يعرف أبناء جيلى أن التحول الوجدانى والذهنى الذى حدث فى مصر منذ منتصف السبعينيات قد ألحق بوطننا خسائر وأضرارا طالت مختلف أوجه الحياة. فقد غزت شاشات التليفزيون واحتلت موجات الأثير مفاهيم غريبة لم يكن أقلها خطورة محاولات تنفيذ أكثر المخططات عداء وأعنى به تنفيذ المخطط البريطانى القديم فرق تسد، ووصل الأمر الى أن الجهر بتكفير ابناء مصر الاقباط واعتبار قتلهم واجبا شرعيا، وهو أمر يدق ناقوس الخطر المرعب، واستمر أصحاب هذا الخطاب ينفثون سمومهم عبر كافة وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعى والذى تجلى فى جرائم مفزعة منها حرق دور العبادة المسيحية.. وقد سقت هذا المثال تحديدا لأنه فى رأيى أكثر ما يؤكد غياب دولة القانون وتراجعها المهين إزاء دعاوى الفتنة وتفتيت الوطن. وقد واكب هذا الميراث الثقيل الوطأة انتشار مفاهيم ذات أهداف تخريبية،مثل إلقاء مسئولية تبعات او نتائج كارثية للأداء البشرى،على الإرادة الإلهية! فأنت لا يحق لك محاسبة السائق المتسبب فى قتل مواطن أو أكثر لأن هذا هو قدر الضحية! وكأنك عندما تطالب بمحاسبة الخطأ الناجم عن الاستهتار او الاهمال او الفساد فأنت تعترض على إرادة الخالق عز وجل أو على أحسن تقدير على ما هو مكتوب للضحية. فوضى المرور وعدم الالتزام بأى من قواعد المرور والسلامة تستفحل بدعوى ربنا يستر واللى مكتوب مكتوب..وقد هالنى أن شاهدت فيديو على وسائط التواصل الاجتماعى يؤكد فيه أحد الشيوخ أنك يمكن أن تقتل وأن تزنى وأن تسرق، لكن ما دمت تصلى فأنت ذاهب الى الجنة..هل هناك تزييف للوعى وتخريب لهيبة الدولة أكثر من هذا الكلام اللامسئول والمحرض على الفسق وارتكاب الجرائم، حيث ان القتل والسرقة والزنا من المحرمات فى جميع الديانات السماوية.. حتى الرشوة التى تفشت كالسرطان فى مصر وجدت من يبررها تحت مقولة ان الضرورات تبيح المحظورات.. والقائمة طويلة وتحتاج مئات وربما آلاف الصفحات ولكنى، مثلى مثل ملايين المصريين، أتوقف اليوم امام حادث محطة مصر المحزن والذى راح ضحيته عشرات الضحايا، ولا يزال التحقيق مستمرا أثناء كتابة هذه السطور.. وبعيدا عن ملابسات تفشى الشماتة والأكاذيب من جانب الجماعات الارهابية والناطقين باسمها فى تركيا وقطر، فإنى أتساءل: هل كان بوسع الجماعة الإرهابية ترويج هذا الكم من الأكاذيب وادعاء السيطرة على البسطاء لو كان لدينا وزير إعلام؟ وبعيدا عن التنظيرات وادعاء أن وزير الاعلام منصب فى الدول الشمولية فقط فإننى أستطيع أن اؤكد انه لو كان لدينا وزير اعلام لسارع فور وقوع الحادث الأليم واخطر به كافة وسائل الاعلام ومن ثم نكون قد قطعنا الطريق على الاعداء الذين نسجوا اكاذيب وادعوا بطولات فى غياب المعلومات من المنبع.. لماذا تركنا الجماهير فريسة السبق الإعلامى للأعداء الخونة وهو ما يستقطب الكثيرين منهم بفكرة أنهم عالمون ببواطن الامور.. إن المرء ليندهش أن يكون لدينا رئيس يصل الليل بالنهار لبناء مصر المستقبل ولا يكاد اعلامنا يشير الى الانجازات التى تتحقق يوميا إلا فى لحظات عابرة وسط ركام من التفاهات التى تضيف الى رصيد الاحباط.. لماذا لم يخرج علينا نجوم إعلامنا للتنبيه الى نتائج قمة شرم الشيخ العربية الأوروبية وصورة مصر الرائعة فى وسائل الاعلام العالمية والربط بينها وبين السعار الوحشى الذى ازدادت حدته لدى الجماعة الإرهابية؟..تساؤلات عديدة تنتظر الاجابة بصدق، لأننا لم نعد نحتاج الى الكذب، بل فقط من يفهم الرسالة الاعلامية وواجبها نحو الوطن، والذى ستتأكد مكانته بإعمال القانون والقانون فقط، للقضاء على كل الآفات وأبرزها الإهمال والفساد والخطاب،الذى يوصف بالدينى وهو أبعد ما يكون عن صحيح الدين. لمزيد من مقالات فريدة الشوباشى