لا يمكن أن تستمر البنوك علي وضعها الحالي.. أصبحت هذه قناعة ثابتة لدي جميع دول العالم تقريبا بعد الأزمة الاقتصادية الأخيرة.. والتي لعبت البنوك فيها الدور الرئيسي بممارساتها الجشعة والمتهورة وفي نفس الوقت مكافآتها السخية التي أعطتها لمديرين دفعوا البنوك وبالتالي عملائها إلي حافة الإفلاس.. وتعتزم الحكومة السويسرية اتخاذ إجراءات جديدة للحد من ظاهرة المكافآت والأجور المبالغ فيها التي تمنحها البنوك لكبار موظفيها وهو ما يثير استفزاز الرأي العام بشدة خاصة وأن الكثيرين فقدوا أموالهم في هذه الأزمة في حين يشاهدون هؤلاء المسئولين يتمتعون بالمزايا المبالغ فيها ورفاهية تتجاوز الخيال. وإزداد غضب الرأي العام خاصة بعد اكتشافة أن هذا المصارف تواصل منح تلك المكافآت السخية والتي تقدر بعشرات ملايين الفرنكات في الوقت الذي تلجأ فيه للاقتراض للخروج من أزمتها المالية الخانقة.. وقد توجه جزءا كبيرة من هذا الغضب إلي اتحاد المصارف السويسرية يوبي إس الذي منحته الحكومة أكثر من 06 مليار فرنك لإنقاذه من التعثر. هذا الغضب والسخط تجاوز حدود المشاعر ليتحول إلي مطالبة المساهمين الغاضبين بمحاسبة ومتابعة المسئولين بإدارة المصارف أمام القضاء وجرجرتهم أمام المحاكم لإعادة الأموال التي أخذوها بدون وجه حق حيث أطلقت بعض الأطراف مبادرة شعبيته ضد ما يصفه أصحابها ب »المكافآت التعسفية« حيث تم إقرارها في مجلس النواب وتنتظر عرضها قريبا أمام مجلس الشيوخ. لم تبق الحكومة السويسرية مكتوفة الأيدي أمام هذا الوضع.. فاتخذت جملة من الإجراءات خلال جلستها الاسبوعية الأخيرة أعلنت عنها خلال مؤتمر صحفي نظمه وزيري المالية والخارجية في الحكومة الفيدرالية.. هذه الخطة الحكومية تعتمد علي ثلاثة محاور الأول يتعلق بفرض قواعد متشددة علي نظام منح الأجور والمكافآت بالنسبة للمؤسسات التي تطلب المساعدة من الدولة.. ويجب الإشارة هنا إلي ان المصارف التي لم تطلب تلك المساعدة لا تخضع لهذا الإجراء.. وحتي هذه اللحظة لا توجد أي مؤسسة سويسرية معنية به.. بما في ذلك مصرف يوبي إس الذي لم يعد في حاجة إلي مساعدة الدولة. وفي المقابل لمس الإجراءان الآخران جميع المؤسسات المالية لأنهما يتعلقان بالملف الضريبي.. ومن ذلك عدم النظر مستقبلا إلي المكافآت غير المنتظمة والتي تتحدد قيمتها بحسب الأرباح.. كنفقات لليد العاملة بل كتوزيع للأرباح.. وبالتالي خاضعة للضريبة ولتسهيل تنفيذ هذا الإجراء تم حصر هذه القاعدة الجديدة في المكافآت التي تتجاوز 2 مليون فرنك سويسري.. وينص الإجراء الثالث علي إعفاء الأسهم من الضريبة عند شرائها وفرضها عليها عند بيعها.. ومن المنتظر ان تعرض هذه الحزمة من الإجراءات علي اللجان البرلمانية المتخصصة خلال الأشهر المتبقية من هذه السنة. وتهدف الحكومة من خلال هذه الإجراءات الاستجابة لمشاعر الغضب الواسعة تجاه المكافآت المبالغ فيها.. وهو ما عبر عنه حتي وزير المالية من الحزب الراديكالي الليبرالي المعروف تقليديا بقربة من دوائر المال والأعمال بقوله أن »منح مليار فرنك إلي عدد قليل من الموظفين يعرض التماسك والاندماج الاجتماعي للخطر«.. لكن الحكومة تعلم أيضا ان نظام المكافآت هذا معتمد أيضا في بلدان أخري ولا مجال لحرمان المصارف السويسرية من قدرتها علي جذب الكوادر المصرفية عالية الكفاءة.. وقال بيان للحكومة »نسعي من خلال هذه اللحظة إلي إطلاق إشارة قوية للحد من الأجور المبالغ فيها.. لكن دون المساس بحرية تصرف المؤسسات في إبرامها للعقود ومن غير الاضرار بقدرتها التنافسية علي جذب الكفاءات.. وهو ما أشارت إليه أيضا وزيرة الخارجية ميشلين كالمريه التي قالت بوضوح »أن الإجراءات اختارتها الحكومة ولا أتردد في القول هي إجراءات ضرورية وذكية«. أيضا مبادرة الحكومة ركزت علي ما يمكن وصفه بالمؤسسات التي لا يمكن السماح لها بالإفلاس للأهمية البالغة التي تمثلها هذه المؤسسات لسويسرا سواء اقتصاديا أو معنويا.. وقد دفع إلي هذا الاتجاه الحكومة السويسرية إلي التفكير في وضع هذه المؤسسات المالية بلغت درجة كبيرة من التوسع والأهمية.. بحيث إذا ما انهار معها بنيان الاقتصاد الوطني كله.. وقامت الحكومة بالمصادقة علي تقرير أولي أنجزه خبراء في المجال.. يوصي خصوصا بالترفيع في رؤوس أموال هذه المصارف والحفاظ علي حد معين من السيولة. وحتي هذه اللحظة لم تقدم الحكومة الفيدرالية علي اتخاذ أي قرار بهذا الشأن لكنها عبرت عن رغبتها في اتخاذ بعض الخطوات قريبا.. وفي هذا السياق طالبت برن مجموعة من الخبراء بتسريع انجاز تقريرهم النهائي وحددت نهاية أغسطس القادم موعدا نهائيا لذلك، ومن المنتظر أن تتقدم الحكومة في ضوء نتائج هذا التقرير بمقترحات عملية إلي البرلمان للمصادقة عليها قبل تحويلها إلي مرحلة التنفيذ. يأتي الإعلان عن هذه الإجراءات في لحظة حرجة فالحكومة تحتاج إلي دعم كاف لكي يوافق البرلمان علي رفع السرية عن بيانات 0544 مودع أموال في حسابات مصرف يو بي إس طالبت بها الولاياتالمتحدة وسوف يعرض هذا الملف علي البرلمان في يونيو المقبل.. ومن الواضح ان الإجراءات المعلنة هذا الاسبوع تهدف إلي كسب موافقة أغلبية النواب علي تسليم تلك المعطيات وتطبيق الاتفاق مع الولاياتالمتحدة. معظم الصحف السويسرية استقبلت هذه الخطوات الحكومية الجديدة بترحيب حذر والبعض استقبلها بتشكك فقالت صحيفة تليك أن الحكومة لم تأخذ هذه الخطوة إلا لإرضاء حزب الشعب اليميني والحزب الاشتراكي. آملة في المقابل ان يصادق البرلمان علي الاتفاق مع الولاياتالمتحدةالأمريكية.. رغم ذلك فإن الإجراءات الحكومية خطوة في الاتجاه الصحيح.. أما صحيفة تاجز انتايجر فقالت انه لاشك ان مسعي الحكومة صادق وجاد لكن بمجرد نسيان الآثار السلبية للأزمة المالية سوف تنجح قوي الضغط في التأثير علي قرار البرلمانيين للعودة إلي الوضع السابق.