إن الناظر فى أحوالِ الناس اليوم يجد أن الكثير منهم إلا من رحم الله قد جعل من نفسه حكما ورقيبا على أفعال الآخرين، واضعا نفسه فى مرتبة السالم الخالى من النقائص والعيوب، فيجهد نفسه ويضيع وقته فى تتبع عورات وعيوب الآخرين، فإن لم يجد أخطاء تخيلها بسوء ظنه وشكه، وقد يؤدى به ذلك إلى التلصص والتجسس عليهم لإفشاء أخطائهم وهفواتهم أو للاطلاع على أخبارهم وربما سخر التكنولوجيا ووسائل الاتصال الحديثة للبحث عن أمورهم المستورة وقد يطلع على مكتوباتهم ووثائقهم دون أذن منهم أو يخترق حواسبهم ليطلع على أسرارهم فيمتهن الحرمات وقد يصبح أحدهم ويمسى ولا هم له إلا متابعة أحوال الناس بالسؤال والتحرى والتقصى والتفتيش ولو عن طريق الأطفال وإذا قابل أحدا فى طريق سأله عن غرضه وحاجته وربما ألجأه إلى الكذب. ولا شك أن عدم انشغال الإنسان بنفسه سبب رئيسي فى انشغاله بالآخرين ولو انشغل بنفسه وأصلحها لكان خيرا له، فالعاقل كما قال الإمام المناوى من شغله عيبه عن عيوب الناس فتدبر فى نفسه، فإن وجد بها عيبا اشتغل بإصلاحه واستحيى أن يترك نفسه ويذم غيره، فمن عرف حقيقة نفسه وما طبعت عليه، كما قال ابن القيم، علم أنها منبع كل شر، ومأوى كل سوء فاشتغل بإصلاحها عن تتبع عورات وعيوب وأحوال الآخرين، وقال بكر بن عبد الله: إذا رأيتم الرجل موكلا بعيوب الناس، ناسيا لعيوبه، فاعلموا أنه قد مكر به، بل قد يكون من غواية الشيطان وتلبيسه على المرء أن يشغله بعيوب غيره مع خفائها صارفا له عن إصلاح عيوب نفسه مع ظهورها ظهورا فاشيا لا خفاء فيه، فعن أبى هريرة قال: قال رسول الله،: يبصر أحدكم القذى فى عين أخيه، وينسى الجذع فى عينه. رواه ابن حبان فى صحيحه. واعلم أيها المسلم أن من فتش وسعى لكشف عيوب إخوانه المسلمين عاقبه الله، جل وعلا، بإظهار عيوبه وكشف عوراته، ومن ستر على إخوانه ستره الله فى الدنيا والآخرة فالجزاء من جنس العمل ولا يظلم ربك أحدا فعن عبد الله بن عمر، قال: صعد رسول الله، المنبر فنادى بصوت رفيع، فقال: «يا معشر من قد أسلم بلسانه، ولم يفض الإيمان إلى قلبه، لا تؤذوا المسلمين، ولا تعيروهم، ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من تتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو فى جوف رحله» رواه الترمذي.