بدأت مكتبة الإسكندرية عدة مشروعات طموحة تهدف إلي أن يكون للعرب موطئ قدم في الفضاء الرقمي، خاصة أن العقود القادمة ستشهد إقبالا متزايدا علي استخدام الحواسب الآلية والانترنت كأدوات لنقل المعرفة وتبادل المعلومات ومن مشروعات المكتبة في هذا المجال: إعداد المتصفح التخيلي للمخطوطات: وهو برنامج أهدي إلي المكتبة من السويد. ثم تولت الخبرات الفنية في المكتبة تطويره وإضافة العديد من اللمسات الفنية عليه. وشاهد جمهور المترددون علي المكتبة أثناء الافتتاح التجريبي في أكتوبر 2001. يتيح هذا البرنامج تصفح المخطوطات علي شاشات الكمبيوتر بصورة تطابق المخطوط الأصلي. المكتبة الرقمية للمخطوطات: وهو مشروع يلتقي فيه هدفان، الأول هو العناية بالتراث والهدف الثاني هو مواجهة التحدي الرقمي في عصر المعلومات. وصدرت أول مجموعة من هذه المكتبة علي أقراصCD. وسيتوالي إصدار باقي المجموعات منها. مشروع شراكة بين مكتبة الإسكندرية والمركز القومي لتوثيق التراث الحضاري والبيئي: وهو مشروع يهدف إلي تقديم صورة متكاملة لمصر وتراثها. أرشيف الإنترنت: وهي شراكة بين مكتبة الإسكندرية وأرشيف الإنترنت بهدف تبادل المعلومات، وإيجاد فضاء جديد من التعامل مع الشبكة الدولية للمعلومات (الانترنت) من خلال تقديم أرشيف متكامل لها. وسيأتي الحديث عن هذا المشروع تفصيلا. المكتبة الرقمية العربية: هذا المشروع بدأت مكتبة الإسكندرية تعد له بحيث يكون هناك مكتبة عربية متكاملة الجوانب علي شبكة الانترنت. تصل هذه المكتبة إلي 20 ألف كتاب في مرحلتها الأولي. كما ستسعي المكتبة لتقديم بعض محتوياتها إلي العالم من خلال ترجمتها إلي اللغة الإنجليزية، لذا بدأت المكتبة في بحث توقيع اتفاقيات تعاون مع عدد من المؤسسات الثقافية العربية لتكوين هذه المكتبة. لعل أولها اتحاد الكتاب العرب، ثم المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب في دولة الكويت، ونادي تراث الإمارات في أبو ظبي. مشروع المليون كتاب: ستدخل مكتبة الإسكندرية في شراكة مع أرشيف الانترنت، لتكوين مكتبة المليون كتاب، وهو المشروعات الرقمية الطموحة، التي تسعي المكتبة لإنجازه مع شركاء دوليين. الخدمة المكتبية المتكاملة بالرقمنة: سيستطيع زائر موقع مكتبة الإسكندرية علي الانترنت الاستفادة من خدمات مختلفة في مكتبة الإسكندرية. فالموقع يقدم لمستخدميه رؤية شاملة عن سياسات المكتبة وأولويات عملها. ويحيطهم علما بمجريات نشاطها. ويلقي الضوء علي الخدمات والمقتنيات والتجهيزات المتوفرة لديها. والمشروعات الثقافية والبحثية التي تضطلع بها الإدارات المختلفة بالمكتبة، كل حسب اختصاصاته وفي إطار السياسة العامة للمكتبة بصفتها مركزا علمياً وثقافياً منفرداً. وبذلك يستطيع أي باحث في صعيد مصر الاستفادة من خدمات مكتبة الإسكندرية. التبادل المكتبي: وهو مشروع رقمي تتبناه مكتبة الإسكندرية سوف يتيح لأي طفل في قرية بموريتانيا أو باليمن مثلاً من الإطلاع علي الأعمال العظيمة التي قامت بها البشرية من خلال المكتبة، حيث سيتمكن هذا الطفل عبر الانترنت من الإطلاع علي الكتاب أو الفيديو الذي يريده وذلك إن كان متوفراً بالمكتبة. ويعتبر برنامج استعارة الكتب بين المكتبات الدولية بغرض اقتسام مقتنياتها مع المكتبات الأخري وهو ما سيترتب عليه اتاحة مادة علمية أكبر حجما للجميع. قصة مكتبة الإسكندرية تمتد منذ عام 288 قبل الميلاد، حين ولدت الفكرة علي يد ديمتروس الفاليري وأقنع بها بطليموس الأول لتخرج إلي الوجود مؤسسة علمية يدين لها العالم بالكثير من الفضل لكونها أول مكتبة لها صفة مستقلة بذاتها بعيدا عن القصور والمعابد. وتعطي العلم بعداً ذا طبيعة خاصة تميزه عن الارتباط بالكهنة، ومن هنا انطلق العلماء فأبدعوا وابتكروا. هذا يدل علي عقد الملوك البطالمة العزم علي أن تكون لمملكتهم في مصر الصدارة بين مماليك العصر الهلينستي، وعلي ذلك أصبحت الإسكندرية منارة للعلوم والفنون والآداب والحضارة. وإذا كانت المكتبة القديمة هي المحتوي العالمي للمعرفة والعلوم، فإن مكتبة الإسكندرية في عصر التحدي الرقمي لابد وأن تكون لها مشروعات رقمية خاصة بها، لكونها أول مكتبة رقمية في القرن الحادي والعشرين. خاصة إن المكتبة الرقمية هي المستقبل الحقيقي في هذا العالم. فإذا كانت المكتبة القديمة نجحت في إيجاد مصدر يجمع كل العلوم والمعارف القديمة من لغات شتي وتخصصات متعددة حتي عدت أول مؤسسة خاصة تخرج منها جوهر العلم بصورة جديدة وغير مألوفة. فهي لهذا السبب رمز للحضارة الهلينيستية. فإن المكتبة الجديدة عليها جمع المعلومات في صورتها المعاصرة أي الرقمية ، إذا تحقق هذا الهدف فهي بهذا وبحق مكتبة القرن الحادي والعشرين التي تحدث نقل نوعية وكمية ومعرفية في مفهوم المكتبات. لذا فإن قبول هذا التحدي جعل المكتبة تقبل إيجاد شراكة مع أرشيف الإنترنت الدولي وهو مشروع طموح بدأ في كاليفورنيا بالولاياتالمتحدةالأمريكية. أهدي "بروستر كال" بناء علي هذه الشراكة المكتبية نسخة كاملة من أرشيف الانترنت. فضلا عن المعدات الخاصة بهذا الأرشيف والتي تتيح وجوده داخل المكتبة من وسائط تخزين المعلومات والأفلام والصور إلي الكمبيوترات إلي غيرها من الأجهزة التقنية اللازمة في هذا الشأن. إذ أردنا أن نعبر عن هذا أولا بلغة الجغرافيا: إن هذه اللغة تعني موقع الأرشيف بالإسكندرية بالنسبة للعالم. هناك خطة تقوم علي إيجاد مراكز دولية لأرشيف الإنترنت، فالمركز الأول في كاليفورنيا في الولاياتالمتحدةالأمريكية، مكتبة الإسكندرية هي المركز الثاني لأرشيف الانترنت، سيكون هناك مركز ثالث في أوروبا، ورابع في آسيا. إذن المكتبة الجديدة رائدة في عصر التحدي الرقمي، هذا بلغة الجغرافيا، إذا انتقلنا إلي لغة الأرقام، فأرشيف الانترنت في مكتبة الإسكندرية يضم من المواقع 10 بلايين صفحة من 1996 إلي 2001، 2000 ساعة من التليفزيون المصري والأمريكي، 1000 فيلم تم أرشفتها. وسيكون في الأرشيف مليون كتاب خلال الخمسة أعوام القادمة مهداة من جامعة كارنيجي. يضم أرشيف الإنترنت 200 جهاز كمبيوتر تصل سعة تخزينها إلي 100 تيرابيت. إجمالي قيمة الهدية 5 ملايين دولار. وهي لا تتضمن في حساباتها حقوق المادة المهداة. مما يجعل قيمة الهدية أكثر بكثير من تقديرها المادي، يشمل هذا الإهداء أيضا قارئاً للكتب وذلك لقرائه الكتب وإدخالها علي الأرشيف من خلال 20 جهاز كمبيوتر مخصصة لهذا الغرض. في لغة المكتبات هذا الأرشيف سيقدم للعالم من خلال مكتبة الإسكندرية نمطاً جديداً من المكتبات هو المكتبة الرقمية. فكما حفظت المكتبة القديمة ذاكرة العالم من خلال لفائف البردي ستحفظ المكتبة الجديدة ذاكرة العالم الرقمية عبر الانترنت. فالحفاظ علي التراث الثقافي الإنساني هو رسالة مكتبة الإسكندرية. لذا سيتبادل أرشيف الانترنت في الولاياتالمتحدةالأمريكية مع مكتبة الإسكندرية المعلومات التي يقوم كل طرف بأرشفتها. هذا يكرس بداية اتجاه دولي نحو رقمنة المعلومات في مكتبات دولية. بداية من انطلاق مشروع أرشيف الانترنت في كاليفورنيا إلي بدأ عمل المقر الثاني للأرشيف في الإسكندرية إلي الطموح المستقبلي لوجود مركزين جديدين للأرشيف في كل من آسيا وأوروبا. هكذا ستبني شراكة دولية في هذا المجال من أجل إنشاء نظام مكتبي عالمي. إذا انتقلنا بالحديث بلغة التاريخ فإن الأرشيف هو ذاكرة البشرية الرقمية، حفظ مجموعة كاملة لكل صفحات الانترنت والتي كانت موجودة علي المواقع المختلفة للإنترنت منذ عام 1996 علما بأنه يتم أرشفة صور جديدة لها كل شهرين نظراً للتغيرات الدورية فيها. وصلت هذه المجموعة إلي 10 بلايين صفحة، وتضم هذه المجموعة بأسرها مجموعة من النصوص يفوق عددها عدد كل الكتب الموجودة في مكتبة الكونجرس. آلة الزمن "آلة الزمن" هي أداة تصفح أرشيف الإنترنت، ولكي ندلل للقارئ علي إمكانيات الأرشيف فقد اخترنا هذا النموذج. أرشيف الأفلام يقدم أرشيف الانترنت أيضا مجموعة تتكون من 1000 فيلم تعكس حضارة ومجتمع الولاياتالمتحدة خلال القرن العشرين. ترجع أهمية هذا الأرشيف الثري إلي أنه يتيح الفرصة لزائري الموقع لرؤية الأفلام ومحاكاتها مجاناً كما يمكنهم أيضا عمل الأفلام الخاصة بهم من خلال مخزون الأفلام المتاح وذاك دون مقابل مادي، كما يتيح هذا الأرشيف أيضاً الفرصة للأطفال لعمل الأفلام الخاصة بهم وإعادة توزيعها عبر الانترنت وهو ما سوف يؤدي بدوره إلي ظهور أشكال جديدة من التعبير، مختلفة تماماً عن الشكل الذي تقدمه السينما والتليفزيون الآن. وسوف يتم تزويد هذه المجموعة أيضا بعدد من الأفلام الرقمية من جميع أنحاء العالم، وذلك من خلال السنوات القادمة. إتاحة المعرفة الإنسانية للعالم بأسره سوف تسعي مكتبة الإسكندرية إلي العمل مع المكتبات الأخري التي سوف تعمل في المستقبل لإتاحة المعرفة الإنسانية للعالم بأسره والتي قد تكون مكتبات عريقة أو حديثة مثل أرشيف الانترنت. معاً سوف نتمكن من تحقيق أهداف مكتبة الإسكندرية القديمة ولكن باستخدام التقنيات الجديدة التي كانت بمثابة حلم لأجدادنا. وكما حفظت مكتبة الإسكندرية القديمة ذاكرة الإنسانية والتراث الإنساني من خلال لفائف البردي، ستحفظ مكتبة الإسكندريةالجديدة ذاكرة الإنسانية عبر أرشيف الانترنت.