د. وحيد عبدالمجيد اجتهادات يعيش العالم الآن في مرحلة غير مسبوقة منذ بداية العصر الحديث علي الأقل. مرحلة أهم سماتها حالة عدم يقين واسع النطاق، وربما شامل. يشعر كثير من الناس بهذه الحالة في حياتهم وعملهم وعلاقاتهم، وإن بدرجات مختلفة وأشكال متباينة. وللمرة الأولي منذ القرن الثامن عشر، لا نجد إجابات عن أسئلة كثيرة، بعضها قديم ومعظمها جديد. وصلت الأنساق الفكرية الكبري، التي ارتاح كثير من الناس في العالم إلي هذا أو ذاك منها علي مدي نحو قرنين من الزمن، إلى نهايات مختلفة. ولكن يجمعها أن أيا منها لم يعد قادرا علي تفسير ما يحدث في مرحلة الانتقال الراهنة بين الثورتين الصناعيتين الثالثة والرابعة. وهذا طبيعي في مرحلة من سماتها أيضاً التغير السريع غير المسبوق في مداه بفعل القفزات التكنولوجية المتوالية. تغير قد لا يكون مبالغًا القول إنه يُعيد صياغة الوجود البشري، وأنماط الحياة أو الطريقة التي يعيش بها البشر ويتعاملون مع بعضهم بعضاً. لم يعد في إمكان الفلسفة والعلوم الاجتماعية ملاحقة التغير السريع في عصرنا، وتقديم أفكار جديدة بشأن الوجود والحياة والمجتمع والإنسان، لأن هذا كله في حالة تغير مستمر تؤدي إلي غياب اليقين الذي سعت الأفكار الكبري إلي بلوغه في الفترة بين منتصف القرن الثامن عشر، وقرب نهاية القرن العشرين. ومن أين يأتي اليقين في ظل ثغرات كبيرة تنقل العالم بسرعة إلي عصر لم يكن ممكناً تخيل طابعه حتي بضع عقود مضت. إنه عصر الذكاء الاصطناعي والروبوتات، وانترنت الأشياء، والطائرات المسيرة، والطباعة ثلاثية الأبعاد، والتكنولوجيا الحيوية، والبيانات الضخمة، وغير ذلك مما يترتب علي القفزات التكنولوجية السريعة, ولم يكن ممكنًا توقع بعضه قبل سنوات قليلة علي اكتشافه وتطويره. لم يعرف البشر مثل هذا التحول السريع منذ أن بدأ الإنسان يستخدم عقله للمرة الأولي, ففكر في استخدام العصي في الحصول علي ما لا تبلغه يداه، وشرع في استخدام الأحجار والمعادن بطريقة بدائية، وحتي تمكن من اختراع الكمبيوتر بدون أن يعرف في حينه أنه يؤسس لمرحلة جديدة تمامًا تجعله في حالة عدم يقين متزايدة.