وزير التعليم ومحافظ بورسعيد يعقدان اجتماعا مع القيادات التعليمية بالمحافظة    «الأوقاف» تفتتح 10 مساجد بعد تجديدها الجمعة المقبلة    فرصة ذهبية.. مدبولي: مؤتمر استثماري بين مصر والاتحاد الأوروبي يونيو القادم    القيادة المركزية الأمريكية: الحوثيون استهدفوا ناقلة نفط يونانية ترفع علم بنما بصاروخ باليستي    حماس: الاحتلال يمارس سلوكًا نازيًا ضد مدنيين عزّل بمخيم جباليا لليوم السابع    لافروف: روسيا منفتحة على الحوار مع الغرب بشأن الاستقرار الاستراتيجي    متحدث فتح: نتنياهو لا يريد حلا.. وكل من يقف جانب الاحتلال سيلوث يده بدماء الأبرياء    من هو أفضل كابتن للجولة الأخيرة من فانتازي الدوري الإنجليزي؟.. الخبراء يجيبون    مرموش يقود آينتراخت فرانكفورت للدوري الأوروبي    تعليم الدقهلية تكشف تفاصيل متابعة سير امتحانات الشهادة الإعدادية    كان مقدسًا عند الفراعنة.. عرض تمثال ل"طائر أبو المنجل" فى متحف شرم الشيخ (صور)    19 صورة لاكتشاف نهر بجوار الهرم الأكبر.. كيف بنى المصريون القدماء حضارتهم    عزة مصطفى: عادل إمام شخصية وطنية.. وكل الشرائح العمرية تحب أعماله    الوالدان يستحقان معاملة خاصة.. الأزهر يناقش حقوق كبار السن بملتقى المرأة الأسبوعي    «الصحة» توجه نصائح هامة لمرضى الجيوب الأنفية للحماية من التقلبات الجوية    بالخطوات.. طريقة الحصول على نتيجة الشهادة الابتدائية 2024    كوكا يقود تشكيل ألانيا أمام سامسون سبور في الدوري التركي    رسميًا.. إشبيلية يعلن رحيل مدربه بنهاية الموسم    وزير التعليم: لدينا 46 ألفًا و994 طفلًا من ذوي الهمم.. و159 ألفًا و825 بمدارس الدمج    مذكرة قواعد اللغة الفرنسية للصف الثالث الثانوي 2024.. لا يخرج عنها الامتحان    إصابة 4 أشخاص في حادث تصادم توكتوك مع ميكروباص في المنيا    مواعيد القطارات المكيفة والروسى على خط القاهرة - الإسكندرية والعكس    أخبار مصر.. غدا طقس شديد الحرارة ورياح والعظمى بالقاهرة 38 درجة    «معلومات الوزراء» يعلن أجندة وبرنامج عمل مؤتمره العلمي السنوي بالتعاون مع جامعة القاهرة    حصاد تريزيجيه مع طرابزون قبل مواجهة إسطنبول باشاك شهير فى الدوري التركي    برج الثور.. حظك اليوم السبت 18 مايو: عبر عن أفكارك    تاني تاني.. تغيير جلد ل غادة عبد الرازق وأحمد آدم    المعارضة الإسرائيلية: على جانتس الاستقالة اليوم    الحكومة تعتزم تطوير فندق النيل "ريتزكارلتون" بميدان التحرير لزيادة العائد    كيف يمكن أن تساعد بذور الحلبة فى إدارة مستويات السكر بالدم؟    العلاج على نفقة الدولة.. صحة دمياط تقدم الدعم الطبي ل 1797 مواطن    معلومات عن متحور كورونا الجديد FLiRT .. انتشر أواخر الربيع فما أعراضه؟    حكم شراء صك الأضحية بالتقسيط.. علي جمعة يوضح    هل مواقيت الحج والعمرة ثابتة بالنص أم بالاجتهاد؟ فتوى البحوث الإسلامية تجيب    وزير الصحة يشيد بدور التمريض في رعاية مصابي غزة    حبس المتهم بسرقة مبالغ مالية من داخل مسكن في الشيخ زايد    حزب الله يعلن استهداف تجمعا لجنود الاحتلال بثكنة راميم    نجم الترجي السابق ل «المصري اليوم»: إمام عاشور قادر على قلب الطاولة في أي وقت    مصرع طفلة دهستها سيارة "لودر" في المرج    السفيرة سها جندي تترأس أول اجتماعات اللجنة العليا للهجرة    مسؤولو التطوير المؤسسي بهيئة المجتمعات العمرانية يزورون مدينة العلمين الجديدة    8 تعليمات مهمة من «النقل» لقائدي القطارات على خطوط السكة الحديد    محافظة القاهرة تنظم رحلة ل120 من ذوي القدرات الخاصة والطلبة المتفوقين لزيارة المناطق السياحية    فيلم فاصل من اللحظات اللذيذة يحتل المرتبة الثالثة في شباك التذاكر    مصر تنافس على لقب بطولة CIB العالم للإسكواش ب3 لاعبين في المباراة النهائية    «الصحة»: وضع خطط عادلة لتوزيع المُكلفين الجدد من الهيئات التمريضية    مفتي الجمهورية: يجوز التبرع للمشروعات الوطنية    جوري بكر تتصدر «جوجل» بعد طلاقها: «استحملت اللي مفيش جبل يستحمله».. ما السبب؟    طلاب الإعدادية الأزهرية يؤدون امتحاني اللغة العربية والهندسة بالمنيا دون شكاوى    محافظ المنيا: استقبال القمح مستمر.. وتوريد 238 ألف طن ل"التموين"    رئيس جامعة بنها يتفقد الامتحانات بكليتي الحقوق والعلاج الطبيعي    جهود قطاع أمن المنافذ بوزارة الداخلية خلال 24 ساعة فى مواجهة جرائم التهريب ومخالفات الإجراءات الجمركية    موناكو ينافس عملاق تركيا لضم عبدالمنعم من الأهلي    "الإسكان": غدا.. بدء تسليم أراضي بيت الوطن بالعبور    وُصف بالأسطورة.. كيف تفاعل لاعبو أرسنال مع إعلان رحيل النني؟    ما حكم الرقية بالقرآن الكريم؟.. دار الإفتاء تحسم الجدل: ينبغي الحذر من الدجالين    الفصائل الفلسطينية تعلن قتل 15 جنديا إسرائيليا فى حى التنور برفح جنوبى غزة    الأرصاد: طقس الغد شديد الحرارة نهارا معتدل ليلا على أغلب الأنحاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ملف خاص
الكنيسة الدولة الأقباط - مثلث التحديات أمام البابا ال 118
نشر في آخر ساعة يوم 05 - 11 - 2012

للكنيسة المصرية تركيبات نفسية مثل الأشخاص تتغير بتغير الظروف والأحوال، فأحيانا تكون الكنيسة في مزاج جيد وأحيانا أخري في مزاج عابس، أحيانا تشعر بالقوة والانفتاح وأحيانا أخري تشعر بالضعف والعزلة، فالكنيسة الأرثوذكسية مرت بمتغيرات وبظروف غير مواتية في بعض الأوقات دفعت الأقباط إلي الانزواء والعزلة.. فكانت تهتم بالشأن الروحي والديني فقط ولا علاقة لها بالجانب السياسي.. وعندما اعتلي البابا شنودة الثالث الكرسي البابوي أضفي إلي الكنيسة بعدا جديدا بمواقفه وأقواله وأعماله فخرجت من سياق المحلية إلي الإقليمية فالدولية.. كما كان البابا شنودة صمام أمان ومانعا للصواعق الكثيرة.. الواقع يؤكد أن البابا الجديد تنتظره ملفات عدة شائكة.
لم تكن المرة الأولي التي يأتي فيها البابا الجديد ونحن في أوائل عهد رئيس جديد ولكنها تكررت من قبل عندما جلس البابا كيرلس السادس علي كرسي (مار مرقس الرسول) عام 1959 في أوائل عهد الرئيس جمال عبدالناصر، وعندما تولي البابا شنودة منصب البطريرك عام 1971 كان في أوائل عهد الرئيس الراحل أنور السادات.
لكن البابا الجديد يختلف عن سابقيه وهناك عقبات يمكنه تمثيلها بمثلث ثلاثي الأضلاع يتمثل في الكنيسة، الدولة، الأقباط..
القانون الموحد
ويعد ملف القانون الموحد لدور العبادة من الملفات الهامة أمام البطريرك.. فقضية بناء الكنائس للمسيحيين قائمة لم تحسم بعد ولم يصدر بشأنها قرار أو يسن لها تشريع، فمن مصلحة الجميع أن تخضع عملية بناء دور العبادة لقواعد واحدة تمكن كل المتدينين من أداء شعائرهم. ويحدد القانون الموحد لدور العبادة في مواده شروط بناء دور العبادة سواء للمسلمين أو المسيحيين حيث تنص المادة الأولي علي أن يكون ترخيص بناء دور العبادة أو تعليتها أو إجراء ترميمات بها بترخيص من الجهة الإدارية المختصة.. كما نصت المادية الثانية علي عدم إقامة كنائس ضمن بناء معد لأغراض السكن ونصت المادة الثالثة علي ضرورة الكشف عن مصادر التمويل واشترطت المادة الرابعة علي التقدم بطلب للحصول علي ترخيص ببناء دار عبادة إلي الإدارة الهندسية بالمحافظة الكائنة بدائرتها الأرض محل البناء..
الأحوال الشخصية
فالأقباط في انتظار قانون جديد للأحوال الشخصية خاص بهم يستمد نصوصه من الشريعة المسيحية، وقد أضيف نص في الدستور الجديد ضمن المادة الثانية ينص علي احتكام غير المسلمين إلي شرائعهم، وقد لاقي هذا النص جدلا في الشارع القبطي بين مايعرف برابطة أقباط (83) الذين يرفضون هذا النص وبين (الإكليروس) رجال الدين بالكنيسة الذين يتمسكون به. وقد وضعت بنود القانون الجديد بمعرفة الكنائس الثلاث الأرثوذكسية والإنجيلية والكاثوليكية منذ عام 0891 وتتضمن 29 مادة وعرض علي وزير العدل في ذلك الوقت ليعرض علي مجلس الشعب لمناقشته إلا أنه وضع في أدراج المجلس ولم يعرض للمناقشة، وفي عام 8991 دعا البابا شنودة رؤساء الكنائس الثلاث لإعادة مناقشة مشروع القانون مرة أخري، وتعديل بعض بنوده بما يتفق مع المتغيرات الاجتماعية وبالرغم من الاتفاق حول مشروع القانون بين جميع الطوائف إلا أنه عند إعادة طرحه للمناقشة عام 6002 اشتعلت الخلافات حوله بين الكنيسة الأرثوذكسية والإنجيلية والكاثوليكية فيما يتعلق بمسائل الزواج الثاني وأعلنت الكنيسة الكاثوليكية وقتها رفضها للقانون وقد لاقي القانون انتقادات منها عدم إظهار الرؤية المسيحية لبعض القضايا الاجتماعية مثل الزواج العرفي أو الخلع وفسخ عقد الزواج في حالة تغيير أحد الزوجين ديانته أو إخفائه حالة مرضية عن الطرف الآخر. ويقول الناشط الحقوقي ممدوح نخلة إلي وجود مطالبات بأن يتضمن القانون بنودا خاصة بالميراث خاصة أن نصيبي الرجل والمرأة متساويان وفقا لتعاليم الشريعة المسيحية. واللافت للنظر أن قانون الأحوال الشخصية للأقباط ملف كاد ينفجر فيما يتعلق بالزواج والطلاق بعد تقدم عدد كبير من الأقباط وصل إلي أكثر من 001 ألف قبطي للقضاء لتمكينهم من الحصول علي التطليق لحكم مدني وفق قانون الأحوال الشخصية.. فقضية الطلاق ظلت مشتعلة وملتهبة ولاتجد حلا منذ اعتلاء البابا شنودة الثالث الكرسي البابوي عام 1791 ومنذ صدور القرار البابوي رقم 7 لسنة 1791 والذي علي أساسه ألغي البابا شنودة العمل بلائحة 8391 التي كان معمولا بها التي حددت تسعة أسباب للطلاق في الكنيسة وأبقي علي ثلاث حالات فقط هي الزني والرهبنة وتغيير الملة وقد دفع قرار البابا شنودة بتعطيل العمل بلائحة (83) عدداً كبيراً من الأقباط إلي تغيير الملة والتحول لملة قبطية أخري للحصول علي الطلاق. كما دفعت بعدد كبير من الأقباط للجوء إلي القضاء للحصول علي حكم قضائي بالطلاق لاتنفذها الكنيسة لأنها تخالف شريعة الإنجيل.
المشاركة السياسية
وتطول الملفات الملغومة أمام البطريرك تواضروس ومنها المشاركة السياسية (لا أعمل بالسياسة ولست أمارس عملا سياسيا والكنيسة هي التي تمنعني من ممارسة هذا الحق وليس الدولة)، هكذا قال البابا شنودة.. فقد حصر البابا دور الكنيسة في الرسالة الروحانية والأخلاقية وكان يردد أن الكنيسة بطبيعتها لا تتدخل في نظام الحكم وعملها يقتصر علي رعاية قلوب الأقباط والإشراف علي حياتهم الروحية.
فهل البابا الجديد يتمتع بذات الصفات والشعبية التي كان يتمتع بها البابا شنودة، وهل سيتبني ذات السياسات تجاه النظام والأقباط وفي هذا الإطار يكون قادرا علي التفاوض والحوار بحكمة للخروج من أي مأزق طائفي يواجهه.
يقول سليمان شفيق إن من بين التحديات أمام البطريرك الجديد الحرس القديم في المجمع المقدس أصحاب النيافة من أساقفة البلاط البابوي السابق حيث يمتلك هؤلاء حتي الآن الكثير من المقدرات السياسية والاجتماعية والاقتصادية للكنيسة واستبعادهم في هذه المرحلة ضار بالكنيسة والإبقاء عليهم تقييد لحركتهم وصلاحيتهم.
أما المفكر والسياسي القبطي جمال أسعد فيري أن البابا شنودة كان يلعب دورا روحيا لا علاقة له بالحياة السياسية.. لكن تدخله في الأمور السياسية كان خطأ استثنائيا يجب ألا يتكرر مع البابا الجديد.
لائحة انتخابات البطريرك
يأتي البابا تواضروس وتبقي لائحة انتخابات البطريرك وشروط الترشيح قائمة لم يصدر بشأنها قرار بتعديلها أو تغييرها وتحتاج للبابا الجديد أن ينظر لها فمن الضروري تعديل لائحة انتخاب البابا حتي تتناسب مع متغيرات العصر.. فهذه اللائحة وضعت عام 1957. وقد أعدت الكنيسة لائحة جديدة من المفترض أن يناقشها المجمع المقدس برئاسة البابا الجديد ولائحة 57 تنص علي بلوغ سن المرشح 40 عاما من العمر و15 سنة من الرهبنة.. وأجازت للمطارنة والأساقفة حق الترشيح وتضمنت 18 مادة فهناك مواد في اللائحة تحتاج إلي تعديل حيث لاتصلح للمتغيرات التي طرأت خلال هذه الفترة من حيث من له حق الانتخاب وشروط الترشيح.. فضلا عن ضرورة استحداث منصب نائب البابا في اللائحة الجديدة.. والذي تسند له مهام معاون للبابا في حالة خلو الكرسي وفي حالات غياب البابا عن كرسيه في رحلاته الرعوية للخارج أو مرضه أو بسبب موانع قهرية أو في حالة عدم قدرة البابا علي القيام بمهامه.
وبحسب الكاتب والباحث سليمان شفيق أن هناك تحديات أمام البابا الجديد منها الإصلاح الإداري والكنسي وتحدي إعادة النظر في العلاقة مع الطوائف المسيحية الأخري خاصة قضايا الزواج والتعميد.. وتنظيم مكتب البابا وتحديد المسئوليات كالإعلام والعلاقات الداخلية والدولية.
ويضيف أن علاقة الكنيسة المصرية بالأثيوبية علاقة تاريخية تحتاج إلي خبراء وأصحاب تخصصات مختلفة يعاونون البابا الجديد.
»تواضروس« الجالس علي كرسي القديس مرقس
مع اختيار القرعة الهيكلية الأحد الماضي الأنبا تواضروس أسقف عام البحيرة البابا رقم 811رأساً للكنيسة القبطية الأرثوذكسية، تدخل تلك الكنيسة العريقة ألفيتها الثالثة تحوطها الأماني والمخاوف في زمن يشهد تقلبات عدة، فضجيج الانتخابات انتهي باختيار الأنبا تواضروس، كبابا جديد ليبدأ منذ الآن وحتي يوم جلوسه علي الكرسي البابوي في 18 من الشهر الجاري، التفكير في مستقبل الكنيسة والأقباط جميعا، فعلي طاولة البابا الجديد العديد من الملفات التي لا تحتمل التأجيل يرفعها أبناء الكنيسة بحثا عن حل.
اختيار الأنبا تواضروس جاء في ذكري مولده فقد ولد في 4 نوفمبر 1952 بدمنهور، وهو يعد مساعد الأنبا باخوميوس وأخلص تلاميذه، وهو ما رأي فيه مراقبون ترسيخا لنفوذ الأنبا باخوميوس في الكنيسة.
ورغم تصريح تواضروس بأنه "لا يرغب في أن يكون البابا الجديد"، إلا أنه جاء في المرتبة الثانية من حيث الحصول علي الأصوات بالانتخابات البابوية ب1632 بعد الأنبا روفائيل 1950 صوتا، قبل ان تختاره القرعة الهيكلية للمنصب الجديد وسيباشر البابا رقم 118 مهام منصبه منذ يوم 18 من الشهر الجاري بعد حفل التنصيب المنتظر أن يشهده الرئيس محمد مرسي، فقد أقدم الأنبا باخوميوس علي خطوة اعتبرها البعض إحراجا للرئيس بأن قال في عظة قداس القرعة الهيكلية "نشكر الرئيس محمد مرسي علي وعده بحضور حفل جلوس البابا ال 118 " وذلك قبل الوصول إلي نهاية القداس وسحب الطفل ورقة القرعة التي حملت اسم البابا تواضروس.
ينظر البابا تواضروس إلي الماضي فيري تاريخا ممتدا علي مدار قرون فالكنيسة القبطية تعود بداياتها إلي تلك اللحظة التي دخلت فيها المسيحية مصر، فعلي يد القديس مرقس الرسولي أو الإنجيلي، وهو أحد تلاميذ السيد المسيح، الذي بدأ الكرازة (التبشير) في مصر منذ سنة 61ميلاديا تحديدا في الإسكندرية التي كانت عاصمة مقاطعة مصر التابعة للإمبراطورية الرومانية وقتذاك، وحقق نجاحات كبيرة أثارت حقد أهالي مدينة الإسكندرية من عبدة الأوثان، خصوصا بعد أن أسس أول كنيسة في شرق المدينة عرفت باسم "بوكاليا" ورسم عددا من القساوسة والشمامسة، وكان رد أهالي الإسكندرية فقد هاجموا احتفالا للمسيحيين في 26 أبريل سنة 68ميلاديا، وقاموا بقتل مرقس الرسولي ومثلوا بجثته، ليفتتح بذلك ثبت طويل لشهداء المسيحية في مصر.
لم يؤثر مقتل القديس مرقس بهذه الطريقة المأساوية في الحد من انتشار المسيحية، فقد وضع مرقس أسس كنيسة قوية فقد كتب أول إنجيل من أصل أربعة أناجيل يضمها كتاب العهد الجديد المقدس عند مختلف الطوائف المسيحية، لذلك لم يكن غريبا أن تحقق الكنيسة القبطية انتشارا واسعا من مقرها بالإسكندرية في مختلف القري المصرية حتي الصعيد.
لذلك لم يكن غريبا أن يكتب البابا أثناسيوس (تولي327- 373م) صيغة قانون الإيمان المسيحي الذي اعترفت به جميع كنائس المسيحية في العالم في المجمع المسكوني الأول في نيقية سنة 325م، وفند آراء أريوس واتباعه حول طبيعة اللاهوت والناسوت المسيحي، في وقت انتشرت الرهبنة علي يد كوكب البرية الأنبا أنطونيوس والأنبا باخوميوس في مصر ومنها إلي العالم المسيحي كله.
في غضون ذلك أنزلت حكومة الإمبراطورية الرومانية الاضطهاد علي مسيحيي مصر، راح ضحيته الآلاف من المسيحيين فيما يعرف بعصر الاستشهاد وهي الفترة التي شهدت قمة الاضطهاد الذي أنزله الإمبراطور دقلديانوس علي رأس مسيحيي مصر، لذلك اتخذ الأقباط من سنة ولاية هذا الإمبراطور الموافقة 284م لتكون بداية التقويم القبطي المعمول به حتي يومنا هذا.
لكن الاضطهاد والقتل لم يحل بين المسيحية والانتشار فقد أصبحت الديانة الأولي في مصر مطلع القرن الرابع، وعلي الرغم من أن أتباع كنيسة القسطنطينية المعروفين بالملكانية حاولوا القضاء علي الكنيسة القبطية إلا أن الفتح الإسلامي لمصر مكن الكنيسة القبطية من الازدهار.
ومع دخول مصر العصر الحديث بدأ الأقباط يدخلون في الحياة العامة تزامنا مع التحديث الذي أطلقه محمد علي باشا في النصف الأول من القرن التاسع عشر الميلادي، وتم وقف العمل بنظام الجزية في عام 1855م، فكان علامة علي إعادة دمج الأقباط في النسيج الوطني، الذي جاءت ترجمته الواقعية في أحداث ثورة 1919م، التي شهدت انصهارا لعنصري الأمة من المسلمين والمسيحيين بصورة غير مسبوقة ورفعت الأعلام يزينها الهلال يحتضن الصليب، وهذه الوحدة هي التي تُبقي المجتمع المصري واحدًا أمام تعصُّب المتعصبين ومحاولات الوقيعة.
ومثلت فترة البابا كيرلس السادس (1959- 1970) عهدا ذهبيا للأقباط في القرن العشرين، فقد ازدهرت القيم الروحية بين الأقباط لما تميز به كيرلس نفسه من روحانية عالية ، ومايزال بعد رحيله منذ أكثر من 40 عاما، يحتل مكانة كبيرة في قلوب الأقباط، لارتباطه عندهم بكثير من المعجزات والأعمال الربانية، فهو يعد النموذج الكامل للبابا الروحاني الذي لم يشغل باله بالسياسة وظل راعيًا صالحا لشعب الكنيسة حتي رحيله.
وفي عهد البابا كيرلس شهدت الكنيسة القبطية عددا من الأحداث المهمة، منها انفصال الكنيسة الإثيوبية عن الكنيسة القبطية الأم.
كما شهدت بابوية كيرلس الانتقال للمقر البابوي الجديد في حي العباسية في حفل مهيب شارك فيه الزعيم الراحل جمال عبد الناصر عام 1968م، وكان أهم مظاهر الاحتفال استعادة جسد القديس مرقس الرسولي مؤسس كنيسة الإسكندرية، من البندقية في إيطاليا ليدفن في احتفال مهيب في مقر العباسية.
أما البابا شنودة الثالث، فهو رابع أسقف ومطران يصل إلي منصب البطريرك القبطي، واستطاع خلال سنوات بابويته الطويلة (1971-2012م) أن يؤسس لدور سياسي اصطدم من خلاله بالرئيس الراحل محمد أنور السادات، كاد الأخير أن يعزل شنودة من منصبه ويوجه له تهمة الخيانة العظمي إلا أن مقتله في أكتوبر 1981م حال دون ذلك، واتسمت علاقة شنودة بالرئيس السابق حسني مبارك بالود في أحيان والتعقيد معظم الوقت فمبارك استغل شنودة من أجل تثبيت صورته والقضاء علي الفتن الطائفية، في حين يري بعض المسلمين أن مبارك أعطي شنودة صلاحيات تتجاوز حدود منصبه بمراحل.
وشهدت الكنيسة القبطية نشاطا عالميا غير مسبوق في عهد شنودة الثالث، ففي عهده تمت سيامة أكثر من 100 أسقف وأسقف عام، وأكثر من 400 كاهن وعدد غير محدود من الشمامسة في القاهرة والإسكندرية وكنائس المهجر، فقد شهد عصره تأسيس عدد كبير من كنائس المهجر، كذلك كان أول بطريرك يقوم بإنشاء العديد من الأديرة القبطية خارج مصر.
إلا أن الكنيسة تعرضت لعدد من القضايا الخطيرة منها التبشير الإنجيلي في مصر وهجرة شباب الأقباط وملف الأحوال الشخصية للمسيحيين الذي سبب موضوع الطلاق والزاوج الثاني صداعا في رأس الكنيسة، في ظل مطالب رابطة "أقباط 38" بوجود قانون عام للدولة يخضع له جميع المصريين بدون استثناء، وأكدت أن الخضوع لقانون الدولة العام مستمد من المصدر الرئيسي للتشريع هو حق لا يجوز التنازل عنه.
وأعدت كاتدرائية الأقباط الأرثوذكس في الإسكندرية، قائمة بمطالب جموع الأقباط لعرضها علي البطريرك الجديد تضمنت 10 مطالب رئيسية، علي رأسها تغيير لائحة انتخاب البابا المعروفة ب"لائحة 57" والتعاطي بشكل فوري مع مشروع قانون بناء دور العبادة الموحد وإزالة العراقيل والمعوقات التي تواجه بناء وترميم الكنائس، كذلك التعامل مع الصعود السياسي للتيارات الإسلامية.
وطالب المفكر القبطي كمال زاخر، منسق جبهة العلمانيين الأقباط، البابا الجديد بالبعد عن معترك السياسية، وقال ل"آخر ساعة": "البابا عليه تحديات كبيرة لإعادة الدور الروحي والوطني للكنيسة، وترك السياسة للشباب الأقباط والعلمانيين، حتي لا يكون البابا في مواجهة الإسلاميين، كما أننا كجبهة العلمانيين الأقباط أعددنا ملفا بتصورنا الكامل لقانون الأحوال الشخصية للأقباط، ليكون جاهزا أمام البابا ليساعده علي حل أزمة الزواج الثاني والطلاق".
من جهته، اعتبر سليمان شفيق، المحلل في الشأن القبطي أن البطريرك الجديد سيكون عليه حسم عدة ملفات خاصة بالشأن الكنسي، أولها القوي السياسية القبطية ثم الحرس القديم بالكنيسة والمجمع المقدس إضافة إلي لائحة 38 الخاصة بالأحوال الشخصية، أما التحدي الأخير فسيكون الإسلام السياسي الراديكالي، وما يتبعه من قرارات وتوجهات تمس الشأن القبطي والكنيسة والمصريين عامة.
واعتبر كريم كمال، رئيس الاتحاد العام لأقباط من أجل الوطن، إن من أهم المطالب للأقباط متابعة قضايا الدم المتعلقة بشهداء تفجيرات كنيسة القديسين ومذبحة ماسبيرو وأسلمة القاصرات مشدداً علي ضرورة أن تكون هذه الملفات من أولويات البطريريك الجديد.
حسن حافظ
مفكرون أقباط: علي البابا الجديد البعد عن السياسة والاهتمام بالروحانيات
اختار الأنبا تواضروس أسقف البحيرة الذي اختارته القرعة الهيكلية البابا رقم 811 في تاريخ الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، أن يحتفظ باسمه الكهني ليكون البابا تواضروس الثاني بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية.
اختيار تواضروس للاسم الكنسي يعيد للذاكرة البابا تواضروس الأول (ثيؤدورس) رقم 54 في تاريخ بطاركة الإسكندرية الذي تولي البابوية سنوات 037 247م، وعاصر خلافة هشام بن عبد الملك الأموي عندما كانت مصر ولاية أموية تابعة لدمشق.
وكان الأب يؤانس قد تنبأ بوصول تواضروس للكرسي البابوي وهو ما تحقق بالفعل فقد اختير البابا قزمان أولا ثم جاء بعده تواضروس.. واجه البابا تواضروس ظرفا سياسيا صعبا فقد اشتط عمال الجزية من ولاة الأمويين في جمع الجزية، مستغلين حالة الضعف التي ألمت بالحكم الأموي لجمع أموال طائلة لحسابهم الشخصي، فما كان من الأقباط إلا أن أعلنوا الثورة علي الظلم في منطقة الشرقية وشاركهم فيها إخوانهم من المصريين المسلمين الذين تعرضوا لنفس الظلم من الولاة، واستجاب الخليفة هشام بن عبد الملك لطلب البابا تواضروس بنقل الوالي الظالم وهو ما أدي إلي إنهاء الثورة وإعادة السكينة إلي بر مصر.
يسألون الله الجنة لآبائهم :
الأطفال .. تاريخ من القداسة
عبدالصبور بدر - مروة أنور
دائما نختار لهم كل شيء في حياتهم، لكن واحدا منهم هذه المرة كان عليه أن يختار وهو معصوب العينين..يد الطفل مشيئة الرب، وأصابعه الصغيرة هي من دشن الحدث الضخم في عالم مسيحي مثقل بالهموم.. ينظر إلي المستقبل بعيون مفتونة بالأمل.
الديانات السماوية الثلاث لم تخل من الإشارة إلي أهمية الطفل وحقه في حياة كريمة، ورعاية دائمة، و كان قتله في ممارسة بعض الطقوس أمرا حتميا، حيث زعم من يقومون بذلك أن دمه هو السبيل الوحيد للحصول علي رضاء السماء أو امتلاك كنوز الأرض، في حين وجد السحرة والمشعوذون في الطفل وسيلتهم للسيطرة علي من يقصدهم، وانهمك المعتقد الشعبي في اتهام الجن بتبديل الأطفال.
أما النبي ([) فقد علمنا كيف نحترم الطفولة إذا مرت بجوارنا ونصافحها.. قال أنس رضي الله عنه: (كنت مع رسول الله([) فمر علي صبيان فسلم عليهم).
كما بشر الرسول([) من يموت طفله بالجنة، وشفاعة الولد لوالديه ذكرها جمع من أهل العلم، وهناك أحاديث تشير إلي فضل من مات له ولد، وأنه يدخل الجنة بسببه وشفاعته، ففي الحديث: "ما من مسلم يموت له ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث ألا تلقوه من أبواب الجنة الثمانية من أيها شاء دخل" رواه ابن ماجه وحسنه الألباني.
وفي الحديث: "أيما امرأة مات لها ثلاثة من الولد كانوا حجابا من النار. قالت امرأة: واثنان قال: واثنان" متفق عليه. وفي الحديث: "لا يموت لأحد من المسلمين ثلاثة من الولد فتمسه النار إلا تحلة القسم". متفق عليه. وفي الحديث: "صغارهم دعاميص الجنة يتلقي أحدهم أباه فيأخذ بثوبه فلا ينتهي حتي يدخله الله وأباه الجنة" رواه مسلم. وفي الحديث: "أن السقط يجر أمه بسرره إلي الجنة إذا احتسبته". رواه ابن ماجة وحسنه الألباني. وفي الحديث: "ما من مسلمين يموت بينهما ثلاثة أولاد لم يبلغوا الحنث إلا أدخلهما الله بفضل رحمته إياهم الجنة، يقال لهم: ادخلوا الجنة، فيقولون حتي يدخل آباؤنا فيقال: ادخلوا الجنة أنتم وآباؤكم". رواه النسائي وصححه الألباني.. وكأن الطفل يمنح العطاء في وقت نظن فيه أنه غير قادر عليه.
القائد الأعلي للبوذيين .. طفل!
تقضي التقاليد التبتية بأن يحدد الرهبان فتي تتوفر فيه كل المؤشرات التي تنبئ بأنه سيكون من سيجسد آخر زعيم روحي ليكون بمثابة القائد الديني الأعلي للبوذيين التبتيين وهو ما يعرف ب "الدالاي لاما".
وحتي عام 1959 م كان الدالاي لاما يمثل القيادتين الروحية والدنيوية في إقليم التبت. وهو بطبيعة الحال راهب بوذي في جماعة القبعات الصفر (جيلوجبا) والتي أوجدت علي يد تسونجكابا (1357 - 1419).
كان دالاي لاما الرابع عشر آخر من حمل هذا اللقب وهو من مواليد شنغهاي 1935 وكان يبلغ الرابعة من عمره عندما اعتبره فريق من اللامات خليفة دالاي لاما الثالث عشر. ثم نصّب في لاسا عام 1940 وأصبح يعتبر "بوذا الحي".
ودالاي تعني في اللغة المغولية المحيط، جياستو بالتبتية تعني محيط الحكمة، أما لاما فتعني السيد الروحاني. كان الدالي لاما يمثل مع الوصي علي العرش والحكومة التبتية النظام الثيوقراطي الذي حكم التبت منذ عام 1642 م حتي عام 1959 م تاريخ نفي الدالاي لاما الرابع عشر تينزن جياتسو إلي الهند بيد الحكومة الصينية الشيوعية والتي كانت قد احتلت التبت عسكرياً عام 1949 م.
والدالاي لاما بالنسبة للبوذيين هو فوحان لبوديساتفا الرحمة، والبوديساتفات في البوذية هم كائنات منيرة اختارت أن تولد ثانية لما فيه خير جميع الكائنات الأخري. والدالاي لامات يشكلون معاً خطاً من التولكو أي الأسياد الذين تجسدوا من جديد، وعلي الدالاي لاما ورهبانه والأسياد الروحانيين أن يبدأوا البحث عن إعادة تجسده (أي الدالاي لاما المقبل). ويتم ذلك عن طريق إشارات معينة يتم من خلالها تحديد الطفل الذي هو إعادة تجسد الدالاي لاما، ويؤخذ ذلك الطفل إلي دير بوذي لكي يتلقي التعاليم البوذية.
قرابين للسحرة
يعتقد فقراء تايلاند أن السحرالاسود يمكن أن يساعدهم علي الثراء بسرعة، وهو ما جعل البعض منهم في السنوات الماضية يقوم بسرقة الأطفال الرضع تلبية لرغبات السحرة، ليتم قتلهم تحت أشجار معينة.
أما بعض اليهود فقد استخدموا دماء الأطفال بهدف إتمام طقوس وشعوذة وقد اعترف المؤرخ اليهودي "برنراد لازار" في كتابه "اللاسامية" بأن هذه العادة ترجع من قبل السحرة اليهود في الماضي وهي الظاهرة التي أطلق عليها اسم الذبائح ويعتقد المؤمنون بها أن فرحة العيد تكتمل من خلالها فيقدم الأطفال كقرابين لله وتمزج دماؤهم بفطيرة العيد.
وما يثير الرعب بين أهالي صعيد مصر من وقت لآخر هو خطف الأطفال وذبحهم أيضا كقرابين ولكن لحراس كنوز يتم التنقيب عنها. وبحسب الروايات الشعبية يعد حارس الكنز جنيا يرفض اقتراب أحد من كنزه الذي يحرسه، ولكي يتم صرفه لا يتم ذلك إلا عن طريق السحر وتقديم طفل قربان له، ترتل عليه بعض النصوص، وهو ما يطلق عليه عملية "التعزيم"، قبل أن يتم ذبحه، مما يساعد في انصراف حارس الكنز، وهي الأسطورة المعروفة ب"الرصد الفرعوني"، وهو الأمر الذي ينفيه الأثريون وعلماء المصريات تماما، إلا أنه يلقي اهتماما من جانب بعض الباحثين عن الثراء السريع واللاهثين وراء أوهام العرافين والدجالين. وتنتشر عادة التنقيب عن الكنوز في القري المصرية بالصعيد المصري مع الفقر وانتشار البطالة خاصة بين الأوساط غير المتعلمة الذين يلجأون إلي المشعوذين أو الدجالين بغرض مساعدتهم في التعرف علي مكان الكنوز، أو يقومون مباشرة بعمليات حفر أسفل المنازل مما يتسبب في انهيارها وسقوطها علي رؤوسهم.
فاتح (المندل) والطفل (المبدل)
يبدأ الساحر في طقوس معينة لاستخدام "المندل" يبدأ فيها باستخدام آيات قرآنية وتعاويذ شيطانية وغير ذلك بهدف الوصول لمبتغاه عن طريق أشخاص مؤهلين لرؤية الشياطين والتواصل معهم، والاشخاص المؤهلون للنظر كما يعتقدوا السحرة أهمهم الطفل غير البالغ لاستخدامه كوسيط روحاني!
ويؤتي بالطفل المؤهل فيقوم الساحر بكتابة الآية الكريمة (فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد) علي جبينه ويبدأ بتلاوة بعض العزائم التي تدعو الشياطين من الجن بأسمائهم مثل أجب يا أبا طارش ويا أم الزمازم ويا أبا ديباج.... الخ. ويبدأ بالقسم عليهم والدعوة فلكل يوم باعتقاد السحرة ملك معين يتم الدعاء باسمه وبكلمات غير مفهومة، واستخدام خاتم معين له وهي أوفاق بأرقام معينة يتم كتابتها.
وإذا كان هناك من يصدق أن الطفل يخاطب الجن فهناك من آمن بأن الجن يتآمرون علي الأطفال ويبدلونهم بآخرين وغالبية المعتقدات الخرافية تعتمد علي فكرة تحصين الأطفال حتي لا يتم استبدالهم مثل تعليق الملح أو أي تعويذة لدرء العين، كذلك تقليد كسر البيض وتقديم العذرة ولبس الحجل وغيرها، مجرد تأمين رخيص لدفع ضرر مرتقب سواء اعتقد الشخص أو لم يعتقد بصحة المعتقد؛ وهذا ما يجعل من تلك الطقوس سريعة الانتشار بين الجماعات الشعبية المختلفة وتبقي لفترات زمنية أطول. ومعتقد المُبدَّل (تلفظها العامة إمْبَدَل) هو اعتقاد الجماعة الشعبية أن الجن قد قامت باستبدال أحد أطفالها بطفل من الجن قبيح ومريض، ويعرف هذا الطفل حينها بالمبدل، ولكي تتم عملية استرجاع الطفل الإنسي من الجن تتبع طقوس معينة، وتلك الطقوس ليست حصرية علي ثقافة دون أخري أو ديانة دون أخري، فمعتقد المبدل كان منتشراً علي نطاقٍ واسع، وكانت طقوس علاجه البشعة منتشرة أينما وجد.
دلالة الطفل في الأديان
يقول كمال زاخر باحث قبطي علماني: إن الطفل الذي لم يبلغ الحلم داخل الكنيسة له اعتبار وتقدير مختلف فيتم اختياره علي أساس ديني فلابد أن يكون من عائلة متدينة ومقربة من الكنيسة ليقوم بسحب ورقة القرعة بشكل عشوائي وهو معتقد ولكن ليس له مرجعية دينية إلا أنه يشير إلي طريقة شفافه وموضوعية، لانتخابات البابا بوصفه الوسيلة الوحيدة للخروج من مأزق انتخاب البابا ويضيف: نعتبره اختيارا إلهيا وتوفيقا من الرب ولا أعتقد أن في الدينات الأخري يلتزمون بوجود الطفل المقدس واختياره إنما يلجأون إليه في بعض الأحيان مثل حالة الدين المسيحي لإعلاء روح الشفافية.
ويري د. أحمد كريمة (أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر) أن الطفل في الإسلام كان يستخدم في سحب القرعة التي جاءت من اليهودية باعتباره لم يخطيء للاعتقاد بأن هناك علاقه روحانية بين الإله والطفل الذي يغمض عينيه ويقوم بسحب الورقة أو السهم وهو من باب الشفافية في الاختيار وكان يقوم النبي([) من قبل بعمل القرعة .
وتؤكد الدكتورة آمنة نصير أستاذ مقارنة الأديان أن عملية اختيار الطفل للبابا تستند إلي مرجعية يهودية استخدمت إجراء القرعة عن طريق طفل لم يبلغ الحلم وتعود الحكمة في هذا إلي أنه لم يرتكب أي أخطاء أو معصية، والطفل في المسيحية جاء اختياره في سحب ورقة انتخابات البابا علي اعتبار أنه تقليد كنسي والحكمة في هذا أنه نقي من الأخطاء واختياره أشبه ما يكون بالعدالة وعندما يقع الاختيار علي هذا الطفل يعتبر مفخرة لأسرته وهي حالة من الوصل الروحاني بين الإله والطفل .
وتتطرق نصير إلي مكانة الطفل في الديانة الهندوسية التي تتبني إقامة طقوس معينة من أجله بداية من إنجابه وحتي موته الذي تقام فيه المراسيم بدقة وخشوع لضمان إبقاء روح الخير داخل الجسد لهذا يحتفلون عند حمل الأم للجنين وعند بلوغه سبعة أشهر في بطنها ثم يأتي أهم احتفال بعد ولادة الطفل مباشرة وهنا تبرز أهمية تقديسة فيرسم علي لسانة الأحرف المقدسة وهي "آآوم" بقلم من الذهب مغموس بالعسل ويتم وضع علامة علي جبين الطفل مع اخفاء اسمه أحد عشر أو اثني عشر علي يد الكاهن حيث يربط علي يد الطفل وشاح دلالة علي حمايته من الشيطان ويتم حلق شعر الصبي ويوزن بمقدارة ذهبا ويوزع بهذا المقدار طعاما للفقراء.
وتقودنا الدكتورة نهلة إيمان، مدرس العادات والتقاليد باكاديمية الفنون إلي الطفل في المعتقد الشعبي واستخدامه من قبل السحره لفتح المندل فيقومون باختيار طفل صغير ويغمض عينيه ويقوم بالتنبؤ بالمستقبل أو الاستخبار عن حدث مضي باعتباره قريبا من الله , وفي المسيحية يتم اختيار طفل لم يبلغ الحلم ويعتبرون سحب ورقتة شيئا قدريا من الرب والجميع يثق فية باعتباره أداة نزيهة وله رتبة داخل الكنيسة وهي الشماسية ويعتبرون اختياره إرادة الله عز وجل فاختيار البابا بين ثلاثة مرشحين لن يحسمه لديهم سوي طفل هو رمز يد الرب خاصة أن البابا القادم لديه ملفات شائكة واختياره ليس بالأمر البسيط لذلك الحكمة تقتضي وجود الطفل للخروج من الاختيار الانساني إلي الرباني وتتمثل في الطفل الكنيسي.
رحلة الأنامل الصغيرة في اختيار البابا
باسيلي وأيمن وبيشوي.. عيون معصوبة وكفوف مبصرة !
عبدالصبور بدر
في أبريل 1959 تقدم الطفل رفيق باسيلي الطوخي بسنواته الخمس بعد أن طويت الأوراق الثلاثة أمام الشعب، ووضعت في الصندوق المخصص، تم حمل باسيلي ليختار من بينها واحدة، إلا أن طفولته الصغيرة حرضته علي أن يحمل بين يديه ورقتين ثم ثلاث ورقات فقالوا له بل ورقة واحدة ، وأغمضوا له عينيه واختار ورقة واحدة وكانت باسم الراهب مينا البراموس، ليتم الإعلان بعدها عن تنصيب البابا كيرلس السادس الذي لم يكن تقدم في الأساس بتزكيات للترشيح علي كرسي مارمرقس بعد نياحة البابا يوساب الثاني، ولكن وقبل أن يغلق باب الترشيح بيوم واحد قام المتنيح الأنبا إثناسيوس القائم مقام وقتها بتقديم تزكية للراهب المتوحد رغم رفضه! .. . وبقيت مشكلة ترتيب الراهب مينا الذي جاء السادس بين الرهبان المرشحين .. وكان الأساقفة والأراخنة اتفقوا علي تقديم 5 فقط .. وفي آخر لحظة ولظروف خاصة يستبعدون الراهب الخامس وبذلك يكون القمص مينا المتوحد هو الاسم البديل ثم تجري الانتخابات بين الرهبان الخمسة لاختيار 3 للقرعة الهيكلية .. ويحصل الراهب مينا علي أقل نسبة من الأصوات للثلاثة الأوائل .. ويدخل القرعة الهيكلية ويفوز به المنصب.
في 9 مارس 1971يتم الإعلان عن وفاة البابا كيرلس ويصبح الأنبا أنطونيوس مطران كرسي سوهاج وسكرتير المجمع المقدس قائم مقام للإشراف علي انتخاب البطريرك الجديد. وبعد عدة أيام تسفر مناقشات المجمع المقدس عن القواعد التي تحدد اختيار البابا القادم..
23 اسمًا يتم طرحهم ليصلوا بعد التصفية إلي 17 ثم أخيرا إلي خمسة منهم 4 أساقفة هم: الأنبا باسيليوس الأنبا صموئيل، الأنبا شنودة، الأنبا دوماديوس وراهب واحد هو: القمص تيموثاوس المقاري.
وفي يوم الجمعة 29 من أكتوبر 1971 تجري الانتخابات وينتهي فرز الأصوات باختيار ثلاثة وهم: الأنبا صموئيل ، الأنبا شنودة ، القمص تيموثاوس المقاري ليبدأ قداس القرعة يوم الأحد 31 أكتوبر 1971 في حضور الأنبا أنطونيوس الذي يحمل بين يديه ثلاث أوراق بكل واحدة اسم من أسماء المرشحين ويقع الاختيار علي الطفل أيمن منير صاحب ال 6 سنوات00
لم يكن أيمن ولا والدته التي أتت به يحمل أي منهما تذكرة لحضور القرعة الهيكلية، لكن طموحهما قادهما إلي هناك، فشل الطفل ووالدته في الدخول ولم يكن أمامهما سوي التشبث بالباب الحديدي حتي لا يتم دهسهما بالأقدام نتيجة الزحام الشديد لمشاهدة الحدث الكبير. كان ذهن الأم مشغولا بخطاب والدها القمص ميخائيل شحاتة يقول لها فيه إنه يتوقع أن يكون البطريرك القادم من بين الفائزين في الانتخابات هو الأنبا شنودة وأن أيمن ابنها هو الذي سيكون طفل القرعة الهيكلية ونصحها بالذهاب إلي مقابلة القائم مقام في ذلك الوقت الأنبا أنطونيوس!
ظلت مصرة علي أن كلام والدها مجرد تعاطف أسري ورغبة منه في تحفيزها علي حضور احتفال القرعة الهيكلية التي فشلت في الحصول علي دعوة لمشاهدتها بعد أن ذهبت وأيمن لمقابلة القائم مقام وأبلغهما أن جميع الدعوات قد نفدت.
وبينما هي غارقة في تأملاتها فجأة يفتح الباب ويتم انتزاع أيمن لينضم إلي ثمانية أطفال للمشاركة في القرعة!
الأم بالخارج بعيون متوقفة عن الحركة من إثر المفاجأة لكن لسانها لم يكن يتوقف عن الدعاء من أجل أن يكون ابنها الطفل الرابح ويختار اسم البابا.
دعاء الأم أنزل السكينة علي قلب الصبي فلم يتسرب إليه الخوف حتي أظهر ثقة جذبت إليه نظر القائم مقام الذي لم يتردد في وضع يده عليه ويقول " هاتوا الولد ده "..
تثبيت العصابة علي عيون أيمن منعه من مشاهدة الدنيا للحظات فظن أنه في عالم آخر ويده تغوص وترتفع وهي تقبض علي اسم البابا، وبعد أن انتهت مهمته يتم رفع العصابة عن عينيه ليعود من الرحلة القصيرة بعد أن أنجز المهمة الثقيلة ويفرح كل من حوله باختيار البابا شنودة.
وبعد أكثر من أربعين عاما سوف تتكرر المشاعر نفسها التي كان يحسها باسيلي وأيمن حين يجد الطفل بيشوي جرجس نفسه في عيون كل من حوله، وهو يخطو لاختيار قرعة البابا بينما والده جرجس مسعد لم يصدق نفسه والأنبا باخوميوس يختار ابنه للقرعة الهيكلية، ويعلن للجميع سعادة غامرة يشعر بها في الوقت الذي تكتفي فيه والدة بيشوي بالقول: "أخدنا بركة كبيرة".
كان بيشوي مجرد طفل عادي يدرس بالصف الأول الابتدائي بمدرسة القديس يوسف المارونية، وينتمي لمدارس التربية الكنسية بكنيسة القديس مارمينا بالوراق، قبل أن يتحول إلي بطل تتجه إليه الأنظار في كل أنحاء العالم، بنفس الأنامل الصغيرة سيقبض علي الاسم الكبير ويختار البطريرك ال118.
بعد إعلان النتيجة يغادر بيشوي جرجس مسعد القداس عقب إعلان اسم البابا الجديد الأنبا تواضروس، ويتجه مع والده ووالدته وسط موكب من الزحام وكاميرات المصورين ترصده من كل اتجاه، مشاعر لا توصف ترتسم علي ملامح وجهه البريء والكل يجري نحوه ليقول ببساطه "أنا فرحان" ويضيف بأنه كان يتوقع أن يكون هو من سيختار البابا الجديد(!)، ويفسر ما يقول: بأنه رأي حلماً، في وقت سابق، شاهد فيه نفسه وهو موجود وسط قاعة كبيرة، ويقف أمام البابا تواضروس، وسط حضور كبير من الناس!
وقال الطفل، إنه سعيد بدخوله التاريخ باختياره البابا الجديد، وشكر الرب علي هذا الاختيار.
تعم الفرحة والهتافات داخل الكاتدرائية بإعلان الأنبا باخوميوس فوز الأنبا تواضروس بكرسي البابوية، وتعلو أصوات الزغاريد من النساء المشاركات في الاحتفالية والقداس الإلهي، بعد أن طلب منهم الأنبا باخوميوس الصلاة ليوفق الرب البابا تواضروس في قيادة سفينة الكنيسة إلي بر الأمان في هذه الظروف العصيبة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.