الكلمات السائرة عابرة الفضائيات لها سلطانها على العقول، ومن كثرة ما تردده أجهزة الإعلام من أن "الشعب منقسم" أصبحت الكلمة مقبولة، ويتطوع البعض بتداولها على ما فيها من خطر. تحرر يا عزيزى من سلطان الانتشار وتعال نفكر سوياً: الثورة هى لحظة نادرة فى حياة الشعوب، يجتمع فيها الفرقاء بغير ميعاد، يجمعهم هدف واحد وهو كسر القيود التى تعوق التغيير. فهى لحظة الطوفان الذى يجرف أمامه عوامل الركود التى عاقت حركة المجتمع. وبعد سكرة الثورة، ونشوة الانتصار بكسر القيود، تأتى الفكرة: كيف نحرك المجتمع الراكد نحو الهدف المنشود؟ فى هذه اللحظة يبدأ التمايز بين رفقاء الثورة كل حسب المنهج الذى يراه محققاً للهدف. وقد حدث هذا فى كل ثورات الدنيا، ولو جاز لنا أن نعتبر أن الشعب الموحد هو الذى اختار "حسنى مبارك" بنسبة تفوق 90% - وهى نسبة معدلة عن الحقبة الناصرية – فبئس هذا التوحد المحكوم بالحديد والنار والتزوير. ولو جاز لنا أن نعتبر أن الشعب الأمريكى أو الفرنسى منقسم لأنه اختار رئيسه بنسبة 51% لجاز لنا أن نبكى على حالنا. اهبط معى يا عزيزى من اللحظة الثورية إلى الحالة الواقعية. الواقع يفرض علينا فى ظل الحرية، تعدد المناهج والرؤى، واعتبار هذا التعدد من أكبر ثمرات الثورة، فقد مضى بغير رجعة الزعيم الأوحد والحزب القائد. وتبقى المسئولية التضامنية لأبناء الوطن وفى المقدمة منه السلطة التنفيذية، والأحزاب السياسية، والمفكرين وذوى الرأى، فى السير بهذه الرؤى والمناهج فى مسارها الصحيح عبر برامج الأحزاب السياسية فى تنافس لم يعد أمامه قيود للوصول للجماهير. والكلمة الفصل هى رأى الشعب عبر آليات الديمقراطية التى سيحميها الشعب بكل تكتلاته الحزبية والمجتمعية. مع استحضار عبقرية الثورة المصرية فى سلميتها واحترامها للقانون حتى مع من ثارت عليه، فهذه هى الضمانة الحقيقية لعدم تحويل اختلاف المناهج إلى انقسام. أما اعتبار التعدد فى المناهج والرؤى، انقسام وشرخ فى المجتمع، فهذا تصور إما رومانسى حالم يعيش فى مدينة أفلاطون، أو تصور من تعود على ديكتاتورية الرأى الواحد خلف الزعيم الملهم، أو – والعياذ بالله – تصور أعداء الوطن الذين يحلمون بفشل الثورة.