مع زيارة وزير الخارجية الأمريكى مايك بومبيو إلى مصر فى 10 يناير عدت بذاكرتى إلى الوراء عشرة أعوام بالتحديد إلى 2009، عندما زار الرئيس الأمريكى الأسبق باراك أوباما القاهرة وتحدث إلى مسلمى العالم من منبر جامعة القاهرة. تحدث أوباما آنذاك بطلاقة أسرت كل من استمع إليه لحسن إلقائه وتوازن رسالته وأسلوبه المتواضع، وما اعتبرناه آنذاك نية صادقة فى تحويل مسار العلاقات بين المجتمعين، حيث قال: «لقد جئت إلى هنا ساعيا لبداية جديدة بين الولاياتالمتحدة ومسلمى العالم، بداية أساسها المصلحة والاحترام المتبادل». وأملت خيرا وليتنى ما أملت خيرا. إن الرئيس بوش هو من أقدم على غزو العراق ولكن دور الرئيس أوباما قد يراه التاريخ على أنه الأسوأ. فى 2011 سحب أوباما معظم القوات القتالية الأمريكية من العراق تاركا وراءها ملعبا فارغا لداعش وغيره من الجهاديين لتمتد داعش من هناك. أما سوريا فقد نالت نفس المعاملة إن لم تكن أشرس، حيث تبنى الرئيس أوباما أسلوبا متباطئا واعتنق فكرة محاربة داعش بحرب طويلة الأمد. لم ينتج عن ذلك أى فائدة، بل تدخلت بلاد أخرى كثيرة وتمركز داعش بشدة، ونجم عن هذا 400 ألف قتيل وأكبر كارثة لاجئين فى العالم. أما الكارثة الثالثة فكانت فى ليبيا. فالتدخل فى ليبيا وإسقاط الرئيس القذافى ترك البلاد فى الفراغ نفسه الذى تركت فيه العراق، وأصبحتت الأسلحة والذخائر موجوده بكثرة شديدة وملأ داعش وتوابعه الفراغ فورا، وبينما كانت ليبيا فى يوم من الأيام أغنى بلد إفريقي، أصبح اليوم مستنقعا للمجاهدين ومقسما يمينا ويسارا. وماذا عن دور الرئيس أوباما تجاه مصر؟ لقد قال الرئيس أوباما إبان نهاية حكم الرئيس مبارك: يجب أن يكون الانتقال منظما وسلميا، ويجب أن يبدأ الآن فورا، ثم وقف أوباما مع الرئيس مرسى ولم يقف أبدا مع الرئيس السيسي، وكعقاب واضح ل 30 يونيو أوقف صفقة الطائرات المقاتلة وألغى التمارين العسكرية المشتركة، وأوقف المعونة العسكرية حتى ولو جزئيا. الخلاصة.. فشل أوباما فشلا ذريعا بعد أن خدعنا بخطابه السلمى من القاهرة. كنت أكن لزيارة بومبيو آمالا مماثلة لآمالى الأولية فى زيارة الرئيس أوباما، حتى وإن باءت بالفشل بعد ذلك فهل ستحقق زيارة بومبيو هذه الآمال؟ تكلم بومبيو بزهو عما قدمته وتقدمه الولاياتالمتحدة إلى الشرق الأوسط قائلا: «إن أمريكا هى قوه للخير فى الشرق الأوسط، وإذا لم يدرك الشرق الأوسط هذه الحقيقة فسوف نتخذ قرارات سيئة الآن وفى المستقبل»، وأرى فى هذه الجملة بعضا من التهديد والتحدى وبعضا من غير المصداقية، لأن الولاياتالمتحده إذا أعطت لا تعطى هباء، وإنما تعطى لتأخذ. وانتقد بومبيو الرئيس أوباما بشدة وألقى عليه اللوم الأكبر فيما حدث لعالمنا العربي، وإنى إذ أوافقه على هذا الرأي, أندهش جدا لمقولته التالية: «تذكروا: لقد وقف أمامكم فى هذه المدينة بالذات قبلى أمريكى آخر، وأخبركم أن الإرهاب الإسلامى المتطرف لا ينبع من أيديولوجية. وأخبركم أن 11 سبتمبر قد قاد بلدى للتخلى عن مُثلها العليا، ولاسيما فى الشرق الأوسط. وقال لكم إن الولاياتالمتحدة والعالم الإسلامى احتاجا إلى بداية جديدة» ولكن نتائج هذه التقديرات الخاطئة كانت سيئة للغاية. أولا إن التطرف لا ينبع من أيديولوجية الإسلام يا سيدى الوزير وإنما من أفراد يتسترون وراء الإسلام. ثانيا المثل المصرى يقول «الضرب فى الميت حرام» فها أنت تذم أوباما، حتى وإن كان أوباما لا يستطيع الإجابة أو الدفاع، والأمر الثالث والأهم أن المفترض أن تُكنّ لرئيس دولتك السابق بعض الاحترام. لقد تكلم بومبيو كثيرا، ولكنه أعطى إيران والنظام الإيرانى التركيز الأكبر لكونهما الأخطر على العالم على حد قوله، كما أنه لم يعطِ المشكلة الفلسطينية أى تركيز. فإن بومبيو يرى إسرائيل بمثابة المظلومة ومن حقها الدفاع عن نفسها ضد المغامرة والعدوانية للنظام الإيراني، وبينما تكلم أوباما كثيرا عن المشكلة الفلسطينية كرّس مومبيو جملة واحدة لا أكثر ولا أقل لحق الفلسطينيين، قائلا: ستواصل إدارة ترامب الضغط من أجل التوصل إلى سلام حقيقى ودائم بين إسرائيل والفلسطينيين. أين هو هذا الضغط بعد أن وفّى ترامب بوعوده لإسرائيل، لقد التزمنا بكلمتنا.. قام الرئيس ترامب بحملة على الوعد بالاعتراف بالقدس كمقر للحكومة الإسرائيلية كعاصمة للبلاد. وفى شهر مايو قمنا بنقل سفارتنا هناك، أشك فى حدوث تغيير فى تعامل الولاياتالمتحدة مع العالم العربي، فلقد جاء بومبيو لينذرنا بما قد يحدث إذا لم نحتذِ بأمور الرئيس الحالي، وها أنا أقول للأسف «اسخم من ستى إلا سيدي». أوباما بومبيو يتحدثان بطرق مختلفة، ولكن هدفهما الخفى هو تحطيم دول الشرق الأوسط لمصلحة إسرائيل ولهيمنة الولاياتالمتحدة على المنطقة. لمزيد من مقالات د. عزة رضوان صدقى