرف وكأنه عدو لنفسه، حيث ينعزل عن أهم عناصر دعمه وهم الفقراء والغالبية السورية الصامته، وقد تورط النظام ضد الشريحة الاجتماعية التي كانت مؤيدة له . وعندما يدعي النظام أنه يكافح ضد عصابات اجرامية، فإن ذلك، بغض النظر عن حقيقة المظاهرات الثورية، يبدو صحيحا جزئيا لأن سوريا بالفعل بها عصابات اجرامية نتجت عن سوء الإدارة السياسية والاقتصادية والإدارية، فالعصابات المسلحة تنتشر، ويواكب ذلك تواطؤ الأمن الفاسد، وإهمال الدولة مما سمح بنمو هذه العناصر، وغيرها من التيارات الأصولية، خاصة في المناطق البعيدة عن السلطة . وبينما يدعي النظام أنه الداعم الأقوي للاستقرار، ويزاوج بين الوعود الإصلاحية والقمع المتطرف، فإن التصعيد الثوري والأحداث اليومية تنقض هذه الادعاءات، مع مخاوف العلويين والمسيحيين من احتمال سيطرة الإسلاميين علي السلطة . يؤكد هارلينج أن النظام السوري يعول أساسا علي أجهزة الأمن وليس الجيش، وترتكز الحركة الرئيسية لحماية النظام علي الحرس الجمهوري وفصائل الشرطة السرية والتي تدخل في عداد الأجهزة المخابراتية، وتتألف من علويين، مع استمرار نظام الأسد في المراهنة علي غريزة البقاء الطائفي . ومع اتساع مساحات الغضب الشعبي والتصعيد الثوري بدأت عدة شواهد علي تقلص سلطات الدولة، والسيطرة الحكومية، فلا تحصل مثلا مخالفات السيارات وفواتير الكهرباء والماء بسبب الأزمة وقلة الموارد المالية، وبدأت تنتشر ظاهرة التجار غير المرخص لهم في الأسواق، وارتفعت نسبة الجرائم الخفيفة وعمليات السرقة والنشل دون أن تتعرض لملاحقة رجال الأمن المشغولين بملاحقة المتظاهرين، مما أدي إلي حالة واضحة من الفلتان الأمني وغياب الأمن عن الشوارع . وبموازاة الفلتان الأمني هناك الفوضي المالية، وحالات تهريب الأموال وتحويل الليرة إلي الدولار خوفا من مزيد من الانهيار الاقتصادي . وتؤكد مصادر غربية أن عشرات من الحقائب المحملة بالأموال قد غادرت سوريا بالفعل، بما في ذلك الحقائب التي تنقلها عناصر تابعة للنظام، والمحملة بالأموال والوثائق. يبدو الأمر في سوريا مرشحا لمزيد من تآكل سلطة الدولة مع قيام مؤسسات اقتصادية وشركات بطرد موظفيها وتقليص أعدادهم، وارتفاع نسبة البطالة بصورة مذهلة، وانخفاض المخزون من الحبوب، وانخفاض الاستثمارات الأجنبية، وتوقع ارتفاع معدل التضخم، وتضاعف احتمالات تصاعد الأزمة الاقتصادية . يبدو أن المشهد السوري سيدخل في مرحلة نوعية في وقت لاحق، فبالإضافة إلي دخول مدينة حلب بقوة في الحالة الثورية، فإن مناطق أخري تسير علي الطريق، ومنها مناطق الأغلبية الكردية التي بدأت تطالب بإسقاط النظام، ويحذر مراقبون من " الغضب الكردي " وأنه سيزيد من اهتزاز الدولة، خاصة أن للأكراد مناطق انتشارهم في العاصمة دمشق في زورافا وركن الدين والكسوة وقري الأسد وسبيئة وقدسي وشبعا وصحنايا وبناية الكويتي . وكانت السلطات السورية عموما تتحاشي غضب العناصر الكردية . "مواقف" دولية تسود الشارع السوري مشاعر " المرارة " من جراء التخاذل العربي الفاضح تجاه الممارسات الوحشية التي يقترفها النظام السوري تجاه مواطنية، والتي خلفت وراءها حوالي 1400 شهيد، وعشرات الآلاف من الجرحي، ونحو 12 الفا من المعتقلين . وكان الأمين العام المساعد للجامعة العربية قد صرح بأنه من غير الممكن اتخاذ موقف مساند للشعب السوري، علي غرار ما حدث بالنسبة لليبيا، لأن الدول العربية تمتنع رسميا عن ذلك، وعندما قام الأمين العام الجديد للجامعة العربية نبيل العربي مؤخرا بزيارة سوريا ولقاء الرئيس الأسد، فقد أكد أن الجامعة العربية ترفض التدخل الأجنبي في المنطقة، بما ينم عن رفضه الموقف السابق للجامعة تجاه ليبيا في عهد الأمين العام السابق عمرو موسي، ونفي العربي أي احتمال أن تصدر جامعة الدول العربية أي قرار ضد سوريا . بوجه عام يمكن القول إن الموقف العربي والعالمي من ثورة الشعب السوري ووحشية النظام إزائها يتسم بالغموض والمراوغة والبطء فلم تتحرك الجامعة العربية للتنديد بممارسات القمع التي يمارسها النظام ضد شعبه، ولم تنتقد دولة عربية هذه الممارسات، ولم يتخذ قرار في مجلس الأمن الدولي بالتدخل كما حدث في حالة ليبيا، حيث يبدو الموقف في سوريا أمام النظم العربية و الرأي العام العربي والعالمي أكثر تعقيدا بكثير في ظل المقولة التي تتردد بأن سقوط النظام السوري يمكن أن يغير جذريا من توازنات القوي في الشرق الأوسط، ذلك أن سقوط بشار الأسد، بعد السقوط المفترض لعلي عبد الله صالح في اليمن، يحمل في طياته احتمالات شبه مؤكدة لنقل الحالة الثورية إلي منطقة الخليج . في الوقت نفسه، لا يميل التوجه العربي العام إلي رؤية نموذج جديد للصراعات والتفكك في سوريا علي غرار النموذج العراقي، وهناك أيضا من يتشكك في احتمالات الصعود القوية لتيار الإخوان المسلمين في سوريا والاقتراب من تسلم السلطة علي غرار ما يتردد حاليا في الحالة المصرية . فضلا عن ذلك، فإن انهيار نظام علي شاكلة النظام السوري وتركيبته الاجتماعية المتنوعة، يمكن أن يفتح الباب لسلسلة من الانهيارات ودوامات من الاضطرابات الممتدة علي المستوي الإقليمي، واحتمالات التفكيك والحشد طائفيا وعشائريا، وهناك مؤشرات مبدئية في هذا الصدد تعمل قوي الثورة علي احتوائها وإعادة توجيهها في صالح توحيد القوي وراء الهدف الرئيسي الراهن وهو إسقاط نظام بشار الأسد . أيضا علي الصعيد الإقليمي، يبدو أن تعرض النظام السوري لاندلاع الثورة الشعبية، ومظاهر الضعف التي تشوب النظام تدريجيا، تترجم مباشرة في زيادة النفوذ الإيراني في لبنان، وزيادة تعقيد المشهد السياسي في هذا البلد الصغير، فضلا عن زيادة عدد الأوراق الرابحة في أيدي طهران علي محاور إيران والعراق، وإيران وأمريكا، وإيران وسوريا حيث يمكن أن تنفتح سوريا بعد سقوط الأسد أمام جماعات إيرانية تحتل المساحات الفارغة بها دعما وتوسيعا لنفوذها الإقليمي . وعلي غرار الموقف الإقليمي المرتبك إزاء الحدث السوري، فإن الموقف الإسرائيلي يبدو بدوره متناقضا ما بين تصريحات مؤيدة أو معارضة لاستمرار النظام السوري، علي خلفية رؤية قديمة يؤمن بها عدد من قادة إسرائيل تؤيد العمل علي استمرار النظم السياسية القائمة في دول الجوار العربي، والعمل علي عدم تغييرها، لأنها أكثر سلاسة في التعامل مع إسرائيل من غيرها، وبالتالي ترسخ إسرائيل فكرة أنها " عنصر استقرار " في منطقة الشرق الأوسط، ومن هنا كان سقوط مبارك، واحتمالات سقوط الأسد، من أهم مصادر القلق والخطر لدي اسرائيل . علي الصعيد الدولي، أخفق مجلس الأمن في اتخاذ قرار ضد سوريا بسبب الرفض الروسي والصيني في هذا الصدد، وتسعي حاليا كل من الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي في إقناع موسكو وبكين باتخاذ موقف مشابه لما حدث في الحالة الليبية بامتناع الدولتين عن التصويت . والحقيقة أن الموقف الأمريكي من أحداث سوريا مر بعدة مراحل، ففي بدايات الثورة المستمرة منذ أربعة أشهر، كانت التصريحات الأمريكية تجاه سوريا " مخففة " ولم ترق إلي مستوي الإدانة المباشرة لممارسات النظام وقمعه للمتظاهرين، ولم تطالب الأسد بالرحيل، ولكن بعد استمرار الثورة، وبداية تغيير التوازنات علي أرض الواقع، وكما حدث في الحالتين المصرية والتونسية، بدأت واشنطن في تغيير لهجتها نحو الأسد، وتبلور الموقف الأمريكي بقوة بعد واقعة زيارة سفيرها مع السفير الفرنسي لمدينة حماة، واحتجاج السلطات السورية، ثم قيام متظاهرين مؤيدين للنظام بمهاجمة السفارتين الأمريكية والفرنسية، وهنا وجدنا الرئيس الأمريكي باراك أوباما يقر بأن " الأسد فقد شرعيته " وأنه أعطي عدة فرص لتنفيذ الإصلاحات دون جدوي، كما ندد مجلس الأمن الدولي (بأشد العبارات قوة) بالهجوم الذي تعرضت له السفارتان الأمريكية والفرنسية في دمشق، وصولا إلي تأكيد هيلاري كلينتون بأنه يمكن "الاستغناء الآن عن الرئيس الأسد"، ويقول مستشار أمريكي إن الرئيس أوباما لا يستطيع شيئا للعمل علي إسقاط الأسد، ولكنه يمكن أن يؤثر في البئية المحيطة بسوريا.

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.