المواطنون: الثورة لم تصل إلينا والحكومة أسقطتنا من حساباتها خبراء الجيولوجيا: ما حدث بمنطقة الدويقة منذ سنوات قد يتكرر بإسطبل عنتر المسئولون الحكوميون: المشكلة تكمن فى التلاعب فى عقود التمليك بهذه المناطق تعتبر منطقة إسطبل عنتر التي تقع بأعلى جبل المقطم من أكثر المناطق العشوائية بالقاهرة التي يسكنها العديد من المواطنين من معدومي الدخل في مصر، وتعاني هذه المنطقة من العديد من المشاكل منها مشاكل الصرف الصحي، عدم توافر المياه النظيفة وإن وجدت فلمدة ساعتين في الليل على أحسن الأحوال وعدم انتظام صرف المواد التموينية وحصص أنابيب البوتاجاز إلى جانب كل هذا عدم وجود مستشفى حكومية لأهالي المنطقة، فالمواطنين بإسطبل عنتر في ترقب دائم للأمراض والعدوى، بسبب انتشار القمامة في كل مكان، فحياة المواطنين في هذه المنطقة مأساة بكل المقاييس، وكأن الثورة لم تصل إليها إلى جانب الحوادث التي تحدث في المنطقة، بسبب تصدع الجبل. وفي إطار ذلك رصدت "المصريون" معاناة المواطنين في إسطبل عنتر وعدم اهتمام الحكومة بهذه المنطقة العشوائية التي تكتظ بالسكان، وآراء الخبراء الجيولوجيين، وردود المسئولين الحكوميين. في البداية يقول مصطفى عبد السلام 55 سنة بالمعاش واحد سكان منطقة إسطبل عنتر أعيش هنا منذ أكثر من 28 سنة وأسكن في غرفة واحدة أنا وزوجتي وأولادي ولا يوجد بها صرف صحي أو كهرباء أو مياه للشرب ونشتري الماء بمقابل مادي يصل تقريبًا إلى حوالي 60 قرشًا للجركن، ونستهلك حوالي 15 إلى 20 جركن يوميًا، وأتمنى تركيب حنفية مياه داخل منزلي كباقي المنازل التي أشاهدها. ويقول يوسف إبراهيم 12 سنة في المرحلة الابتدائية أسكن فوق الجبل، وأقوم أنا وأخي الصغير الذي مازال في الصف الثاني الابتدائي من صعود ونزول الجبل كل يوم وبرغم حبي إلى المدرسة إلا أنني أكره الذهاب لها خوفًا على أخي الصغير، وقد حاول أبي نقلي من المدرسة خصوصًا بعد إصابة أحد زملائي أثناء صعوده الجبل، ولكنني لا أريد ترك مدرستي ولا بيتي ولا أعلم ما هو العمل وكنت أتمنى فقط لو أجد حلًا لأظل في مدرستي دون أي مخاطر. ويعبر منعم أحمد 35سنة حداد وأحد السكان منطقة إسطبل عنتر عن يأسه ويقول الوضع بعد الثورة لم يتغير فلم يقم أي من المرشحين أو الأحزاب بتكليف نفسه وزيارة الأهالي حتى يري مستوى المعيشة البائسة التي نعيش فيها، حيث إن المرشحين والأحزاب لا يهمهم الفقراء من الأهالي بأي حال من الأحوال. وعن أشكال احتفالات الزفاف بالمنطقة يقول منعم: "احتفالات الزفاف والأفراح يتم عملها في الشارع أسفل المنطقة والشاب في المنطقة ممكن يتجوز مع أهله لو المكان يسمح مثل العديد من الشباب في المنطقة متزوجين مع أهاليهم". ويقول ياسر عثمان 21سنة من أهالي إسطبل عنتر شباب المنطقة يمارس الرياضية على قطعة أرض ترابية بها زوايا خشب لحراسة المرمى، وهذه الأرض ملك للجيش ومخصصة لإنشاء مركز شباب، حيث لم تبن مديرية الشباب والرياضة طوبة واحدة في هذا المركز. وتشكو عواطف عيد ربة منزل 36سنة ما أسمته بالإهمال الذي تعاني منه منطقة إسطبل عنتر منذ زمن طويل وقد جاءت الثورة واعتقدنا أنها ستغير مصيرنا ومصير منطقتنا قليلة الخدمات ولكن لم يتغير شيء، حيث إن الطريق الوحيد لذهاب أولادها للمدرسة هي النزول من الجبل، وذلك قد يعرض حياتهم إلى الخطر وأبسط ما أتمناه هو إنشاء طريق آمن لأطفالنا. ويشير عبد الرحمن منصور أعمال حرة نعيش بطريقة غير آدمية في إسطبل عنتر، فالقمامة تحاصرنا من كل جانب ولو أصيب أحد الأهالي بمكروه لا نستطيع إحضار الإسعاف له، لصعوبة اختراقها لشوارع المنطقة علاوة على انعدام شبكات مياه الشرب النظيفة، ونضطر إلى شرائها من الباعة الجائلين مقابل جنيه ونصف للجركن الواحد، وقد تحوّلت المنطقة بفعل وعورتها إلى مأوى للمسجلين خطر والمدمنين ليحرموا بناتنا من الخروج من المنزل سوى بالنهار فقط. وتكمل سناء عبد الرحمن ربة منزل 45 سنة: زوجي عامل تراحيل في عمليات البناء، ولم نجد سكنًا سوى في إسطبل عنتر لضيق ذات اليد واستأجرنا حجرة صغيرة أعلى سفح الجبل لنعيش فيها أنا وزوجي وأبنائي الخمسة مقابل 70 جنيهًا شهريًا ولكن البيت به شقوق كثيرة، ولا أخشى سوى على أطفالي، وقد توجهنا وقدمنا العديد من الشكاوي، ولا يوجد رد وكل فترة تأتي لجنة من المحافظة كل ثلاث سنوات أو أقل ليتم عمل حصر بالمنازل التي تدخل لمرحلة الهدم ليتسلم الأهالي الشقق الجديدة بمناطق أكتوبر وسوزان مبارك لكن آخر عمليات الحصر توقفت منذ قيام الثورة تقريبًا، ومنذ هذا الوقت لم نر مسئولًا من المحافظة أو الحي أو غيره. ويقول محسن متولي 26 سنة أحد سكان المنطقة يسيطر على شارع الكهف بإسطبل عنتر العديد من اللصوص وقد تخصصوا في سرقة المنازل من المناطق المجاورة مثل المعادي ودار السلام، ويتجمعون في الكهف قبل أي عملية للتخطيط لها وبعدها لتقسيم المسروقات فيما بينهم، وقد اعتدنا رؤية المشاجرات التي تنشب بين لصوص المغارة، والتي تستخدم فيها السنج والمطاوي، والتي تسببت في فقدان عين أحد شباب المنطقة قبل شهرين عندما رفض أن يخفي أحد هؤلاء اللصوص في منزله، والذي كان هاربًا من بطش زعيم اللصوص. ويقول محمد خليل مهندس 58 سنة أقيم بمنطقة إسطبل عنتر منذ عشرين عامًا وقمت ببناء منزلي على قطعة أرض مساحتها 150 مترًا على هضبة الزهراء التي ترتفع عن الأرض حوالي 60 مترًا وعلى الرغم من عدم وجود شبكات للصرف الصحي أو المياه فقد قمت بتوصيل شبكات بدائية وإنشاء خزانات للصرف الصحي أسفل المنزل، وأن الحياة في هذه المنطقة الجبلية سواء أعلى الهضبة أو أسفلها تمثّل خطورة داهمة على السكان، خاصة مع استمرار تسرّب المياه بحوافّ الهضبة في الوقت الذي يقتصر دور مسئولي الحي على تحصيل الغرامات فقط، خاصة المتعلّقة بالكهرباء فأغلبها يتم توصيلها بشكل غير قانوني من أعمدة الإنارة. وتشدد سنيات إبراهيم 75 سنة على أن الخدمة الوحيدة المتوفرة في إسطبل عنتر هي الكهرباء، حيث تسكن في غرفة لا تحتوي إلا على لمبة للإضاءة وأحيانًا تليفزيون وتأتي فاتورة الكهرباء لتفوق العشرين جنيهًا، وهو مبلغ ضخم لأرملة لا تملك سوي 70 جنيهًا معاشًا، وقضيت أكثر من 50 عامًا في المنطقة ولم يتغير فيها شيء, الغريب في الوضع أنه على الرغم من سوء الوضع بدرجة يصعب تصورها إلا أن سكانه قد ألفوه فالكثير منهم ارتبط بالمكان ويفضلون الموت تحت أنقاض الخرابات التي يسكونها عن الانتقال لمكان آخر. وتؤيدها إحسان سيد 60 سنة فتقول لا نريد الذهاب إلى الأماكن البعيدة مثل منطقة النهضة والأماكن التي وعدتنا الحكومة بالانتقال إليها، وهي مناطق بعيدة وتنتشر فيها تجارة المخدرات والسرقة, كما أن بعض السكان بإسطبل عنتر قد أخلوا منازلهم منذ أكثر من أربع سنوات وحتى الآن لم يحصلوا علي شيء. ويقول صلاح زكي مقيم بإسطبل عنتر: المسئولون لا يهمهم سوي الصراع على الكرسي والثوار أيضًا لا يفكرون سوى في الظهور، وهناك مشكلات كثيرة يعاني منها أهل المنطقة فلا يوجد صرف ولا خدمات آدمية حتى أنبوبة الغاز يصل سعرها في بعض الأحيان إلى 10 أو 15 جنيهًا، وهو مبلغ ضخم بالنظر للمعاشات التي يحصل عليها أغلب السكان. وعن الصخور التي تتساقط على أسطح الغرف بإسطبل عنتر يقول جميل حسن من سكان المنطقة لقد سقطت صخرة قبل عام ونصف بجوار منزلي الذي يقع في حضن الجبل وأحدثت تصدعات بمنزلي وبعدد من المنازل المجاورة، وانهارت أجزاء منها خاصة أن بناءها يتم بلا وضع أساسات لها، وأن السكان الموجودين بإسطبل عنتر الذي يقع فوق جبل المقطم قد يتسببون في كارثة من جراء تصرفاتهم إذ يوجد مسافة مترين خالية بين منازلهم وحافة الجبل لضمان عدم الانهيار، ولكنهم استغلوها في زراعة نباتات وشتلات وريّها بكميات غزيرة من المياه التي تتسبب في انهيار الحواف، وسقوط الصخور على سكان القاع. ويشير محمد عبد الكريم 44 سنة أعمال حرة أعيش مع زوجتي وأبنائي الأربعة في هذه الغرفة معتمدًا على تبرّعات الأهالي لتدبير نفقات المعيشة، حيث لا أحصل سوى على 80 جنيهًا كمعاش شهري، ويوجد خوف كبير لدي من السكن بالمنطقة حيث تتساقط كتل صخرية صغيرة على منزلي نتيجة استمرار رشح المياه بها، لافتًا إلى أن مسئولي الحي حصروا سكان المنطقة منذ سنوات لتوفير مساكن بديلة آمنة لهم، ولكن لم يتحقق شيء حتى الآن. وتشير سلوى عبد العظيم 24سنة إلى أنها تعيش بمفردها وتضطر للخدمة في البيوت كحال معظم الفتيات بالمنطقة لتوفر ما يسد احتياجاتها، وأن غرفتها ذات السقف الخشبي تتسرب منها الأمطار، كما أن أغلب سكان البيت يشتركون في حمام عمومي واحد غير الحشرات والزواحف الموجودة، والتي تتساقط علي الأهالي وهم نائمون، وأن العمود الخشبي الذي يفصل الطابق الأرضي من المنزل عن الطابق العلوي متهاوٍ وقد يسقط في أي لحظة، ومع كل هذا فأنا لا أريد ترك منطقتي التي ولدت فيها فقط أريد من الحكومة النظر إلى حالنا بعين الجد والعمل على إصلاح حالتنا فنحن على حافة الموت من قلة الخدمات. خبراء الجيولوجيا وعلم الطبقات الأرضية أكدوا علي ضرورة ابتعاد المواطنين عن العيش في هذه المناطق الجبلية حفاظًا علي حياتهم فيقول الدكتور عبد الجليل عيسوي، الخبير الجيولوجي، إن ما حدث بمنطقة الدويقة منذ سنوات من المحتمل حدوثها بمنطقة إسطبل عنتر، حيث تحتوي على صخور جيرية تتخللها طبقات طفيلية ولها نفس الظروف الجيولوجية للدويقة، داعيًا المواطنين إلى الابتعاد عن البناء على حافة الهضبة بمسافة لا تقل عن 100 متر. ويشير الدكتور محمود حسان، أستاذ الجيولوجيا بجامعة الأزهر، إلى أن أكبر المشاكل التي تتعرّض لها مثل تلك المناطق العشوائية هي وجود ما يُسمّى بطرنشات (بيارات) الصرف الصحي، مؤكدًا أنها تعجّل بنهاية مأساوية وسقوط الصخور الجيرية علاوة على أن البناء عليها لم يراعِ أي اشتراطات هندسية. وينادي محمد الخشاب، وكيل وزارة التخطيط الأسبق، بضرورة تكاتف الجهات المعنية لنقل سكان المنازل المعرّضة للخطر وحمّل المحليات مسئولية التقاعس والإهمال في تنفيذ القرارات السيادية، مناشدًا المسئولين بتفعيل خطة الدولة في حل أزمة العشوائيات. أما المهندس صلاح زكي، رئيس لجنة تطوير العشوائيات بمحافظة القاهرة، فأشار إلى أن اللجنة تدرس المناطق العشوائية التي يقطن أهلها على حواف الجبال والهضاب وبطن الجبال المعرّضة للكوارث، مشيرًا إلى أن هيئة المساحة الجيولوجية كانت قد أصدرت تقارير وأجرت أبحاثًا على منطقة هضبة الزهراء التي تمتد على مساحة 480 فدانًا منذ عام 1994، والتي أكدت احتمال سقوط الصخور على المساكن، وأن هناك مناطق تحتاج إلى النقل الفوري وأخرى في مراحل تالية. لكن المشكلة تكمن في إجراءات تسليم الوحدات السكنية للمتضررين والمعرّضين للخطر لصعوبة حصرهم والتلاعب في عقود التمليك بهذه المناطق، حيث يحدث أن الفرد الواحد قد يحصل على أكثر من مسكن بديل، وعلى الرغم من ذلك فإن حملات الإزالة زادت 5 مرات في هضبة الزهراء، وهي مستمرة حتى تنتهي اللجان الفنية من تحديد الأماكن المستحقة للإزالة، وتم إزالة أكثر من 400 منزل حتى الآن بالمنطقة بطول 250 مترًا وبعمق 30 مترًا في بطن الجبل، ومساحات كبيرة فوق الجبل. وأكد أنه يتم نقل الأهالي إلى مساكن بديلة بمدينة 6 أكتوبر، وأشار إلى أن بعض الشركات تستأجر مناطق جبلية للاستفادة من ثرواتها، وبعد أن تنتهي من عملها تتركها بعد أن تخلف وراءها العديد من التصدّعات التي تهدد أرواح السكان، وقد قرر محافظ القاهرة تشكيل لجنة علمية لمعاينة صخور المقطم وامتدادها للوقوف على الأمر.