الموسيقى مشاعر وأحاسيس غير مرئية بل محسوسة، حركة تفاعل صادقة شبيهة بنبض الحب فى قلب الإنسان، لكنها لا تعيش إلا إذا كانت لها شخصية وأسلوب مختلف يميزها، وهذا ما صنعه موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب الذى تحتفل الأوساط الإعلامية والفنية تلك الأيام بذكرى رحليه الواحد والعشرين. كانت الموسيقى عند محمد عبد الوهاب موهبة يمتد منها العلم والمعرفة، تتجلى فيها دندنات الأوتار وسحر النغمات وصوت مياه الأنهار وحفيف أوراق الشجر، لتخلق روحا إبداعية فى التجدد الموسيقى بصوره التى رسمها بقلب طفل وطموح شاب وعقلية رجل حكيم. تميز موسيقار الأجيال بألحانه الفريدة فى جميع أشكال الأغنية العاطفية والوطنية والقصيدة المغناة، التى تعد من أصعب الألحان، ولعل هذا ما لفت إليه أنظار أمير الشعراء أحمد شوقى وكتب له قصائد عديدة منها "كليو باترا" و"مضناك جفاه مرقده"، ووضع عبد الوهاب موسيقى القصيدة العاطفية الخالدة "لا تكذبى" التى نزفها كامل الشناوى على صخرة الخيانة، وموسيقى قصائد "أغار من قلبى" و"الجندول" و"النهر الخالد"، بجانب الأغنيات العاطفية التى كتبت المجد لمطربيها، ولا ينسى له الجمهور لحن "فاتت جنبنا" غناء عبد الحليم حافظ وكلمات حسين السيد والتى أدخل فيها موسيقار الأجيال ألآت موسيقية جديدة أضافت للموسيقى الشرقية. وطوال رحلته الفنية اكتشف الكثير من المواهب فى مجال الطرب والغناء والكلمة أبرزهم الشاعر الغنائى حسين السيد الذى كتب له مجمل أغنياته، والعندليب الأسمر عبد الحليم حافظ والمطربة نجاة الصغيرة والموسيقار محمد سلطان وغيرهم. ولم يبك موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب على وفاة أحد من أصدقائه سوى العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ وعلّق قائلا: "فقدنا فنانا وإنسانا"، وأيضا عند وفاة الشاعر حسين السيد. عاش محمد عبد الوهاب طوال حياته فنا وموسيقى وعطاء، بصورة اختلط فيها الذكاء بالجمال بالروعة بالصدق، ورغم أنه كان يخشى الحسد إلا أنه قدم ما بوسعه فى كافة المجالات الفنية.