أكد د. سيد حسن عبد الله- وكيل ورئيس قسم القانون العام بكلية الشريعة والقانون جامعة الأزهر بأسيوط- أن القرآن الكريم هو المصدر الأول للعمل بالسياسة الشرعية. وقد حدد الدين الحنيف المنهج الصحيح لإصلاح الدنيا بالدين. وللوقوف علي الفهم الخاطئ لأصول العمل بالسياسة الشرعية وفق ما تواترت به النصوص الشرعية الذي جعل بعض شبابنا ينحرف عن طريق الجادة والصواب إلي طريق الغلو والتطرف. وبدلاً من أن يكون عضوا فاعلا في بناء الأمة أصبح حربا علي الدين والوطن. كان لنا هذا الحوار. 1⁄4 نود تبصير القارئ بمدلول السياسة الشرعية؟ ** السياسة في اللغة هي حسن التدبير والقيام علي الشيء بما يصلحه. وفي الاصطلاح الفقهي هي قواعد محكمة لا تقبل التغيير والتبديل. ولا تختلف باختلاف الأمم والعصور. فكلمة السياسة في لغة العرب تطلق ويراد منها تدبير الشئ والتصرف فيه بما يصلحه. ومنه قولنا: ساس الرعية. إذا ولي حكمها وقام فيها بالأمر والنهي وتصرف في شئونها بما يصلحها. ومن ذلك ما ورد في الصحيحين من حديث أبي هريرة أن رسول - صلي الله عليه وسلم - قال: ¢كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء. فكلما هلك نبي خلفه نبي. وأنه لا نبي بعدي. قالوا: فما تأمرنا قال: "فوا ببيعه الأول فالأول وأعطوهم حقهم فإن الله سائلهم عما استرعاهم". متفق عليه. قال ابن حجر في فتح الباري:¢ أي أنهم كانوا إذا ظهر فيهم فساد بعث الله لهم نبياً يقيم لهم أمرهم. ويزيل ما غيروا من أحكام التوراة. وفيه إشارة إلي أنه لابد للرعية من قائم بأمورها يحملها علي الطريقة الحسنة وينصف المظلوم من الظالم¢ وفي الاصطلاح الفقهي قال ابن نجيم الفقيه الحنفي- في تعريفها: ¢القانون الموضوع لرعاية الآداب والمصالح وانتظام الأحوال¢ "البحر الرائق لابن نجيم ص5/76" وعرفها المقريزي في الخطط المقريزية بقوله:¢ هي القانون الموضوع لرعاية الآداب والمصالح العامة وانتظام الأحوال¢ ثم ميز المقريزي بين نوعين من السياسة: ¢سياسة عادلة تخرج الحق من الظالم الفاجر فهي من الأحكام الشرعية. علمها من علمها وجهلها من جهلها .. والنوع الآخر سياسة ظالمة فالشريعة تحرمها.¢ "الخطط للمقريزي ج2/220 " وعلي هذا فإن السياسة الشرعية- بلغة العصر- هي النظم والقوانين التي تتطلبها شئون الدولة من حيث مطابقتها لأصول الدين وتحقيقها لمصالح الناس وحاجاتهم. وغايتها الوصول إلي تدبير شئون الدولة الإسلامية بنظم من دينها. والإبانة عن كفاية الإسلام بالسياسة العادلة. وتقبله رعاية مصالح الناس في مختلف العصور والبلدان. والسياسة التي تدار بها أمور الأمة لقضاء حاجياتها والمحافظة علي ضرورياتها وتدبير محاسنها تكون سياسة مشروعة طالما كانت متفقة مع روح الشريعة. معتمدة علي قواعدها الكلية. ومبادئها الأساسية. 1⁄4 هل السياسة من شأن الخاصة أم العامة؟ ** السياسة من شأن الخاصة لا العامة فليس لكل أحد أن يعمل بالسياسة. ما لم تتوافر فيه صفات معينة ترقي بشخصه إلي مستوي النضج الفكري. ليكون علي بيَّنة بما ينفع ويضر. ولذا قال الشيخ محمد رشيد رضا: ¢خوض العامة في السياسة وأمور الحرب والسلم والأمن والخوف أمر معتاد. وهو ضار جداً إذا شغلوا به عن عملهم. ويكون ضرره أشد إذا وقفوا علي أسرار ذلك وأذاعوا به. وهم لا يستطيعون كتمان ما يعلمون ولا يعرفون كنه ضرر ما يقولون. وأضره علم جواسيس العدو بأسرار أمتهم وما يكون من وراء ذلك. ومثل أمر الأمن والخوف سائر الأمور السياسية والشئون العامة التي تختص بالخاصة دون العامة¢. قال الإمام محمد عبده في تفسير قوله تعالي: ¢وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرى مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَي الرَّسُولِ وَإِلَي أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلا ¢سورة النساء الآية: 83 ¢ أي أنهم من الطيش والخفة بحيث يستفزهم كل خبر عن العدو يصل إليهم فيطلق ألسنتهم بالكلام فيه وإذاعته بين الناس وما كان ينبغي أن تشيع في العامة أخبار الحرب وأسرارها ولا أن تخوض العامة في السياسة. فإن ذلك يشغلها بما يضر ولا ينفع ويضرهم أنفسهم. ويشغلهم في شئونهم الخاصة. ويضر الأمة والدولة بما يفسد عليها من أمر المصلحة العامة ¢"تفسير المنار للشيخ محمد رشيد رضا -ح5/295" لذا كان من الواجب علي شبابنا أن يعي وأن يدرك حقيقة الأخطار التي تحيط بعالمنا العربي والإسلامي عامة ومصرنا الحبيبة خاصة. وأن ينخرط في مسيرة البناء والتعمير لا التخريب والتدمير. وأن يوقن أن أفضل نعمة بعد الإيمان هي نعمة الأمن والأمان. 1⁄4 هل تجد السياسة الشرعية أصولاً لها في القرآن الكريم والسنة النبوية؟ ** نعم. القرآن الكريم هو المصدر الأول من مصادر العمل بالسياسة الشرعية. تجد ذلك في كثير من الآيات مثل قوله تعالي: ¢وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمي كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةي عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَي رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ¢ الأنعام:108.فهذه الآية أصل عظيم من أصول السياسة الشرعية. وحكمها باق إلي يوم القيامة. وتقطع طريق الاستفزاز لاستثارة غير المسلم. وبخاصة إذا كان المسلم في موقف الضعيف. ورتب علما التفسير عليها الكثير من القواعد الشرعية أهمها: وجوب ترك الطاعة إذا أدت إلي معصية راجحة. وكتب في ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم في كتاب (إعلام الموقعين عن رب العالمين )الكثير من الأحكام السياسية المخرجة علي هذه الآية. أما من السنة فهناك الكثير من الأحاديث التي تعالج أهم وأخطر المواقف السياسية وعلي الأخص تلك التي تتعلق بالخروج علي ولي الأمر. وهي دالة دلالة قطعية علي تحريم ذلك. لما يترتب عليها من الفتن العظمي وتفتيت عضد الأمة. حتي روي عبد الرزاق في مصنفه حديثاً يتفق والواقع المعاش في كثير من الدول التي تعاني من اضطرابات سياسية تلبث ثوب التغيير استجابة لمتطلبات أجنبية لا تريد الخير لواقعنا العربي والإسلامي. هذا الحديث نصه:¢ ستون سنة من إمام جائر أصلح من ليلة بلا سلطان¢ قالوا: لأن الفتن التي تحدث في هذه الليلة التي تخلو فيها البلاد من حاكم تعدل وتفوق ما وقع من مظالم مدة ستين سنة. ومن هنا فإن مذهب أهل السنة والجماعة عدم جواز الخروج علي الحاكم وإن كان ظالما. وذهب شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله - إلي أنه لا يكاد يعرف طائفة خرجت إلا وكان في خروجها من الضرر ما هو أشد من الضرر الذي تعمل علي إزالته. وفي الختام نعوذ بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن. ونسأل الله أن يحفظ مصرنا الحبيبة من شر كل ذي شر. وأن يحفظ علينا نعمة الأمن والأمان.