ما إن ينطلق مدفع إفطار اليوم الأخير من رمضان، حتى يهلل الصائمون فرحا أن بلغهم الله رمضان وأعانهم علي صيامه، داعين الله عز وجل أن يتقبل منهم ويبلغهم رمضانات عديدة.. وفي الوقت نفسه تجد البعض يفرح لانتهاء شهر الصيام والعودة إلي الطعام والشراب دون قيود ..ولا يكترث بأفعاله بعد ذلك، وكأنما بوداعه رمضان يودع حرصه علي الطاعات، فربما وجدته لا يصلي عشاء اليوم الأخير من رمضان، ويعود سريعا إلي المقاهي وتضييع الوقت علي ما لا فائدة منه. هل هكذا يودع المسلم رمضان، يتحول فجأة من الطاعة إلي المعصية، ومن الالتزام والنظام إلي الانفلات والفوضي. وكأن رمضان بالنسبة لهذا الصنف الأخير ضيف ثقيل ينتظر متي يرحل ويغادر. الدكتور ناصر محمود وهدان الأستاذ بجامعة العريش يوضح أن علامات قبول العمل الديمومة علي الطاعة والانتقال من طاعة إلي طاعة، فالذي صام رمضان طمعا في رحمة الله ورجاء في عفوه، لا يعبأ انتهي الشهر أم لا، بل تراه يترقب قدوم شوال ليواصل صيام ستة أيام منه ليحظي بالأجر وموعود الله عز وجل الذي أخبر به الحبيب صلي الله عليه وسلم “مَن صام رمضان ثم أتبَعَه ستًّا من شوَّال، كان كصيام الدهر”. أما أولئك الذين يستأنفون التقصير بعد رمضان فهؤلاء ما استفادوا من رمضان حق الاستفادة لأن رمضان شهر في العام جاء ليهذبنا باقي العام وإذا كان حالنا هو التقصير منذ أول يوم لانتهاء رمضان فماذا سيكون حالنا باقي العام! إن الصيام مدرسة تربوية وتقويمية وتهذيبية للنفس، لحملها علي الطاعة والاستقامة ليس في رمضان فحسب، بل طوال العام. ولا ينبغي لمسلم صام وقام وأجهد نفسه بالامتناع عن الطعام والشراب والشهوة وعطر فمه بذكر الله، لا ينبغي له أن يضيع ذلك لعرض زائل ومقابل بخس يصب في ميزان سيئاته يوم القيامة. فالمسلم الحق يودع رمضان ويستقبل العيد بتطبيق عملي لما غرسه فيه الصيام من التزام الطاعة وصلاة الجماعة، وامتثال أوامر الله في كل شيء، فالعيد مكافأة ونعمة من الله، ومن واجب شكر الله علي نعمه أن نحتفل بتلك النعم وفق شرع الله عز وجل وليس بما يخالف منهجه. مكافأة للطائع ويستهل الشيخ عبد الحميد الأطرش، رئيس لجنة الفتوى بالأزهر سابقا، حديثه بالإشارة إلي حديث النبي صلي الله عليه وسلم:” للصائم فرحتان،عند فطره وعند لقاء ربه”، فالصائم حينما يفرغ من صيام رمضان يكون ذلك يوم عيد وفرح وسرور، لذلك كانت حكمة الله عز وجل أن يعقب رمضان عيد، وهو عيد الفطر، فالعيد مكافأة للطائع علي طاعته، والأعياد مسرة للصغير والكبير، وفرحة للغني والفقير، وهذه الفرحة تكون في أسلوب ديني لا يخدش الإسلام، لأن اللهو واللعب مباح في الإسلام، لكن بشروط ألا يكون في معصية أو ما يغضب الله عز وجل أو يؤذي خلقه. والمسلم الذي صام رمضان وامتنع عن الحرام، بل وعن بعض الحلال طوال شهر الصيام، حري به أن تؤثر فيه تلك العبادة ويمتد فيه أثرها إلي ما بعد رمضان، وإذا كان قد أحسن العبادة في رمضان، فإنه لا يرضي لنفسه الانزلاق إلي معصية عقب الصيام مباشرة، فبعد الصيام والقيام والذكر والدعاء، تتعالي صيحات الغناء والرقص الماجن وسرادقات الأفراح وشرب المنكرات والاختلاط بين الشباب والفتيات، فضلا عن الضوضاء والصخب ومكبرات الصوت التي تزعج الجميع حتي الفجر، ولا عزاء للصلاة..أهؤلاء هم الذين كانوا صائمين بالأمس؟! من المظاهر السلبية أيضا هجر المساجد في رمضان، وكأن المساجد تتساءل: أين الصائمون.. أين عباد الله الذين كانوا يتزاحمون بالأمس وينتظرون صلاة الجماعة ويفترشون الطرقات في صلاة القيام..أين الشباب.. أين الأطفال..بل أين الشيوخ!! وكأن الأعياد جاءت للتحلل من الطاعات واستئناف المعاصي والبعد عن الله، رغم أنها أي الأعياد شرعت مكافأة من الله للطائعين، والطائعون لا يقابلون المكافأة بمعصية، بل يقابلونها بمزيد من الشكر والطاعة.