الأطباء تبحث مع منظمة الصحة العالمية مشاركة القطاع الخاص في التأمين الصحي    خليه في المياه.. رئيس شعبة الأسماك: المزارع توقفت عن التوريد لتجنب خفض الأسعار    محافظ الإسكندرية يطلق مبادرة توظيفك علينا لتشغيل 1000 شاب وفتاة    مصرع 76 شخصا وتشريد 17 ألف آخرين بسبب الفيضانات في كينيا    خالد جلال: شحاتة وزيزو يقودان تشكيل الزمالك المثالي أمام دريمز    القصة الكاملة لمشادة صلاح وكلوب| أول رد من المدرب واللاعب.. تفاصيل جديدة    أمير هشام: جماهير الأهلي تشعر بالرضا بتواجد وسام أبو علي    مصرع شابين في سقوط سيارة بترعة قرية تطون بالفيوم    تصفح هذه المواقع آثم.. أول تعليق من الأزهر على جريمة الDark Web    موعد مباراة توتنهام وآرسنال اليوم في الدوري الإنجليزي والقنوات الناقلة    لتضامنهم مع غزة.. اعتقال 69 محتجاً داخل جامعة أريزونا بأمريكا    السكك الحديد تعلن عن رحلة اليوم الواحد لقضاء شم النسيم بالإسكندرية    حالة الطقس اليوم الأحد على القاهرة والمحافظات    سيد رجب: بدأت حياتى الفنية من مسرح الشارع.. ولا أحب لقب نجم    نصبوا الخيام، شرارة الاحتجاجات الطلابية ضد العدوان على غزة تصل إلى أعرق جامعات كندا    تتبع المنهج البريطاني.. ماذا قال وزير التعليم عن المدرسة الدولية؟    التصريح بدفن جثة شاب صدمه قطار أثناء عبوره المزلقان بقليوب    زلزال بقوة 6.1 درجة يضرب جزيرة جاوة الإندونيسية    ماكرون يعتبر الأسلحة النووية الفرنسية ضمان لبناء العلاقات مع روسيا    اشتباكات بين الفلسطينيين والاحتلال الإسرائيلي غرب رام الله    روسيا: مصير زيلينسكي محدد سلفا بوضوح    غدا.. محاكمة عاطل متهم بإنهاء حياة عامل في الحوامدية    14 مليار دولار في طريقها إلى مصر بسبب رأس الحكمة    تسليم أوراق امتحانات الثانوية والقراءات بمنطقة الإسكندرية الأزهرية    فضل الصلاة على النبي.. أفضل الصيغ لها    25% من المصابين بعدم انتظام ضربات القلب أعمارهم تقل عن 65 عاما    بالأسماء.. مصرع 5 أشخاص وإصابة 8 في حادث تصادم بالدقهلية    عضو اتحاد الصناعات يطالب بخفض أسعار السيارات بعد تراجع الدولار    عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير.. أسعار الذهب اليوم الأحد 28 إبريل 2024 بالصاغة    حسام البدري: أنا أفضل من كولر وموسيماني.. ولم أحصل على فرصتي مع منتخب مصر    هيئة كبار العلماء السعودية تحذر الحجاج من ارتكاب هذا الفعل: فاعله مذنب (تفاصيل)    بعد التراجع الأخير.. أسعار الحديد والأسمنت اليوم الأحد 28 أبريل 2024 بالأسواق    هل مرض الكبد وراثي؟.. اتخذ الاحتياطات اللازمة    الأردن تصدر طوابعًا عن أحداث محاكمة وصلب السيد المسيح    الآن.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري للبيع والشراء اليوم الأحد 28 إبريل 2024 (آخر تحديث)    تحولات الطاقة: نحو مستقبل أكثر استدامة وفاعلية    إصابة 8 أشخاص في حادث انقلاب سيارة ربع نقل بالمنيا    بعد جريمة طفل شبرا، بيان عاجل من الأزهر عن جرائم "الدارك ويب" وكيفية حماية النشء    نصف تتويج.. عودة باريس بالتعادل لا تكفي لحسم اللقب ولكن    وفاة الفنان العراقي عامر جهاد    عمرو أديب: مصر تستفيد من وجود اللاجئين الأجانب على أرضها    غادة إبراهيم بعد توقفها 7 سنوات عن العمل: «عايشة من خير والدي» (خاص)    نيكول سابا تحيي حفلا غنائيا بنادي وادي دجلة بهذا الموعد    ألميريا يهبط إلى دوري الدرجة الثانية الإسباني بعد الخسارة من خيتافي    ملف يلا كورة.. أزمة صلاح وكلوب.. رسالة محمد عبدالمنعم.. واستبعاد شيكابالا    اليوم، أولى جلسات دعوى إلغاء ترخيص مدرسة ران الألمانية بسبب تدريس المثلية الجنسية    ما حكم سجود التلاوة في أوقات النهي؟.. دار الإفتاء تجيب    بشرى للموظفين.. 4 أيام إجازة مدفوعة الأجر    متحدث الكنيسة: الصلاة في أسبوع الآلام لها خصوصية شديدة ونتخلى عن أمور دنيوية    هل يمكن لجسمك أن يقول «لا مزيد من الحديد»؟    23 أكتوبر.. انطلاق مهرجان مالمو الدولي للعود والأغنية العربية    دهاء أنور السادات واستراتيجية التعالي.. ماذا قال عنه كيسنجر؟    السيسي لا يرحم الموتى ولا الأحياء..مشروع قانون الجبانات الجديد استنزاف ونهب للمصريين    أناقة وجمال.. إيمان عز الدين تخطف قلوب متابعيها    ما هي أبرز علامات وأعراض ضربة الشمس؟    دراسة: تناول الأسبرين بشكل يومي يحد من الإصابة بهذا المرض    " يكلموني" لرامي جمال تتخطى النصف مليون مشاهدة    هيئة كبار العلماء بالسعودية: لا يجوز أداء الحج دون الحصول على تصريح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السادات:‏ لن أغطي القرية بملاية؟
نشر في الأهرام اليومي يوم 13 - 08 - 2010

الاقتراب من الرؤساء ليس خيرا كله‏,‏ فربما يطولك رذاذ وشاية فتودي بك إلي التهلكة‏,ولهذا نري رجالا حول الرئيس أي رئيس طواهم النسيان وذهبوا إلي حيث رجعة‏!!‏ ربما تكون هذه المقدمة معبرة‏,‏ قبل الدخول إلي تفاصيل هذه الحوار‏,‏ مع الدكتور علي السمان‏,‏ الذي عاش جل عمره قريبا من الرؤساء‏,‏ فمنذ عمل بالمكتب الإعلامي التابع للسفارة المصرية بباريس‏,‏ وحتي توليه مسئولية إدارة الإعلام الخارجي برئاسة الجمهورية في عصر الرئيس السادات‏,‏ والرجل في جعبته الكثير من الحكاوي والأسرار‏,‏ ولعل هذا هو ما دفعه إلي سرد بعضها في كتابه الشهير أوراق عمري‏...‏ من الملك إلي عبد الناصر والسادات‏..‏
واليوم نبحر معه في صفحة من صفحات هذا التاريخ‏,‏ الذي جمعه بالرئيس الراحل أنور السادات‏.‏
‏*‏ كيف كان اللقاء الأول بين الدكتور علي السمان والرئيس السادات؟
شاءت المصادفة أن يكون الرئيس السادات من قيادات ثورة يوليو‏,‏ الذين لم ألتق بهم يوما‏,‏ طوال عصر عبد الناصر‏,‏ وأن يتم الترتيب لأول لقاء لي معه بالمصادفة البحتة‏.‏
كانت ملامح شخصيته قد تكونت لدي من خلال صديق طفولتي الدكتور محمود جامع ثم جاء المهندس فتحي سالمان زميل طفولة الرئيس السادات‏,‏ ليكمل لدي ملامح صورة الرئيس السادات قبل أن ألقاه‏..‏
ثم يحكي الدكتور السمان كيف تم مقابلته لأول مرة‏:‏ في أحد أيام الجمعة من شهر يونيو‏73,‏ زرت فتحي سالمان في بيته بميت أبو الكوم‏,‏ وأنا في طريقي لأداء صلاة الجمعة في مسجد نصار والقيام بواجب الزيارة لأولاد عمومتي‏,‏ وبينما كنا نتحدث‏,‏ فاجأن سالمان‏:‏ لماذا لا تبقي لتصلي الجمعة هنا في مسجد ميت أبو الكوم‏,‏ لنتعرف علي الرئيس السادات‏,‏ الذي سيصلي الجمعة في المسجد نفسه؟‏!‏
وقلت له أولا أريد أن أزور أهلي‏...‏ وثانيا أتصور انني حين أختار مسجد ميت أبو الكوم‏,‏ من بين كل مساجد مصر‏,‏ لأصلي فيه فإنها ستكون تمحيكة‏..‏ وسوف تفسر علي أنها افتعال مناسبة للتعرف علي رئيس الدولة والتقرب منه‏...‏ ولن تكون صلاة‏,‏ كما ينبغي أن تكون الصلاة‏!‏
وأمام اصراري‏,‏ تركني فتحي سالمان‏,‏ لأذهب إلي أبناء عمومتي حيث زرت أهلي بالفعل‏,‏ وأديت صلاة الجمعة في مسجد القرية‏,‏ وبعدها عرفت أن الرئيس السادات‏,‏ أبدي ملاحظة امام من هم حوله‏,‏ والمقربين منه بعد الصلاة‏,‏ وتساءل قائلا‏:‏ الجامع النهاردة كان مليان جدا‏!.‏
وانتهز فتحي سالمان الفرصة‏,‏ وقص عليه ما حدث بيننا‏,‏ وكيف أنني ترددت في الصلاة هناك‏,‏ خشية أن يقال أنني أفعل ذلك علي سبيل النفاق لايجاد مناسبة حتي أكون فيها علي مسافة قريبة من رئيس الدولة‏.‏
‏*‏ وماذا كان رد الرئيس السادات؟
رد الرئيس السادات قائلا‏:‏ هو فين علي السمان‏..‏ أنا أريد أن أراه‏,‏ ليعطيني رأيه في مشروع فيلم يريد التليفزيون الفرنسي أن يصوره عن حياتي‏.‏
وأبلغني فتحي سالمان بما قاله الرئيس‏,‏ وطلب مني أن أبحث عن فرصة قريبة ومناسبة للقاء الرئيس‏,‏ وجاءت الفرصة عندما كنت في زيارة أخي وصديقي الدكتور محمود جامع في بيته بطنطا‏,‏ وقلت له إن الرئيس أبدي رغبته في أن يراني‏,‏ وأنني أريد أن أري الرئيس‏,‏ فأبلغني بأن الرئيس موجود في ميت أبو الكوم‏,‏ وأنه سيصلي الجمعة بمسجد القرية‏,‏ وأن هذه فرصة ملائمة للغاية‏.‏
وذهبنا معا إلي ميت أبو الكوم‏,‏ ولكننا وصلنا بعد صلاة الجمعة فتوجهنا إلي بيت الرئيس هناك‏,‏ ودخلنا قاعة الاستقبال‏,‏ وكانت ممتلئة بالزوار‏,‏ وكان هناك الأستاذ فوزي عبد الحافظ سكرتير السادات‏..‏
وعندما أبلغوا الرئيس بوجودنا‏,‏ أنا والدكتور جامع‏,‏ جاء فتحي سالمان ليأخذنا إلي ما يشبه الدوار حيث كان يجلس الرئيس مع جمع من الناس يتبادلون الكلام والإفطار‏..‏ وحين مددت يدي لمصافحته‏,‏ أحسست منذ اللحظة الأولي أن الرئيس السادات حينما يستقبل أحدا‏,‏ فإنه يفعل ذلك بكل حرارة اللقاء‏,‏ وبعدها أشار لي‏:‏ أقعد يا ابني أنا عايزك‏.‏
بعد فترة قصيرة قام الرئيس مغادرا وصحبني معه ومررنا بحديقة البيت إلي أن انتهينا وجلسنا عند تكعيبة العنب‏,‏ وبدأ كلامه باختصار عن الفيلم‏,‏ وطلب من معاونيه أن يعطوني المشروع لدراسته وإعطاء الرأي‏,‏ واتفقنا علي أن نلتقي في القاهرة‏,‏ لنبدأ الخطوات العملية نحو تحقيق مشروع الفيلم الوثائقي للتليفزيون الفرنسي‏.‏
‏*‏ وكيف كان اللقاء الثاني ؟
جاء اللقاء الثاني لاكتشف أن الرجلين اللذين كانا سينفذان الفيلم‏,‏ من بين أصدقائي في فرنسا‏..‏ كان أولهما هو روجيه ستيفان صاحب شركة الإنتاج‏,‏ وكان ثانيهما فرانو شوفيل مسئول الشرق الأوسط في مؤسسة الإنتاج التليفزيوني‏.‏
والتقيت بالرئيس السادات في بيته بالجيزة‏,‏ وتناقشنا في الأهمية التي يعطيها أصحاب الفيلم لقرية ميت أبو الكوم التي ولد فيها الرئيس‏,‏ وكان من الواضح‏,‏ ونحن نتناقش أن الرئيس السادات لم يكن من الذين يحبون أن يتدخلوا في التفاصيل‏,‏ أو أن ينشغلوا بها‏,‏ كان المهم عنده‏,‏ هو أن أصحاب الفيلم يريدون أن يقدموه للجمهور الفرنسي‏,‏ والأوروبي‏,‏ الذي لم يكن في ذلك الوقت يعرفه جيدا‏.‏
‏*‏ وما الذي اكتشفته في شخصية الرئيس السادات من هذا اللقاء؟
‏*‏ اكتشفت أن من عادة السادات أن يعطي ثقته كاملة لمن يطمئن إليه لدرجة أنه أنهي كلامه معي وقال لي‏:‏ أنت أدري بهم‏,‏ وتجربتك الإعلامية تجعلك تعرف ماذا تريد منهم‏,‏ وطلب مني أن أحدد معهم الموعد الذي يناسبهم بالتنسيق مع مكتب الرئيس‏,‏ ولم أكن أدري ونحن نستعد لتصوير الفيلم في أغسطس‏73‏ أننا كنا علي مسافة حوالي شهرين من ساعة الصفر في حرب اكتوبر‏.‏
‏*‏ هل كانت هناك صعوبات لعمل هذا الفيلم؟
نعم كانت هناك صعوبات غير عادية‏,‏ ونحن نحاول أن نحدد موعدا نهائيا للتصوير‏,‏ الذي تم تأجيله لأكثر من مرة حتي كاد شوفيل وزوجته‏.‏ جانفييف أن يقررا إلغاء التصوير‏,‏ والعودة الي باريس‏,‏ لولا أنني تعاملت معهما بهدوء ومودة شجعتهما علي البقاء رغم الصعوبات الكثيرة التي واجهتنا‏.‏ وكانت سعادتي غير عادية‏,‏ حين تحدد أحد أيام الجمعة لبدء التصوير في استراحة الرئيس بالمعمورة‏,‏ وحين التقينا به‏,‏ بدأ الرجل وكأن لديه كل الوقت‏,‏ وأن لاشيء يشغله في هذا اليوم‏,‏ إلا تنفيذ مهمة التصوير‏,‏ واذكر أننا صاحبناه الي جزيرة الشاي في وسط البحر‏,‏ أمام استراحته‏,‏ والتقطنا له صورا نادرة كان من بينها لقطات له وهو يسبح في البحر‏,‏ وحوله حراسه‏,‏ الذين أذكر منهم حتاتة وزينهم‏.‏
‏*‏وماذا تم في جزيرة الشاي مع السادات؟
في جزيرة الشاي قضيت معه بعد انتهاء التصوير‏,‏ وقتا طويلا نتكلم في كل شيء من السياسة الخارجية الي السياسة الداخلية‏,‏ الي كل ما كان يهم الرئيس وقتها‏..‏ وتبين لي‏:‏ أن السادات كان إذا اعطي ثقته لأحد‏,‏ شجعه علي أن يطرح أمامه مايشاء عن موضوعات بكل صراحة واطمئنان‏,‏ ووجدت نفسي أقول له‏:‏ ياريت ياريس‏.‏ في اختياراتك للقادة والمسئولين أن يكونوا علي مستوي المرحلة التي ستواجهها مصر‏,‏ وفاجأني برده حين قال إن من يحكم مصر أيا كان فهو فرعون مصر‏,‏ وبالتالي فإن الفارق بينه‏,‏ وبين من يأتون بعده في الأهمية وترتيب المسئوليات كبير جدا‏,‏ وبالتالي فلا خشية ولاحظر من تعيين قادة ومسئولين من الأحجام الكبيرة التي نتحدث عنها‏,‏ وبالفعل أحسست بعدها أن الرجل كان يحيط نفسه برجال من ذوي الأحجام الكبيرة من أمثال د‏.‏ عزيز صدقي‏,‏ ود‏.‏ عبد العزيز حجازي والفريق كمال حسن علي وغيرهم كثيرون‏.‏
‏*‏ كيف تم تصوير فيلم الرئيس السادات في ميت أبو الكوم؟ وفي قصر رأس التين بالاسكندرية؟ وذكرياتك في هذا اليوم؟
في ميت أبو الكوم تم تصوير الرئيس وهو يصلي في مسجد القرية‏,‏ واذكر انني حضرت التصوير يومها وأنا ارتدي عباءة سوداء‏,‏ كنت قد فصلتها عند رجل عجوز من قدامي الترزية المتخصصين في طنطا‏,‏ وعندما رآني السادات بها داعبني قائلا‏:‏ إيه يا ابني العباية دي؟‏..‏ دي تفصيل عند بيركاردان واللا إيه؟
ثم صورنا السادات وهو في حديقة بيت ميت ابو الكوم مع بعض فلاحي القرية‏,‏ الذين كانوا قد جلسوا معه علي الأرض‏,‏ يتحدثون وهو يتحاور معهم في لغة بسيطة‏,‏ ومشهد اكثر بساطة‏,‏ ورغم أن فلاحي ميت ابو الكوم جميعا كانوا يعرفون السادات ولم يكن غريبا عليهم أن يجلسوا أو أن يتحاوروا معه‏..‏ ولكن عند التصوير‏,‏ بدا واضحا لنا أن الفلاحين لم يكونوا علي طبيعتهم‏,‏ لأنهم كانوا يحسون أنهم رغم كل شيء يجلسون في نهاية المطاف مع رئيس الدولة‏,‏ وليس مع السادات ابن القرية‏,‏ واحد افرادها وقد أحس السادات بذلك‏,‏ ولاحظه بسرعة‏.‏
‏*‏ ماذا كان تصرف السادات في هذا الموقف؟
هنا برزت قدرة السادات الإعلامية غير العادية حتي فن إخراج المشهد‏..‏ لقد شعر من ناحية أن الصورة لو خرجت علي هذا النحو‏,‏ الذي يبدو فيه الفلاحون علي غير طبيعتهم وتلقائيتهم فلن تكون كما ينبغي أن يراها الناس فإذا به يفاجئنا وهو يروي لهم قصة‏,‏ ويتبسط فيها ويقربهم إليه وهو يقول‏,‏ في لغة شدت الفلاحين الي أبعد الحدود‏,‏ أنا كنت الشهر الماضي ياأولاد عند الرجل الطيب كرايسكي رئيس النمسا‏,‏ وأعجبني نوع البقر النمساوي وأعجبت به اكثر عندما علمت بما يدره من خير كتير‏,‏ وطلبت منه أن يبعث لنا‏200‏ بقرة‏,‏ وإن شاء الله حيكون لكم نصيب‏,‏ وفعلا بدأت وجوههم تنفرج وتبدو عليها الدهشة والابتسامة‏,‏ وهم يتابعون موضوعا يهمهم‏,‏ ويعرفون أنهم سيكون لهم فيه نصيب‏,‏ هذا هو أنور السادات‏:‏ الخبير بشئون الاعلام فكرا وعملا وتنفيذا‏.‏
بالنسبة لتصوير الفيلم في قصر رأس التين بالاسكندرية حيث تم تصوير جزء من الفيلم هناك‏,‏ وتسلق الفنيون في صناعة الفيلم الي أعلي إحدي اشجار القصر العالية‏,‏ ليصوروا موكب الرئيس وهو في طريقه الي داخل القصر‏,‏ في مشهد مهيب لايمكن ان ينساه من يراه مع الحرس الجمهوري‏,‏ وهناك حكي السادات قصة خروج الملك فاروق من رأس التين عندما قامت ثورة يوليو عام‏1952.‏
وكان التصوير قد تم في ميت ابو الكوم بالجلباب البلدي والعباءة‏,‏ وفي جزيرة الشاي كان بالمايوه والشورت‏,‏ أما في رأس التين فكان علي الرئيس ان يرتدي بدلة زرقاء‏..‏ وسمحت لنفسي بان انصح الرئيس بان يرتدي قميصا لبنيا‏(‏ ازرق فاتح‏)‏ لان التجربة مع الكاميرا تقول إنه عندما تكون البشرة تميل الي السمرة فان اللون الابيض في القميص لايعطي نضارة الوجه المطلوبة‏,‏ ولم يناقشني الرئيس في ذلك‏,‏ ولكن عندما شاهد علي شاشة صغيرة تجربة ماقبل الطبع النهائي للفيلم‏,‏ عرف اهمية النصيحة‏,‏ وعبر عن سعادته قائلا‏:‏ الفرنساويون اساتذة في فن التليفزيون‏.‏
وبعدها كان الرئيس علي موعد مع عشاء رسمي وذهب اليه وهو يرتدي القميص اللبني‏,‏ وحاول نور فرغل المسئول في ديوان الرئاسة عن البروتوكول ان يشرح للرئيس بأدب ودبلوماسية أنهم في انتظار ان يسمح وقت الرئيس بتغيير القميص استعدادا للعشاء الرسمي وفاجأه الرئيس قائلا‏:‏ يابني أنا عارف إنه عشاء رسمي بس ده عشاء متصور‏.‏
وكانت هناك لقطات رائعة في استراحة القناطر الخيرية حول الشجرة الكبيرة والقديمة والتي قيل ان جمال عبدالناصر جلس تحتها يفكر في القرار التاريخي بتأميم قناة السويس‏1956,‏ ونفس الشجرة كانت هي مصدر إلهام للرئيس السادات قبل قرار حرب اكتوبر‏,‏ وكانت اللقطة الاخيرة في هذا الفيلم للرئيس وحده صامتا وراءه النيل الخالد‏.‏
‏*‏ هل الرئيس السادات تدخل بحذف اي مشاهد من الفيلم؟
ذهبت الي السادات في بيته بالجيزة بعد الانتهاء من تصوير الفيلم‏,‏ ومعي شوفيل مسئول انتاج الفيلم‏,‏ وقلت للرئيس هذا هو الفيلم أمامك‏,‏ وهذا هو مسئول الانتاج‏,‏ وهذا هو المقص نمارس به دور الرقيب وإذا بالرئيس يقول‏:‏ لقد قمتم بتجربة عظيمة وجديدة وهي ان معظم التعليقات علي الصور كانت من كلامي نفسه‏,‏ وقد أتي الوقت الذي ينبغي ان نفهم منه باننا حين نأتي لنخاطب الغرب‏,‏ فاننا يجب ان نخاطبه من منظوره هو‏,‏ وباللغة التي يفهمها‏,‏ وبالتالي فليست عندي اية ملاحظات‏,‏ ولن تلغي لقطة واحدة‏.‏
‏*‏ ماهي ردود فعل هذا الفيلم بعد توزيعه في اوروبا؟
كان الفيلم بعد ذلك علي توقيت غير عادي‏,‏ اذ اندلعت حرب اكتوبر بعد الانتهاء من تصويره بشهر واحد‏,‏ فانتشر امره وذاع صيته في الغرب‏,‏ بطريقة هائلة فتم توزيع الفيلم في‏45‏ بلدا علي مستوي العالم‏.‏
وفوجئت بعد توزيع الفيلم‏,‏ وتحقيقه لمستويات نجاح باهر في اوروبا وامريكا واستراليا وكندا‏,‏ وكنت وقتها قد تم تعييني مديرا للاعلام الخارجي برئاسة الجمهورية‏,‏ فوجئت بان هناك ردود فعل غاضبة وثائرة من عدد كبير من سفرائنا في الخارج الذين كانوا قد رأوا في بعض لقطات الفيلم البريئة‏,‏ اساءة الي مصر‏,‏ ودعاية ضدها‏.‏
‏*‏ ولماذا كان هناك ردود فعل غاضبة‏,‏ وثائرة للقطات الفيلم؟
لان هناك لقطات في الفيلم اغضبتهم وهي ان الطفلة الصغيرة البريئة التي تظهر في الفيلم وهو يعرض حياة الرئيس في ميت ابو الكوم‏,‏ هذه الطفلة سوف تجذب انظار الغرب بعينيها السوداويتين اللتين تذكرهما بأجدادنا الفراعنة من حيث شكل العين ولونها‏.‏ ولكن من وجهة نظر السفراء الذين احتجوا وقتها فان الذبابة التي قد تظهر في الصورة‏,‏ وهي واقفة علي رأس الطفلة‏,‏ سوف تشد اكثر أنظار المشاهد الشرقي والغربي ونفس الشئ حين يظهر في الفيلم طفل صغير‏,‏ وهو يستحم عاريا في الترعة‏.‏
وبالطبع فان السفراء الذين تربوا في جامعات اكسفورد وكامبريدج‏,‏ والسوربون‏,‏ إنما كانوا يحلمون بالصورة التليفزيونية الامثل لمصر‏,‏ وكانوا يحلمون بشارع العروبة في نظافته‏,‏ وبنادي الجزيرة في فخامته‏.‏
ولكن وعلي مستوي آخر‏,‏ كان هناك نوع من التنافس المفهوم بين اعلام الدولة التقليدي‏,‏ وبين هذا الاعلام الجديد الذي شاء الرئيس السادات ان ينشئه خصيصا لحرب اكتوبر‏,‏ مع السفير اشرف غربال المستشار الاعلامي للرئيس وقتها‏,‏ ومع شخصي باعتباري مديرا للاعلام الخارجي برئاسة الجمهورية‏.‏
وكان تقرير الاعلام الرسمي عن احداث الفيلم سلبيا للغاية وفوجئت عند عودتي إلي مصر بعدها وأنا اصلي في جامع السيدة نفيسة برجل يقترب مني‏,‏ ولم يكن متسولا ولا طالبا للحاجة‏,‏ وانما فاجأني وهو يشد سترتي نحوه ويقول لي‏:‏ أرادوا بك شرا‏,‏ ولكن الله هو خير الحافظين‏.‏
وأما المفاجأة الحقيقية فكانت عندما توجهت بعدها مباشرة إلي استراحة الرئيس في القناطر الخيرية‏,‏ بصحبة السفير أشرف غربال‏,‏ للقاء الرئيس السادات‏,‏ وإذ بالرئيس يخاطب أشرف غربال‏,‏ وهو يشير نحوي‏,‏ ويقول‏:‏ كانوا عايزين يذبحوه يا أشرف علشان موضوع الفيلم التليفزيوني‏..‏ ولم أتابع باقي كلمات الرئيس ذلك أن ذهني قد شرد بعيدا‏,‏ وسريعا لأتذكر الرجل الذي قابلته منذ قليل في السيدة نفيسة‏.‏
‏*‏ وما أثر ذلك علي السفير أشرف غربال؟
أثر ذلك عليه أنه أحس بالقلق‏,‏ وهو يستمع إلي كلام الرئيس السادات عن غضب‏,‏ وعدم ارتياح واحتجاج سفرائنا في الخارج علي الفيلم‏,‏ وكذلك عن رأي الاعلام المصري‏,‏ وبادر السفير غربال بذكاء ودبلوماسية‏,‏ فقال للرئيس‏:‏ من الطبيعي ياريس في هذه المرحلة التي نجتازها‏,‏ أن نقيم كل تجربة نمر بها‏,‏ وأن نصحح السلبي منها‏,‏ وكانت المفاجأة الكبري‏,‏ حين أكمل الرئيس كلامه وهو يقلب علي الوش الثاني ويقول‏:‏ دول متخلفين يا أشرف‏,‏ ماذا يطلبون مني حين اصور القرية المصرية هل اغطيها بملاية‏,‏ هل يفهم هؤلاء الناس أن ما يهم في الصورة هو التعليق الذي يقال عنها؟‏!‏
وخرجنا من عند الرئيس‏,‏ وأنا اقول بيني وبين نفسي لقد أنقذ علي السمان من التهلكة‏,‏ بفضل النظرة المتقدمة للرئيس السادات‏,‏ وبفضل فهمه العميق للاعلام وهو فهم سبق الرجل به عصره؟
‏*‏ كيف تم تعيينك مديرا للاعلام الخارجي برئاسة الجمهورية؟
أستدعيت يوما للقاء الرئيس السادات‏,‏ في حضور السفير أشرف غربال‏,‏ وكان ذلك في قصر القبة‏,‏ واعتقدت للوهلة الأولي أن اللقاء إنما هو للكلام حول موقف اوروبا من مصر وعن الصراع العربي الإفريقي‏,‏ وإذا بالرئيس السادات ينطق بأمر جمهوري شفهي ويقول‏:‏ من الآن فصاعدا سوف تتبع رئاسة الجمهورية‏,‏ لتتولي مسئولية الاعلام الخارجي فيها‏,‏ والمهمة التي أريدك لها هي العمل علي اعداد نماذج جديدة للتعبير الاعلامي‏,‏ بالذات في الاذاعة والتليفريون بحيث نتكلم لغة واحدة في الداخل والخارج‏.‏
ثم أضاف السادات‏:‏ وبالمناسبة‏,‏ سوف يكون موقعك الجديد في رئاسة الجمهورية بجانب موقعك الصحفي في باريس‏,‏ وأضاف الرئيس قائلا‏:‏ في المعركة القادمة أريد أن يكون الاعلام علي مستوي المعركة‏,‏ بمعني أنني أريد اسلوبا جديدا في اعلامنا‏,‏ ولم يضف الرئيس أي تفاصيل فيما يتصل بوضعي داخل رئاسة الجمهورية؟
‏*‏ ماهي حقيقة الخلاف بينك وبين السفير حافظ إسماعيل الذي كان في ذلك الوقت أي اثناء قرار حرب أكتوبر رئيسا لديوان رئيس الجمهورية ؟
موضوع طرد الخبراء الروس في يوليو‏72‏ قبل حرب اكتوبر‏...‏ فقد كان هذا الموضوع هو موضع الخلاف الفكري الوحيد بيني وبين السفير حافظ اسماعيل‏,‏ الذي كان في ذلك الوقت مستشارا للرئيس لشئون الأمن القومي ورئيسا لديوان رئيس الجمهورية‏,‏ وأذكر أنني عندما تلقيت الدعوة وقتها لحضور اجتماع اللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكي‏,‏ وهو اجتماع قيل أن الرئيس السادات سوف يعلن خلاله قرارا مهما‏.‏ وذهبت إلي الاجتماع ولاحظت أن السادات لم يلجأ إلي أي تعبير مرن فقد تعمد استعمال تعبير طرد الخبراء الروس وهو يعلن القرار‏,‏ ويحتمل أن ذلك كان جزءا من اسلوب كان يفضله في السياسة بصفة عامة‏,‏ وهو اسلوب الصدمة الكهربائية‏.‏
وعندما خرجنا جميعا بعد أن استمعنا الي القرار المفاجيء ووجدت نفسي وجها لوجه مع العملاق حافظ اسماعيل ورأيت وجهه متجهما‏,‏ رغم أنه كان يعلم القرار قبلها‏,‏ وكان الموضوع قد طرحه الرئيس السادات أمامه‏,‏ ومن ناحيته وجد هو علي وجهي ارتياحا شديدا فقال لي‏:‏ يبدو أن ردود فعلنا مختلفة‏.‏
وذهبنا إلي غداء في بيت السفير حافظ اسماعيل كما عودني في الماضي في باريس حينما كان سفيرا هناك‏,‏ ثم عندما عاد إلي القاهرة مستشارا للرئيس ورئيسا للديوان‏,‏ وتعمدت أن أسمع منه أولا لماذا لم يشعر بالارتياح للقرار‏,‏ وقال لي ان أول وأكبر شيء يهمني هو استمرار وصول الأسلحة اللازمة للمعركة من الاتحاد السوفيتي‏,‏ وأنا اعلم أن القدر الباقي واللازم هام لتحقيق النصر‏,‏ فضلا عن أهمية عدم الخلل بالتوازن في ميزان القوي بين امريكا والاتحاد السوفيتي‏,‏ ثم فاجأت السفير حافظ اسماعيل‏:‏ وانا اقول له‏,‏ وبصراحة لماذا شعرت بالارتياح الي قرار السادات بطرد الخبراء الروس إذ ان الرئيس السادات بهذا القرار‏,‏ قد أعلن تمصير قرار الحرب‏.‏
‏*‏ وما معني هذا التمصير؟
اي انه جعله قرارا مصريا خالصا‏,‏ لأن قرار الحرب‏,‏ لو صدر في ظل وجود عال للخبراء السوفيت في مصر‏,‏ وبعد تشاور معهم فإن القوي الخارجية وعلي رأسها الولايات المتحدة الأمريكية‏,‏ ستعتبر هذه المعركة جزءا من الحرب الباردة التي يقف علي طرفي المواجهة فيها الكتلة الشرقية بقيادة الاتحاد السوفيتي من ناحية‏,‏ والكتلة الغربية‏,‏ بزعامة امريكا من ناحية أخري‏..‏ وعندها لن يسمح الأمريكان بأن تنتصر روسيا في هذه المعركة ولن يسمح الامريكان لنا ان نتقدم أبدا‏.‏
‏*‏ لماذا قالوا إن في هذه المرحلة كان يتصرف ويتعامل السادات بكل دهاء؟
لأن بعد هذا القرار‏,‏ وقع السادات بدهائه اتفاقية تعاون وتحالف مع الاتحاد السوفيتي وبعث اليهم‏,‏ في موسكو‏,‏ برئيس وزراء مصر وقتها الدكتور عزيز صدقي‏,‏ الذي كان السوفيت قد اعتادوا علي التعامل معه بقدر كبير من التقدير والاحترام والثقة‏.‏
وكان دهاء السادات في أنه بعث اليهم بالدكتور صدقي ليتفاوض معهم ليس فقط علي الأسلحة المطلوبة‏,‏ وانما فاجأهم بأن طلب سلاحا جديدا متميزا‏,‏ وكان ذلك مفاجأة لهم‏,‏ خاصة بعد طرد الخبراء الروس من مصر‏,‏ وعقدت القيادة السوفيتية اجتماعا طارئا لدراسة مطالب السادات وكان نصرا كبيرا لمصر ولجيشها وللدكتور صدقي‏,‏ أن يرد الاتحاد السوفيتي علي مطالبنا بالإيجاب‏.‏
وإلي هنا انتهي الدكتور علي السمان‏,‏ من شهادته علي صفحة مهمة في تاريخ مصر‏.‏


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.