لو أن إنسانًا يُحسن النظر فى الواقع المصرى، وينفذ ببصيرته إلى استخلاص النتائج بعد رصد الأحداث وحشد الشواهد سيجد أن هناك شغفًا عند بعض الناس بالهجوم على الثوابت، ونصب المشانق لكثير من الأصول التى جاءنا بها ديننا العظيم، وكل ذلك يتم عبر المصطلحات الفارغة، والكلمات الموهمة التى تحمل قدرا هائلًا من الخداع والتلبيس! وكم من كلمة، أو مشهد، أو حلقة، أو مقالة، أو صحيفة، تنال من ثوابت الإسلام الحنيف، وتهدم هدمًا فى بنيانه العقدى والتشريعى، ولئن أتيتَ بهذه الألفاظ الصريحة فى نعت ما يفعله بعض الناس، لرأيتَ كثيرًا منهم يستتر وراء جدار المسكنة التى تصيح: إنهم يكفروننى! حسنًا أنت مسلم صحيح الإسلام، ولكنى أحب أن أسألك: لماذا تضيق بك الحياة، ولا يقع سن قلمك، أو ضوء كاميرتك، إلا على عقيدتى ودينى وأحاديث نبيى التى لا تنتهى سهامك الموجهة إليها؟! وهل تظن أن الإحسان الذى تطالبنى به، وحسن الخلق الذى لن أغسل يدى منه يومًا سيكون مانعًا لى أن أصف الباطل أنه باطل، أو أن أرسم لوحةً جميلةً للمنكر الذى تفعله، أو أن أصفق على وقع أصوات المعاول التى تهدم دينى وعقيدتي، وهى معاول لا تعرف إلا الإسلام الذى لا يُنكر شيئا، ولا يبقى منه إلا تلك الصورة الكلية الحاضنة للمتناقضات والعقائد والأديان والمذاهب؛ حتى تكون إنسانيًا مهذبا متسامحا؟! وهل تظن أنى أنتظر صك الاعتراف بدينى ممن بقى فى خانةِ الضد له، ولم يزل ساخرًا من بعض شعائره، أو عقائده، أو من حملته؟! ليس هذا بصحيح، وليس حسنًا بمن يحمل الحق أن يُرَقِّعه، أو أن يداهن فيه، كما لا يحسن به أن يكون عبأ عليه أو أن ينفر الناس منه، بل يعرضه، كما هو بالحق الذى فيه، بلا بغى على الناس، ولا استطالة على أعراضهم! فالولاء والبراء مثلاً، وهو إحدى قواعد ديننا التى توضع فى زنزانة الاتهام، ما هو إلا خُلقٌ رفيعٌ يحفظ للفكرة وهجَها، وللإيمان صدقَه؛ لأنه باختصار"أبجدية حبٍّ لا يعرف التلون"! فلستُ وقد شرفنى الله بالعبودية له وحده من الذين يتنازلون عن ثوابتهم من أجل غربة الحق، أو إرضاء الآخرين! وكل ما يقع يذكرنى بموقف لذلك الشيخ الذى حاصرته نعوت: "الاستنارة"، و"الفقيه الوسطى" الذى يحارب التشدد، "صاحب العقل الرحب الذى يكره الانغلاق، وهو الشيخ محمد الغزالى رحمه الله! وكان من أرشيف تاريخه أنه استُدْعِى للشهادة فى قضية مقتل فرج فودة، وقال الرجل كلمته، وأدى شهادته غير متلعثم، وإذا بالأقلام والجرائد والصحف التى كانت تنعته بالنعوت المنيرة سابقا، تنقلب عليه وتهاجمه هجومًا كاسحًا لا ينتهى، وهو هو محمد الغزالى، لم يتغير، ولم يُغَيِّر! ولقد سأله الصحفى المعروف الأستاذ صلاح منتصر، سؤالاتٍ متعددة عن شهادته فى تلك القضية، وكان مما نادى الدمع فى عينى- وقد أحسست لذعًا كاويًا فى كلمات الشيخ- هذا المقطع من إجابته وهو يخاطب الأستاذ صلاح منتصر: (وأقول أخيرًا: إننى رجلٌ من الدعاة إلى الله، لا أتمنى إلا الحريةَ لى ولخصومى على السواء، وأكره العدوان والمشاكسة، ولكنى أشكو من أن دينى "يُجار عليه ويُنتقص منه"، ويُحرم أهله ما يُسمَّى فى عصرنا بحقوق الإنسان، وأن المنتمين لهذا الدين فى طورٍ سيئٍ من تاريخه، و"تكاد تذهب كراماتهم الخاصة والعامة فى مهب الريح")! أنقل ما كتبه الشيخ، رحمه الله، وأطالع ما تقوم به كثير من الشخصيات فى كثير من المجالات؛ لأردد معه نفس كلماته الحارقة، فى واقع صار كل شىء فيه مُستباحًا.. والله المستعان!