سيطرة الإسلاميين، وتحديدا جماعة الإخوان المسلمين، على مقاليد الأمور فى البلاد، ووصول ممثل للجماعة هو الدكتور محمد مرسى إلى سدة الحكم فى مصر كأول رئيس منتخب بعد ثورة يناير، دفعت بشكوك عدة حول إمكانية سعى الجماعة إلى فرض نفسها على مناهج التعليم فى مراحله المختلفة، وأثارت مخاوف لدى تيارات عدة من أن يأتى إدخال تاريخ الجماعة ضمن مناهج التعليم على حساب مراحل تاريخية بعينها، كانت الجماعة - وما زالت - تعتبر القائمين عليها خصوما لها، وتحديدا فترة الستينيات.. لكن مناهج العام الجديد الذى توشك أجراس اليوم الأول منه أن تدق مستقبلة أكثر من 17 مليون طالب فى مراحل التعليم المختلفة جاءت خالية من أية إشارة للجماعة، وبددت المخاوف «مؤقتا»، ولم تخل تلك المناهج من تغييرات جاء فى مقدمتها استبدال وحدة كاملة كانت تحمل عنوان ثورة يناير بوحدة أخرى تحمل اسم التحولات السياسية والاجتماعية والاقتصادية فى مصر وذلك بمنهج الدراسات الاجتماعية للابتدائية، بالإضافة إلى مناهج جديدة لحقوق الإنسان والمواطنة والتربية الوطنية تدرس لطلاب الثانوية العامة الجديدة بعد تعديل نظامها، فضلا عن إضافة درس جديد للصف الأول الابتدائى بعنوان «ثورة العصافير» لتعريف التلاميذ بأحداث ثورة يناير. الدرس المقرر بمادة اللغة العربية يشبه ثورة 25 يناير بثورة العصافير، ويستهدف تقديم أحداث الثورة بطريقة مبسطة للطلاب، ويتحدث عن احتجاج العصافير على قرار الحاكم بمنع الغذاء عنهم، واستشهاد أحدها، ما أدى إلى تصاعد الاحتجاجات وتجمعهم أمام مقر الحاكم، مرددين هتاف: «يسقط يسقط الحاكم». مادة الدراسات الاجتماعية لتلاميذ الصف السادس الابتدائى استبدلت وزارة التربية والتعليم الوحدة الخاصة بثورة يناير بوحدة جديدة تحمل عنوان «التحولات السياسية والاجتماعية والاقتصادية فى المجتمع المصرى لتشمل ثورتى يوليو 1952 ويناير 2011، وتعتبر نصر أكتوبر 1973 من إنجازات ثورة يوليو. وتضمنت الوحدة الجديدة العديد من الصور التوضيحية والوسائل التعبيرية من بينها صورة لموقع التواصل الاجتماعى فيس بوك فى درس ثورة يناير، وصور نادرة للزعيم الراحل جمال عبد الناصر فى درس ثورة يوليو إلى جوار الرئيس الراحل أنور السادات، وكذلك صور من غرف عمليات حرب أكتوبر، فيما حدد واضعو الوحدة أهدافا لها، من بينها أن يصبح الطالب قادرا على تعريف بعض المفاهيم والمصطلحات الأساسية مثل «ثورة، وحرب، ومعاهدة، وعدالة اجتماعية»، وأن يقارن بين الثورات المصرية من حيث الأسباب والأهداف والنتائج، وأن يصبح قادرا على تفسير أسباب قيام حرب أكتوبر 1973 ويتتبع التحولات السياسية والاجتماعية والاقتصادية فى مصر ما بين الثورتين، ويستخلص التلميذ الدروس المستفادة من الأحداث التاريخية للثورتين ويترسخ لديه احترام مبدأ تداول السلطة والتعددية الحزبية، فضلا عن أن يستخلص أهم القيم الحضارية للشعب المصرى، ويقدر دوره فى القيام بالثورات ضد الظلم والفساد، ويقدر أهمية الوعى والمشاركة السياسية. وتتناول الوحدة تعريفا لمفهوم العدالة الاجتماعية باعتبارها «توزيع الثروات القومية بين المواطنين توزيعا عادلا»، كما تتناول فى درس حرب أكتوبر دعم الدول العربية لمصر والتوقف عن تصدير البترول لأمريكا. أما فى الدرس الخاص بثورة 25 يناير، فتحددت الأهداف منه فى أن يتعرف الطالب على أسباب الثورة وأهدافها، وأن يترسخ لديه الاعتزاز بمصريته والتعايش مع الآخرين، ويربط بين حقوق الإنسان وقيام الثورة، ويهتم بتعلم الوسائل التكنولوجية الحديثة، ويستنتج التحولات السياسية والاجتماعية والاقتصادية بعد ثورة يناير، ويبدى رأيه فى دور اللجان الشعبية ويقدر أهمية الوحدة الوطنية والتلاحم بين فئات الشعب المصرى، فيما تضع الوحدة تعريفا لبعض المفاهيم الأساسية مثل الثورة البيضاء السلمية، والمظاهرة، واللجان الشعبية والثورة المضادة والعصيان المدنى، بينما تراجع منهج هذا العام عن التوسع فى الحديث عن الرئيس المخلوع مبارك بعد الانتقادات الحادة التى واجهتها «التعليم» بسبب إسهاب منهج العام الماضى فى الحديث عما عده إنجازات لمبارك، حيث تناول ما جرى فى عهده من إنجازات فى سطر واحد، بالإشارة إلى مشروعات البنية التحتية والتوسع فى إنشاء المدارس، مشيرا فى نفس الدرس إلى تفشى الفساد الإدارى فى عهد مبارك، وظهور طبقة رجال أعمال تضخمت ثرواتهم على حساب الشعب المصرى، فضلا عن التراجع الذى شهده الدور المصرى فى محيطه الخارجى وفى قضايا كانفصال جنوب السودان والقضية الفلسطينية وتقسيم مياه النيل. ويحدد الدرس أسبابا رئيسية خمسة لقيام ثورة يناير هى: سوء الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وانتشار الفساد فى جميع مرافق الدولة، وتزوير الانتخابات، وسيطرة الحزب الوطنى «المنحل» على أغلبية المقاعد بالبرلمان، وانشغال الدولة بالتوريث، وتزاوج المال والسلطة لدى رجال الأعمال، فيما يضع ستة أسباب لنجاح الثورة، هى: اشتعال المظاهرات فى جميع المحافظات، وقطع وسائل الاتصال الاجتماعى مثل المحمول والإنترنت، واستخدام العنف ضد المتظاهرين بإطلاق خراطيم المياه وقنابل الغاز المسيل للدموع والرصاص الحى يوم 28 يناير، والفراغ الأمنى بعد انسحاب الشرطة وتخليها عن القيام بدورها لتأمين المجتمع، مما شجع البلطجية على اقتحام السجون، ونزول القوات المسلحة وانتشارها فى الشوارع، وتشكيل لجان شعبية بواسطة المواطنين. ويتناول الكتاب مميزات الثورة، موضحا أنها تتلخص فى كونها سلمية بيضاء، واستخدم فيها الفيس بوك، وأظهرت تلاحم قوى الشعب مع الجيش، معتبرا ارتفاع معدلات العنف من قبل الشرطة وأمن الدولة واستخدام الجمال والخيول فى الهجوم على المتظاهرين من أهم العوامل التى أسهمت فى نجاح الثورة، بالإضافة إلى سقوط مئات الشهداء وآلاف الجرحى وكذلك اطمئنان الجماهير لموقف القوات المسلحة، فيما يشير إلى أن الثورة أسقطت رأس النظام السياسى وأدت إلى حل مجلسى الشعب والشورى والإفراج عن المعتقلين السياسيين وتشكيل الأحزاب بمجرد الإخطار، وإجراء التعديلات الدستورية، والانتخابات التشريعية وتأكيد وترسيخ الإحساس بالمواطنة والتلاحم بين المسلمين والأقباط، مشددا على أن الثورة مستمرة، ويخصص المنهج درسا بعنوان «استمرارية الثورة» يؤكد فيه على ضرورة استمرار الثورة حتى تتحقق كل الأهداف. الثانوية.. تاريخ جديد مناهج الثانوية العامة لهذا العام، يدرس طلاب النظام الجديد مقررين للتربية الوطنية وحقوق الإنسان، ومقررا حديثا للتربية القومية، بالإضافة إلى منهج جديد لمادة التاريخ، ويخصص المركز القومى للمناهج لموضوع الديمقراطية فى الفكر الإسلامى «الشورى» فصلاً أساسياً فى كتاب التربية القومية للصف الثالث الثانوى، ويتحدث عن أنها «حلم» ورد فى الفكر الغربى المعاصر وتنامى الاتجاه إليه تدريجياً بعدما ساد أوروبا قروناً عدة من تمركز السلطة فى يد فئة قليلة هى المالكة والمسيطرة على الرغم من أن الإسلام قد سبق إلى إرساء الديمقراطية وحقوق الإنسان وإن لم يستخدم المصطلح نفسه واستخدم مصطلحا بديلا هو الشورى، معتبرا أنه تأسيساً على ذلك فإن مجلس الشورى لابد أن يكون ممثلاً للمجتمع بجميع طوائفه وفئاته، مشيرا إلى أن نظام الشورى يكفل للأفراد عدداً من الحقوق الأساسية والحريات، وأهمها حرية الاعتقاد، وحرية المحاكمة والعدالة والمساواة والحق فى المشاركة بالحياة العامة، مؤكداً أن تلك الحريات فاقت ما قامت عليه الديمقراطية المعاصرة مثل الثورتين الأمريكية والفرنسية. ويخصص الكتاب فصلا للدستور، كما يخصص فصلا للأحزاب السياسية والعملية الانتخابية، ويميز بين أحزاب ما قبل ثورة 25 يناير وما نشأ بعدها من أحزاب، مقسما الأحزاب حسب أيديولوجياتها الفكرية إلى أحزاب لليمين واليسار والوسط، ويضع فى منتصف الدرس صورة تجمع بين الرئيس محمد مرسى وقت أن كان رئيساً لحزب الحرية والعدالة مع الدكتور أيمن نور رئيس حزب غد الثورة والدكتور سعد الكتاتنى رئيس مجلس الشعب المنحل والدكتور أسامة ياسين وزير الشباب الحالى وفى خلفية الصورة لافتة «مؤتمر الأحزاب والقوى السياسية حول الآثار السلبية لوثيقة المبادئ الأساسية للدولة المصرية». وفى باب بعنوان «حقوق الإنسان وفلسفة التغيير»، تناول الكتاب تعريفاً لحقوق الإنسان فى الديانات السماوية الثلاث، وخصص درساً لفلسفة الثورات، مع أمثلة عديدة للثورات العربية مثل المصرية والتونسية والليبية واليمنية، فيما حدد كتاب المواطنة وحقوق الإنسان عددا من الأهداف العامة أهمها أن يترسخ لدى الطالب أهمية المشاركة الاجتماعية ويبين دور المرأة وضرورة تمكينها السياسى فى المشاركة المجتمعية ويحلل بعض النصوص من الدستور المصرى، ويتبنى القيم التى تمثل المشاركة الوجدانية، فيما يدعو الفصل الخاص بالتربية القومية الطلاب لتحديد مفهوم القومية وتوضيح العلاقة بين مفهوم القومية والوطنية وشرح مقومات الوطنية فى مصر، والتدليل على قيمة العمل الجماعى وتحمل المسؤولية واستنتاج مواصفات المواطن الصالح. أما فيما يخص التربية المدنية التى تدرس لأول مرة هذا العام، فيتناول تحديد مفهوم مؤسسات المجتمع المدنى وأدوارها، والعلاقة بين التربية المدنية وتطوير المجتمع المدنى، ويتضمن كتاب التاريخ المقرر على الثانوية العامة، عددا من الفصول بينها فصل عن «الدولة العثمانية والوطن العربى»، وآخر عن «الشعب المصرى وبناء الدولة الحديثة»، ويتناول الأخير دور الشعوب فى قيام ثورات الربيع العربى وثورة 25 يناير، فيما يشير فصل بعنوان «كفاح الشعوب العربية من أجل الاستقلال» إلى علاقة مصر الدبلوماسية بالعالم العربى وثورات الربيع العربى. الجماعة لم تتدخل «الانتهاء من الكتب الدراسية تم قبل تولى الرئيس مرسى الحكم، وجماعة الإخوان المسلمين لم تتدخل فى تعديل المناهج».. هذا ما يؤكده رئيس قطاع التعليم بوزارة التربية والتعليم الدكتور رضا مسعد تعليقا على خلو المناهج الدراسية لهذا العام من تاريخ الإخوان، مؤكدا أن عهد الرئيس المخلوع حسنى مبارك تمت الإشارة إليه بإيجابياته وسلبياته، موضحا أن المناهج ركزت على تناول الأحداث التى مرت بها البلاد فى الفترات الأخيرة، خاصة أحداث ثورة يناير بالإضافة إلى إشارة للشخصيات التى ارتبطت بالأحداث وذكر ايجابياتها وسلبياتها، مشيرا إلى أنه تم تجهيز المناهج من منتصف العام الماضى، وطبع الكتب، لافتا إلى أنه تم إعداد منهج جديد للصف الأول الابتدائى يستهدف ضعف الطلاب فى القراءة والكتابة، فضلا عن إضافة منهج مواطنة وحقوق الإنسان للصف الثانى الثانوى، ومادة مهارات التفكير والبحث العلمى للمرحلة الثانية من الثانوية العامة. وقال مسعد إن الوزارة لا تمتلك مطابع وتقوم بطباعة الكتب فى مطابع حكومية، مؤكدا أن %95 من المدارس سيتم تسليمها الكتب فى الأسبوع الأول من الدراسة، وأن نسبة التأخير لن تتجاوز %5 فقط هذا العام وسيكون من نصيب القطاع الفنى، مشددا على ضرورة أن تكون مخازن الوزارة فى مختلف المديريات «على البلاط» استعدادا لاستقبال الكتب الجديدة وضمان وصولها إلى جميع المدارس وتسليمها إلى الطلاب فى الأسبوع الأول. مناهج مصرية الدكتور صلاح عرفة، رئيس المركز القومى لتطوير المناهج، يؤكد بدوره أن المركز بذل هذا العام مجهودا مضاعفا فى إخراج وتصميم وتحرير الكتب الجديدة وتزويدها بالصور والألوان والوسائل الإيضاحية بالاعتماد على أقل الإمكانات المتاحة من أجل تشجيع الطلاب على العودة للكتاب المدرسى مرة أخرى، وترك الكتب الخارجية، مضيفا أن فلسفة المناهج تغيرت من التركيز على محتوى الكتاب إلى تنشيط الذهن والقدرة على الاستدلال والاستقراء والابتعاد عن الحفظ والتلقين والتركيز على الإبداع الطلابى وتنمية الفكر، مؤكدا أن جميع المناهج سيتم تغييرها ولكن بطريقة تدريجية طبقا لتلك الفلسفة الجديدة. وينفى عرفة صحة ما تردد عن إعداد الكتب الجديدة التى تركز على مفاهيم حقوق الإنسان بواسطة خبراء أمريكيين، مؤكدا أن جميع القائمين على إعداد تلك المقررات هم من أساتذة التربية والباحثين المصريين، فضلا عن الاستعانة بأساتذة جامعات مصرية فى التخصصات التى تقتضى ذلك، على أن يعود الكتاب بعد ذلك لمركز المناهج لتقويمه تربويا، مشيرا إلى أن المناهج وضعت وفقاً للمعايير العالمية ودون تدخل من أحد سواء من خبراء أجانب أو من قبل جماعة الإخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة.