من منا لا يعشق فن الخيال العلمى، وهو ما يعرف فى الإنجليزية science-fiction أو مايعرف اختصارا ( sf ) وهو نوع من الفن الأدبى يعتمد على الخيال حيث يخلق المؤلف عالما خياليا أو كونا ذا طبيعة جديدة بالاستعانة بتقنيات أدبية متضمنة فرضيات أو استخدام نظريات علمية أو حتى فلسفية.. وما يميز الخيال العلمى عن الفانتازيا هو أنه يحاول أن يبقى متسقا مع النظريات العلمية والقوانين الطبيعية دون الاستعانة بقوى سحرية أو فوق الطبيعة.. ومن أشهر كتاب الخيال العلمى هو المؤلف الفرنسى (جول فيرن) والمعروف عنه أن معظم ما أتى به فى رواياته قد تحقق بشكل مذهل فيما بعد، وتكفى روايته [عشرون ألف فرسخ] تحت الماء التى كتبها عام 1870 م والتى تدور أحداثها حول غواصة تجول تحت الماء وما تواجهه من مخاطر بالإضافة إلى إرفاق تفاصيل لشكل الغواصة ومواصفاتها ووصف للصواريخ بعيدة المدى والطائرات النفاثة أيضا وكانت تلك أمورا سابقة لأوانها فلا وجود للغواصات أو الطائرات النفاثة آنذاك، وكذلك روايته (من الأرض إلى القمر) والتى وصف بها الهبوط على القمر وشكل المكان هناك وطريقة مشى الرواد وكيف تنطلق المركبة من الأرض عن طريق صاروخ يقذف بها والطريقة التى يعود بها الفريق بأن يهبطوا على البحر بمظلات وهو ما حدث بشكل مقارب جدا مع مركبة (أبوللو 11) وذلك بعد مرور قرن كامل على روايته .. وكذلك عشرات من روايات الخيال العلمى قديما تكلمت عن أمور قد تحققت بالفعل.. وحينما قرأت مؤخرا عن كاميرا الفمتو ثانية والتى قام باختراعها العالم المصرى الكبير وأحد أبرز علماء العالم الآن (دكتور أحمد زويل) وهى كاميرا فائقة السرعة تستخدم تقنية ومضات الليزر لتصوير حركة الجزيئات أثناء المرحلة الانتقالية وهى مرحلة التفاعل.. وأثناء نشوء الجزيئات وكذلك مرحلة التحامها... مما يسمح لنا بأن نفهم ونتنبأ بالتفاعلات المهمة بل ونرى أمورا لم تكن مرئية قبل ذلك.. ومنها الجزيئات المسببة للأمراض.. والوحدة الزمنية التى تلتقط بها الصور فى هذه الكاميرا العجيبة هى الفمتو ثانية وهى واحد على مليون بليون من الثانية أو ما يعادل ثانية بالنسبة لحقبة زمنية قدرها 32 مليون سنة. فهل كان يخطر على عقل بشر قبل اختراع دكتور أحمد زويل لتلك الكاميرا أنه يمكننا أن نرى أشياء تحدث فى جزء من مليون من مليار جزء من الثانية؟ أو أن نرى أمورا كانت قبل ذلك فى عالم التخيل والافتراضات؟ وقد أوحت لى تلك الكاميرا العجيبة، بتخيل كاميرا جديدة تستطيع تصوير ما بداخل عقل الإنسان من أفكار ومشاعر وقيم وأخلاق وتظهر لنا صورتين، إحداهما صورة خارجية لجسم الإنسان تظهر ملامحه وقسمات وجهه والمظهر الخارجى له وبجانبها صورة أخرى تظهر ما بداخل هذا الإنسان وما يحتويه عقله وقلبه فتجسد لنا أفكاره ومشاعره وقيمه وأخلاقه فى صورة حسية تصف هذا كله... فيا للعجب حينما نستخدم تلك الكاميرا... ونرى بها صورا لنا ولمن حولنا ومن نعرفهم غاية فى الغرابة.. ستعجز عقولنا عن استيعابها.. وقد تتوقف قلوبنا من فرط الدهشة ..فسنجد صورتين إحداهما لامرأة غاية فى الجمال آية فى الرقة وبجانبها صورة أخرى لحية رقطاء يفزعك فقط النظر إليها... وقد تجد أيضا صورتين إحداهما لرجل تظهر عليه علامات الصلاح والتقى والإيمان والورع وبجانبها صورة أخرى لشيطان رجيم.. وكذلك سنرى من له صورتان إحداهما لشاب وسيم تظهر عليه علامات الرقى والتحضر وبجانبها صورة أخرى لذئب متوحش ينظر إليك بعيون يملؤها الجوع والشره.. وهذه صورة لفتاة وديعة باسمة مستبشرة وبجانبها صورة أخرى لامرأة عجوز يحمل وجهها آثار مرور الزمن وثقل الهموم.. وتلك صورة لامرأة عجوز دميمة لا تحمل من دلالات الجمال شيئا.. وبجانبها صورة أخرى.. لحور من حور الجنة.. تعجز العين عن الإحاطة بجمالها.. أما هذه.. فهى صورة لرجل أشعث أغبر رث الثياب.. فظ الملامح... وبجانبها صورة أخرى لملك متوج جميل الوجه.. رقيق الملامح.. تسعد بالنظر إليه.. إن هذه الصورة الأخرى التى صورتها لنا تلك الكاميرا الخيالية.. هى الصورة التى يرانا بها الله عز وجل بل ويحاسبنا عليها.. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فى الحديث الصحيح: ( إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم)... وفى ظل عصر مولع بالمظاهر.. ينبهر بالصورة الخارجية للبشر بل ويقدسها أيما تقديس... وبعد أن تفننت بيوت الأزياء ومراكز التجميل فى العالم مستخدمة أحدث ما وصل إليه العلم من تقنية وأدوات ومركبات وجراحات.. فى تحسين وتجميل بل وتغيير وإبدال تلك الصورة الخارجية... حتى أنه يمكنهم تحويل القرد إلى غزال... والخنفساء إلى فراشة.... وبالرغم من هذا كله تظل وحدها الأخلاق الحميدة النابعة من قيم دينية صحيحة هى فقط المسئولة عن تجميل وتزيين صورتنا الداخلية.... وقد قال أحد حكماء العرب قديما ( فلتنظر إلى وجهك فى المرآة فإذا رأيته جميلا فلا تشوهه بقبيح خلقك وإذا رأيته قبيحا فلا تجمع على نفسك قبحين)... ومع شهر رمضان تأتى لنا تلك الفرصة الذهبية كل عام لنعيد تقييم صورتنا الداخلية والعمل على تزيينها وتجميلها وتعطيرها.. لتكون أجمل وأروع من صورتنا الخارجية... لتليق بنظر الله عز وجل لها.. وإذا كانت صورتنا تلك مخفية الآن عن أعين الناس لا يعلمها سوى الله وأنفسنا... فلقد سمى يوم القيامة بيوم الفضيحة.. فكل ما نستطيع أن نخفيه الآن سيعلن على الملأ حينها .. فلنحرص على ألا نفضح.... أما وقد أهلت علينا نسمات ذلك الشهر العظيم وريحه الطيبة.. شهر رمضان الذى قال عنه رسول الله ( صلى الله عليه وسلم) حينما حضر [ قد جاءكم شهر مبارك، افترض عليكم صيامه، تفتح فيه أبواب الجنة، وتغلق فيه أبواب الجحيم ، وتغل الشياطين، وفيه ليلة خير من ألف شهر من حرم خيرها فقد حرم ] رواه أحمد والنسائى.... وعن أبى سعيد الخدرى قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : [ من صام رمضان، وعرف حدوده ، وتحفظ مما كان ينبغى أن يتحفظ منه، كفر ما قبله] رواه أحمد. فلنطهر قلوبنا ولنصلح من أنفسنا.. حتى تكون تلك النفس التى تبشرها الملائكة بقول الله تعالى عندما يحين وقت لقائها به: { يا أيتها النفس المطمئنة ارجعى إلى ربك راضية مرضية فادخلى فى عبادى وادخلى جنتى} صدق الله العظيم ( الآيات من سورة الفجر). أدعو الله أن يكون رمضان هذا العام فجرا جديدا لحضارة أمتنا.. العائدة بعد غياب .. والتى اشتاقت لها الأرض والسماء. *كل عام وأنتم بخير*.