وزير الصحة يشيد بدور التمريض في رعاية مصابي غزة    البيئة: 300 مليون يورو استثمارات التوافق البيئي في الصناعة    رجل الظل| «القاتل السياسي».. اختيار كوشنر المُلهم طريق ترامب نحو رئاسة أمريكا    لليوم الثاني على التوالي.. غارة إسرائيلية تستهدف منطقة حدودية بين لبنان وسوريا    اليوم.. قطار البريميرليج يصل لخط النهاية    مدير صندوق مكافحة وعلاج الادمان: مقراتنا بالجامعات تقدم التوعية للطلاب طوال العام    إصابة 3 طلاب إعدادية في مشاجرة داخل فناء مدرسة بالمنيا    6 عروض مجانية بإقليم القناة وسيناء الثقافى    عبير صبري تهنئ ريم سامي بمناسبة حفل زفافها    وزير الصحة يؤكد اهتمام القيادة السياسية بوضع استراتيجية متكاملة لتطوير التمريض    مباشر الدوري الألماني - فرانكفورت (0)-(0) لايبزيج.. بداية المباراة    الكل متفائل.. توقعات الجماهير لمباراة الأهلي و الترجي التونسي.. فيديو    وزير التعليم: بذل كافة الجهود لدعم التمكين الحقيقي للأشخاص ذوي الإعاقة    مدبولي: مصر ستكون مركزا إقليميا لتصنيع الأجهزة المنزلية الفترة المقبلة    موعد عيد الأضحى المبارك 2024.. بدأ العد التنازلي ل وقفة عرفات    مصرع طفلة دهستها سيارة "لودر" في المرج    سائقو الشاحنات في أوكرانيا ينظمون احتجاجا ضخما اعتراضا على قانون التعبئة الجديد    خبير يوضح أسباب الانقسامات التي تضرب مجلس الحرب الإسرائيلي (فيديو)    بعد الانخفاضات الأخيرة.. أسعار السيارات 2024 في مصر    الصحة العالمية تحذر من الملح: يسبب ارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب    مصر تنافس على لقب بطولة CIB العالم للإسكواش ب3 لاعبين في المباراة النهائية    بعد الخلافات العديدة.. إشبيلية يعلن تجديد عقد نافاس    السفيرة سها جندي تترأس أول اجتماعات اللجنة العليا للهجرة    عاشور: دعم مستمر من القيادة السياسية لبنك المعرفة المصري    مسؤولو التطوير المؤسسي بهيئة المجتمعات العمرانية يزورون مدينة العلمين الجديدة    «الحرية المصري»: مصر لن تتخلى عن مسئولياتها تجاه الشعب الفلسطيني    تعرف على تطورات الحالة الصحية للفنان جلال الزكي.. في العناية المركزة    ليلة سقوط اللصوص.. القبض على 9 متهمين بارتكاب جرائم سرقات بالقاهرة    هل تستطيع إسرائيل عرقلة عمل محكمة العدل الدولية؟.. أستاذ قانون يرد    8 تعليمات مهمة من «النقل» لقائدي القطارات على خطوط السكة الحديد    محافظة القاهرة تنظم رحلة ل120 من ذوي القدرات الخاصة والطلبة المتفوقين لزيارة المناطق السياحية    فيلم فاصل من اللحظات اللذيذة يحتل المرتبة الثالثة في شباك التذاكر    البيئة: 550 مليون يورو استثمارات تمت وجارية بمجال التوافق البيئي في الصناعة    بينهم أبو تريكة.. قبول طعن 121 متهمًا على إدراجهم بقوائم الإرهاب    «المصل واللقاح»: متحور كورونا الجديد سريع الانتشار ويجب اتباع الإجراءات الاحترازية    الكشف على 1645 مواطنا في قافلة طبية ضمن «حياة كريمة» ببني سويف    حزب الله: استهدفنا تجمعا ‏لجنود الاحتلال في محيط ثكنة برانيت بالأسلحة الصاروخية    الأحجار نقلت من أسوان للجيزة.. اكتشاف مفاجأة عن طريقة بناء الأهرامات    أستاذ الطب الوقائي: الإسهال يقتل 1.5 مليون شخص بالعالم سنويا    طلاب الإعدادية الأزهرية يؤدون امتحاني اللغة العربية والهندسة بالمنيا دون شكاوى    جوري بكر تتصدر «جوجل» بعد طلاقها: «استحملت اللي مفيش جبل يستحمله».. ما السبب؟    مفتي الجمهورية: يجوز التبرع للمشروعات الوطنية    «الري»: بحث تعزيز التعاون بين مصر وبيرو في مجال المياه    محافظ المنيا: استقبال القمح مستمر.. وتوريد 238 ألف طن ل"التموين"    جهود قطاع أمن المنافذ بوزارة الداخلية خلال 24 ساعة فى مواجهة جرائم التهريب ومخالفات الإجراءات الجمركية    موناكو ينافس عملاق تركيا لضم عبدالمنعم من الأهلي    نهائي أبطال إفريقيا.. 3 لاعبين "ملوك الأسيست "في الأهلي والترجي "تعرف عليهم"    أبرزهم رامي جمال وعمرو عبدالعزيز..نجوم الفن يدعمون الفنان جلال الزكي بعد أزمته الأخيرة    موعد مباراة بوروسيا دورتموند أمام دارمشتات في الدوري الألماني والقنوات الناقلة    "الإسكان": غدا.. بدء تسليم أراضي بيت الوطن بالعبور    مسئولو التطوير المؤسسي ب"المجتمعات العمرانية" يزورون مدينة العلمين الجديدة (صور)    خبيرة فلك تبشر الأبراج الترابية والهوائية لهذا السبب    ما حكم الرقية بالقرآن الكريم؟.. دار الإفتاء تحسم الجدل: ينبغي الحذر من الدجالين    الفصائل الفلسطينية تعلن قتل 15 جنديا إسرائيليا فى حى التنور برفح جنوبى غزة    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 18-5-2024    حادث عصام صاصا.. اعرف جواز دفع الدية في حالات القتل الخطأ من الناحية الشرعية    الأرصاد: طقس الغد شديد الحرارة نهارا معتدل ليلا على أغلب الأنحاء    قبل عيد الأضحى 2024.. تعرف على الشروط التي تصح بها الأضحية ووقتها الشرعي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لأول مرة.. أسرار معارك "الصمت المريب" بين عمائم المؤسسة الدينية
نشر في البوابة يوم 21 - 07 - 2015

صراع أجنحة بين «الطيب» و«جمعة».. و«شومان» و«عبدالسلام» سلاحا الإمام الأكبر
شيخ الأزهر طلب إقالة وزير الأوقاف.. وأحد مساعديه قال: «مش هيشوفها تاني»
«الطيب» يرى «جمعة» طامعًا فى «كرسى المشيخة» واشتكاه ل«محلب»
الخبر الرسمى مزعج، لا خير فيه ولا منه، لا يضع يديك على حقيقة ما جرى، يكتفى بأن يضعك على سطح الحدث، ثم يتركك تخمن أنت، وفى الغالب يأتى تخمينك فى الاتجاه الخاطئ، لأن الواقع الذى نعيشه فى مصر أكثر تفاهة مما نظن.
ما قالته المؤسسة الرسمية، رئاسة وأوقاف، عن إمامة أسامة الأزهرى للمصلين، وعلى رأسهم الرئيس السيسى فى صلاة العيد، لم يكن كافيا، الخبر نفسه كان مفاجأة، لشهور طويلة كان الدكتور مختار جمعة، وزير الأوقاف، هو الخطيب الرسمى للرئيس، لا يترك خطبة إلا ويلح على ما يعتقد أن القيادة السياسية تريده، حتى عندما صلى السيسى الجمعة فى شرم الشيخ على هامش انعقاد المؤتمر الاقتصادى، كان جمعة هو الخطيب، لكن فجأة يأتى الخبر بأن الأزهرى أم المصلين فى صلاة العيد وألقى الخطبة التى جاء فيها كلام كثير لا جديد فيه على الإطلاق. ولأن الخبر رسمى، ألمح دون تصريح، وأجمل دون تفصيل، كان لا بد للذهنية الشعبية التى تعيش على التآمر أن تعمل وتجتهد وتفسر وتحلل، بالطريقة التى تريحها.
تفسير (1).. الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر لا يزال غاضبًا من تلميذه القديم مختار جمعة، الذى جاء به من جامعة الأزهر إلى أمانة مكتبه بالمشيخة، ثم دفع به إلى وزارة الأوقاف، وقد رغب فى أن يلقى الخطبة وهو موجود، فتم استبداله بأسامة الأزهرى، فحتى لو كانت الرئاسة متحفظة على بعض أداء شيخ الأزهر، إلا أنها لا يمكن أن تعمل متعمدة على إغضابه.
يمكن أن تنسى هذا التفسير تماما.
تفسير (2).. أسامة الأزهرى لم يؤم المصلين ويخطب فيهم متجاوزا بذلك الدكتور الطيب شيخ الأزهر والدكتور شوقى علام مفتى الجمهورية، والدكتور مختار جمعة وزير الأوقاف، ولكنه تجاوز أيضا الدكتور على جمعة مفتى الجمهورية السابق، وفى الوقت نفسه شيخه ومولاه وأستاذه وكفيله الذى يرعاه علميا، فهو على طريقه يسير، وفى مدرسته الفكرية يعمل، وغالبًا الدكتور على جمعة، صاحب الحظوة عند الرئيس، هو صاحب اقتراح أن يكون الأزهرى هو إمام العيد وخطيبه فى محاولة منه لتصديره رسميا، فعلى جمعة الذى يتقن صناعة الإعلام، يعرف أن الرسالة ستصل، وسيصبح تلميذه الذكى المجتهد على صفحات الصحف خطيب الرئيس.
يمكن ألا تثق فى هذا التفسير أيضا.
تفسير (3).. لا شىء فيما حدث غريب على الإطلاق، فالشيخ أسامة الأزهرى هو إمام وخطيب مسجد المشير طنطاوى الذى أدى فيه الرئيس صلاة العيد، ومن الطبيعى جدا أن يؤم المصلين ويخطب فيهم، فهذا عمله الرسمى، وهو ما صرحت به مصادر رسمية فى وزارة الأوقاف فى محاولة منها لوأد الشائعات التى انطلقت على هامش ما جرى.
لن تستسلم لهذا التفسير الرسمى بالطبع، وتقول إن المساجد التى صلى فيها الرئيس قبل ذلك، كان لها أئمة رسميون يؤدون عملهم، لكن مختار جمعة كان يزيحهم ويؤم المصلين ويخطب فيهم هو، وكان يمكنه أن يفعل ذلك أيضًا مع الأزهرى.
وقبل أن تستمتع بهذا التفنيد سيقال لك، ولكن أسامة الأزهرى يختلف فى أشياء كثيرة، فهو فعليًا عالم مجتهد له آراؤه وأفكاره، وهو ابن مدرسة الإسلام الوسطى التى يؤمها الدكتور على جمعة، كما أنه يمتلك حضورا إعلاميا طاغيا، يجعله على قدر مسئولية إمامة الرئيس والخطابة أمامه.
ثم هناك ما هو أهم من ذلك، فأسامة عضو المجلس التخصصى لتنمية المجتمع، وهناك من يشير إليه طول الوقت على أنه المستشار الدينى للرئيس، وسبق أن قابل السيسى فى مقابلة مطولة، خرج منها ليتحدث عن تكليف رئاسى له بإعداد استراتيجية لتجديد الخطاب الدينى، وهى القضية التى يوليها الرئيس السيسى أولوية كبرى، ويلح عليها، ليس فى خطبه أمام تجمعات العلماء ورجال الأزهر فقط، ولكن فى كثير من خطبه العامة، بما يشير إلى أن الأزهرى يحظى بمكانة خاصة لدى الرئيس السيسى.
■ ■ ■
يمكنك أن تضع كل هذا جانبًا، وتسأل السؤال الذى يطارد الجميع، ويلح عليهم منذ شهور، وهو: ما الذى يحدث داخل المؤسسة الدينية؟ وحتى يكون السؤال منطقيا وواقعيا، سنستبعد منه دار الإفتاء التى تعمل فى هدوء شديد يكاد يصل إلى درجة الصمت الباهت، لأن الأزمة المكتومة بالفعل تضم جناحين فقط، هما مؤسسة الأزهر بشيخها الدكتور أحمد الطيب، يسانده مستشاره القانونى محمد عبد السلام، المستشار بمجلس الدولة، ووكيل المشيخة الدكتور عباس شومان، ووزارة الأوقاف التى يقف على رأسها الدكتور مختار جمعة، الذى يبدو أنه قرر أن يشق عصا الطاعة على الإمام الأكبر، سرًا، لأنه فى أحاديثه العلنية وبياناته الرسمية، لا يكف على الثناء عن شيخ الأزهر وفضله عليه وأستاذيته له.
لا تهتم كثيرا بما يقوله أصحاب العمائم، فهم فى الغالب لا يقولون الصدق، والدليل أن حالة الاستقرار الظاهرة على سطح المؤسستين، لا تقابله حالة هدوء فى بطنها، وهذه حكاية طويلة، أعتقد أن الإفصاح عن بعض جوانبها أصبح مهما الآن، فالمعركة التى تخوضها مصر ضد الإرهاب، لا تتحمل معارك صغيرة، دوافعها شخصية، ولا ميزة لها، إلا أنها معارك مراهقة سياسية وفكرية، لن يجنى أحد، حتى أطرافها، من ورائها إلا تشتتا كبيرا.
■ ■ ■
قبل أيام قليلة من التغيير الوزارى الذى قام به المهندس إبراهيم محلب، كانت هناك توقعات أن شيخ الأزهر يهتم بإخراج الدكتور جابر عصفور من وزارة الثقافة، بسبب حالة التحرش الفكرى التى قام بها طوال توليه الوزارة بالأزهر ومشايخه، لكن هذه التوقعات لم تكن صحيحة بالمرة، فالدكتور الطيب والذين معه، كانوا يرغبون فى الإطاحة بوزير آخر، هو الدكتور مختار جمعة، أحد مساعدى الشيخ، والكلام عليه شهود، حيث قال نصا: «مش هيشوفها فى حياته تانى»، فى إشارة إلى أن خروج جمعة من وزارة الأوقاف مسألة أيام.
لم يتوقف الأمر عند حدود الأمنيات، كانت اتصالات قد جرت بين مؤسسة الأزهر والحكومة وأجهزة مختلفة فى الدولة، بشأن تغيير وزير الأوقاف، الطيب نفسه قال للمهندس محلب فى زيارة الترضية التى قام بها رئيس الوزراء بنفسه إلى المشيخة: مختار جمعة يطمع فى كرسى المشيخة، ويبدو أن شيخ الأزهر تلقى من الردود ما طمأنه، ولذلك كانت صدمة المحيطين به بعد بقاء جمعة وزيرا للأوقاف كبيرة جدا.
أحد العاملين فى مكتب شيخ الأزهر، فسر الأمر على أن هناك أجهزة فى الدولة تبارك ما يفعله جمعة من تأليب الإعلام على الشيخ ورجاله، وهذه الأجهزة هى التى حمته، وأبعدت عنه شبح الطرد من الوزارة.
بعد أن استقر مختار جمعة فى كرسيه كوزير للأوقاف، بدأ الترويج من ناحيته لخروج شيخ الأزهر من منصبه، وتم تحديد شهر يوليو للقرار، ولأن شيخ الأزهر لا يُعزل، فقد تم الترويج إلى أنه يمكن أن يتقدم باستقالته لأسباب صحية، أو لأنه يشعر أن القيادة السياسية غير راضية عن أدائه، وحتى لا يقع الجميع فى حرج، فسيطلب إعفاءه من منصبه، لكن شهر يوليو مر دون أن يتغير شىء، فلا شيخ الأزهر استقال، ولا أحد اقترب منه بسوء على الإطلاق.
■ ■ ■
من حقك الآن أن تسأل عن سبب هذا الصراع بين شيخ الأزهر والدكتور مختار جمعة.
ما الذى أنهى شهر العسل بينهما، الطيب هو صاحب الفضل على مختار جمعة الذى لم يتجاوز الخمسين من عمره، 47 سنة، بالتحديد منذ كان أستاذًا فى جامعة الأزهر وحتى أصبح وزيرا؟ ما الذى جعل التلميذ يخوض حربًا شبه سرية ضد الرجل المحصن بحكم الدستور، فلا يترك منصبه إلا بموته؟ ما الذى يجعل حربا إعلامية تشتعل بينهما؟
وعندما أقول حربا إعلامية فأنا أعرف عن تفاصيلها الكثير، فقد أراد الطرفان أن نكون جزءا منها، لكننا حاولنا الوقوف على الحياد، وسجلنا فقط ما يجرى وهو كثير.
بدأ الخلاف بين الدكتور الطيب والدكتور جمعة من مساحة شخصية بحتة، ويمكن أن نقول وباطمئنان شديد أن مستشار الرئيس القانونى محمد عبد السلام هو من يقف وراءها.
عبد السلام شاب فى منتصف الثلاثينيات من عمره، مجتهد، لا يكف عن العمل، لكن الأهم من ذلك أن الدكتور الطيب يثق فيه ثقة مطلقة، لو كان ابنه يعمل معه ما ترك كل شىء بين يديه بهذه الطريقة، التى تثير انتباه الجميع واستفزازهم أيضا.
السيطرة التى فرضها محمد عبد السلام على الجميع، أراد أن يدخل وزير الأوقاف مختار جمعة تحت مظلتها، وهو ما رفضه الوزير تماما، فهو رجل طموح، يعرف أن لديه من القدرات والإمكانيات ما يمكنه من الصعود، واحتلال مكانة أعلى وأهم وأرقى من التى يحتلها، صحيح هو ليس عالما كبيرا، لكنه يمتلك ما لا يمتلكه غيره من العلماء، وهو الحنكة السياسية والعقل المنظم ووضوح الهدف، وهذا يكفيه على الأقل من وجهة نظره.
رفض مختار جمعة الدخول تحت مظلة محمد عبد السلام، حرك الشاب ضده، فبدأ فى إيغار صدر الإمام الأكبر عليه، وكان المدخل إلى ذلك، الطعن فى ظهور مختار جمعة الإعلامى، وانتشاره كالنار فى الهشيم، ونشاطه ضد الإخوان والجماعات الإرهابية، وإلحاحه الشديد على قضية تجديد الخطاب الدينى، وهى القضايا التى يوليها الرئيس اهتماما خاصا، وكان المدخل إلى ذلك أن جمعة يرغب فى أن يخلف الدكتور الطيب فى منصبه، ورغم أنه لا يجوز له ذلك بحكم السن، ولعدم عضويته فى لجنة كبار العلماء التى يخرج منها شيخ الأزهر، إلا أن الشيخ الطيب فيما يبدو صدق ما قاله له مستشاره، الذى هو مصدق عنده على طول الخط.
لم يكن أمام مختار جمعة إلا أن يدافع عن نفسه، خاصة أنه يتحدث عن القضايا التى يثيرها من منطلق وطنى.
فهو يتصدى لأفكار الجماعات الإرهابية، ولجماعة الإخوان المسلمين، فى الوقت الذى لم يتخاذل فيه الأزهر عن ذلك فقط، بل تمسك باستمرار قيادات أزهرية ليست فوق مستوى الشبهات الإخوانية، والأمثلة على ذلك كثيرة من حسن الشافعى الذى أصدر بيانا ضد فض رابعة، إلى عباس شومان الذى كتب ما يشبه الشعر فى محمد مرسى وجماعته، وصولا إلى محمد عمارة الذى وصف ما حدث فى 30 يونيو بأنه انقلاب وظل رئيسا لمجلة الأزهر التى تصدر عن مجمع البحوث الإسلامية، أقيل من منصبه مؤخرا .
وهو لا يكف عن إثارة الحديث عن تجديد الخطاب الدينى، قضية الرئيس الأولى والأساسية الآن، باعتباره مدخلا لمحاربة الفكر المتطرف، فى الوقت الذى لا يخفى شيخ الأزهر نفسه استياءه مما يردده الرئيس فى خطبه، وتوجيه اللوم للطيب ورجاله من علماء الأزهر، لأنهم لا يقومون بما عليهم لتجديد الخطاب الدينى، وهو ما جعله يقول لهم إنه سوف يحاججهم أمام الله، لو لم يقوموا بما يجب عليهم.
■ ■ ■
كان فى الصدور ما فيها إذن.
تزامن مع ذلك حملة إعلامية شبه منظمة على مشيخة الأزهر، ارتكنت على أساس واهٍ، وهو أن الدكتور الطيب يحمى قيادات إخوانية ويمكنها من مفاصل المشيخة، وإذا كان يريد أن يقف فى صف واحد فعليها أن يطهر المشيخة من هذه القيادات، ووصل الاتهام إلى أن شيخ الأزهر نفسه يميل إلى ناحية الإخوان، والأدلة على ذلك كانت كثيرة، مما قاله هو ومما قاله رجاله، يدينهم ويجعلهم فى صف واحد مع جماعة الإخوان المسلمين.
تصادف أن رصدت عيون رجال شيخ الأزهر عدة لقاءات مع عدد من الإعلاميين الكبار، الذين تحدثوا عن أخونة الأزهر، وهجموا على الشيخ شخصيًا هجمة عنيفة، فرسخ فى قلب الإمام، أن جمعة هو من يحرك الهجوم عليه مستغلًا فى ذلك عددًا من الإعلاميين الذين وصفهم رجال الإمام بالعلمانيين، ووصل الأمر إلى اتهام جمعة بأنه من أمدهم بالمادة الإعلامية التى طعنوا بها المشيخة، رغم أن هذه المادة موجودة ومتاحة للجميع، ولا تحتاج لأن يقدمها وزير الأوقاف لأحد.
حاول الدكتور مختار أن ينفى عن نفسه التهمة، أصدر أكثر من بيان ليؤكد عمق صلته بالطيب، وذهب المهندس محلب بنفسه إلى مكتب الإمام لتهدئة خاطره، وهى الزيارة التى لم تنته إلا بحضور جمعة نفسه ليسترضى الشيخ، الذى قابله بفتور شديد.
بعد أن انتهت هذه الزيارة، وخرج مختار جمعة إلى مكتبه بالمجلس الأعلى للشئون الإسلامية، سأل أحد الصحفيين الموجودين فى المشيخة الدكتور الطيب، هل انتهى كل شىء الآن؟ فرد الإمام الأكبر بمرارة: «اللى فى القلب فى القلب». ولم يفصح، هل يتحدث عن قلبه هو، أم عن قلب وزير الأوقاف.
■ ■ ■
فى مرحلة تالية من الصراع، وأثناء القصف الإعلامى، تردد فى المشيخة وعلى لسان رجال الدكتور الطيب، أن مختار جمعة لا يعمل بمفرده، وأنه لا يقدر أبدًا على أن يقود حربًا ضد الإمام، ومؤكد أن هناك من يدعمه ويقف وراءه، ووصل الاتهام هذه المرة إلى رأس الدكتور على جمعة، الذى يقود هو الآخر حربًا ضد الجماعات التكفيرية، ويعمل جاهدًا هو وتلاميذ مدرسته الفكرية على تجديد حقيقى للخطاب الدينى.
قيل وقتها إن الدكتور على جمعة يفعل ذلك لأنه ينتظر أن يصل كرسى مشيخة الأزهر، فى ظل ما تردد أن مؤسسة الرئاسة تعده فعليًا ليتولى هذا المنصب، لكن الدكتور جمعة قطع الشك باليقين، وأكدت مصادر من داخل المشيخة أنه أجرى اتصالا وديا مع الدكتور أحمد الطيب، أكد خلاله أن كل ما يتردد حوله غير صحيح، وأنه يكن كل تقدير وحب واحترام لشيخ الأزهر، الذى يبدو أنه اقتنع تماما بما قاله، فخرج على جمعة من دائرة الصراع، الذى لا يزال يضم جناحين فقط هما الطيب ومختار جمعة.
■ ■ ■
مؤكد أننا نعرف أكثر من هذا، لكن لم يحن الوقت بعد للإفصاح عن كل شىء.
وهو ما يجعلنا نعود مرة أخرى إلى الدكتور أسامة الأزهرى، الوجه الأكثر إشراقا بين مشايخ الأزهر الآن، بعلمه وإخلاصه وصوفيته، ورغبته الأكيدة فى أن يقدم شيئا حقيقيا للإسلام وللوطن بعيدا عن الصراعات والمناصب.
لا يمكن أن نعزل ظهوره الرسمى، حتى لو صدقنا أنه خطب أمام الرئيس لا لشىء إلا لأنه إمام وخطيب مسجد المشير طنطاوى، عن سيناريو صعوده، وتصدره المعركة الفكرية التى تدور رحاها بين الفكر المتطرف وجماعاته المتشعبة، وبين مؤسسة الأزهر التى تخاذلت بالفعل، ولم نجد منها إلا صمتا من مشيخة الأزهر، وثرثرة فارغة من وزارة الأوقاف.
لا يريد أحد من أطراف المعركة الصامتة والمريبة بين الأزهر والأوقاف أن يتحدث بصراحة عما يجرى، لا يريد أحد أن يواجه الأزمة على الأرض، فى العلن نسمع منهم كلاما طيبا، يصل إلى مرحلة الرومانسية الممجوجة، وفى الخفاء نطلع على حرب ضروس، يريد كل طرف فيها أن يقضى على الآخر تماما، والخاسر فى النهاية هو القضية الأم، قضية وطن لا يواجه إرهابا على الأرض فقط، بل يواجه إرهاب العقول والأفكار والنصوص.
ظهور أسامة الأزهرى يمكن أن يكون علامة خير، بشرى لمن ينتظرون حرب أفكار حقيقية، لا حرب مصالح تتقنع بالوطنية، وتتخفى تحت رداء الإسلام، وهو منها برىء.
هل تريدون نصيحة من كاتب لا يجيد فن النصائح الفارغة.
انتظروا أسامة الأزهرى، فإمامته للسيسى فى خطبة العيد لم تكن مصادفة، أو أتمنى ألا تكون كذلك.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.