كيف ناقشت الكنيسة الأرثوذكسية قضية خلود النفس؟    لسد العجز .. محافظ الأقصر يعلن عن فرص عمل بالحصة في المدارس    نتيجة تنسيق المرحلة الثالثة 2024 عبر الموقع الإلكتروني.. الرابط وخطوات الاستعلام فور إعلانها    وزير الموارد المائية والري في زيارة مفاجئة للقليوبية    تصنيف مصر بالفئة الأعلى دوليًا بالمؤشر العالمي للأمن السيبراني    اختيار 15 مشروعا ب«الجيزة» للترشح للمباردة الوطنية للمشروعات الخضراء    وزيرة التضامن تبحث مع مدير بعثة الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية في مصر أوجه التعاون    شركة مياه قنا تعتذر لأهالي فرشوط.. عطل طارئ جاري الكشف عنه    رسائل مصرية قوية للمجتمع الدولي لوقف حرب غزة والسودان وترسيخ استقرار السلم والأمن الدوليين    روسيا تبطل أوراق اعتماد 6 دبلوماسيين بريطانيين في السفارة بموسكو    هل تستمر الحرب على غزة حتى موعد الانتخابات الأمريكية؟    رشقة صاروخية من جنوب لبنان تشعل حرائق في شمال إسرائيل    الخارجية الكويتية: اقتحام الأغوار الفلسطينية تصعيد خطير    الأهلي يخوض مرانه الأخير بالقاهرة قبل رحلة كينيا (صور)    وزير الرياضة يشهد مباراة مصر والمجر ضمن منافسات كأس ديفيز    حمد إبراهيم: إيهاب جلال كان متأثرًا بإقالته من منتخب مصر.. وهذه تفاصيل اللقاء الأخير    لامين يامال: لا أتناول المشروبات الكحولية    ضبط 7 قضايا مخدرات وتنفيذ 807 أحكام فى أسوان ودمياط    ضبط متهم بإدارة ورشة لتصنيع الأسلحة النارية والإتجار بها بسوهاج    ضبط متهم بإدارة كيان تعليمي بدون ترخيص بالقاهرة    الداخلية تواصل ضبط العناصر الإجرامية من حائزي ومتجري المواد المخدرة ب8 محافظات    إيرادات الأفلام أمس، "عاشق" في الصدارة و"إكس مراتي"بالمركز الثانى    محمد عبد الحافظ: والدي كان مشغولا بالهوية المصرية في أعماله الفنية.. فيديو    حسن الرداد وإيمي سمير غانم: تيجي نعمل مسلسل لرمضان 2025؟    أحاديث نبوية عن فضل يوم الجمعة.. تعادل صيام وقيام سنة كاملة    الصحة: صيانة دورية لمحطات معالجة مياه جميع وحدات الغسيل الكلوي    الطريقة الصحية لتناول حلوى المولد بدون أى مخاطر    تأمين صحي بني سويف ينفذ برنامجا تثقيفيا عن مرض جُدري القرود    تحرير 90 محضرا تموينيا وضبط 500 كجم أسماك مملحة ولحوم غير صالحة بكفر الشيخ    ضبط صاحب معرض وشقيقه للإتجار بسيارات ذوي الهمم    وزير البترول يبحث مع سفيرة الولايات المتحدة تعزيز التعاون من خلال الشركات الأمريكية العاملة بمصر    جوميز فى حوار ل قناة الزمالك.. الأهلى فريق قوى.. الزمالك يملك الشجاعة للتتويج بالسوبر الأفريقى.. أثق فى قدرات شيكابالا وعبد الله السعيد.. استمرار زيزو "رائع".. وأكبر مشكلة يواجهها الأبيض تتمثل فى التسريبات    «القاهرة وإيست لندن» تتعاونان لإطلاق برامج دراسية جامعية مزدوجة    صبا مبارك تهدي تكريمها للشعب الفلسطيني في افتتاح ملتقى ميدفست مصر (صور)    أكثر الأبراج حظًا يوم الجمعة 13 سبتمبر 2024    في دورة أحمد السقا.. مهرجان الإسكندرية المسرحي الدولي يطلق 7 ورش تدريبية    «الأوقاف» تفتتح 19 مسجدًا منها 15 جديداً في 11 محافظة اليوم الجمعة    للعام الرابع.. تعليم البحيرة يتصدر المركز الأول لضمان الجودة والاعتماد    نتيجة تنسيق المرحلة الثالثة 2024.. عبر موقع الوزارة الرسمي (استعلم بالرابط المباشر فور إعلانها)    الأرصاد: تحسن بالأحوال الجوية وانخفاض بدرجات الحرارة ورياح تلطف الأجواء    تأمين صحي بني سويف ينفد برنامج تدريبي تثقيفي حول مرض "جُدري القرود"    «كلام في السياسة» يناقش تعديلات قانون الإجراءات الجنائية الإثنين المقبل    احتفالا بالمولد النبوي.. «ولد الهدى فالكائنات ضياء» موضوع خطبة الجمعة اليوم    جوزيه جوميز: "ما حدث جنون.. واتحاد الكرة لم ينظم نفسه"    جوزيه جوميز يكشف.. نصحية فيريرا له.. وسر إغلاق تدريبات الزمالك    انتخابات أمريكا 2024.. ناشطة يمينة متطرفة بصحبة ترامب تثير غضب الجمهوريين    أونكتاد: العدوان الإسرائيلي على غزة وضع اقتصاد القطاع في حالة خراب    رئيس «الرعاية الصحية» يستعرض رحلة مصر نحو التغطية الصحية الشاملة    لأولياء الأمور، تعرف على موعد سداد القسط الأول للمصروفات بالمدارس    الأردن يدين الدعوات التحريضية الإسرائيلية لتفجير المسجد الأقصى المبارك    عيار 21 الآن.. سعر الذهب اليوم الجمعة 13-9-2024 بالصاغة    فلسطين.. قوات الاحتلال تداهم مبنى سكني في منطقة عزبة الجراد بطولكرم    عبدالناصر زيدان ينفي منعه من الظهور إعلاميا    بعد انهياره جزئيا.. إخلاء 4 عقارات مجاورة لعقار شبرا المنكوب    أحمد عمر هاشم يكشف حكم التسمية ب عبد النبي وعبد الرسول    نشرة التوك شو| أسباب زيادة نسبة الطلاق.. وضوابط جديدة رحلات العمرة    ليلة محمدية في حب خير البرية: وكيل أوقاف بالفيوم يشهد أحد عشر احتفالا بميلاد النبي "صلى الله عليه وسلم" بإدارة فيديمين    نصائح مهمة فى التمثيل من يسري نصر الله لطلاب كاستنج.. فيديو    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إسقاط
نشر في اليوم السابع يوم 26 - 08 - 2024

كان وجهها مصفرا، فى الثانية والعشرين من عمرها، وتبدو كأنها عجوز، تنحنى وتحمل كيس الجلكوز بين يديها الصغيرتين، كانت نظرتها تمتلأ ألما عظيما، لم تكن الزيارة مسموح بها، ولكن المال يفتح الأبواب المغلقة، كان بيننا حارس الأمن، اتكأت على كرسى، وهى تحدثنى، قرأت على صفحة وجهها الطفولى، ذلك البركان التى تحمله فى أحشائها الصغيرة، كانت حاملا فى الشهر الرابع، وقد توفى الجنين فى بطنها، منذ أيام، شق الألم بطنها نصفين، تتنفس جحيم، ممتزج بضيق رهيب.
كانت الخطوات التى مشتها كأنها تحمل صخور الأرض، قدميها سلستها أحجار الألم، فهى تخطو بصعوبة بالغة، كانت اللحظات دهور، تستشعرها، قالت فى صوت ضعيف، وعينيها تترجانى أبى أخرجنى من هنا، أريد الذهاب، قلت لها وقد تسربت أطنان من ألمها إلى نفسى وقلبى إلى أين؟ أن الألم داخل جسدك، وليس فى عنبر المستشفى، تحملى قليلا حتى ننتهى منه، كانت عينيها تنظر إلى الأرض فى أسف شديد، تتسآل، هل باعنى أبي؟ هل يريضيه ما أنا فيه من كرب شديد؟ لعلها قالت ذلك فى برهة من ضيقها المتواصل، كانت الابتسامة التى أحاول أن أخفف عنها بها ذابلة، وعيناى حائرتان فى مصابها وألمها الشديد، لحمها ودمها جزء صغير منها، كيس لا يتعدى الجرامات، كان أملا معقودا، ابتهجت له أيام، فإذا هو سراب، وموضع ألم منقطع النظير، يربك جسدها كله، كأنما هى على حافة بركان أنفجر، حين يخرج الأمل بجهد جهيد، تتفكك وتتعثر فى خطاها الوليدة ثمانية وأربعون ساعة والروح تقف فى الحلقوم والنار تشتعل فى أحشائها، لا تبرد لحظة واحدة، لا تستطيع أن تقف أو تمشى أو تنام، فوارن فى كل عصب من أعصابها، تشهق وقد أقترب الموت منها، وتتساءل فيما بينها وبين نفسها، أتكون النهاية، ألا يخرج إلا معلق بروحى، سمعتها تبكى بلا انقطاع، كلما رفعت الهاتف محاولا أن أبث فيها الأمل، وأن الأمر هان، ولم يعد إلا القليل، لكن صوتها وبكائها يطلق رصاصته فى القلب، وسهامه تنفذ، لتجعلنى أشلاء، ألملم نفسى سريعا وأصمد، وأحادثها بصوت أجش قوى، ولكن صوت الهاتف يضعضعنى بخفوت، صوت امرأة عجوز، انهكها الدهر والمرض.
فى مساء الليلة الأولى طاف عقلى حول ما تعانيه، هى على سريرها، وأنا جالس هنا فى هدوء أحتسى كوب من القهوة، كى أفيق ولا يغلبنى النوم، فأنا أعلم أننى لن أنام وربما لو حاولت، هاجمتنى الكوابيس، لتنغص على منامى، أن ألمها يخترق الجدران ليأتينى، هى فى الدور الرابع، وأنا فى قاعة الاستقبال أنتظر، إنها ليست قاعة، إنما هى خارج المستشفى، يبيت فيها أهل المرضى، دكك كما يقولون، وعليك أن تنام، إذا أردت جالسا، كانت الأمهات يفترشن الأرض ويتمددن، يسرقن لحظات من النوم، يخفف من تعبهن، كل واحدة تحاول أن تهرب من ألم ابنتها، وهى تضع مولدها، هى تعلم بالخبرة كم تعانى ابنتها هناك فلا تستطيع النوم، أو الراحة، اشتريت الجريدة، وأخذت أتصفحها أحاول أن أطرد الأفكار السيئة، وذلك الألم من مخيلتى، كان النوم يداعب جفونى، وكلما ههممت به امتلكتنى صورة صغيرتى، وهى تعانى ألمها بمفردها، بالقرب منى، وأنا عاجز عن أن أحمل عنها، ولو جزء صغير، أو أبدد خوفها، هى الآن تعد الثوانى، التى لا تنتهى، وأنا هنا أيضا، وكلانا فى هم شنيع، مرت كأعوام ثقيلة، فالزمن لم يتغير، تمر اللحظات على بعض الناس دون أن يشعروا بها، يحاولوا أن يستوقفوها، ولكن لا تنصت لأحد وتمر على أخرين، كأنها جبال ضخمة بأثقالها، يسترحمونها أن تمر، أن تسرع، أن تمضى، إذا بها أكثر ثقلا وتراخيا، لا تصغى لبكاء، ولا لآذان أحد، هو هو الزمن، فى مساء اليوم الثانى سقط من أحشائها ذلك الألم العنيف، لتنفرج الحياة قليلا.
ولحظات ثم دقائق وتعود الحياة إلى سابق عهدها، بعد أن أعطتنا درسا فى الألم والشقاء، درسا فى معنى البنوة، حين تتكئ على ظهر الآباء، فيكون حائطا صخريا، ويقف شامخ أمام الرياح، ولكن قدر ما يستطيع، فهناك أشياء نقف أمامها جميعا ضعفاء، لا حيلة لنا من الأمر أعطتها الحياة درسا، وأعطتنى درسا، أملتها درسا قاسيا فى الأمل والألم، وأملتنى درسا قاسيا فى ألم الشعور، الإحساس حين يحترق بألم الأبناء الصغار منهم والكبار، ما غرسه الله فينا، كى تستمر الحياة، بين الألمين، بين النقطتين، الحياة والموت، كيف هى الأمومة، التى تسلك إليها كل امرأة، درب من الأشواك والمعاناة، ما تبذله، إنها تحرس فى أرض الشقاء، كى تسمع صوت طفلها، يخرج من أحشائها، وتقف حارسة عليه، ليلا ونهارا تقيم أوده من صدرها، تنبته لحظة بعد لحظة، وتذب عنه كل الأعاصير وتقف فى وجه الأخطار، كى ينمو من لحمها ودمها، تتجرع غصص من الهلاك، كى يظل يتنفس، ويصبح رجلا.
عادت إليها الحياة، بعد أن غابت فى ظل الألم، يومين متتاليين، رأيتها، وقد دبت الدماء فى وجهها، وأخذ يعود إلى لونه الطبيعى، بعد أن أضمحل من فرط العياء، ابتسمت حين رأتنى وابتسمت لها فما أعظم أن تكون أبا صلبا، أمام كل خطر، جدير بكل امرأة أن ترفض، أن تكرر معاناتها وألمها، ولكنها تنتمى إلى الحياة والطبيعة، وتأمل فى أن يهب الله حملا أخر، رغم كل هذا التعب، قبلت صغيرتى ثم عدنا إلى البيت بفيض من دروس الحياة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.