يتفق فقهاء القانون الدستوري والنظم السياسية علي أنه يشترط للاعتراف بالدولة, توافر ثلاثة عناصر هي إقليم وشعب وسلطة سياسية, وتتكون سلطات الدولة من سلطات ثلاث هي السلطة التشريعية والسلطة القضائية, والسلطة التنفيذية. ويحكم عمل هذه السلطات مبدأ الفصل بين السلطات الذي هو مبدأ سياسي في الاعتبار الأول, ويرجع أصوله إلي فلاسفة الإغريق من بينهم أفلاطون وأرسطو, ثم تلقفه الفقيه الفرنسي مونتسكيو والذي صاغ ذلك المبدأ من خلال مؤلفه روح القوانين الصادر في عام 1744, ثم عرف هذا المبدأ التطبيق العملي من خلال تبني الثورتين الأمريكية والفرنسية له, ويقوم مبدأ الفصل بين السلطات, علي أساس عدم تركيز السلطات في يد سلطة واحدة, لأن النفس البشرية عادة ما تقع فريسة للأهواء, فتسيء استخدام السلطة, وتصبح خطرا علي الحقوق والحريات, وتتباين النظم السياسية فيما بينها في اعتناق درجة الفصل بين تلك السلطات. فنجد أن دولا بالنظام الرئاسي تميل إلي تبني الفصل المطلق والجامد بين تلك السلطات, أما دول النظام البرلماني فتعتنق الفصل المرن المقترن بروح التعاون, لخلق حالة من التوازن والتنسيق فيما بينها, في ظل وجود رقابة متبادلة لضمان ممارسة تلك السلطات لاختصاصاتها بقصد تحقيق الصالح العام, وفي ضوء إعمال مقتضيات مبدأ حسن النية في المعاملات, وبشأن العلاقات فيما بين سلطات الدولة عقب الثورات فيجب التأكيد في البداية أن الثورات هي أحداث استثنائية في حياة الأمم والشعوب, وتقوم بها الشعوب بقصد هدم نظم استبدادية, وإقامة نظم أخري أكثر ديمقراطية وعدالة تطبق آليات الحكم الرشيد من خلال تبني منظومة إصلاحية لكافة سلطات الدولة, علي أساس احترام حقوق الإنسان, فيما يعرف بنظام العدالة الانتقالية, الذي يقوم علي كشف الحقيقة, وجبر الضرر وتعويض الضحايا, وتطهير المؤسسات, وهناك عدة تجارب دولية في هذا المجال نشير لأهمها, وتأتي علي رأسها تجارب دول أوروبا الشرقية, وتجربة جنوب إفريقيا عقب انتهاء حقبة الفصل العنصري, حيث تمت هيكلة مؤسسات الدولة الرئيسية, وترك السلطة القضائية مهمة إعادة هيكلة نفسها من الداخل, ولا يفوتنا هنا أن نعرض للتجربة المغربية, حيث بادر الملك محمد بتقديم اعتذار للشعب المغربي عن الانتهاكات التي حدثت إبان عهد والده, الحسن الثاني, كما قام بتشكيل هيئة الانصاف والمصالحة في ضوء مبادئ العدالة الانتقالية, والتي خلقت حالة من الرضا العام داخل المجتمع المغربي, وأما بصدد محاولة تشخيص للحالة المصرية فنجد أن الدولة قد وقعت في عدة أخطاء جوهرية, كان لها دور في الحالة الراهنة التي تحياها مصر, سيما أنه لم يتم استلهام الخبرات والممارسات الدولية لهذه التجارب الدولية, ونسرد أهم تلك الأحداث علي النحو التالي: عدم البدء بوضع دستور جديد, يتوافق من كافة أطياف الشعب المصري, دستور يصاغ يليق بالثورة المصرية يضمن أهم المبادئ الخاصة بحماية حقوق الإنسان المنصوص عليها بالمواثيق والعهود الدولية, دستور يصاغ بعيدا عن نظام سياسي قائم خشية تأثير الأخير علي واضعيه, بل تم البدء بانتخابات برلمانية, بالمخالفة لكافة التجارب الدولية, التي مرت بمرحلة التحول الديمقراطي. هجوم السلطة التشريعية علي السلطة القضائية, عقب قيام المحكمة الدستورية بإصدارها الحكم حل مجلس الشعب السابق, بذريعة أن الحكم يحمل صيغة سياسية, رغم أن حكم المحكمة الدستورية جاء متفقا مع مسلكها في هذا الشأن, فضلا عن أن أحكامها تحظي بمكانة وقيمة دستورية وقانونية كبيرة علي مستوي القضاء الدستوري الدولي. الإعلان الصادر عن رئيس الجمهورية قد خلق حالة من الشك والريبة في مقاصد القرارات الصادرة عن مؤسسة الرئاسة, فضلا عن إسهامه في تزكية حالة التنازع بين السلطات. إقدام مجلس الشوري علي مناقشة قانون السلطة القضائية, وإن كان يخضع لنطاق صلاحياته, إلا أن حالة مجلس الشوري الآن هي حالة فريدة, ذلك أن الاختصاص الأصيل بسن التشريعات وفقا للدستور الحالي هو من اختصاص مجلس النواب, والذي لم يتم انتخابه حتي الآن, فضلا عن أن قانون السلطة القضائية من القوانين المكملة للدستور, والتي يجب أن تناقش من قبل مجلس النواب, ويمثل مقترح مؤسسة الرئاسة بعقد مؤتمر للعدالة يضم كافة الهيئات القضائية, خارطة طريق للأزمة الراهنة, وهو ما كنا نأمل أن يستغله مجلس الشوري لتخفيف حالة الاحتقان والتنازع بين سلطات الدولة. وختاما لابد من إعلاء الصالح العام في إطار من حسن النية والبعد عن التعصب, تحملا للمسئولية الوطنية التي أنيطت بهذه السلطات, خاصة في هذه المرحلة غير المسبوقة التي تمر بها الدولة, تلك المسئولية التي تسهم في استقرار الأوضاع القانونية للدولة, وتحقق طموح الشعب المصري في ظل ما يعانيه الآن من تناحر بين القوي السياسية, وانفلات في الأخلاق العامة, وهو ما ينذر بخطر يهدد الدولة ذاتها. لمزيد من مقالات د.مساعد عبدالعاطى شتيوى