إن الغريب هو العجيب الذي لا يعتمد علي معطيات المنطق العقلي السائد. بدوي يفتح دولاً متحضرة. أمي يأتي بمعجزة لغوية سماوية. بيئة متخلفة تفرض الحضارة السامية علي أصحاب الحضارة المادية الصارمة. هذه هي الغرابة التي ولدت مع الإسلام. أما أنه ¢ سيعود غريباً ¢ فربما كان المقصود هنا. أن المكان الذي خرجت منه الدعوة الإسلامية لنشر السلام والعدل للعالم ستخرج منه الفتاوي المتأخرة المنومة المخدرة التي ستكرس التخلف. وهنا الغرابة. أن يسعد المسلمون بذلك ويصروا عليه ويتمسكوا به. إنها فتاوي تطالب المسلمين أن يأكلوا ما كان يأكله الصحابة. أن يناموا كما كانوا ينامون. ولا يستعملوا ما لم يكن معروفاً أيامهم. الدِش. الكمبيوتر. الليزر. التشريح. التشخيص. ليأكل المسلمون بأيديهم كما كان الصحابة يأكلون. ألا يعملوا في الحكومة لأنه لم تكن أيامهم حكومة. كل ما يميز المسلم السلفي هو أن يطلق لحيته رغم أنه لا فضل له في ذلك. ولعلنا نفهم الغرابة في قول رسول الله: ¢ وسيعود الإسلام غريباً ¢ بأنها نبوءة أن يعود الإسلام بفهمه الصحيح "من العلماء والفقهاء وأهل الرأي" لما كان عليه. قادراً علي فرض العدل والحق والسلام. والغرابة أن يحدث ذلك رغم ما نحن فيه من تخلف وأمية وإصرار علي الجهل. إن سر تخلف المسلمين هم المسلمون أنفسهم. إن الطب موجود لكنك تجد من يفتي بتحريم العلاج ليموت المريض شهيداً. أو بدعوي أن العلاج تغيير في مشيئة الله. إن النبي صلي الله عليه وسلم يقول: ¢ المؤمن القوي خير وأحب إلي الله من المؤمن الضعيف ¢ والقوة هنا ليست قوة العضلات إنما قوة العقل والعلم والمال والاختراع. ليست قوة التصورات الخاطئة التي يعيش أصحابها علي بيع البخور أمام المساجد. بل قوة من يزرع وينتج ويبني ويعمر ويطور. ليست قوة العاطلين والكسالي وأصحاب الفتاوي المحبطة الذين لم يقرأوا الحديث النبوي الشريف: ¢ إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة "شتلة النخلة" فليغرسها ¢ ولم يقرأوا قوله سبحانه وتعالي: ¢ وقل اعملوا فسيري الله عملكم ورسوله والمؤمنون ¢ لقد قال الله: ¢ اعملوا ¢ ولم يقل: خربوا ودمروا وفجروا وأحرقوا واقتلوا. إن مثل هذه الأفعال هي تعبير عن عقد نفسية يعاني منها الذين نبذوا العمل وعاشوا عالة علي الناس وشعروا بغل نحو كل ما يملكه الآخرون. ومن ثَم سعوا لتخريب سياراتهم وحرق بيوتهم ليبيع كل الناس العسلية والبخور مثلهم. وللحديث بقية.