كان وجدان الناس وجدانا دينيا ولم تكن هناك عاطفة وطنية تجمعهم، وهذه الفترة مرت بكل الأمم والشعوب وما كانت الحروب الصليبية إلا تعبيرا عن هذا الوجدان الدينى، ولكنه ضل طريقه إلى الحروب والدم بدلا من المحبة والرفق. إذا كان الوجدان فى مصر دينيا بحتا وكان الدين والمشاركة فى العقيدة هو الشعور الذى يجمع الناس بعضهم إلى بعض، فكانت العلاقة بين المسلمين وأصحاب الديانات الأخرى خاصة المسيحيين كانت علاقة مودة وأخوة وجوار فى نفس الوقت فإن العلاقة بين المسلمين وبعضهم كانت لا تخلو من الشر والخصام والعنف وأحيانا الحرب. كان المسلمون يعاملون غير المسلمين بروح التسامح التى أوصاهم بها القرآن وكان غير المسلمين يقابلون هذا التسامح بالمحبة والإخلاص، فضلا عن أن المسلمين والنصارى واليهود كانوا يقعون تحت وطأة الظلم والجبروت، فهو كفيل بتوحيد عواطفهم إلى جانب المشاركة فى العمل والجوار والخلطة كل هذا وجده المسيحيون فى مصر فى وقت كان العالم كله أقرب إلى التعصب الدينى الأعمى والضيق منه إلى السماحة، وكانت آثار الحروب الصليبية ما زالت باقية فى وجدان كل مسلم. فى عز هذه الأحداث لم يجد غير المسلمين فى مصر إلا الأخوة والكرامة، أيضا كان النظام السائد فى ذلك الوقت سواء اجتماعى أو سياسى كان يجعل للنصارى واليهود سلطانا فى الدولة وعلى الشعب فإلى جانب شغلهم بالتجارة والصناعة كانوا أيضا يختصون بالشئون المالية فى الدولة فمنهم جباة الضرائب على الأراضى والمحاصيل وسلطتهم مطلقة كلمتهم نافذة ولا معقب لرأيهم وكان الكتبة والمباشرون من القبط غالبا ومن اليهود أحيانا، فهناك رجل يدعى إبراهيم الجوهرى كان بمثابة وزير المالية فى عهد محمد أبو الدهب وفى عهده بنيت الكنائس والأديرة ولما توفى جاء مكانه أخوه جرجس ونال من المكانة والجاه ما ناله أخيه، وكان يجلس مع علية القوم وينادونه بجرجس أفندى ويشرب الدخان فى حضرتهم ويشاورونه فى عظائم الأمور. ومن مظاهر الحب التى جمعت بين المسلمين والنصارى أن كاشف البحيرة من طرف محمد على باشا، قد قبض على السيد حسين نقيب الأشراف فى دمنهور وألزمه بدفع ألفين من الريالات وإلا قتله بعد24 ساعة، فلما عجز عن دفعها طلب من جيرانه النصارى دفعها عنه ففعلوا ونجا الرجل من الموت بفضل الحب. ومن الطرائف التى حدثت وتدل على وحدة المصريين بكل طوائفهم أنه فى إحدى السنوات جاء النيل ناقصا وانتظر الناس وفائه دون جدوى فانزعجوا ثم رأى العلماء أن يقيموا صلاة الاستسقاء فى جامع عمرو بن العاص فذهبوا ومعهم السيد عمر مكرم يدعون الله أن يوفى لهم النيل وزاد النيل قليلا فأشار البعض أن يشترك الأقباط فى الصلاة وحضر الأقباط وجلسوا فى ناحية من المسجد حتى أتم المسلمون صلاتهم ودعائهم ولم تمضِ ليلة واحدة حتى وفى النيل وغطى على المقياس وأقيم الاحتفال وفرح الاقباط وكانوا يقولون إن الزيادة لم تحصل إلا بعد خروجهم للصلاة مع المسلمين. أيضا فى سنة 1166 كان الشيخ عبد الله الشبراوى شيخا للأزهر وكان كبير الأقباط رجل اسمه نوروز فطلب من شيخ الأزهر أن يأذن لأقباط مصر بالحج إلى بيت المقدس، مجتمعين فكتب له الشيخ الشبراوى فتوى خلاصتها (إن أهل الذمة لا يمنعون من أداء شعائرهم الدينية أو زيارة أماكنهم المقدسة) كانت هذه قراءة فى علاقة المصريين ببعضهم وعلى اختلاف عقائدهم من خلال تاريخ الجبرتى (الجزء الأول \الفصل الثانى صفحة 154 إلى 162) ولا يسعنى أن أضيف شيئا إلى ذلك غير قوله تعالى( لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم فى الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين) صدق الله العظيم.