لله رجال اختصهم بموهبة متميزة.. ووضع في حناجرهم أنغام السماء فانسابت فناً جميلاً بالتواشيح والابتهالات والأناشيد العذبة التي تنزل علي قلوبنا برداً وسلاماً في المناسبات والاحتفالات الدينية.. خاصة في شهر رمضان المبارك والذي يكون لهذه الأنغام طعم خاص.. ويكون لأصحابها حضور أقوي بيننا.. تعالوا لنتعرف علي مسيرة حياة وحلاوة فن هؤلاء النجوم.. نجوم الإنشاد والتواشيح والابتهالات والمدائح. الشيخ "محمود محمد صبح" من مواليد عام 1897 بمنطقة حوش الشرقاوي التابعة لقسم الدرب الأحمر بالقاهرة.. وهي المنطقة التي ارتبطت بتجارة وصناعة الأخشاب وكان والده أحد العاملين في هذا المجال. أصيب الشيخ محمود وهو في الرابعة من عمره.. رمدت عيناه وخبا نور الأمل في عينيه فألحقه والده بالكُتاب وأتم حفظ القرآن الكريم وهو في العاشرة من عمره.. ثم أتم تجويده والقراءات وهو في الثالثة عشرة.. كانت جماهير المصلين في مساجد القاهرة تتطلع إلي صوت محمود صبح وخاصة في مسجد سيدي الإمام الشعراني رضي الله تعالي عنه.. أكثر من ذلك أنه عندما كان يدخل "محمود" للصلاة.. صدفة.. في يوم جمعة.. يسرع المقرئ إلي النزول عن كرسي القراءة ويدعوه ليجلس مكانه. بدأ الشيخ صبح تلحين أول موشح له في فترة صباه وتصادف أن سمعه المرحوم الشيخ "سلامة حجازي" فأعجب به وتنبأ له بمستقبل كبير في عالم الإنشاد والفن والموسيقي.. وبالفعل تحققت نبوءة الشيخ سلامة وفاز محمود صبح بالجائزة الأولي في مسابقة التلحين للإذاعة المصرية عام ..1936 والطريف ان الشيخ محمود صبح لم يثبت علي زي واحد رسمي في حياته.. مرة يرتدي زي المشايخ "جبة وقفطان وعمامة".. ومرة "البدلة".. وهكذا. وعلي الرغم من أنه فقد بصره صغيراً إلا أنه أحب الرياضة البدنية وزاولها مع شقيقه المصارع "إبراهيم صبح" تاجر الأخشاب أيضاً مثل والده.. وقد كان محمود صبح يري انه لا تعارض بين الإنشاد والرياضة.. فكان يمارسها يومياً.. وخاصة لعبة الحديد "حمل الأثقال". بدأت شهرة محمود صبح في محطات الإذاعة الأهلية قبل افتتاح الإذاعة اللاسلكية للحكومة المصرية في 31 مايو 1934 وله تسجيلات يصعب حصرها في مكتبة الإذاعة.. وقد شارك في افتتاح محطة إذاعة القدس عام 1936 وله تسجيلات نادرة في الإذاعة البريطانية. اشتهر محمود صبح بأنه طيب القلب.. سريع الغضب.. قريب الرضا.. سريع النكتة.. وواصل مشواره الفني إلي أن تفرغ في آخريات أيامه للتلحين فقط.. وقد تغني بألحانه عشرات من نجوم الغناء في مصر والعالم العربي.. من بينهم: وديع الصافي ورياض البندق ويحيي السعودي.. ومن الذين تأثروا بالشيخ صبح: مرسي الحريري وفؤاد عبدالمجيد وغيرهم.. وجميعهم حزنوا كثيراً عند رحيله في يوم الجمعة 25 ابريل عام 1941 رحمه الله.