أسامة كمال يهنئ مسيحيي مصر ب أسبوع الآلام.. ومتحدث الكنيسة يشرح طقوس الأيام المقبلة    أمين صندوق «الأطباء» يعلن تفاصيل جهود تطوير أندية النقابة (تفاصيل)    تصل ل 112 جنيهًا، زيادة في أسعار برسيل وبريل وأكسترا وجنرال وهذا موعد التطبيق    وزير الخارجية يُشارِك في اجتماع تشاوري عربي لبحث جهود وقف الحرب الإسرائيلية على غزة    خبير استراتيجي: الوصول لهدنة في غزة مشروط بالمرونة من إسرائيل وحماس    أحمد موسى عن اعتقالات الطلاب في أمريكا: فين حقوق الإنسان؟    الدوري الإنجليزي، أستون فيلا يضرب تشيلسي بثنائية في الشوط الأول    جدول امتحانات الثانوية الأزهرية (علمي وأدبي) (صور)    العثور على جثة طالبة بكلية العلوم في ترعة البوهية بالدقهلية    خبير نظم معلومات يعلن مفاجأة عن سبب وفاة طفل شبرا.. فيديو    "اشتغلت مديرة أعمالي لمدة 24 ساعة".. تامر حسني يتحدث عن تجربة ابنته تاليا    افتتاح المدينة الطبية بجامعة عين شمس 2025    80 شاحنة من المساعدات الإنسانية تعبر من رفح إلى فلسطين (فيديو)    ما هي مواعيد غلق المحال والكافيهات بعد تطبيق التوقيت الصيفي؟    صور.. إعلان نتائج مهرجان سيناء أولا لجامعات القناة    بالأسماء، تقنين دفعة جديدة لأراضي القادسية بالعبور الجديدة (صور)    تسليط الضوء على فرص ومخاطر بنية التعليم قبل الجامعي ب معهد التخطيط    سمير فرج: مصر خاضت 4 معارك لتحرير سيناء.. آخرها من عامين    غدا.. إعادة إجراءات محاكمة متهم في قضية "رشوة آثار إمبابة"    سمير فرج: طالب الأكاديمية العسكرية يدرس محاكاة كاملة للحرب    مهرجان مالمو للسينما العربية يعلن جوائز دورته الرابعة عشر    علي الحجار يزيح الستار عن مفاجأة حفل 100 سنة غنا في دار الأوبرا غدا    حبست زوجها وقدّمت تنازلات للفن وتصدرت التريند.. ما لا تعرفة عن ميار الببلاوي    دعاء يغفر الذنوب لو كانت كالجبال.. ردده الآن وافتح صفحة جديدة مع الله    «الحياة اليوم» يرصد حفل «حياة كريمة» لدعم الأسر الأولى بالرعاية في الغربية    رموز «الحوار الوطني» يتحدثون عن المبادرة الأهم بتاريخ مصر الحديث    أمل السيد.. حكاية مؤسِّسة أول مبادرة نسائية لتمكين المرأة البدوية في مطروح    الزمالك يتأهل لنهائي كأس مصر للرجال الطائرة    رمضان عبد المعز: على المسلم الانشغال بأمر الآخرة وليس بالدنيا فقط    توقعات عبير فؤاد لمباراة الزمالك ودريمز.. مفاجأة ل«زيزو» وتحذير ل«فتوح»    وكيل صحة الشرقية يتابع عمل اللجان بمستشفى صدر الزقازيق لاعتمادها بالتأمين الصحي    حكم الاحتفال بعيد شم النسيم.. الدكتور أحمد كريمة يوضح (فيديو)    طاقة نارية.. خبيرة أبراج تحذر أصحاب برج الأسد من هذا القرار    بالصور.. مجموعة لأبرز السيارات النادرة بمئوية نادى السيارات والرحلات المصري    ليفربول يُعوّض فينورد الهولندي 11 مليون يورو بعد اتفاقه مع المدرب الجديد    هيئة كبار العلماء بالسعودية: لا يجوز أداء الحج دون الحصول على تصريح    أنس جابر تواصل تألقها وتتأهل لثمن نهائي بطولة مدريد للتنس    عاجل.. وزير الخارجية الأميركي يتوجه إلى السعودية والأردن وإسرائيل مطلع الأسبوع    مصر ترفع رصيدها إلى 6 ميداليات بالبطولة الإفريقية للجودو بنهاية اليوم الثالث    النيابة تطلب تحريات إصابة سيدة إثر احتراق مسكنها في الإسكندرية    إنجازات الصحة| 402 مشروع قومي بالصعيد.. و8 مشروعات بشمال سيناء    "بيت الزكاة والصدقات" يستقبل تبرعات أردنية ب 12 شاحنة عملاقة ل "أغيثوا غزة"    بالتعاون مع فرقة مشروع ميم.. جسور يعرض مسرحية ارتجالية بعنوان "نُص نَص"    بلينكن في الصين.. ملفات شائكة تعكر صفو العلاقات بين واشنطن وبكين    بيريرا ينفي رفع قضية ضد محمود عاشور في المحكمة الرياضية    الكشف على 1670 حالة ضمن قافلة طبية لجامعة الزقازيق بقرية نبتيت    إطلاق أول سيارة صينية طائرة في عام 2024    مصر تواصل أعمال الجسر الجوي لإسقاط المساعدات بشمال غزة    النقض: إعدام شخصين والمؤبد ل4 آخرين بقضية «اللجان النوعية في المنوفية»    أهمية وفضل حسن الخلق في الإسلام: تعاليم وأنواع    بقوة 6.5 درجات.. زلزال يضرب سواحل اليابان    ضبط عاطل يُنقب عن الآثار في الزيتون    حصيلة تجارة أثار وعُملة.. إحباط محاولة غسل 35 مليون جنيه    الدلتا للسكر تناشد المزارعين بعدم حصاد البنجر دون إخطارها    وزيرة التضامن توجه تحية لمهرجان الإسكندرية للفيلم القصير بسبب برنامج المكفوفين    خالد بيبو: لست ناظر مدرسة «غرفة ملابس الأهلي محكومة لوحدها»    أبو الغيط: الإبادة في غزة ألقت عبئًا ثقيلًا على أوضاع العمال هناك    أستاذ «اقتصاديات الصحة»: مصر خالية من شلل الأطفال بفضل حملات التطعيمات المستمرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لا يزال المقص في جيبي
يوميات الأخبار

واضح إن نظرية الأواني المستطرقة هي السائدة في الوطن العربي. فهناك »خوف مزمن»‬ من التاريخ ووصاية ثقيلة علي عقول الناس.
يتخيل سكان الكوكب العربي أن الرقابة علي المطبوعات أو الأفلام السينمائية وظيفة إدارية يمكن أن يقوم بها كل من هبّ ودبّ، بشرط أن يُكثر من استخدام كلمة »‬يُمنع»، لذلك تحول الرقيب العربي إلي شرطي مرور في أغلب الدول العربية. وكانت لجان الرقابة السينمائية لدينا في العراق تضم ممثلين عن الاستخبارات العسكرية والأمن العام ووزارة الشباب ووزارة التعليم وممثلا عن وزارة الإعلام بحكم وظيفته، بينما المجلس الأعلي للرقابة في بريطانيا - مثلاً - لا يضم أحداً من هؤلاء، وإنما يضم دكتوراً في علم النفس وخبيراً في القانون وباحثاً اجتماعياً وناشطة سياسية، وفي أوقات الحروب يضاف إليهم جنرال عسكري له الكلمة الفصل في الأفلام الحربية والدعاية العسكرية فقط. ولأن اسم »‬المجلس الأعلي للرقابة» شديد الوطأة في الحياة السياسية والإجتماعية البريطانية، ويُذَكِرّ الناس بالأحكام العرفية والأنظمة الشمولية، فقد تم تغييره في عام 1985 إلي »‬المجلس البريطاني لتصنيف الأفلام» بعد أن تم تغيير مفهوم الرقابة من الحذف والمنع إلي تصنيف الأفلام حسب الفئات العمرية (للكبار فقط أو للبالغين أو لأكثر من 12 سنة).
التهاب ضرس العقل
حين توليتُ مسئولية مقرر إحدي لجان فحص ومراقبة الأفلام السينمائية العربية والأجنبية في العراق بين عامي 1975 و1989 اكتشفتُ أن العمل الرقابي العربي مسألة مزاج! ومع أني عَلَقتُ خلف مكتبي في الرقابة شعار »‬من راقب الناس مات هماً» فإني لم أمُتّ من الهمّ ولكني مِتّ من الضحك. فقد منع أحد الرقباء فيلماً هندياً عادياً شهيراً في عام 1977 عنوانه »‬أكيلا» من بطولة النجم أميتاب باتشان لأن الرقيب كان يتألم من التهاب ضرس العقل في ساعة الفحص، فقرر أن يشاركه المستورد تبعات ذلك الألم. وإلا فما معني الاشتراكية التي كنا نهتف لها ليل نهار إذا لم نكن نتشارك في الآلام والمجاعة والشوربة؟
وفي عام 1986 رفع رقباء آخرون سيف المنع أمام فيلم »‬حد السيف» المصري، من بطولة: محمود مرسي ونجوي فؤاد ويونس شلبي، لأن الفيلم كان يتحدث عن قيام أحد وكلاء الوزارات بالعمل بعد أوقات الدوام الرسمي عازفاً علي آلة القانون خلف الراقصة نجوي فؤاد في أحد الملاهي الليلية لتحسين دخله الشهري! وبرر الرقيب وجهة نظره في أن الفيلم يسخر من وكلاء الوزارات.
الخوف من التاريخ
قلتُ في أكثر من محاضرة في بغداد، وفي أكثر من مقال في صحف عربية، إننا نريد أو لا نريد، نعترف أو لا نعترف: نحن قوم نكره التاريخ. تستفزنا حكاياته وأحداثه وشخصياته. لدينا عقدة اسمها الخوف من التاريخ مع أنه ليس فيه ما يُخجلنا أو يجعلنا أمة شاذة بين الأمم.
كل الأقوام حاربت وانتصرت وإنكسرت، لكنها لم تنكر تاريخها ولا أغمضت عيونها عن الحقب السوداء والظلم والإستبداد والقهر والفقر والجهل والسخرة والعبيد. من الأصالة والشجاعة أن نَقرّ: هذا هو تاريخنا بقضه وقضيضه. التاريخ لا يُجري عمليات تجميل ولا ترشيق ولا تلوين ولا »‬مونتاج» ولا رقابة. نحبها أو نكرهها: هذه هي البضاعة.
ما الذي يحدث؟ كلما صدر كتاب فيه وجهة نظر تاريخية مختلفة عما نحفظه جيلاً بعد جيل، قامت القيامة. كلما عُرض فيلم سينمائي يتناول وقائع تمس تاريخنا، شهرنا أسلحتنا وأنيابنا وأظافرنا وصرخنا مع فيلسوف التاريخ العربي فهد بلان: حِنّا للسيف.. حِنّا لليل.. يا ويل يا ويل يا ويل! يريد السادة الرقباء العرب من السينمائيين الأجانب أن ينتجوا أفلامهم علي مقاساتنا وكتاتيبنا ونظاراتنا وأذواقنا ومَوّالاتنا ومقاماتنا ومخيمات لجوئنا وزنزانات سجوننا وتصريحات مسئولينا وفتاوي شيوخنا وحماس مذيعينا وويلات فهد بلاننا. ولكن لماذا ندفن رؤوسنا في الرمال ونشوه حرية الرأي والتعبير التي تنص عليها دساتيرنا ولا نسمح بأي رأي مخالف؟
دع عنك سفسطة »‬تشويه التاريخ والمغالطات» فهذه ستارة بالية ومستهلكة لم تعد تصلح للعصر، ولكنها تناسب موظفين متعصبين يهيمنون علي مكاتب الرقابة. أقول ذلك وأنا أعرف جيداً كيف تسير الأمور في بلدان الرأي الواحد الذي يُنَفَذّ ولا يُناقَش. وواضح إن نظرية الأواني المستطرقة هي السائدة في الوطن العربي. فهناك »‬خوف مزمن» من التاريخ ووصاية ثقيلة علي عقول الناس. إذا كانت هناك أخطاء فندوها، لكن لا تخفوها تحت السرير أو تغمضوا عيونكم وعيوننا حتي لا نري الرصيف الآخر.
في ذلك العصر والأوان
كان أول ظهور للرقابة علي الأفلام السينمائية في روسيا القيصرية عام 1908 ثم في السويد عام 1911 وبريطانيا عام 1912 وفرنسا عام 1916. وفي الولايات المتحدة تم تشريع أول قانون للرقابة علي الأفلام في عام 1915، إلا أن المحكمة الدستورية العليا تحفظت علي تعبير »‬الرقابة» وأعلنت أن أفلام تلك المرحلة كانت بسيطة لا تتضمن أي حوار يستدعي التدخل أو مشاهد يرفضها المجتمع. ومعظمها كانت أفلاماً قصيرة صامتة مصحوبة بالموسيقي وجمل مكتوبة في أسفل الشريط تشرح بعض المشاهد. إلا أن الرقابة بدأت عملياً في الولايات المتحدة قبل هذا التاريخ حين تم إعتبار فيلمين »‬جريئين» لأنهما صورا مالم يكن مسموحاً بعرضه في ذلك العصر والأوان علي الجمهور، فالأول صور قبلة بين رجل وامرأة، والثاني صور امرأة ترقص، فتم تشفير الفيلمين بخطوط بيضاء علي الشريطين.
لكن الأمر تطور إلي الأسوأ في عام 1907 حين مَنَحَت ولاية شيكاغو حق الرقابة علي الأفلام لثلاث جهات معاً وهي السلطات القضائية والأمنية والدينية. التي يمكن لكل منها أن تمنع أي فيلم يتجاوز ما كان يُعتبر »‬خطوطاً حمراء». وازداد الأمر سوءاً بعد ذلك في نيويورك وفي العام نفسه حين أصدر عمدة المدينة قراراً متزمتاً بالسماح لتيارات دينية متعصبة مثل »‬العصبة» و»اتحاد الطهارة» و»اتحاد الكنائس» بالمشاركة في رقابة الأفلام ومَنَحَها حق منع أي فيلم لا يناسب توجهاتها. وزاد الطين بلَه حين صدر في تلك الفترة حكم قضائي من المحكمة العليا ينص علي أن الأفلام »‬ليست محمية» وأنها »‬لا تخضع لقوانين حرية التعبير». ووصف السينمائيون آنذاك هذا الحكم بأنه »‬ضربة قاسية» لجميع المبدعين الذين حلموا بتقديم أفلام تصور الواقع بعيداً عن مقص الرقابة.
الزوج النائم في الإسطبل
في عام 1922 تأسست جمعية منتجي وموزعي الأفلام في الولايات المتحدة من أكبر ستة إستوديوهات في هوليوود، وأصدرت الجمعية ما عُرف في حينه ب »‬الوصايا العشر» للسينمائيين التي عاد بعضها بالمبدعين إلي العصور الوسطي في الغرب والجاهلية في الشرق.
ماهي هذه الوصايا؟ عدم استخدام الشتائم، ورفض المشاهد غير المحتشمة، ومنع لقطات تعاطي المخدرات، ومنع تصوير المشاهد المخلة بالآداب العامة، وحظر تصوير مشهد عبودية شخص أسود من قبل شخص أبيض، ورفض تصوير الأطفال الصغار أو حديثي الولادة عرايا، وممنوع ذكر أي عرق أو بلد آخر بأي شيء سلبي. كذلك منع إستخدام المسدسات، وتصوير إطلاق النار علي الناس، وإذا تم ذلك فلابد أن يكون بلا دماء! وأكثر من ذلك ممنوع مناقشة القضايا الوطنية بشكل سلبي. ثم أضيفت إلي هذه »‬الوصايا العشر» محظورات أخري تقضي بمنع تصوير مشاهد السرقة والانتحار، وحظر تصوير زوج ينام في نفس السرير مع زوجته، وهذا هو السر في أفلام الكاوبوي القديمة حين كانت الزوجة تنام في سريرها، والزوج ينام في إسطبل الخيول! وآخر هذه »‬البركات» يجب في الأفلام البوليسية أن يُعاقب المجرم في نهاية الأمر، وفي الأفلام العاطفية أن ينتهي الحب بالزواج.
إلا أن كل تلك الممنوعات ألغيت في الولايات المتحدة عام 1968 بعد أن تم اعتماد تصنيفات عمرية، كما فعلت بريطانيا، والتمييز بين الراشدين وغير الراشدين لمشاهدة الأفلام.
من الطبيعي أن تكون هناك فروق واضحة في المفاهيم الثقافية والإجتماعية، وحتي السياسية، بين دولة ديمقراطية جداً مثل بريطانيا ودولة قمعية جداً مثل إيران. لكن، كما قلت في بداية المقال، فأن الرقيب العربي يمكن أن يمنع فيلماً غنائياً هندياً بسبب ضرس العقل! وكان معنا في لجنة الرقابة جنرال »‬طيب القلب» يقول لعامل القاعة حين يظهر مشهد غير محتشم: ابني إقطع هذا المشهد السخيف، ولكن دعنا قبل ذلك نشاهده مرة أخري!
• صحفي عراقي مقيم بالقاهرة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.