أقام أتيليه القاهرة للفنانين والكتاب مؤخراً ندوة لمناقشة وتوقيع رواية «أساطير رجل الثلاثاء» للشاعر والروائى صبحى موسى، الصادرة عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، وشارك فيها كل من رئيس قسم المكتبات بجامعة حلوان الروائى الدكتور زين عبد الهادى، والشاعر فتحى عبد الله، والشاعر شعبان يوسف والشاعر والناقد الدكتور محمد السيد إسماعيل، وأدارها الشاعر والناقد عادل جلال الذى قال فى بداية تقديمه أننا أمام رواية صعبة ومهمة، تتعرض لتاريخ جماعات الإسلام السياسى القديمة والحديثة، مثلما تتعرض لتاريخ المنطقة العربية فى العصر الحديث، وما بها من صراعات على الحكم، وما نتج عن ذلك من أفكار متعددة ومتباينة فى ظل ظهور الجماعات الأصولية مع بداية القرن العشرين وحتى وصل الإسلام السياسى إلى سدة الحكم فى وقتنا الراهن، وكانت أعلى تجليات هذا الفكر الأصولى الراديكالى مع بزوغ نجم تنظيم القاعدة ودوره فى محاربة الروس ثم عودة عناصره إلى بلادهم كبذور للجماعات الراديكالية فى هذا البلدان، وهو ما كشف عنه زلزال الربيع العربى. وقال فتحى عبد الله، إن "أساطير رجل الثلاثاء"، بدءاً من تعدد الأماكن من مصر وفلسطين والسعودية وإيطاليا وفرنسا وأمريكا وإيران وتركيا وأفغانستان وباكستان، مررواً باليمن والسودان والجزائر والمغرب وموريتانيا وغيرها، ومن ثم فهى رواية تحتفى بالمكان الكوزموبولياتنى أو المتعدد العرقيات، فضلاً عن كون شخوصها جميعاً عابرى الجنسيات بدءاً من أبو سعيد الفلسطينى الذى نشأ فى مصر وتعلم فى أوربا وساهم فى نشر التنظيمات الإخوانية فى الغرب وساعد فى تكوين تنظيم القاعدة وشارك فى الحروب الأفغانية الروسية إبان عقد الثمانينيات، وبهاء الدين اللبنانى الشيعى الذى يعد أسطورة فى الاقتصاد وحركة رأس المال، والذى بدأ كرجل أعمال فاشل خسر حتى مقر مكتبه فى لبنان لكنه سرعان ما تحول إلى أحد الأضلاع المهمة بل والرئيسية فى منظومة محمد بن لادن الذى تزوج أخته وأنجب منها أسامة بن لادن، والذى ائتمنه ليس على إمبراطوريته الاقتصادية فقط ولكن على ابنه الذى مثل جماع الحركة السنية الشيعية الراديكالية الحديثة وذهب فتحى عبد الله إلى أن هذا الأمر ينطبق على محمد بن لادن الذى حمل فى فترة من حياته اسم معاوية وعمل حمالاً فى ميناء جدة وقاطع طريق على جبل الشعيب فى اليمن إبان حكم الإمام البدر لها، ثم تحول إلى أسطورة فى المال والاقتصاد حتى أنه أنفق على الخزينة السعودية لأكثر من ستة أشهر، وساعد فى جلب الكثير من الاستثمارات والعقود من الشركات الباحثة عن البترول فى ظل الحرب الباردة بين عبد الناصر وآل سعود، كما تنسحب هذه الصيغة التعددية أو العالمية على الصباح الذى مثل شخصية الظواهرى، ومجد الدين الذى مثل شخصية الملا محمد عمر وغيرهم من رجالات بن دلان. وقال زين عبد الهادى إن نشر هذه الرواية هو نوع من الرهان والمغامرة القوية للفن على حساب الحسابات السياسية أو الخلافات الفكرية، فالرواية تطرح تاريخ الجماعات الراديكالية والأصولية فى العصر الحديث، وتتعرض بكثير من الجرأة إلى تاريخ جماعة الإخوان المسلمين وما قاموا به خلال فترات حسن البنا والهضيبى والتلمسانى، وكيف خرجت من عباءتها جماعات الجهاد والتكفير والهجرة والجماعة السلفية وغيرها، كما تتعرض بالمعلومات للعلاقة بين الأنظمة فى عدد من البلدان العربية بهذه الجماعات، وكيف استثمرتها هذه الأنظمة للحفاظ على كراسيها وتصدير طاقة الإسلاميين نحو العدو الخارجي، فضلاً عن خدمة المخططات الغربية إبان مرحلة الحرب الباردة بين روسيا وأمريكا، وقال عبد الهادى فى ورقته النقدية أن موسى عاد فى هذا العمل حسب درايته زين بالمسألة المعلوماتية إلى أكثر من ثلاثمائة مرجع، من بينها أمهات فى كتب التراث ومراجع مهمة فى فكر الجماعات السلفية والعديد من الكتب التى رصدت تاريخ هذه الجماعات وعلاقتها بابن لادن وما جرى فى أفغانستان وكيف تم التحضير لضرب برجى التجارة. وأكد زين على أهمية الرواية التى تجىء فى سياق ضرورة وجود موقف للكاتب من قضايا وطنه وعالمه، كما أكد على أن النص يفتضح العديد من العلاقات المشبوهة فى الأنظمة العربية والغربية التى تبنت هذه الجماعات حتى تحولت إلى غول يخشى الجميع التعامل معه، وانتهى زين إلى أنهى واحدة من الأعمال المهمة فى الكتابة المصرية الجديدة الآن. أما محمد السيد إسماعيل فأكد أن النص يتمتع بجرأة كبيرة وقدرة فائقة على الإلمام بالمعلومات وتهذيبها وصياغتها على ألسنة الشخوص ومواقفهم الإنسانية، ذهباً إلى أن دور الأم فى هذه الرواية رغم صغره وعدم إفراد مساحة كبيرة له إلا أنه كان بمثابة مفتاح التعامل مع النص والشخصية الرئيسية، وأن التحولات الكبرى التى حدثت فى شخصية بن لادن كانت بسبب موقفه من أمه التى لم يستطع أن يرها تتزوج من رجل غير أبيه، وأن النص كتب بدرامية شديدة تذكرنا بالتراجيديا اليونانية، أو بالأحرى بالحالة الدون كيشوتية لدى سيرفانتس، لكن بن لادن هنا هو سيرفانتس الجديد الذى يسعى إلى محاربة القوى الكبرى بآليات ومفردات بدائية، متصوراً أنه يقيم العدل على الأرض أو ينقذ العالم من الهلاك فى حين أنه يقضى عليه. وأوضح "إسماعيل" أن الرواية بها ثلاثة مستويات زمنية، الأول زمن الكتابة الفعلية، والزمن التاريخى للشخصيات، وزمن الماضى البعيد واستدعاء الأحداث، وفكرة الإسقاط السياسى موجودة فى كل هذه الأزمنة، الماضى والحاضر والمستقبل نجده فى أسماء الأشخاص الحقيقية وصفاتها وسماتها، والتحول الجذرى الذى اتبعته كل شخصية، وهى بالتالى شخصيات مرجعية، فالرواية تجمع بين الحقيقى والتخيلى، كذلك نرى التعدد فى مستوى اللغة الشعرية وهى مكتوبة بضمير المتكلم، أسلوب السارد فى شبابه يختلف عن أسلوب السارد فى شيخوخته، مما جعلها كأنها رواية شخصية، كما أبدع الكاتب فى حس المغامرة والحس الملحمى والجمع بينهما، ونجد أن علاقة الشخصيات بالسلطة فى الرواية علاقة تتلاشى وتتباعد أحيانا وتقترب أحيانا أخرى بحسب قناعات السلطة، لا يعد العمل رواية البطل الواحد بقدر ما يقوم على البطولة الجماعية. أما شعبان يوسف فأوضح أن الكاتب يدخل بنا فى هذه الرواية إلى عالم خطر فعلاً، عالم جديد على الكتابات التى حاولت رصد تجربة الإسلام السياسى، لأنها ذهبت إلى التاريخ بحثاً عن المنطق الفكرى الذى يحكمها، والذى أدى بوجودها فى العصر الحديث على هذا النحو، والمؤلف يضعنا أمام تجربة الإسلام السياسى بكل تفاصيلها على المستوى العالمى من خلال تعرضه لشخصيات مثل بن لادن والظواهرى والملا محمد عمر وصهيب وأبو قتادة والزرقاوى وغيرهم، ويمكننى القول إنها الرواية المصرية الأولى التى تعرضت لأحداث 11 سبتمبر، كما أنها بها شخصيات كثيرة يُكشف عنها النقاب من خلال مذكرات ووثائق وتحليلات استعان بها المؤلف، فالجهد الذى بذله الكاتب فى الحصول على المعلومات لا يقل عن الجهد الفنى الذى جاءت به الرواية، ورغم نعومة الكتابة فإنها رواية تعالج أحداثا وشخصيات خشنة بكل المعانى.