بعد ارتفاعها.. أسعار الفراخ والبيض في الشرقية اليوم الإثنين 20 مايو 2024    الأميرة رشا يسري ل«بين السطور»: اليمين المتطرف بإسرائيل يدعم نتنياهو لاستمرار الحرب    فلسطين.. شهداء وحرجى في سلسلة غارات إسرائيلية على قطاع غزة    ما حكم سرقة الأفكار والإبداع؟.. «الإفتاء» تجيب    ارتفاع تاريخي.. خبير يكشف مفاجأة في توقعات أسعار الذهب خلال الساعات المقبلة (تفاصيل)    رئيس تايوان الجديد لاى تشينج تى ونائبته يؤديان اليمين الدستورية    المسيرة التركية تحدد مصدر حرارة محتمل لموقع تحطم طائرة رئيسي    فاروق جعفر: نثق في فوز الأهلي بدوري أبطال إفريقيا    الجزيري: مباراة نهضة بركان كانت صعبة ولكن النهائيات تكسب ولا تلعب    بعد تهنئة للفريق بالكونفدرالية.. ماذا قال نادي الزمالك للرئيس السيسي؟    معوض: نتيجة الذهاب سبب تتويج الزمالك بالكونفدرالية    مصدر أمني يكشف تفاصيل أول محضر شرطة ضد 6 لاعبين من الزمالك بعد واقعة الكونفدرالية (القصة الكاملة)    روقا: وصولنا لنهائي أي بطولة يعني ضرورة.. وسأعود للمشاركة قريبا    حالة الطقس اليوم على القاهرة والمحافظات    محمد عادل إمام يروج لفيلم «اللعب مع العيال»    خلال أيام.. موعد إعلان نتيجة الصف السادس الابتدائي الترم الثاني (الرابط والخطوات)    تسنيم: انقطاع الاتصالات السلكية واللاسلكية والراديو في منطقة سقوط المروحية    اتحاد الصناعات: وثيقة سياسة الملكية ستحول الدولة من مشغل ومنافس إلى منظم ومراقب للاقتصاد    سوريا تعرب عن تضامنها مع إيران في حادث اختفاء طائرة «رئيسي»    سقطت أم أُسقطت؟.. عمرو أديب: علامات استفهام حول حادث طائرة الرئيس الإيراني    سمير صبري ل قصواء الخلالي: مصر أنفقت 10 تريليونات جنيه على البنية التحتية منذ 2014    عمر الشناوي: «والدي لا يتابع أعمالي ولا يشعر بنجاحي»    الأميرة رشا يسري ل«بين السطور»: دور مصر بشأن السلام في المنطقة يثمنه العالم    آخر تطورات قانون الإيجار القديم.. حوار مجتمعي ومقترح برلماني    دعاء الرياح مستحب ومستجاب.. «اللهم إني أسألك خيرها»    دعاء الحر الشديد كما ورد عن النبي.. اللهم أجرنا من النار    طريقة عمل الشكشوكة بالبيض، أسرع وأوفر عشاء    انتداب المعمل الجنائي لمعاينة حريق داخل مدرسة في البدرشين    جريمة بشعة تهز المنيا.. العثور على جثة فتاة محروقة في مقابر الشيخ عطا ببني مزار    نشرة منتصف الليل| تحذير من الأرصاد بشأن الموجة الحارة.. وتحرك برلماني جديد بسبب قانون الإيجار القديم    إعلام إيراني: فرق الإنقاذ تقترب من الوصول إلى موقع تحطم طائرة الرئيس الإيراني    استشهاد رائد الحوسبة العربية الحاج "صادق الشرقاوي "بمعتقله نتيجة القتل الطبي    اليوم.. البنك المركزي يطرح سندات خزانة بقيمة 9 مليار    ملف يلا كورة.. الكونفدرالية زملكاوية    الإعلامية ريهام عياد تعلن طلاقها    الشماريخ تعرض 6 لاعبين بالزمالك للمساءلة القانونية عقب نهائي الكونفدرالية    قبل إغلاقها.. منح دراسية في الخارج للطلاب المصريين في اليابان وألمانيا 2024    استعدادات عيد الأضحى في قطر 2024: تواريخ الإجازة وتقاليد الاحتفال    مصدر أمني يكشف حقيقة حدوث سرقات بالمطارات المصرية    تعرف على أهمية تناول الكالسيوم وفوائدة للصحة العامة    كلية التربية النوعية بطنطا تختتم فعاليات مشروعات التخرج للطلاب    الصحة: طبيب الأسرة ركيزة أساسية في نظام الرعاية الصحية الأولية    نقيب الأطباء: قانون إدارة المنشآت الصحية يتيح الاستغناء عن 75% من العاملين    خبيرة ل قصواء الخلالى: نأمل فى أن يكون الاقتصاد المصرى منتجا يقوم على نفسه    حظك اليوم برج الدلو الاثنين 20-5-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    منسق الجالية المصرية في قيرغيزستان يكشف حقيقة هجوم أكثر من 700 شخص على المصريين    اليوم.. محاكمة طبيب وآخرين متهمين بإجراء عمليات إجهاض للسيدات في الجيزة    اليوم.. محاكمة 13 متهما بقتل شقيقين بمنطقة بولاق الدكرور    مسؤول بمبادرة ابدأ: تهيئة مناخ الاستثمار من أهم الأدوار وتسهيل الحصول على التراخيص    بعد الموافقة عليه.. ما أهداف قانون المنشآت الصحية الذي أقره مجلس النواب؟    ارتفاع كبير في سعر الحديد والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم الإثنين 20 مايو 2024    حتى يكون لها ظهير صناعي.. "تعليم النواب" توصي بعدم إنشاء أي جامعات تكنولوجية جديدة    أيمن محسب: قانون إدارة المنشآت الصحية لن يمس حقوق منتفعى التأمين الصحى الشامل    تقديم الخدمات الطبية ل1528مواطناً بقافلة مجانية بقلين فى كفر الشيخ    عالم بالأوقاف يكشف فضل صيام التسع الأوائل من ذي الحجة    هل يجوز الحج أو العمرة بالأمول المودعة بالبنوك؟.. أمينة الفتوى تُجيب    نائب رئيس جامعة الأزهر يتفقد امتحانات الدراسات العليا بقطاع كليات الطب    «المريض هيشحت السرير».. نائب ينتقد «مشاركة القطاع الخاص في إدارة المستشفيات»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مصارحاتٌ واجبة عن صراع الثقافات في فرنسا (2-2)


د. سليمان عبدالمنعم
يصعب اليوم إنكار أن هناك شكلاً ما من أشكال صراع الثقافات فى العالم، وفرنسا على وجه الخصوص، ربما كان الأدق تسميته بالصدام أو الأزمة، لكن شاعت تسمية الصراع وفرضت نفسها.
إذا نحّينا الإرهاب جانباً باعتباره الشر المستطير الذى تعانيه المجتمعات الغربية والإسلامية معاً، وتقف ضده فى نفس الخندق معاً، فإن سؤال صدام الثقافات الذى نرجوه حواراً يبقى قائماً. ويبدو أننا أخفقنا فى هذا الحوار الذى اتسم أحياناً بالدبلوماسية ولم يخل من نفاق متبادل وممارسة (التقية) من الطرفين معاً باستثناء مقاربات فكرية شجاعة وعميقة انزوت بعيداً عن صخب المقاربات الإعلامية إياها. الآن ليس أمام الطرفين سوى المصارحة كشرط إيجابى وعقلانى بل نفسى لتجاوز ذكريات الصراع القديم وتبديد الشكوك الراقدة فى تاريخ العلاقة بينهما منذ قرون.
لعلّ الجزء الأكبر من هذا الشك التاريخى يكمن فى تخوّف الغرب (فرنسا تحديداً) من التغلغل الإسلامى المتصاعد فى المجتمع الفرنسي ، وهو تغلغل يرى البعض أنه يحمل ثقافة تناقض القيم الجمهورية والعلمانية كما تحددها القوانين الفرنسية. على الجانب الآخر يرى المسلمون أنهم ضحية لمشاعر الرفض والكراهية من جانب تيارات وأحزاب تجهر بعنصريتها زادت أخيراً بفعل ممارسات حرية تعبير يراها المسلمون تحقيراً لانتمائهم الدينى ويعتبرها الفرنسيون أمرا مقبولاً فى مجتمع ديمقراطى تعوّد من باب التسامح على قبول ما يشوبها من شطط أحياناً. فى هذا الحوار المنشود ثمة إشكاليات يجب مواجهتها من الطرفين معاً. لدى المسلمين فى فرنسا إشكالية عدم اندماج فى المجتمع وانعزالية حقيقية داخل جيتوهات اجتماعية ودينية وثقافية. لكن تيسير وتشجيع هذا الاندماج يتطلب جهوداً وإصلاحات ومبادرات حكومية، الفرنسيون أدرى بها.
أما المسلمون خارج فرنسا والغرب عموماً فلديهم إشكالية إيصال رؤيتهم وتوضيح مواقفهم لتصحيح الكثير من الانطباعات والصور الذهنية النمطية و التعميمات السلبية عن الإسلام والمسلمين . ربما يكون لدينا جهود ومبادرات متفرقة لكن المطلوب هو انفتاح إسلامى أكبر وأوسع على المجتمعات الغربية التى ما زال الكثيرون فيها مشوشين بشأن حقيقة الإسلام، تشويش وصل إلى حد الإسلاموفوبيا بفعل الإرهاب وأشياء أخرى.
مثل هذا الانفتاح يتطلب استخدام وسائل ولغات التواصل التى تتيحها التقنيات الحديثة، والأهم هو تطوير هذا المحتوى، فقد أصبح التواصل مع الآخر علماً وفناً له طرقه وأدواته ومتخصصوه. دور الأزهر هنا مطلوب وملح بحكم رمزيته التاريخية الوسطية وما يمتلكه من رصيد روحى فى العالم كله، لكن دعونا نعترف بأن شرط نجاح هذا الدور هو التحلى بشجاعة تقديم الرؤية الإسلامية الصحيحة فى القضايا الجدلية الملتبسة التى تثير مخاوف الآخرين من الوجود الإسلامى فيها مثل حرية الاعتقاد الديني، ومسألة الجهاد، وموقف الإسلام من الآخر المختلف دينياً.
على الجانب الآخر، هناك مصارحة مطلوبة فى فرنسا تتعلق بإشكالية التوفيق بين (حرية) التعبير و(الحق) فى الكرامة الإنسانية ومن صورها حماية المعتقد أو الانتماء الدينى من التحقير أو الازدراء أو الحض على كراهية أصحابه. فالأزمة التى اندلعت بسبب الرسوم الكاريكاتورية يمكن أن تتجدّد بشأن ممارسات أخرى لحرية التعبير. هنا ثمة تدقيق واجب مؤداه أن (حرية) الاعتقاد الدينى تختلف عن (الحق) فى حماية المعتقد أو الشعور الديني. المسألة ليست فى حرية الاعتقاد أو عدم الاعتقاد الديني، فلكل شخص حرية أن يؤمن أو يكفر، المسألة هى حرمة المعتقد الدينى وحماية المنتمين إليه من الازدراء أو التحقير أو الحض على كراهيتهم. حرية الاعتقاد الدينى مكفولة بالدساتير والقوانين والصكوك الدولية، بل إن هذه الحرية مقررة بالنص القرآني: «لا إكراه فى الدين» (سورة البقرة آية 256).
والواقع أن التمييز بين مكوّن الحرية ومكوّن الحق فى مسألة الاعتقاد الدينى كفيل باستجلاء الالتباس القانونى الحاصل اليوم. فالقانون يحمى حرية التعبير والحق فى الكرامة الآدمية معاً لكن حينما يتعارضان فإن (الحرية) تجد قيدها وشرط ممارستها فى عدم الإضرار (بالحق) المحمى قانوناً مثل الحق فى الكرامة الآدمية بما تعنيه من حظر التمييز بين البشر أو ازدرائهم أو الحض على كراهيتهم بسبب انتمائهم لدين أو عرق أو لون أو جنس. التأصيل السابق ليس بدعة بل هو مؤدى قراءة أحد أبرز أحكام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان فى 20 سبتمبر 1994 بشأن القضية المعروفة Otto-Preminger Institute ضد النمسا ، حيث قررت المحكمة أن حرية التعبير بالرغم من كونها أحد أسس المجتمع الديمقراطى ليست مطلقة ولكنها مقيّدة بعدم الإضرار بحقوق الغير والإساءة إلى شعورهم الديني. وقد تلمست المحكمة الخط الفاصل بين حرية التعبير المكفولة قانوناً وبين التحقير الدينى المحظور فى ثلاثة معايير، هى الضرر الذى يلحقه التعبير بالغير، وجسامته، وانتفاء جدواه، معتبرة أن الجدوى تنتفى إذا كان التعبير لا يمثل أى إضافة للنقاش العام الذى يثرى حركة التقدم الإنساني.
إذا كان هذا هو رأى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، فالمطلوب اليوم هو تقنين هذا التوجه القضائى من خلال صياغة اتفاقية دولية لحظر ازدراء الانتماء الدينى متى توافرت شروط وضوابط معينة تكفل إقامة التوازن لتفادى الشطط فى ممارسة حرية التعبير من ناحية والمبالغة فى تقدير الإساءة للشعور الدينى من ناحية أخرى. لا مفر إذن من البحث عن توازن قانونى مطلوب. فى الفقه المصرى لدينا كتابات وأطروحات أكاديمية بارزة فى الموضوع، منها الأطروحة العلمية لزميلنا دكتور طارق سرور الأستاذ بحقوق القاهرة ومؤلفاته المتعمقة اللاحقة. وللمستشار دكتور خيرى الكباش أطروحة دكتوراه متميزة ناهزت الألف صفحة عن الحماية الدولية لحقوق الإنسان، يطرح فيها فكرة قد تمثل أحد مخارج الأزمة انطلاقاً من حكم المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان ضد النمسا الذى اعتبر أن فيلم مجلس أساقفة الحب يعد تجاوزا لحرية التعبير. الفكرة هى الاكتفاء بالجزاء العينى المتمثل فى مصادرة الفيلم السينمائى أو التحفظ عليه (أو على أى شكل آخر من أشكال التعبير الفني) بدلاً من الجزاء الشخصى الجنائى الذى يلحق بمرتكب المخالفة. وفكرة التدابير العينية غير الشخصية ذات مساحة واسعة للبدائل والاختيارات. المهم هو إقامة التوازن بين حرية التعبير والحق فى احترام كرامة الانتماء الدينى لشخص أو لجماعة من الأشخاص أياً كان هذا الانتماء لمسلمين أو غير مسلمين.
فى نهاية المطاف، لنعترف بأن نصوص القانون لن تحسم وحدها التوازن المقبول من الطرفين بين حرية التعبير والحق فى احترام الشعور الديني، ثمة عناصر أخرى تعزّز حكم القانون مثل الثقافة والتعليم والثقة المتبادلة والقيم المشتركة.فكلما ترسخت مثلاً قيمة التسامح لدى أصحاب انتماء دينى معين أمكن تجاوز الحماقات والسخريات العابرة ضدهم، وبالمقابل كلما ترسخت قيمة احترام الآخر لدى من يمارس حرية التعبير تحقّق الالتزام الطوعى بمسئولية الكلمة أو الرسم أو التعبير الفنى عموماُ. فالتطرف والتعصب والكراهية ليست خصائص حصرية ببعض المؤمنين بها لكنها خصائص لبعض العلمانيين أيضاً.
* نقلًا عن صحيفة الأهرام


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.