خمس سنوات مرت على رحيله وهو الذى ملأ الدنيا حضورا وبريقا وأثرا.. لم يكن الأستاذ هيكل شخصًا عابرا فى مسيرة الأحداث والبشر ولكنه كان علامة فى كل ما شهدته مصر من الأحداث.. لم يكن صاحب دور هامشي، ولكنه كان دائمًا صانعًا للأحداث شريكًا فيها في أحيان كثيرة.. كان البعض يتساءل من أفاد الآخر ثورة يوليو أم هيكل من أضاف للآخر جمال عبدالناصر أم هيكل.. ولا بد أن نعترف بأن جمال عبدالناصر الشخص والقرار والتاريخ قد أعطى هيكل البريق وفى المقابل فإن هيكل منح عبدالناصر الفكر والرؤى.. إن ثورة يوليو في ميزان الأحداث والمواقف والرموز تخسر الكثير بدون هيكل. ولا شك أن وجود هيكل بجانب عبد الناصر فى صراع القوى بينه وبين رفاق السلاح كان مصدر تفوق فكرى وسياسى لقيادة عبد الناصر للثورة.. كان ناصر زعيما يتمتع ببريق الزعامة وكان هيكل هو المايسترو الذى صنع الأسطورة ولاشك أن هناك كيمياء جمعت الرجلين وأن ذكاء هيكل احتوى طموح ناصر وإن اتفقا فى احتياج كل منهما للآخر.. كان ناصر الزعيم فى حاجة لمن يصنع الأسطورة ولا شك أن الأقدار لعبت دورا كبيرا فى اللقاء بينهما أحداثا وزمنا وتاريخا..ومن هنا كان هيكل يرى انه صنع مجده الحقيقى فى ظل علاقته بعبد الناصر ولذلك بقى مخلصا له حتى بعد رحيله ولم يستبدله بزعيم آخر حتى انور السادات وهو رجل صنع تاريخه على طريقته. أنا شخصيا لا استطيع أن افصل بين زعامة ناصر وأمجاد هيكل لو نزعت تجربة ناصر فى الحكم من دور هيكل وفكره ورؤاه لخسرت التجربة الكثير.. كان ناصر الإنسان والزعيم والتاريخ شيئا عظيما ولكن وجود هيكل بجواره أضاف لتاريخه الكثير واكبر دليل على ذلك أن بريق هيكل لم ينقطع رغم رحيل الزعيم.. يبقى بعد ذلك حساب التاريخ بين الرجلين من أصاب ومن أخطأ وعلى من تقع المسئولية على صاحب القرار أم صاحب القلم.. هذه قضية شائكة تحتاج الكثير من الشفافية والحكمة.. لقد رحل الزعيم وغاب صاحب القلم والغياب لا يعنى أبدا أن القيمة غابت.