الذين يقولون أنهم سلفيون يرفضون كل ما لم يكن في عصر السلف. يأخذون الأمور الشكلية. ليبقوا في زمن غير زمانهم. فالجبن حرام لأن الصحابة كانوا يشربون اللبن ولا يعرفون الجبن. والجلباب هو الزي الإسلامي لأن البدلة بدعة غربية. والسيارة حرام فالجمل هو وسيلة النقل الشرعية. وهكذا خرج المسلمون من العصر الحديث وأعطوا ظهورهم له وولوا وجوههم شطر الماضي البعيد ليظلوا فيه. وهو ما أسعد الغرب ونال استحسانه. فالحضارة الغربية هي حضارة قامت علي أعمدة العلماء والمفكرين المسلمين في كافة نواحي المعرفة والتطور. ومن مصلحة الغرب بقاؤنا في زمن الماضي حتي نكون أداة طيعة في يده . وسوقاً واسعة لمنتجاته. مصلحة الغرب أن نبقي في مساجدنا وبيوتنا لا نغادرها حتي يُصدِّر لنا كل ما نحتاجه ونعيش عليه. فيزدهر اقتصاده وتدور مصانعه ويرتقي يوماً بعد يوم. إن التقدم لابد له حتي يستمر أن يحافظ علي أكبر مساحة ممكنة من التخلف علي ظهر الكرة الأرضية. يقول سبحانه وتعالي: ¢ وأما بنعمة ربك فحدث ¢ والمقصود بكلمة ¢ حدث ¢: تكلم. أو مقصود بها التحديث. أي التطوير والاكتشاف. ليس هناك ما يمنع أن نفهم كلمة حدث علي هذا النحو. ويقول النبي صلي الله عليه وسلم: ¢ وُلِد الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ فطوبي للغرباء ثم طوبي للغرباء ¢ ويمكن فهم كلمة ¢ غريباً ¢ علي أنها من الغرابة وليس من الغربة .فمن الغرابة أن النبي الذي كان لا يعرف القراءة والكتابة أتي من عند الله بقرآن يعجز فلاسفة العرب وشعراؤهم أن يأتوا بمثله. ولم يكن النبي من عظماء قريش وإنما كان يتيماً في قريش. والغرابة أنه دخل مكة "التي أُخرِج منها" فاتحاً مسيطراً ناشراً دعوته. والغرابة أن المسلمين رعاة الأغنام الذين جاءوا من قلب الصحراء هم الذين فتحوا العالم ودخلوا بلاد الفرس والروم ووصلوا إلي قلب أوروبا دون تكنولوجيا وبرسالة سامية وكلمة طيبة فقط. ولو كان الحكام في كافة بقاع الأرض يبنون مجدهم علي سياسة "فرِّق تسُدْ" فإن الغرابة في الإسلام أن نبيه فعل العكس. وحِّد تسُدْ. إن تجميع الناس فتَح البلاد الظالم حكامها ليسود العدل والمحبة والسلام وحقوق الإنسان والطمأنينة. وللحديث بقية.