أجمع عدد من خبراء النفط المشاركين فى الندوة التى عقدتها وزارة البترول مساء أمس، لمناقشة ما أثير مؤخراً حول انتهاك قبرص وإسرائيل للحدود البحرية، من خلال القيام بعمليات تنقيب واستخراج للغاز الطبيعى، على ضرورة تعديل الاتفاقية التى وقعتها مصر وقبرص أو إلغاء التعامل بها نهائيا، خاصة وأنها تعد إهداراً للثروات المصرية وضياعاً للحقوق المصرية. واتهم الخبراء الحكومة بإصرارها على الدفاع عن الاتفاقية، ونفيها القاطع وجود تعدٍ إسرائيلى على الحدود الإقليمية المصرية، رغم وجود العديد من الأدلة والخرائط والوثائق التى تؤكد اغتصاب إسرائيلى لحدود مصر الاقتصادية، خاصة وأن قبرص وقعت اتفاقية ترسيم الحدود مع إسرئيل دون الرجوع إلى مصر وهو ما يخالف تلك الاتفاقية. وكان الاجتماع قد شهد خلافات ومشادات بين المشاركين والخبراء وممثلى الحكومة، مما أدى إلى انسحاب عدد من الخبراء اعتراضاً على الطريقة التى يدار بها الحوار، حيث استشعر الخبراء تصميم ممثلى الدفاع والخارجية والبترول على صحة موقفهم دون الاستماع إلى وجهات نظر الخبراء. وقال الخبير النفطى إبراهيم زهران، إن الانسحاب من اللقاء جاء نتيجة لإصرار الجهات الحكومية المشاركة على وجهة نظر واحدة تفيد أن خط ترسيم الحدود الحالى سليم، وينفى قيام إسرائيل بالتنقيب عن الغاز بمياه مصر الاقتصادية، وهى وجهة النظر التى توضح الخرائط التى فى حوذتنا عدم صحتها، كما أن ما حدث يؤكد عدم حيادية المسئولين فى الحكومة تجاه تلك القضية التى تمس ثروات مصر وأمنها القومى. فيما قال الدكتور رمضان أبو العلا، الخبير النفطى وأحد المشاركين بالندوة، إنه غير مقتنع بما قدمته الجهات الحكومية حتى الآن من دلائل تنفى قيام إسرائيل بالتنقيب فى المياه الإسرائيلية المصرية، إلا أن ذلك وفقا لرأيه لا يمنع أن المسئولين بقطاع البترول قد أبدوا استعدادهم إلى تبنى وجهات النظر الأخرى فى حالة ثبوت صحتها. وانتقد زهران إصرار الحكومة على وجهة نظرها فى الدفاع عن إسرائيل بأنها غير معتدية على الحدود المصرية الإقليمية رغم اتفاق الخبراء القاطع على وجود تعدٍ واغتصاب للحدود المصرية فى المياه الإقليمية. وأكد أبو العلا أنه لديه دليل قاطع على وجود تعدٍ إسرائيلى على الحدود المصرية ولكنه، لن يعلن ذلك إلا أمام جهات التحقيق، خاصة وأن تلك القضية تمس الأمن القومى للبلاد، لافتا إلى ضرورة تغيير الخط الشرقى للمنطقة الاقتصادية فى حالة تغيير نقاط الأساس الخاصة بقبرص وتركيا، مما سيساعد على دخول معظم حقول البترول فى المنطقة المصرية. واتهم أبو العلا الحكومة التى قامت بالتوقيع على اتفاقية ترسيم الحدود بين مصر وقبرص بأنها أهدرت الحقوق المصرية بتلك الاتفاقية، وتحاول الحكومة الحالية الدفاع عنها، حيث إن هناك إجماع من قبل الخبراء والمختصين بضرورة إلغاء تلك الاتفاقية أو تعديلها. وقال الخبير النفطى إن اتفاقية مصر وقبرص تم توقيعها خلال 17 فبراير من عام 2003، ودخلت حيز التنفيذ خلال 7 مارس 2004، وتم تسجيلها فى 14 يناير من عام 2008، أى استغرقت 5 سنوات، بينما الاتفاقية بين قبرص وإسرائيل تم توقيعها فى 17 ديسمبر من عام 2010، ودخلت حيز التنفيذ 25 فبراير 2011، وتم تسجيلها 9 مارس 2011، أى فى أقل من 3 أشهر والهدف من الإسراع بتوقيع الاتفاقية بين قبرص وإسرائيل هو عدم إعطاء الفرصة لمصر لحق الاعتراض أو الدخول فى تشاور حول الاتفاقية، حيث تنص الاتفاقية الموقعة بين مصر وقبرص أن يتم التشاور مع مصر قبل التوقيع مع أى طرف ثالث وهو ما لم يتم فى اتفاقية إسرائيل. وكان ممثلو الحكومة فى أجهزة الدولة بوزارتى الخارجية والدفاع والمساحة البحرية المصرية قد أكدوا حرصهم على مجموعة من الثوابت خلال مناقشة هذه القضية القومية المهمة بهدف التحقق من الحفاظ على حقوق مصر فى ثرواتها الطبيعية. وكان وزير البترول المهندس أسامة كمال، قد أكد فى بداية اللقاء حرص الوزارة على تبنى هذه المبادرة التى تُعد الأولى من نوعها لإجراء حوار علمى هادف للتوصل إلى رؤية مصرية وطنية خالصة حول ترسيم الحدود، لافتا إلى أن قطاع البترول جهة تطبيق وليس جهة مسئولة عن تدقيق وترسيم الحدود ولكنه يقوم بطرح مزايدات للبحث عن البترول والغاز فى مناطق محددة بإحداثيات دقيقة وذلك تجنباً للدخول فى أى منازعات قد تحدث، وأن الحرص الوطنى لقطاع البترول هو الدافع لتبنى هذه المبادرة. وقال الوزير إن جميع المناطق المطروحة فى المزايدة الأخيرة للشركة القابضة للغازات الطبيعية فى البحر المتوسط لا يوجد بها أى مشاكل وأنه تم مد فترة تلقى عروض الشركات العالمية من 14 نوفمبر الحالى إلى 13 فبراير القادم لإعطاء الفرصة لأكبر عدد من الشركات للحصول على المعلومات اللازمة للتقدم لهذه المزايدة. وقام عدد من الخبراء، خلال اللقاء، بشرح تفصيلى لوجهات نظرهم ومخاوفهم المثارة حول حقوق مصر فى ثرواتها الطبيعية الواقعة فى المناطق الاقتصادية، وقام المسئولون عن ترسيم الحدود بشرح تفصيلى للاتفاقيات الدولية التى تحدد الإجراءات التى يتم اتخاذها عند ترسيم الحدود والتى أقرتها اتفاقية الأممالمتحدة لقانون البحار التى تنظم ترسيم الحدود بين الدول، وأن اللجنة القومية العليا لأعالى للبحار والتى تضم مجموعة من الخبراء والمسئولين فى كافة أجهزة الدولة هى المسئولة عن ترسيم حدود مصر مع أى دولة أخرى. وأوضح ممثلو الحكومة فى عرض وجهة نظرهم للخبراء أن هناك منهجية للتعامل فى إجراء عمليات البحث السيزمى البحرى داخل حدود مصر الإقليمية والاقتصادية وأن هناك 17 جهة تقوم بإصدار الموافقات اللازمة لأى حفار بترولى أو سفينة أبحاث بحرية ووجوب أخذ موافقات هذه الجهات المختصة لإصدار الإنذارات البحرية الدائمة والمؤقتة للحفاظ على سلامة هذه الوحدات البحرية، وأن هناك استحالة دخول أى وحدات بحرية أو مراكز بحثية لمياه مصر الإقليمية أو الاقتصادية دون أخذ أى موافقات مسبقة من هذه الجهات المسئولة. وأوضح مسئولو الجهات الرسمية فى الدولة أنه بالرغم من أنه لم يثبت على الإطلاق وجود تداخل أو مناطق مشتركة بين مصر والدول المجاورة بالنسبة لحقول الغاز الطبيعى فى المناطق الحدودية بالبحر المتوسط، إلا أن هناك تفهماً كاملاً على حرص الخبراء على مصلحة مصر الوطنية وتم الاتفاق على إحالة عدد من التفاصيل الفنية التى طرحها الخبراء إلى اللجنة القومية العليا لأعالى البحار لتقوم بدراستها من الناحية الفنية والقانونية وعما إذا كانت هناك سابقة تحقق ميزة لمصر لتطبيقها. هذا وقد قام مسئول شركة شل خلال اللقاء بإيضاح العديد من الحقائق التى أثيرت مؤخراً حول انسحاب شركته من منطقة نيميد بالبحر المتوسط حيث أكد أن شل لم تنسحب من المنطقة وإنما تخلت طبقاً لشروط الاتفاقية المبرمة فى عام 1999 وذلك بعد أن قامت بحفر 9 آبار بالمنطقة بإجمالى إنفاق 620 مليون دولار واكتشفت حقلين للغاز باحتياطيات تراوحت بين 8ر0 -1 تريليون قدم مكعب، ولكن الشركة فضلت عدم الاستمرار فى تنميتها لعدم الجدوى الاقتصادية للكميات المكتشفة من الغاز وسعر شراء الغاز المحدد بالاتفاقية ولذلك قامت بالتخلى الإجبارى فى مارس 2011 بعد انتهاء فترات البحث بالاتفاقية البالغة 12 عاماً.