من الذاكرة.. أحيانا أعود بالذاكرة لأعيش لحظات أجدها محفورة فى ذهنى عندما أستدعيها أجدها أمامى بالضبط كما تمت أو وقعت. المهم أن ما أتذكره لا يقلقنى ولا يزعجنى ولكن على العكس يجلب لى بعض الابتسامة التى لا أحظى بها كثيرا. منذ أعوام عدة وكانت مهمتى أو عملى فى الصحافة وفى الصفحة الأخيرة بالذات هى متابعة أخبار الفنانين والفنانات؛ لأقدمها للقارئ كما تمت بالضبط بمعنى ما أحصل عليه من أخبار أقدمه كما هى للقارئ. قبل سبعينيات القرن الماضى كان الفنان القدير عن حق صلاح منصور قد مرض واضطرت الأسرة إلى الانتقال به إلى المستشفى وأذكر وقتها أنه كان مستشفى العجوزة. طرقت باب غرفته لتفتح لى زوجته التى كانت ترافقه شارحة لى ما ألم به وأنه أحيانا يغيب عن الوعى ولو للحظات ثم يفيق مرة أخري. لم تقل الزوجة الوفية بالضبط ما هو مرض زوجها ومن جانبى لم يكن من مهمتى أن أثقل على القارئ بمدى ما يعانيه والمرض الذى ألم به وجعله بالنسبة لى يبدو كشخص آخر غير ذلك العملاق الذى قد يذكره الكثيرون فى فيلمه «الزوجة الثانية» الذى لايزال من أهم وأكثر الأعمال الفنية كثافة فى المشاهدة وحتى الآن. الفيلم كان يقدمه كعمدة لإحدى القرى وكان يتحكم فيها بكل قوة بل وبكل قسوة. هذا العمدة الذى يملك الكثير وينفق القليل اضطر إلى الزواج للمرة الثانية من فلاحة جميلة وبسيطة هى سعاد حسني.. من هنا بدأت مشاكله الجسمانية وأيضا النفسية خاصة والزوجة الأولى تثير كل المتاعب له. كما أن الزوجة الثانية تثير ما يفقده عقله بعد إصابته بالجلطة والشلل ثم الموت. ذهبت لأشاهده وأقوم أيضا بتصويره ومع بعض كلماتى له كان وقتها لا يرد على ولكن كان كمن يستعيد جملا من مسرحيات أو أفلام لا أدري. انتهت الزيارة وقبل خروجى من الحجرة طلبت منى زوجته طلباً وهو ألا أكسفها وأقبل هديتها!! وبالطبع كانت هذه الهدية هى أول هدية تقدم لى خلال عملى الصحفي. اعتذرت لها ولكنها أصرت كى أقدم لها خدمة وهى أن أطالب المستشفى والأطباء المعالجين له بالاهتمام به حتى يشفي. اعتذرت مرة أخرى وقلت لها هذا جزء من واجبى تجاه فنان كبير فلا تقلقى سأطلب من كل المحيطين به منتهى الاهتمام به ومراعاة حالته. لكن هذه الهدية لا أقبلها حتى أقوم بالفعل بأن أوصى كل المتعاملين معه بأن «يأخذوا بالهم منه» كما ذكرت لي. بعد خروجى من المستشفى تذكرت هذه الواقعة التى هى بالفعل هدية ولو أننى لم أقبلها بالطبع ليس لقلة قيمتها البالغة 10 جنيهات ولكن هذا هو سلوك الصحفى عموما. ولكنها كانت مصدر ابتسامة لى وللزميل إميل كرم المصور الراحل الذى لازمنى فى هذه الواقعة.