هواة الاقتناء لهم مذاهب وغايات شتى فيما يعشقون، ولكن المشترك بينهم جميعا هو وجود «منطق» ما وراء الشغف بموضوع بعينه، و«التزام» مطلق بمواصلة عملية الاقتناء التى تخدم الموضوع. ومن أحدث المنتمين إلى أهل الاقتناء، الباحث فى مجال التصميم محمود الحسينى الذى أطلق مشروعه «أرشيف تصميم الغلاف العربى» لتوثيق السمات المهيمنة والتاريخ الذى يقف وراء أغلفة الكتب فى كل حقبة زمنية بالعالم العربى. يشرح الحسينى، خريج كلية الفنون الجميلة ، أنه نجح حتى الآن فى تصوير وإعداد أرشفة كاملة مدعومة بالبيانات الوافية والموثقة لأكثر من ألف كتاب عربى، وأنه يستهدف الوصول إلى خمسة آلاف كتاب، مؤكدا أن مشروعه بمثابة «عملية مستمرة لا نهاية لها». ويوضح الباحث المصرى، وهو حاصل على درجة الماجستير فى التصميم المعنى بمجال الاتصالات من جامعة لندن للفنون، أن المسألة بدأت معه قبل سنوات كشغف شخصى خالص. فقد كان مأخوذا بالأغلفة القديمة للكتب العربية، ومراحل تطورها المختلفة، موضحا أن الأغلفة فى الماضى كانت أشبه بلوحات فنية مستقلة ومكرسة لخدمة رسالة الكتاب. فخصص جانبا من وقته للتجول بين الأسواق ومنافذ البيع القديمة للكتب. ويقول: «كنت أقتنى الكتب التى تؤرخ لمختلف مراحل تطور عملية تصميم الغلاف، وأقوم بتصوير الأغلفة لدعم قاعدة مصورة شخصية ترضى شغفى. ولكن المسألة كانت تسير ببطء وبشكل متقطع خلال هذه الفترة». واعتبارا من العام الماضى، قرر الحسينى تحويل شغفه بالاقتناء والمعرفة إلى مبادرة خاصة لأرشفة وتأريخ التطور الذى شهدته أغلفة الكتب العربية، وكيف عكست الأحوال الاقتصادية والاجتماعية والثقافية من عقد إلى عقد بالمجتمعات العربية، مؤكدا قناعته بأن «تاريخ شىء واحد بمثابة تاريخ كل شىء». وحول التحول إلى مشروع توثيقى أكثر تنظيما والتزاما، يحكى الحسينى: «خصصت عطلة نهاية كل أسبوع للتردد على المكتبات ومحال الكتب العتيقة، وقمت بشراء مكينة مسح ضوئى «سكانر» متنقل ليصبح رفيقى فى جولاتى من أجل أرشفة وتوثيق أغلفة الكتب العربية». وجاء العام الحالى بتحول جديد فى مسار المبادرة، حيث قرر الحسينى التفرغ بشكل كامل للعمل على أرشيفه الفريد، وبدأ فى تشكيل فريق دعم من الباحثين المتطوعين فى عدة دول عربية، مثل الإمارات وفلسطين ولبنان، بالإضافة إلى مصر. وذلك بالإضافة إلى قائمة طويلة من المساهمين فى عدد من دول العالم، يعملون على إمداد الأرشيف بكل ما هو جديد من حين إلى آخر. يرى الحسينى أن أرشيفه الخاص يحاول الاسهام، ولو بقدر محدود، فى علاج افتقار الوطن العربى وبشدة إلى فكرة التوثيق والتأريخ فى مجال التصميم. ويقول: «نفتقر إلى معرفة متعمقة حول تاريخ التصميم ومراحله الرئيسية فى الوطن العربى، خاصة مع محدودية عدد الباحثين والمؤرخين المعنيين بهذا المجال». ويضيف: «يتمنى المرء لو كان هناك شرح واضح لأهم الرموز والأشكال والألوان التى هيمنت على عوالم التصميم فى كل عقد، ولذلك يأتى مشروع أرشيف تصميم الغلاف العربى كمحاولة للإجابة على بعض هذه الأسئلة». وحول أبرز المعوقات التى تقف أمام مشروعه وشغفه، يؤكد الحسينى أن أبرزها «الخوف»، شارحا: «كلما قمت بزيارة المكتبات ودور النشر، أدركت أكثر فأكثر حالة الإهمال المؤكد التى تطول الكتب القديمة وأغلفتها. وخوفى دوما أنه إذا ما تضررت هذه الكتب، فإن ترميمها وإعادة أغلفتها ومحتواها إلى سابق العهد يصبح من المستحيل. وبذلك يضيع تاريخ كامل يصعب استعادته». وعلى خلفية هذا الخوف، يكشف صاحب «أرشيف الأغلفة» عن جانب من مشروعه والمعروف ب Visual Archeology، أو «علم الآثار المرئى»، والقائم على إعادة الترميم الدقيق لأغلفة الكتب المتضررة، بما يصل بهم إلى أقرب نقطة من صورتهم الأصلية. وحول منظومة التوثيق والأرشفة التى يتبعها المشروع، يوضح الحسينى أن أحد الأهداف الرئيسية للمشروع هو توثيق المادة بشكل ييسر استخدامها لأغراض أكاديمية وبحثية، كاشفا عن استعداده لإطلاق «الأرشيف الإلكترونى» للمشروع عبر شبكة الإنترنت، والذى سيكون مجهزا بعدد من خيارات البحث، مثل البحث وفقا لاسم الناشر، أو المؤلف، أو عام الإصدار، وبالطبع اسم الفنان مبدع الغلاف. وكشف عن أمله فى أن تكون هذه الجهود بمثابة «النقطة صفر» فى رحلة طويلة لتوثيق تاريخ التصميم. ولكن الخطط المستقبلية لا تنتهى هنا، فالحسينى يكشف عن نيته إقامة سلسلة من المعارض بعدد من الدول، تتضمن صور الأغلفة، والكتب الأصلية، مع إبراز تجارب الترميم التى جرت على بعض الأغلفة. ويقول: «الهدف مشاركة العالم ثقافتنا وتاريخنا كما تعكسها أغلفة الكتب». نقلا عن صحيفة الأهرام