معلوم أن حق التظاهر السلمى مكفول لجميع المواطنين فى الدول الديمقراطية، لأنه من أهم وأبرز وسائل التعبير عن الرأى، ولكن فرق شاسع بين الدعوة للتظاهر السلمى وبين دعوة عدد من الرويبضات للتخريب والتدمير، وإحراق المبانى والمنشآت، وإهدار دماء الآخرين والحث على قتلهم، فالدعوة لارتكاب هذه الأعمال التخريبية ليست من الديمقراطية ولا من حرية الرأى فى شىء، بل هى تحريض سافر على ارتكاب جرائم بشعة تقوِّض المجتمع وتفتك به؛ لأنها تثير الفزع والرعب والفوضى فيه، وتعرِّض أمْنَ أبنائه للخطر، وبالتالى لا بد من إيقاف هؤلاء المحرضين عند حدهم، وإعمال القانون معهم بكل حزم وصرامة، والأخذ على أيديهم بشدة لحماية الوطن من شرهم وإفسادهم. فى الحقيقة لم يدُرْ بخلدى يوما أن تصل حال فلول النظام البائد وكارهى ثورة 25 يناير المباركة إلى هذا المستوى من الانحطاط والدناءة والسفالة والحقد على مصر والمصريين، لدرجة التحريض على الاقتتال الداخلى، وتهديد الأمن والسلم الأهلى فى المجتمع، حتى إن أحد هؤلاء الرعاع قد أهدر دم رئيس الدولة علناً، وحرض الشباب والمتظاهرين على إحراق مقار بعض الأحزاب التى يختلف معها سياسيا، فعن أى حرية أو ديمقراطية يتحدث هؤلاء العملاء والخونة؟! ومنذ متى أفلحت أمة تكلم فى شأنها الرويبضات التافهون؟! وبصراحة شديدة لم أكن أتوقع أن هناك من الناس من تصل به كراهيتُه للإخوان المسلمين إلى درجة إشعال الفتنة بين المصريين، وجرِّ البلاد إلى حالة من الفوضى والاحتراب من خلال إباحة سفك دماء معارضيه السياسيين، وتحريض الناس على القيام بالقتل والسلب والنهب وإحراق المبانى والمقرات الحزبية، وانتهاك حرمات الآخرين والعدوان عليهم. ومفهوم أن يستاء البعض من وصول خصومهم إلى السلطة، وطبيعى جدا أن يشنِّعوا عليهم ويحاولوا إفشالهم ليحلوا محلهم، وألاعيب السياسة والتنافس السياسى كثيرة ومعروفة وتُمارَس فى جميع الدول، لكنها تبقى فى الإطار السياسى السلمى، ولا يفرط المتنافسون الوطنيون أبدا فى أمن أوطانهم، ولا يدعون إلى إحراقه انتقاما من أعدائهم، ومعروف أن من عادة الخصوم السياسيين فى الدول المتخلفة الاستعانة بالسفلة التافهين والجهلة والسفهاء وساقطى المروءة لإثارة البلبلة بين الناس، والتشنيع على خصومهم، لكن لم يُعْهَدْ قط أن يصل الأمر إلى حد التخطيط الإجرامى لإحداث فوضى عارمة فى الدولة، وإشعال الحرائق فى طول البلاد وعرضها، والدعوة لمحاصرة القصر الجمهورى، واحتلال أهم الأماكن الحساسة فى البلد، ومنع الكهرباء والمياه عن المستشفيات، وقطع الطرق، وتعطيل السكك الحديدية، وحشد الخونة والعملاء لإشعال الفوضى والخراب والقتل فى كل مكان، وارتكاب مجازر مروِّعة تُخَلِّفُ أعدادا كبيرة من القتلى فى صفوف المواطنين، واللافت للنظر أن دعاة هذه الفوضى هم من أحباب إسرائيل وعملائها وذيول الأمريكان المعجبين بسفاحى الحرب الأهلية اللبنانية!! وقد أكد الجيش المصرى العظيم على حياده وتمسكه بالشرعية الدستورية وشرعية الانتخابات، ودعا للتنافس السياسى الحر بين جميع القوى السياسية، وقال: "لسنا طرفاً فى أى صراع سياسى ولن نكون، لسنا طالبى سلطة أو طامعين فى الحكم، ولن ننقلب على شرعية اختارها الشعب.. لقد استيقظ الشعب المصرى من سباته العميق، وهو يعرف كيف يحقق أهدافه، ولا يحتاج إلى وصاية أحد".. كما دعا كل المصريين إلى التحلى بالصبر والالتزام بالهدوء، قائلا: "كفى توترا وإرهاقا للدولة التى أصبحت تئن من تصرفات أبنائها، فمصر تريد أن تلتقط أنفاسها...". نعم مصر تريد أن تلتقط أنفاسها كى تنطلق فى مسيرة البناء والنهضة، ويجب إعطاء الرئيس المنتخب وحكومته الفرصة كاملة لتنفيذ برنامجه الانتخابى، ثم محاسبته لو قصر عن طريق صندوق الانتخابات، وليس عن طريق الإجرام والقتل وتدمير المجتمع كله وإحراق الوطن بأسره، ثم ليخبرنا أى عاقل فى أى ديمقراطية فى العالم دعا أحدٌ الشعب للثورة على رئيس منتخب لم يمر على توليه السلطة سوى عدة أسابيع فقط؟! وكيف ستنطلق مصر فى مشروع النهضة والاستقرار ونحن على هذه الحال من التناحر والفوضى والتخريب ووطء القانون بالأحذية والنعال؟! إن مصر تمر بلحظات حاسمة بالفعل، وقد بلغ الصراع أوجَه الآن بين أنصار الوطن (من كل الأحزاب الوطنية والقوى السياسية من إسلاميين وليبراليين ويساريين...) وبين أعدائه (من فلول النظام البائد والعملاء والخونة محبى إسرائيل وسمير جعجع المحرضين لأقباط مصر على إخوانهم المسلمين...!!)، وعلى قوات الشرطة ومن يعاونها من قوات الجيش تفعيل القانون لردع هؤلاء المجرمين المخربين، واستخدام القوة والحسم الكافيين لمواجهة أى عناصر إجرامية مسلحة تسعى لقتل رئيس الجمهورية، أو تحاول تخريب الممتلكات والمرافق العامة أو الخاصة، أو تحرض على إحراق الوطن وإشعال الفتن بين أبنائه. ولا أرانى أبالغ إن قلت إن مصر مقبلة لا قدر الله على كارثة حقيقية إذا لم تهتم كل الجهات المسئولة بالأمر بصورة فورية عاجلة، وتأخذ كل هذه التهديدات على محمل الجد، وتعد خطة طارئة وشاملة لمواجهة هذه المؤامرة ليس من أجل حماية رئيس الجمهورية الدكتور محمد مرسى، ولا من أجل مصلحة جماعة الإخوان المسلمين، وإنما من أجل الحفاظ على أمن مصر وحماية المصالح العليا لشعبها الطيب المسالم، وكفانا خضوعا لهذا الابتزاز الصاخب الذى يمارسه الساقطون الموتورون، كفانا استسلاما وإذعانا لهذه البلبلة والفوضى العارمة التى تثيرها هذه الرويبضات الناعقة التى لن تجر على مصر إلا الخراب والدمار والفشل. * كاتب مصرى. [email protected]