يواجه الربيع العربى الكثير من التحديات خاصة مع سقوط الأنظمة الظالمة التى كانت كاتمة أنفاس شعوبها، وتصادر الحريات والفكر الحر، وكان المفكرون والنشطاء يتعرضون لأقسى أنواع التعذيب والعنف ليسكتوا عن الفساد والظلم، ولكن تلك الأنظمة الفاسدة كانت منظمة ومحددة الأهداف، ونتيجة ممارساتها القاسية مع شعبها أصبحت شعوبها مهلهلة ضعيفة، وهذا حدث نتيجة عدم وجود حياة سياسية. ومع سقوط تلك الأنظمة ظهرت تلك العيوب، وأثرها أصبح واضحًا وتحول الربيع العربى، نتيجة جهل وضعف ونزاع ثواره وساسته، إلى خريف عربى، أصبح جاهزًا لخطة التقسيم المقبلة بلا حروب ولا نقطة دم واحدة، فالحرب المقبلة بلا أسلحة وبلا جيوش، بل هى حرب قائمة على أيديولوجيات وفكر وعقائد، حرب تقسيم صفوف الأمم، ومن أهم الأمثلة ما حدث فى العراق من تناحر أبناء الأمة الواحدة على أساس طائفى، ونزاعهم، وآلاف من الضحايا يسقطون نتيجة هذا النزاع الطائفى، وسقوط الدولة، وعدم استقرارها، والتدخل الأجنبى فى شئونها - تحت بند الحريات ومكافحة الإرهاب - واستغلال ثرواتها، وكذلك ما حدث فى السودان من تقسيم على أساس طائفى أيضًا، وفصل الجنوب عن الشمال من أجل السيطرة على منابع النيل والتحكم فيها، والسيطرة على ثرواتها، وها نحن الآن نعيش المخطط نفسه، وهو التقسيم الفكرى والأيديولوجى، فأصبح الشارع المصرى منقسمًا، فريقًا مع الجيش وفريقًا ضده، فريقًا إسلاميًّا وفريقًا ليبراليًّا وثوريًّا، وهى فرق متناحرة من أجل السلطة، وهناك خطر محدق بنا من الخارج، وهناك محاولات لعمل اضطرابات داخلية، ولتدمير أنفسنا بأيدينا، وأن نستمر فى تلك الدوامة وتلك المتاهة إلى الأبد، لكى يجد الغرب الفرصة، خاصة إسرائيل، لتحقيق حلم إقامة دولة فلسطينية على أرض مصرية، وقد بدأ كلاهما بالفعل ذلك الإجراء من ضربات استكشاف ومناورات على الحدود، وافتعال حرب مع حماس، وكل ذلك ونحن منهمكون فى صراعاتنا الداخلية ونسينا الخطر المحدق بنا. المجلس العسكرى كجهة سياسية ارتكب أخطاء لأنه لم يصغِ إلا لنفسه، ورفض التعاون مع القوى الثورية الموجودة، وأخطأ عندما قرَّب فصيلاً بعينه من أجل الإيقاع به وإضعافه على حساب التيارات الأخرى، وكانت النتيجة تلك الأزمة التى نمر بها وتهدد استقرار البلاد، ولكن ليس معنى ذلك أن نهدم أكبر وأقوى مؤسسة فى البلاد، تحت أى بند، يجب أن نلتف حول الجيش وأن نتحد، يريدون أن يقسمونا إلى فرق، ويريدون إضعافنا، فالاتحاد قوة، ويريدون أن ندمر بلادنا وأن نقضى على مؤسساتنا الحيوية بأيدينا بدون أى مجهود منهم، فهو مخطط قد رسم وجارٍ تنفيذه، وهو معروف، وللأسف نحن ننفذه بدون وعى، ونفعل ما يُطلب منا بكفاءة عالية، فالحرب المقبلة ليست حرب جيوش ولا أسلحة، بل هى حربٌ استراتيجية وفكرية، وأسهل الطرق لتفكيك وحدة الشعوب الجاهلة بالسياسة هو الأيديولوجيات والعقائد، فأفيقوا يا مصريون، فمصر فى خطر إن لم نتحد.